كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر تطورات العدوان على غزة والمستجدات الإقليمية والدولية 26 شوال 1446هـ / 24 أبريل 2025م.

كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان على غزة وآخر التطورات الإقليمية والدولية 26 شوال 1446هـ 24 أبريل 2025م#سيد_القول_والفعل#ثابتون_مع_غزة pic.

twitter.com/wQAhsQbzLT

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) April 24, 2025

أعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في تطــورات العــدوان الإسرائيلي الهمجـي الغاشـم، على الشعـب الفلسطينـي في قطــاع غــزَّة، في هــذا الأسبــوع:

استشهد وجرح ما يقارب الـ(ألف) من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، أكثرهم من النساء والأطفال، وما يقارب (ألفي شهيد) منذ العدوان المتجدد، الذي تجاوز الشهر، وكذلك أكثر من (خمسة آلاف جريح) في العدوان المتجدد منذ أكثر من شهر.

جرائم وحشية يرتكبها المجرمون اليهود الصهاينة، ويحرقون خيام النازحين عليهم بالقنابل الثقيلة الأمريكية، فيما يسمونه بالمناطق الآمنة، التي يعطون الأمان لمن ينزح إليها من أبناء غزَّة، ومن تلك الجرائم الوحشية والفظيعة: قصف خيام النازحين في (مدرسة يافا) بالقنابل الثقيلة، وحرقهم وهم نيام في خيامهم المتهالكة، وشُوهِدَت مشاهد مؤلمة للغاية للأطفال، وقد تفحَّمت جثامينهم بالقصف الإسرائيلي.

العدو الإسرائيلي، مع الإبادة الجماعية يستمر أيضاً في تدمير المنظومة الصحية، والسعي لإنهاء هذه الخدمة؛ ولـذلك تم الإعلان بالأمس عن وفاة 40% من المرضى الذين يعانون من مرض الكلى، يستهدف أي بقايا من الوحدات والمراكز الصحية، كما استهدف بالأمس (مستشفى الدُّرَّة للأطفال)، واستهدف فيه غرفة العناية المركزة، يستهدف المسعفين، يستهدف كل ما يتعلَّق بالخدمة الصحيَّة، من كوادر صحيَّة، مستشفيات… وغير ذلك.

فيمـا يتعلَّـق بالتجويـع، الذي يعتمد عليه الإسرائيلي، كوسيلةٍ من وسائل الإبادة للشعب الفلسطيني، والضغط لتهجيره القسري من قطاع غزَّة، يستمر العدو الإسرائيلي في الحصار التام، والشامل، والمطبق في قطاع غزَّة، لأكثر من خمسين يوماً، يمنع دخول كل المواد الغذائية، وكل الأدوية، وكل المستلزمات الطِّبيَّة، والوقود، بل ويركِّز على قصف أي شيءٍ موجودٍ منها في داخل قطاع غزَّة، وتدميره وإحراقه.

يستمر العدو الإسرائيلي أيضاً في تدمير كامل القطاعات الخدمية، في هذا الأسبوع قام بقصفٍ طال مُعِدَّات وآليات الإنقاذ في بلدية غزَّة، الآليات التي كانت دخلت في فترة الهدنة، بعد الاتِّفاق؛ لإزالة الأنقاض ورفعها، وانتشال الضحايا من تحتها، قام بقصفها وتدميرها قبل أن يتاح لها أن تعمل، وبالأمس كانت تُسمع نداءات الاستغاثة من تحت الأنقاض، في بعض الأماكن التي قام العدو بقصف المدنيين فيها، ودون أن تتمكن فرق الإنقاذ من إنقاذهم؛ نتيجةً لتدمير تلك المُعِدَّات اللازمة لرفعها.

يستهدف أيضاً فرق الإنقاذ بنفسها، العدو الإسرائيلي يركِّز على الاستهداف لهم.

فيمــا يتعلَّـق بالأســـرى أيضـــاً: العدو الإسرائيلي يستمر في نهجه العدواني تجاههم، وفي هذا الأسبوع استشهد أحد الأسرى، ليرتفع عدد الشهداء من الأسرى إلى (أربعةٍ وستين شهيداً) منذ بداية العدوان على قطاع غزَّة، حسب الإحصائية المعلنة من هيئة شؤون الأسرى، فيما يصل إليها من معلومات، الله أعلم في واقع الحال كم العدد؟!

العدو الإسرائيلي يعامل الأسرى بالتعذيب، والقمع، والاضطهاد، والإهانة، والإذلال، وكل الانتهاكات لحقوق الإنسان، مع الإهمال الطبي أيضاً، كل وسائل التعذيب مع الإهمال الطبي في نفس الوقت.

