اليمن.. قوة صاعدة تتحدى الغطرسة الأمريكية
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
يمانيون../
رغم الفارق الهائل في موازين القوى من حيث التسليح والاقتصاد والتأثير السياسي، استطاع اليمن أن يفرض نفسه لاعبًا إقليميًا صعب التجاهل. فشل القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها المعلنة في اليمن، يُظهر أن مفاهيم “القوة” لم تعد تُقاس فقط بالترسانة العسكرية، بل بالقدرة على الصمود، وتغيير المعادلات، وفرض الإرادة في ميدان الصراع.
فبينما كانت الولايات المتحدة – وهي أكبر قوة عسكرية في العالم – تخطط وتنفذ حملة عسكرية واسعة على اليمن بذريعة حماية الملاحة الدولية، تكشّف الواقع عن صورة مغايرة لما كانت تروج له الماكينة الإعلامية الغربية. فمع كل غارة جديدة، وكل إعلان عن “عملية نوعية”، كان اليمن يعلن عن عمليات مضادة أشد تأثيرًا، سواء في البحر الأحمر أو عبر استهداف مواقع إستراتيجية في عمق الجغرافيا المعادية. لقد تجاوز الأمر مجرد معركة تكتيكية؛ نحن أمام صراع يثبت فيه اليمن – برغم الحصار وفارق الإمكانيات – أنه قادر على فرض معادلات جديدة في المنطقة.
الولايات المتحدة، منذ أن بدأت عملياتها العسكرية الأخيرة منتصف مارس 2025، شنت المئات من الغارات الجوية خلال الأسابيع الثلاثة الأولى بلغت تكلفتها أكثر من مليار دولار، واستهدفت مناطق واسعة في المدن والقرى اليمنية. ومع ذلك لم تتوقف العمليات اليمنية، بل زادت في التحدي والجرأة، حيث طالت الهجمات سفنًا مرتبطة بالولايات المتحدة و”الكيان”، ومنعت بشكل مباشر حركة التجارة الصهيونية والأمريكية في البحر الأحمر. ليس هذا فحسب، بل إن القوات المسلحة تمكّنت من إسقاط أكثر من عشرين طائرة أمريكية مسيّرة من طراز MQ-9 Reaper، باستخدام صواريخ محلية الصنع، وهو ما عُدّ إنجازًا عسكريًا واستخباراتيًا يعكس تطور القدرات الدفاعية في اليمن رغم الحصار الخانق والمستمر منذ سنوات.
في سياقٍ موازٍ، بدأت الأصوات من داخل الولايات المتحدة نفسها تعلو محذّرة من جدوى هذه الحرب. فقد أقرّ مسؤولون عسكريون وسياسيون بأن العمليات الجوية المكثفة لم تُحقق أهدافها، بل استنزفت الذخائر دون نتائج ملموسة. تقرير نُشر مؤخرًا أشار إلى أن الولايات المتحدة أنفقت مبالغ باهظة في عمليات لم تُحدث أي تغيير استراتيجي في سلوك “الحوثيين”، بل على العكس، منحهم ذلك مبررًا أقوى لتوسيع رقعة المواجهة، وتعزيز حضورهم السياسي والإعلامي في مواجهة الهيمنة الغربية، حسب وصفهم.
الواقع على الأرض أيضًا يعزز هذا التقييم؛ فبحسب تقارير ميدانية، أسفرت الغارات الأمريكية منذ منتصف مارس فقط عن مقتل أكثر من 120 مدنياً دون أن تؤدي إلى إضعاف حقيقي لقدرات اليمن أو تعطيل هجماته المتكررة على القطع البحرية. في المقابل، أظهر اليمن قدرة واضحة على التأثير في الاقتصاد العالمي من خلال تهديد الملاحة الصهيونية في أحد أكثر الممرات البحرية أهمية، مما أجبر شركاته الكبرى على تغيير خطوط الإمداد، ورفع كلفة التأمين والنقل، وهو ما انعكس سلبًا على الأسواق الإسرائيلية.
