مع تزايد حوادث العنف التي بات أبطالها - أو ضحاياها - أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة، يطرح الشارع المصري تساؤلات مهمة حول جدوى قانون الطفل الحالي، وما إذا كان بحاجة إلى تعديل يعكس واقعًا اجتماعيًا جديدًا تتداخل فيه جرائم غير مسبوقة مع تأثيرات الدراما و«السوشيال ميديا».

لقد شهد العام الماضي وحده أكثر من سبعة آلاف جريمة ارتكبها أطفال، بينما لا تزال العقوبات المقررة لهم تدور بين التوبيخ والإيداع في مؤسسات الرعاية، دون بلوغ مستوى الردع المطلوب.

لقد عرّف القانون المصري الطفل بأنه من لم يكمل عامه الثامن عشر، وحدد له عقوبات مخففة في حالة ارتكاب الجرائم، كما حدد جهات ودور رعاية يتم تأهيله فيها عند ارتكاب جريمة، وتتدرج عقوبة الطفل المتهم ما بين التوبيخ واللوم أو إعادته إلى أهله مع التعهد برعايته، أو الإيداع في دور التأهيل، ولا يُحبس الطفل في جرائم القتل أو الجنايات، ولا يُعاقب بالسجن المشدد أو الإعدام أيًا كانت الجريمة التي ارتكبها، وفق نصوص القانون.

لكن ارتفاع وتيرة الجرائم المرتكبة بواسطة الأطفال، يفتح الباب أمام سؤال جوهري: هل يجب تغليظ العقوبات؟ وهل أصبح النزول بسن المسؤولية الجنائية إلى 16 عامًا ضرورة لحماية المجتمع وأطفاله معًا؟

في البداية تقول الدكتورة رجاء عبد الحميد، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة الأهرام الكندية: إن هناك اختلافًا كبيرًا بين طفل التسعينيات وطفل الألفية الجديدة، بل وحتى بين أجيال السنوات العشر الماضية، فكل ما يدور حول الطفل اليوم يتحرك بسرعة كبيرة، وأطفال العصر الحالي يشاهدون الحروب ضمن ألعابهم الإلكترونية.

وتشير إلى أنه قبل سنوات قليلة، عندما كان الطفل ينجح، كنا نكافئه بساعة أو كتاب أو لعبة تُنمّي ذكاءه، أما اليوم فأصبحت الهدية «موبايل»، يعزله عن العالم ويجعله مستهلكًا أكثر منه منتجًا.

وتضيف: إن طفل اليوم يبحث عن المظاهر أكثر مما كان في الماضي، فبينما كنا في صغرنا نلجأ لإصلاح الحذاء أو الحقيبة عند تمزقهما، أصبح طفل اليوم يبحث عن «براند» شهير، ولا يخرج من البيت إلا بكامل أناقته، ويتركز اهتمامه على مظهره وتقليد «البلوجرز» والفنانين والمشاهير، ولتحقيق هذه الصورة التي يحلم بها، قد يفعل أي شيء أو يرتكب أي جريمة تحت ضغط التقليد فقط.

ويرى المحامي بالنقض ناصر عمر، أن الجرائم التي يرتكبها الأطفال في السنوات الأخيرة، وإن كان للعنف والتقليد الأعمى لما يشاهدونه عبر «السوشيال ميديا» وغياب الرقابة والقدوة دورٌ كبير فيها، إلا أن العقوبة المخففة نظرًا لكونهم أطفالًا تجعلهم يفعلون ما يحلو لهم دون رادع أو خوف.

مشيرا إلى أن النزول بسن المسؤولية الجنائية من 18 إلى 16 عامًا قد يساهم بشكل كبير في الحد من بعض الجرائم، إلى جانب التوعية المجتمعية وتسليط الضوء على ضرورة تغليظ العقوبة. فالمحاكمة أمام جهات التحقيق العادية ستكون رادعًا قويًا للأطفال قبل الإقدام على أي جريمة.

