سالم بن حمد الحجري

في مشهد يتكرر في شوارع العواصم الكبرى، من نيويورك إلى لندن، ومن كيب تاون إلى كوالالمبور، يخرج الناس إلى الساحات حاملين صور غزة تحت الركام، وأصواتهم تهتف للعدالة وتدين الاحتلال، هذه المظاهرات التي اندلعت ردًا على الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، ليست مجرد موجة عاطفية عابرة؛ بل هي تعبير سياسي وإنساني بالغ الدلالة.

المتظاهرون، من خلفيات وأديان وثقافات متعددة، يوحّدهم موقف أخلاقي ضد الإبادة، وضد صمت العالم وتخاذله. لقد بات واضحًا أنَّ هذه الاحتجاجات لم تعد فقط وسيلة لإفراغ الغضب، بل تحوّلت إلى أداة ضغط حقيقية تُحرج الحكومات، وتدفعها إلى مراجعة مواقفها وتحالفاتها، فالصور القادمة من غزة تمثل أبشع صور الإبادة الجماعية، بيوت مدمّرة وأطفال تحت الأنقاض، ومشافي تقصف وحتى مستودعات الطعام وأماكن الإيواء، وحصار ومنع لدخول مسببات الحياة من غذاء ودواء كلها مشاهد تهز الضمير العالمي، ولكن ما يُعطي هذه الصور وزنًا سياسيًا هو ذاك الصوت الجماهيري الذي يصرخ: "كفى"!

إنَّ ما نراه اليوم هو شكل من أشكال المقاومة العابرة للحدود، مقاومة لا تحمل سلاحًا، لكنها تملك سلاح الرأي العام والمقاطعة والدعوة للمحاسبة، هذه المقاومة لا تنتمي لجغرافيا محددة؛ بل إلى ضمير الإنسان، وفي زمن التواطؤ الرسمي والصمت الإعلامي الممنهج، يصبح هذا الحراك الشعبي بمثابة وثيقة حيّة تُدون الرواية الحقيقية، وتعيد تعريف مفاهيم مثل العدالة والكرامة والحرية، واصطفاف بجانب الحق الذي تمثله القضية الفلسطينية.

ورغم محاولات الاحتلال المستمرة لتشويه الصورة وخلط الأوراق، إلا أن الشارع لا يُخدع بسهولة؛ بل إنه يزداد وعيًا وتنظيمًا، ويجعل من كل مظاهرة منصة للفضح والمساءلة، ومن كل لافتة رسالة تتجاوز الحدود، ولكن، كما يعوّل الاحتلال على تفوقه العسكري، فإنه أيضًا يعوّل على تعب الناس ونسيانهم واعتيادهم على المشهد المتكرر للمجازر وآثار المجاعة والنزوح، لذا فإنَّ استمرار هذا الصوت، وتنامي زخمه، لم يعد ترفًا نضاليًا؛ بل ضرورة إنسانية عاجلة، فالصوت العالي وغضب الجماهير ليس مجرد ضجيج؛ بل هو رأي عام صادق يُمكن ترجمته إلى موقف سياسي ودبلوماسي يمكن أن تستثمره الحكومات؛ باعتباره مطلبا شعبيا وورقة ضغط دولي في المؤسسات الدولية الراعية للأمن والسلم، ويبني تحالفا دوليا يدفع إلى وقف الحرب ويُربك غرف السياسة المغلقة، ويمنح المقهورين أملًا، ويُبقي الذاكرة حيَّة، وكما يقول نيلسون مانديلا: "دائمًا ما يبدو المستحيل كذلك... حتى يُنجَز".

"لن نترك غزة وحدها" قالها الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وهو ما يجب أن يكون بكل وسائل المقاومة المتاحة، فلا بُد للقيد أن ينكسر.

لأجل غزة، لأجل العدالة، لأجل الإنسان... فلنُبقِ الصوت عاليًا.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال: ألحقنا أضرارا جسيمة بالمشروع النووي الإيراني.. والهدنة قرار سياسي

أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن عن إلحاق أضرار جسيمة بالمشروع النووي الإيراني، وذلك خلال العملية العسكرية التي نفذها داخل الأراضي الإيرانية في الفترة الأخيرة.

السفارة الأمريكية في إسرائيل تستأنف عملياتها بعد وقف إطلاق النار مع إيرانإيران تعتقل 700 شخص بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.. وتصادر 10 آلاف مسيرةسكان إسرائيل يودّعون الملاجئ بعد 12 يومًا من «الجحيم تحت الأرض»

وقال المتحدث باسم الجيش إن العملية استهدفت مواقع ومنشآت تعتبر جزءاً من البرنامج النووي الإيراني، مضيفاً أن الأضرار التي لحقت بهذه المنشآت كانت “كبيرة ومؤثرة”.

تقييم نتائج العملية لا يزال جارياً

وأشار الجيش إلى أن تقييم نتائج العملية لا يزال جارياً، مؤكداً أن الوقت لا يزال مبكراً لاستخلاص نتائج نهائية أو الإعلان عن نجاح كامل للعملية.

وأضاف أن قرار وقف إطلاق النار مع إيران لم يكن قراراً عسكرياً، بل اتخذته القيادة السياسية في إسرائيل، بما يتماشى مع اعتبارات استراتيجية أوسع، دون أن يوضح تفاصيل إضافية حول مضمون هذه الاعتبارات.

طباعة شارك إسرائيل وإيران إسرائيل حرب الإسرائيلية الإيرانية

مقالات مشابهة

  • الضغوط باتجاه إنجاز صفقة في غزة
  • إعلام العدو: رهان “إسرائيل” على مجموعة “أبو شباب” بغزة يواجه فشلاً ميدانيًا
  • “الأغذية العالمي”: المساعدات التي وصلت غزة منذ أيار أقل من احتياجات يوم واحد للسكان
  • أحمد حلمي: مصر أكتوبر جاهز لخوض الانتخابات.. ونسعى لبناء وعي سياسي حقيقي في الشارع
  • كمائن المقاومة.. استراتيجية فاعلة لإيلام الاحتلال
  • الفلاحي: المقاومة تركز على ضرب الآليات التي يصعب تعويضها خلال الحرب
  • “الأغذية العالمي”: المساعدات التي ادخلت أقل من حاجة غزة وتكفي ليوم واحد
  • حماس تكشف سبب فشل التوصل لإنهاء الحرب في غزة
  • جيش الاحتلال: ألحقنا أضرارا جسيمة بالمشروع النووي الإيراني.. والهدنة قرار سياسي
  • هل ننتظر أن تُهدى الوزارة جائزة جديدة لا يعرف المواطن قيمتها، بينما يمشي فوق أرصفة متهالكة؟ هل نحتاج إلى لجنة دولية تذكّرنا بأن شارع الملك عبد الله الثاني يجب أن يُزيَّن لا أن يُنسى؟! نعم، شارع الملك عبد الله الثاني لا بد أن يكون: ممرًا أخضرًا بالأشجار وا