من هنا، يبدو أن اليمن لم يعد مجرد ساحة صراع هامشية، بل تحوّل إلى لاعب يصوغ معادلات جديدة في الأمن الإقليمي والدولي. تطور قدراته في التصنيع العسكري، وبراعته في إدارة المواجهة النفسية والإعلامية، فضلًا عن تموضعه كقوة مقاومة تتبنى قضايا مركزية مثل فلسطين، جعله محل متابعة واهتمام إقليمي واسع. ورغم محدودية موارده، استطاع أن ينتقل من موقع الدفاع إلى موقع التأثير، محوّلاً كل غارة وعدوان إلى ورقة في رصيده السياسي والإعلامي.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد تحدٍ لقوة عسكرية عظمى، بل هو إعادة تعريف لمفهوم القوة في القرن الحادي والعشرين. فاليمن، بما يمثله من صمود وقدرة على التحمل والمبادرة، يثبت أن الإرادة السياسية والمشروعية الشعبية يمكن أن تتغلب على التقنية والجيوش المدججة، بل يمكنها أن تُحرجها وتكشف محدوديتها أمام العالم.
السياسية || محمد محسن الجوهري
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
كاتبة أمريكية: اليمن يحقق سابقة تاريخية في كسر هيبة البحرية الأمريكية
يمانيون |
في اعتراف أمريكي لافت، كشفت الكاتبة الأمريكية إيفلين هارت عن حجم الخسائر التي تكبدتها البحرية الأمريكية في مواجهتها الأخيرة مع القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، مؤكدة أن اليمن استطاع توجيه ضربة غير مسبوقة لهيبة القوة العظمى للبحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
هارت، وفي مقال نشرته على موقع إنديان ديفينس ريفيو العسكري، أوضحت أن المواجهات الأخيرة أسفرت عن إسقاط ثلاث طائرات مقاتلة من طراز F/A-18 سوبر هورنت، قُدّرت قيمتها الإجمالية بنحو 180 مليون دولار، وهو ما شكّل خسارة مادية ومعنوية بالغة التأثير.
وأشارت إلى أن عودة حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس هاري إس ترومان إلى قاعدتها في نورفولك بولاية فرجينيا، بعد مهمة استمرت ثمانية أشهر في البحر الأحمر، كشفت عن سلسلة إخفاقات استراتيجية وفنية في صفوف البحرية الأمريكية، رغم أن الحاملة كانت جزءًا من مجموعة ضاربة نُشرت لتعزيز الردع الأمريكي في المنطقة، ونفذت أكثر من 11 ألف طلعة جوية معادية على اليمن والصومال، وأسقطت ما يزيد على مليون رطل من الذخائر.
لكن، ورغم هذا الحجم الهائل من العمليات، أكدت الكاتبة أن القوات المسلحة اليمنية نجحت في الحفاظ على الحظر المفروض على الملاحة الصهيونية عبر باب المندب، ما أجبر السفن التجارية على تغيير مساراتها إلى رأس الرجاء الصالح، وهو ما يُظهر محدودية قدرة البحرية الأمريكية على فرض سيطرتها وتأمين الملاحة.
وأوضحت هارت أن هذه الحوادث تعكس مشكلات منهجية في التدريب والصيانة والقيادة داخل الأسطول الأمريكي، مشيرة إلى أن وزارة الحرب الأمريكية أمرت بإجراء مراجعة شاملة لعمليات حاملات الطائرات، بما يشمل بروتوكولات السلامة ومناولة الطائرات وآليات القيادة.
ونقلت عن الأدميرال كريستوفر غرادي، رئيس العمليات البحرية، قوله إن ما حدث “لا يعكس معايير التميز التي نتوقعها من أسطولنا”، معتبرة أن هذه التطورات تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل حاملات الطائرات في ظل التحديات غير المتكافئة، والحاجة الملحّة لتطوير استراتيجيات جديدة تتلاءم مع طبيعة الحروب البحرية الحديثة.
وبحسب هارت، فإن ما جرى في البحر الأحمر ليس مجرد حادثة عسكرية عابرة، بل مؤشر على تحوّل كبير في موازين القوة البحرية، مع بروز قوى إقليمية – وفي مقدمتها اليمن – قادرة على إرباك وإضعاف منظومات الردع التقليدية الأمريكية.