بعد 7 سنوات من النزوح.. إبراهيم يعود إلى قريته في ريف إدلب
تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT
عقب سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد أواخر العام الماضي، بدأت طلائع العائدين تظهر على طرقات النزوح الطويلة، محملة بما تبقى من أمتعة وذكريات، وكثير من الأمل.
وفي ريف إدلب شمال غرب البلاد، كانت الشاحنة الصغيرة التي تقل عائلة إبراهيم العزو (41 عاما) واحدة من تلك القوافل التي اختارت العودة، بعد سنوات من الغياب القسري خلف أسوار المخيمات.
وبعد 7 سنوات قضاها مع أسرته في مخيم للنازحين بريف حلب، حيث أنشأ مسكنا متواضعا في المخيم، وحاول بشق الأنفس تأمين لقمة العيش لأطفاله الستة، يعود إبراهيم برفقتهم جميعا، ويقول إن البرد في الشتاء كان لا يُحتمل، والحر في الصيف لا يُطاق، لكن الأصعب من كل ذلك كان الإحساس بالغربة.
وفي حديثه، يروي إبراهيم أن فرحته بالعودة إلى قريته "معصران" لا توصف، رغم الخراب الذي طال منزله، مضيفا أن العودة في حد ذاتها مكسب يعوّض كل شيء، وأنه بدأ بالفعل ترميم البيت وإعادة الحياة إليه، كما ينوي إعادة فتح متجره الصغير الذي أُجبر على إغلاقه قبل سنوات.
ورغم أن عددا من العائلات بدأ العودة فعلا، لا تزال كثير من الأسر في المخيمات، عاجزة عن تأمين تكاليف العودة أو إعادة إعمار بيوتها المدمرة.
وتأتي هذه التطورات في ظل جهود تبذلها الإدارة الجديدة في دمشق لتسهيل عودة المهجّرين، وسط جهود ووعود بإعادة الإعمار وتحسين الخدمات في المناطق المتضررة.
إعلانوكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في يناير/كانون الثاني الماضي أن نحو نصف مليون سوري عادوا إلى مناطقهم خلال الأشهر الأخيرة، منذ سقوط النظام أواخر عام 2024.
وبينما تبقى تحديات الإعمار وتحسن الظروف الاقتصادية قيد الاختبار، يصرّ إبراهيم وأمثاله على اعتبار العودة بداية جديدة، وبارقة أمل في طريق الخروج من سنوات النزوح الطويلة، التي أنهكت الجسد وأثقلت الذاكرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
من النزوح إلى الزراعة.. حكايات نساء في لبنان حوّلن الحرب إلى فسحة للحياة
في الجنوب اللبناني، حيث تتعانق أشجار الزيتون مع ذاكرة النزوح، تتشكل ملامح قصة مقاومة ناعمة، بطلاتها نساء لم يستسلمن لقسوة الحرب، بل نهضن من بين ركام التهجير ليزرعن بذور الأمل في تربة جديدة.
وفي مدينة صور، التي تختزن في زواياها تاريخًا عريقًا وحضارة موغلة في القدم، وجدت زينب مهدي ملاذها بعد أن اضطرتها الحرب لترك بلدتها الناقورة. فزينب، التي كانت يومًا صاحبة أرض ومواسم، تنحني اليوم فوق التربة بأنامل متشققة، تعمل بجد وإصرار لإعادة نبش الحياة من جديد.
تقول للجزيرة نت "منذ بداية الحرب وأنا نازحة، ومنذ عام ونصف العام أعمل في هذا المشروع" وتضيف أن هذا العمل ليس مجرد مصدر دخل، بل "بداية حياة جديدة" تعيد فيها بناء ذاتها وتفتح صفحة من الأمل بعد سنوات من الألم والتهجير.
وليس المشروع الذي تحتضنه أرض صور تقليديًا، بل هو مبادرة بيئية واجتماعية وُلدت من رحم الأزمة، هدفها تمكين النازحات ماديًا ونفسيًا، وفتح أفق جديد لهن بعيدًا عن الارتهان للمساعدات العاجلة. وفي هذا المكان، تتلاقى التجارب والهموم، لتتحوّل المعاناة إلى طاقة خلاقة تنبض بالحياة.
وتتابع زينب "ساعدنا المشروع على التخفيف من أعباء الحياة، أصبحنا نعيش بكرامة، ونجد فيه مساحة للراحة من ضغوط البيت، من وجع الأولاد ومشاكل الأزواج، التقينا نساء يشبهننا، نسمع لبعضنا البعض، ونتشارك الهموم والتجارب".
وفي هذا الحقل، تتعلم النساء كيف يُروى الزرع بماء الصبر والمعرفة. وبعيدًا عن المبيدات الكيميائية التي أضرت بالتربة والهواء، يزرعن زراعة عضوية، ويحوّلن بقايا الخضار والأعشاب إلى سماد طبيعي يُعرف بـ"الكومبوست" يعيد خصوبة الأرض.
وتوضح زينب بثقة "نصنع مبيدتنا بأيدينا، من الأعشاب المحيطة مثل الزنزلخت، الدفلى، والريحان، ننقعها ونرشقها على المزروعات، تطرد الحشرات وتحمي الثمار، وكل شيء طبيعي مئة بالمئة".