ويقول الدكتور محمد عمر الرفاعي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة بني سويف: إن مرتكب الجريمة إذا لم يتجاوز 18 عامًا تُطبَّق عليه عقوبات مخففة حددها الدستور، فهو يُعاقب بالتوبيخ أو بتسليمه إلى أهله إذا كان عمره بين 12 و15 عامًا، وقد يُحبس في بعض الجرائم، لكنه لا يُسجَن ولا يُحكم عليه بالإعدام أو السجن المشدد حتى وإن كان مرتكبًا لجريمة قتل، وقد نصت المادة 122 من قانون الطفل على أن محكمة الطفل هي المختصة دون غيرها بالنظر في أمر الطفل المتهم، كما حددت المادة 80 من الدستور سن الطفل بما دون 18 عامًا.

مشيرًا إلى الارتفاع الكبير في جرائم الأطفال، مؤكدًا ضرورة إعادة النظر في سن المسؤولية الجنائية، لأن الحدث عندما يصل إلى 16 عامًا يكون مدركًا تمامًا لما يفعله، والدليل على ذلك جريمة طفل الإسماعيلية الذي خطط ونفّذ ومَحا آثار جريمته كما يفعل المجرمون المحترفون.

ويرى الدكتور أسامة محمدين، أستاذ القانون بجامعة الأزهر، أن العام الماضي 2024 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الأطفال المحكوم عليهم داخل المؤسسات العقابية، فقد وصلت جرائم الأطفال إلى 7 آلاف جريمة، شكّل الذكور 70٪ منها، وإذا استمر هذا الارتفاع، فإنه يصبح من الضروري النزول بالسن القانونية، خاصة أن تطبيق العقوبات المخففة خلال السنوات الماضية جعل المجرمين يستغلون الأطفال في نشاطهم الإجرامي.

وتتفق مع هذا الرأي الدكتورة هند عبد الغفار، أستاذ القانون الجنائي بجامعة طنطا، مشيرة إلى أن تجار المخدرات يستغلّون الأطفال لأنهم يعلمون أنهم سيعودون إليهم سريعًا بعد فترة قصيرة من ضبطهم، قائلة: لقد رأينا بين البلوجرز المقبوض عليهم أطفالًا صغارًا يقومون بأعمال مخالفة للقانون عبر منصات السوشيال ميديا، ويجنون الأموال، ويتم استغلالهم في عمليات غسل الأموال دون أن يتعرضوا لعقوبات رادعة بسبب حداثة سنهم.

وأضافت: إن الظروف الاجتماعية القاسية وغياب الرقابة والقدوة، إلى جانب تأثير الإعلام العنيف، عوامل دفعت العديد من الأطفال إلى الانحدار نحو مستنقع الجريمة. ولابد من وجود نصوص مكملة للعقوبات وتغليظها، حتى يخشى الأهالي على أبنائهم، ويعلم الطفل أن للجريمة عقابًا كبيرًا. فكما كان تغليظ العقوبات رادعًا للكبار، فإنه سيكون - بلا شك - أكثر تأثيرًا على الصغار.

وأخيرًا، تعلق الدكتورة عزة سليمان، الاستشاري الأسري والتربوي، بقولها: لابد من النظر إلى أسرة المجني عليه في أي واقعة يرتكبها طفل، فوالدة المجني عليه في حادث الإسماعيلية ناشدت المسؤولين بإعدام قاتل ابنها الذي مثّل بجثته وقام بطهوها.

ومن الناحية النفسية، فإن الجاني خرج من طور الطفولة وبراءتها، وأقدم على جريمته بكامل قواه العقلية، وكان واعيًا ومدركًا لما يفعل، بل اعترف بأنه كان يقلد ما شاهده ونفذه بالفعل.

مضيفة: في حالات أخرى مماثلة، نجد الطفل الجاني مدركًا تمامًا لأفعاله ومُصرًّا عليها، مما يجعل النزول بسن المسؤولية إلى ١٦ عامًا ضرورة ملحّة، لأنه سيدفع مرتكب الجريمة في هذا العمر إلى التفكير ألف مرة قبل الإقدام على فعلها، كما سيقضي على استغلال الأطفال في الجرائم، ويؤهل المجتمع للتعامل مع من تجاوز السادسة عشرة باعتباره مسؤولًا قادرًا على تحمل تبعات أفعاله.

