محفوظ بن راشد الشبلي

mahfood97739677@gmail.com

 

يمر بنا عبر الزمن مواقف يصعب تبريرها ليس لأنَّ الحديث عنها صعب بقدر ما هي فشل في تجاربنا مع البشر، تستأذن شخصاً بالحديث معه بموضوع به إطراء لشخصه أو بالتلميح له بمزاياه التي يحملها كطيب قلبه أو حسن خُلقَه أو صفاء معدنه أو نقاء سريرته أو خصاله الحميدة أو جمال خِلقته التي وهبها الله إياها وجمّله بها عن غيره من سائر البشر، فتشدك تلك الصفات فيه إن اجتمعت أو تفرّدت وأثارت اهتمامك فيه، فتُحدثه وجهًا لوجه إن سمح الأمر بذلك أو عبر التواصل معه باحترام شديد لشخصه الكريم، وتبدأ بالاستئذان منه ومن ثم تطلب الوعد والعهد والميثاق والأمان والاطمئنان بالحديث معه، وتشترط عليه أن يبقى أمر المُحادثة بينك وبينه سرًا دون إفشائه للغير وأن لا يعلم به سوى اللّه سبحانه وتعالى الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وإلّا ستنسحب عنه وعن مُحادثته بالاعتذار له إن لم يُعاهدك ويعدك بالسّرية التامة لحديثك معه لإيصال المُبتغى من غرض التواصل معه.

فيُعاهدك ويَعدك ويُقسم بالله لك بالسّرية التامة في الأمر ويُعطيك الأمان بالحديث معه، وهُنا ستُفضي حديثك بأمان واطمئنان معه على ضوء ذلك العَهد الذي أقسمه مع الله ومعك بالسّرية التامة في الأمر، وهُنا تأتي الكارثة وكأنه أوقعك في فخّه الذي نصبه لك واستدرجك إليه بالحديث معه بعدما أعطاك الأمان ثم ينقضُ عهده ووعده ويفشي سِرّك لغيرك وكأنَّ عهده مع الله ومعك أصبح من قِبله هباءً منثورا والعياذ بالله.

إنَّ صفة نقض الوعود والعهود والمواثيق هي صفة من صفات اليهود والمنافقين وهي ليست صفة من صفات المسلم ولا يتصف بها المسلمون الأحرار، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة البقرة؛ حيث قال "أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" (100)، وكذلك تحريف الكلام عن مواضعه؛ سواء كان مكتوبًا أو مسموعًا أو مقروءًا هي أيضًا صفة من صفاتهم وقد ذكرها الله كذلك في كتابه في سورة النساء "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ" (46)، إذن فكلام الله واضح في أن صفة نقض العهود هي لليهود ولا يتصف بها غيرهم فلِما نقضت عهدك يا مُسلم؟

إنَّ كَنَّ الضغينة لمن تعرفه ويعرفك عِز المعرفة هي ليست من شِيم الشُرفاء الأنقياء، هذا إن كان أصلًا بينك وبينه ضغينة أو خِصام أو ثأر في أمر ما، فما بالك إن لم يكن بينك وبينه سوى الود والاحترام والتقدير، فلِما تُخالفون الله ورسوله في مَن أتاكم مُحبًا طائعًا مُخلصًا لكم يا مؤمنين؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" (34).

 