على طرف آخر من الحقل، تزرع عبلة مصطفى سويد أكثر من مجرد خضراوات، تزرع الأمل والحياة. وهي النازحة من بلدة ضهيرة في الجنوب، حيث كانت الحرب سببًا في مغادرتها لأرضها، لكنها لم تفقد عشق التراب. وفي هذا المشروع وجدت فرصة لإعادة بناء نفسها واستعادة هويتها.
إعلانوتقول عبلة للجزيرة نت "كنا نزرع، لكن لم نكن نعرف كيف نحافظ على الرطوبة أو نستفيد من التبن. وهنا تعلمنا أن التبن يغطي التربة، يمنع نمو الأعشاب، ويوفر الماء. تعلمنا كيف نحافظ على كل نقطة ماء، وكيف نزرع بوعي".
وفي منطقة تعاني من شح الموارد وقسوة الظروف، أصبحت الزراعة شكلًا من أشكال المقاومة، مقاومة للنسيان والتهميش والجفاف. وتضيف عبلة بابتسامة يملؤها الفخر "المشروع أعطانا خيرًا من الأرض ومن داخلنا. وعلى هذه الأرض لا تُزرع الخضرة فقط، بل تُزرع كرامتنا وفرص جديدة للحياة".
أما حنان محمد سويد، وهي نازحة أخرى من ضهيرة، فتعبّر عن تعلقها العميق بالأرض التي هجرتها قسرًا، لكنها لم تهجر قلبها، وتقول "نحب أن يبقى لبنان أخضر لكن للأسف كل شيء يتلاشى، لا زيتون، لا زراعة في بلدتنا. لكن ربما إذا زرعنا اليوم هنا، نستطيع أن نحافظ على أرضنا".
وتشارك حنان للمرة الأولى في مشروع "بذور صور" لكنها تشعر بأن روحها سبقتها إلى هذا المكان، وتقول "تعلمنا طرقًا جديدة للزراعة، خاصة كيفية استخدام التبن لتغطية التربة والحفاظ على رطوبتها. عندما نعود إلى قريتنا، سنعيد الزراعة كما كانت، بل أفضل".
وتسترجع ذكرياتها قبل التهجير وتقول "كنت أملك أرضًا أزرع فيها كل شيء: خضراوات، بقدونس، بندورة، فليفلة. ولم أكن أشتري شيئًا، كل ما أحتاجه كان من أرضي" وتضيف بابتسامة "اليوم، تعلمنا كيف نستخدم مواردنا بشكل أفضل، وهذا يعلمنا كيف نزرع بوعي ومسؤولية".
وتحت ظل شجرة زيتون، تجلس ملك مصطفى تروي للجزيرة نت جزءًا من فصل جديد في حياتها، أعادت اكتشافه في هذا المشروع، وتقول "كنا نزرع كما نعرف، لكن لم نكن نعلم فوائد التبن أو الرماد أو السماد العضوي. تعلمنا كيف نعيد استخدام بقايا الطعام والخضار لصناعة سماد طبيعي يعيد الحياة للتربة".
وتتابع ملك التي تمتلك خبرة طويلة مع الأرض وتقول "كانت لي أرض أزرع فيها التبغ، الخضراوات، والقمح والشعير، وأملك بعض الماعز. الأرض لم تكن غريبة عني، لكن هنا تعلمنا أن نرى الزراعة من زاوية مختلفة، صرنا نزرع بأيدينا، ونتعلم أساليب جديدة ومفيدة أكثر".
وتشير إلى أطراف الحقل حيث تنمو أعشاب خضراء بهدوء "تعلمت كيف نصنع الكومبوست والنقوع، واستخدام التبن، وأعشاب لطرد الحشرات. أشياء بسيطة لكنها تصنع فرقًا كبيرًا".
وبحس عميق تقول "كنا في أمسّ الحاجة إلى هذا المشروع، لم يكن مجرد زراعة، بل حياة بدأت تنبت من جديد".
حلم أخضر يتجاوز الحدودوراء هذه القصص الإنسانية، يقف مشروع "بذور صور" برعاية "الحركة الزراعية في لبنان" وتشرف عليه سارة سلوم التي تؤكد أن المشروع يسعى لتحقيق هدفين رئيسيين: تمكين النازحات عبر تدريبهن على الزراعة المستدامة الخالية من المواد الكيميائية، وتوفير مصدر دخل دائم يكفل الاستقلالية والكرامة.
وتوضح سلوم -في حديثها للجزيرة نت- أن المشروع يشمل كامل سلسلة الإنتاج الزراعي، من إنتاج بذور محلية وإكثارها، إلى التصنيع الغذائي. وتستخدم الخيم الزراعية مشاتل لإنتاج الشتول التي تخدم منطقة صور واتحاد بلدياتها، مع تركيز خاص على الأشجار المثمرة، لا سيما الأنواع البرية المهددة بالاندثار جراء العدوان الإسرائيلي.
إعلانوتتابع "المستفيدات الأساسيات هن نازحات من القرى الحدودية، ومعظمهن مزارعات يحملن معرفة زراعية محلية. نأمل أن تُنقل هذه الخبرات إلى قراهن الأصلية حين تسمح الظروف بالعودة".
وتختم سارة حديثها بالإشارة إلى طموح يتجاوز حدود المشروع القائم "نحن نسعى إلى تعميم هذا النموذج ليُنفّذ في كل بلدة، بحيث تنتقل المعرفة الزراعية من منطقة إلى أخرى، وتوزَّع البذور والأغراس البلدية على القرى كافة، ليبقى لبنان أخضر رغم كل التحديات".