اقرأ أيضاًحبس عامل في واقعة التحرش بأطفال مدرسة بالإسكندرية

خبير علوم جنائية يُطالب بالإعدام علنًا لوقف اغتصاب الأطفال

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأطفال دور الرعاية قانون الطفل العقوبات العنف ضد الأطفال حوادث العنف أطفال ا

إقرأ أيضاً:

يجب تغليظ العقوبة.. علاء مبارك يعلق على جريمة التحرش بأطفال في مدرسة سيدز الدولية وسط تفاعل

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أثار علاء مبارك نجل الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك تفاعلا، الاثنين، بتدوينة انتقد فيها ما وصفها بـ"جريمة التحرش" والاعتداء على الأطفال في مدرسة "سيدز" الدولية، منتقدا خبرا يفيد بإحالة القضية إلى النيابة العسكرية.

وأثار حادث الاعتداء الجنسي على أطفال في مدرسة "سيدز" الدولية جدلا واسعًا في مصر، مثيرا تساؤلات حول أمن وسلامة الأطفال في المدارس.

وقال علاء مبارك عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، تويتر سابقا،:"جريمةً التحرش وهتك عرض الأطفال تعتبر من أبشع الجرائم ضد الإنسانية، تهدم بناء المجتمع وتبث الخوف والرعب على النشئ والطفولة، المصيبة أن ما حدث في مدرسة سيدز من اعتداءات وحسب ما تم نشره من تحقيقات هى اعتداءات امتدّت لفترة طويلة! أين كانت المدرسة من كل هذا، وأين مدير المدرسة وأين المشرفين على هؤلاء الأطفال الصغار؟".

وأردف نجل الرئيس المصري الراحل: "لذلك يجب تغليظ العقوبة، ليس فقط على مرتكبي الجريمة، لكن على كل المسؤولين داخل المدرسة، لأن الموضوع أكبر وأعمق بكثير من مجرد فرض عقوبات أو حتى إغلاق المدرسة، لأنها جريمة بشعة تسبب صدمة نفسية كبيرة للطفل وللأسرة قد يحملونها معهم طوال حياتهم"، حسب تعبيره.

وكتب أحد مستخدمي منصة "إكس"، تويتر سابقا على خبر نشرته وسائل إعلام رسمية مصرية يفيد بأن النيابة العسكرية طلبت تحويل ملف القضية إليها، قائلا: "تم تحويل القضية للنيابة العسكرية بمجملها".

وردا على ذلك كتب علاء مبارك عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس": تويتر سابقا: "النيابة العسكرية؟ ليه! إيه دخل النيابة العسكرية في الموضوع؟!"، حسب تعبيره.

وأثارت تدوينة علاء مبارك تفاعلا على منصة "إكس"، وجاءت أبرز الردود كالتالي:

وتقدم أولياء أمور 5 طلاب ببلاغات، تبعتها شكاوى أخرى، حول تعرض عدد من الأطفال بمدرسة "سيدز" الدولية لممارسات مؤذية واعتداء جنسي، عقب استدراجهم إلى أماكن معزولة داخل المدرسة شملت الممرات الخلفية وغرفة خدمات مغلقة.

وحققت النيابة العامة في البلاغات، وأعلنت القبض على أربعة متهمين وإحالتهم للحبس الاحتياطي لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيقات، مع عرض الأطفال على مصلحة الطب الشرعي لإجراء الفحوص وتوثيق الشهادات الطبية، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام محلية.

مقالات مشابهة

  • يجب تغليظ العقوبة.. علاء مبارك يعلق على جريمة التحرش بأطفال في مدرسة سيدز الدولية وسط تفاعل
  • ياسمين عبده تكتب: من يحمي أطفال مصر الآن؟
  • تحرك عاجل في قضية مدرسة سيدز الدولية.. النيابة العسكرية تتسلم ملف التحقيقات
  • ورشة عمل للنيابة العامة حول التحقيق والملاحقة بالجرائم الإلكترونية ضد الأطفال
  • النيابة تتعاون مع الإنتربول وجوجل وتيك توك لمنع ابتزاز الأطفال والفتيات
  • يونيسيف تحذر: آلاف أطفال غزة يواجهون سوء تغذية حاد
  • إيداع 15 طفلا في دار ملاحظة بعد ضبطهم في أوضاع استجداء بشوارع الأقصر
  • اليونيسف تحذّر من خطر يُهدّد حياة أطفال غزة مع دخول فصل الشتاء
  • إنذار للأهالي.. خبراء يكشفون علامات خفية للتحرّش بالأطفال