إذن فالأمر يحمل في طيّاته وابلًا من علامات الاستفهام، هل هي دسائس وخُبث من البعض أم هو سعي لتشويه سُمعة الناس وزعزعة ثقتهم به أم إن هُناك من يقف وراء تلكم الفئة لتوزّهم على ارتكاب حماقاتهم ضد الغير بدون مُبررات ولا تُهم ولزرع الفتنة والإهانة لهم، أمّا صاحب الشأن ألا تخاف الله ولا تستحي من نفسك كيف ستُقابل من تبلّيت عليه، وكيف سوّلت لك نفسك بأن تُهدّد أخاك بالقانون، فالقانون وُضع للاقتصاص من السارق والقاتل والمجرم والجاني وأخاك ليس سارقًا ولا قاتلًا ولا مُجرمًا ولا جاني، أفلا تحترم عِشرته الجميلة معك؟ أفلا تحترم أكلكما معًا على طاولة واحدة؟ أفلا تحترم حديثكما وضحكاتكما معًا وصوركما الجميلة التي التقطتماها معًا في مشاركاتكما وجلساتكما والتي لا زال يحتفظ بها في عقله قبل ذاكرة هاتفه، وماذا ستستفيد إن شوّهت سُمعة من أتاك يحمل لك وده وتقديره واحترامه لك؟ عذرًا يا أخي ويا أُختي فما هكذا تُدار الأمور وما هكذا تورد الإبل.

نستخلص من مقالنا هذا أن الدنيا قصيرة وهي يوم لك ويوم عليك فلا تُغرّر بك نفسك بالتبلّي على من فتح لك قلبه وفِكره وعقله وأعطاك الأمان وأعطيته الوعد والعهد والميثاق كي يُصافيك وتُصافيه ومن ثم تقلب الطاولة عليه لتنسف كل ثقته بك، فلا تدري لعل الله يبتليك مثلما تبلّيت عليه، ولو سامحك من تَبلّيك فكيف سيُسامحك الله وأنت الذي نقضت عهدك ووعدك معه؟ وكما ورد في أبيات الشِعر في القصيدة التي تُسند للإمام سعيد بن أحمد البوسعيدي الذي قال فيها:

أنت الذي حلّفتني وحلفت لِي

أغلظت بالأقسام حين عرفتني

أخلفتَ عهدك والعهود غليظة

وحلفت أنك لا تخون وخنتني

وحلفت أنك لا تميل مع الهوى

أين اليمين وأين ما عاهدتني

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أين صمام الأمان من أزمة مؤسسات الإعلام الإلكتروني في الأردن ؟

صراحة نيوز- كتب ماجد القرعان

 

من غير المعلوم والواضح من هي  الجهة التي تعتبر بمثابة صمام الأمان في الدولة الأردنية هل المحكمة الدستورية أم ديوان التشريع والرأي

 

وفي خضم البحث عن الجواب ذهب مختصون الى التأكيد بأن المحكمة الدستورية  تعتبر صمام الأمان بكونها دستوريا  تراقب دستورية القوانين والأنظمة وتحمي الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين من أي انتهاك تشريعي أو تنفيذي  من خلال تفسيرها للدستور وإصدار أحكامها الملزمة التي تضمن سيادة القانون وتطور الفقه الدستوري.

 

وجاء في التفسيرات التي تم رصدها انها  من حيث الرقابة على دستورية القوانين  فإنها تتولى مراقبة مدى توافق القوانين والأنظمة مع نصوص الدستور  وفي حال وجود تعارض  تصدر أحكاماً بعدم دستوريتها.

 

وفي مجال حماية الحقوق والحريات فإنها تعتبر أداة فعالة في حماية الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين من أي انتهاكات قد تصدر عن السلطات المختلفة.

 

وبخصوص تفسير نصوص الدستور فإن  لها دور محوري في تفسير نصوص الدستور مما يضمن تطبيقها بشكل صحيح ويساهم في توحيد الاجتهاد الدستوري.

 

وبالتالي فمن المفترض انها  تضمن سيادة الدستور  بأحكامها النهائية والملزمة لجميع السلطات  وتضمن سمو الدستور كأسمى سلطة في الدولة.

 

كما انها في مجال تطوير الفقه الدستوري  تُسهم أحكامها وقراراتها التفسيرية في تطوير الفكر القانوني الدستوري وترسيخ ثقافة احترام الدستور.

 

وبإختصار فإنها وبحسب تفسيرات المختصين تمثل الضامن الأساسي لحماية النظام السياسي والقانوني للدولة  والمؤسسة التي تلجأ إليها السلطات والمواطنون لضمان احترام الحقوق والحرّيات الأساسية.

 

 

وبالمقابل لدينا  ديوان الراي والتشريع الذي  صدر بنظام  خاص   عام 1993 ليكون الجهة المختصة بدراسة وصياغة التشريعات وتقديم الاستشارات القانونية، ويرتبط مباشرة برئيس الوزراء .

 

وبحسب نظامه  فهو  جهة مستقلة إدارياً ومالياً  يرتبط  برئيس الوزراء ويتولى  إعداد ومراجعة مشروعات القوانين والأنظمة  وتقديم الاستشارات القانونية للجهات الحكومية  والمساهمة في تحديث وتطوير التشريعات لضمان وضوحها وفعاليتها  وإعداد الدراسات والبحوث القانونية  وصياغة القرارات والتعليمات التنظيمية.

 

وتتمثل مهامه ومسؤولياته بدراسة مشروعات القوانين والأنظمة وتعديلها  وصياغتها  وله المبادرة في اقتراح مشروعات جديدة أو تعديلات على تشريعات قائمة وابداء الراي في الاستشارات القانونية المقدمة من الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية  بما في ذلك حالات الاختلاف في وجهات النظر أو تطبيق النصوص القانونية اضافة الى المساهمة في تحديث التشريعات القائمة وتطويرها  مما يعزز كفاءة التشريع واستقراره ويساهم في تحقيق العدالة وفي اعداد البحوث والدراسات ويعقد الندوات والمحاضرات في المجالات ذات الصلة بالتشريع  وصياغة القرارات والتعليمات التنظيمية العامة ووضعها في إطارها القانوني المناسب.

 

 

وجاء في تفسيرات العديد من المختصين ان أراء  ديوان الرأي والتشريع غير ملزمه  في العديد من  الحالات  بكونه  يتم تقديم هذه الآراء لغاية اسناد الجهات المعنية إليها في قراراتها  لكنها لا تعتبر قرارات تنفيذية إلزامية بحد ذاتها ما لم تكن هناك نصوص قانونية تشريعية أخرى تفرضها حيث  يقوم الديوان بتقديم الآراء القانونية حول القوانين والتشريعات لضمان استمرارية العمل الحكومي ووضوح القانون.

 

وأقرب  مثال أزمة شركات المواقع الإخبارية الإلكترونية مع نقابة الصحفيين المعروضة على ديوان الرأي والتشريع ليبدي رأيه في قانونية فرض نقابة الصحفيين على  الهيئات الإعتبارية ( شركات المواقع الإلكتروينة المسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة والتي مرجعيتها القانونية هيئة الإعلام  ) دون استنادها على نص قانوني وفي مخالفة صريحة لمهام النقابات المهنية في المملكة التي هدفها رعاية مصالح اعضائها من الأفراد المنتسبين اليها .

ليبقى السؤال من يُفسر ومن يوضح ؟

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: النبي ﷺ أنسب الناس والله أثنى عليه وشرَّف مكانه وزمانه
  • فتاوى وأحكام| هل وفاة الجنين تشفع لوالديه؟.. ما حكم ترك المسكن في فترة العدة بسبب عدم الأمن؟.. كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟
  • كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟..الإفتاء تجيب
  • فتاوى| ماذا يحدث لمن صبر عند البلاء والكرب؟.. زوجت نفسي بعقد رسمي وبدون ولي فهل زواجي صحيح؟.. كيف أعرف الحائل الذي يمنع صحة الطهارة؟
  • فرع بورسعيد لـ "الرعاية الصحية" نموذج للأمان الدوائي
  • فيضانات المكسيك تخلف عشرات القتلى والمفقودين
  • ما الذي يقوي العلاقة بين الزوجين؟.. احرصا على هذا الأمر ولو مرة يوميا
  • حزب الوعي: مصر شريان حيوي للقضية الفلسطينية وصمام الأمان للمنطقة
  • الصلاة الكاملة على النبي صلوات الله عليه وسلم
  • أين صمام الأمان من أزمة مؤسسات الإعلام الإلكتروني في الأردن ؟