أمام كل هذا العدوان، والبلطجة، والإجرام، والوحشية الإسرائيلية، لا يزال الإخوة المجاهدون في قطاع غزَّة صامدين، ثابتين، ومن الواضح في التكتيكات التي يعتمد عليها العدو الإسرائيلي، منذ استئنافه للعدوان قبل أكثر من شهر، أنه يتهيَّب كثيراً من المواجهة المباشرة مع الإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة؛ ولـذلك يعتمد بشكلٍ أساسي على التدمير الشامل، والإبادة الجماعية للناس، ويحرص على التقدم، ويعتمد أسلوب التقدم في المناطق المكشوفة والمفتوحة، التي ليس فيها سواتر للقتال، ويعتمد أيضاً على التجريف بشكلٍ كامل، فكل هذا مما يدل بشكلٍ واضح على تهيُّبه من المواجهة المباشرة مع الإخوة المجاهدين، وعلى مدى صمود الإخوة المجاهدين، وثباتهم، واستبسالهم، وفاعليتهم، فالعدو يتهيَّب من مواجهتهم المباشرة، بالرغم من كل ما يمتلكه من إمكانات وقدرات عسكرية، وبالرغم من ظروفهم هم الصعبة، ظروف الإخوة المجاهدين، وإمكانياتهم المحدودة جدًّا، فالعدو الإسرائيلي يعتمد الاستهداف والإبادة الجماعية، كأسلوب في تعامله، وسعيه لتحقيق أهدافه هناك.

في هـــذا الأسبـــوع:

نفَّذت (كتائب القسام) عدداً من العمليات وكمائن الموت، ومنها: (كمين كسر السيف)، الذي نفَّذته كتائب القسام ضد قوات العدو الإسرائيلي، ونتج عنه قتلى وجرحى من الجنود الصهاينة، هذا الكمين نُفِّذ بالقرب من السياج الحدودي، شرق (بلدة بيت حانون) في أقصى شمال قطاع غزَّة، ولهذا مدلول مهم، أن يُنَفَّذ هذا الكمين في تلك البقعة.

كذلك نفَّذت (كتائب القسام) عدداً من العمليات في (حي التفاح)، وفي شرق (خان يونس).

والمواجهات المباشرة هي محدودة نوعاً ما، كما قلنا: لتهيُّب العدو الإسرائيلي من المواجهة المباشرة، يعتمد بالدرجة الأولى:

على الإبادة الجماعية للمدنيين.

على التدمير الشامل.

على التجريف.

على الدخول في المناطق المفتوحة.

وذلك يدل- كما ذكرنا بوضوح- على الفاعلية العالية، والجدوى المحقَّقة المؤكَّدة الواضحة للجهاد والمقاومة.

كذلك نفذت (سرايا القدس) عدداً من العمليات ضد قوات العدو الإسرائيلي، منها: ما استهدفت به القوات المتوغِّلة في قطاع غزَّة، عبر القصف بالقذاف في شمال غزَّة (في حي التفاح)، وكذلك في جنوبها (في رفح).

في عجز العدو الإسرائيلي عن تحقيق إنجازات عسكرية ملموسة، انكشف أيضاً تضليله، فيما كان يقدمه كإنجازٍ عسكريٍ في اكتشاف الأنفاق وتدميرها، ما يسمى بوزير الدفاع الصهيوني السابق [غالانت] اعترف: أن ما تم نشره في وقتٍ سابق من صور، على أنها لأنفاق في محور رفح، لم يكن سوى خندقٍ عاديٍ بعمق مترٍ واحد، واعترف أن قوات كيانه هي من قامت بتغطية تلك القناة، التي كانت في الأصل قناةً خاصةً بتصريف المياه، فقاموا بتغطيتها بالتراب؛ من أجل تصويرها كفتحة نفق، والزعم أنها لتهريب السلاح، هذه فضيحة، العدو الإسرائيلي يلجأ إلى الأكاذيب، وإلى المسرحيات التي يصوِّر بها إنجازات عسكرية؛ لأنه عاجز عن تحقيق إنجازات عسكرية فعلية.

الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، للمدنيين، القتل للأطفال والنساء، التدمير للأحياء السكنية، التدمير للمستشفيات والمدارس، الاستهداف للنازحين في خيامهم، لا يعتبر إنجازاً عسكرياً، مهما بلغ، ومهما كان حجم الإجرام فيه؛ إنما هو رصيد إجرامي فظيع ومتزايد، له تبعاته، وله عواقبه السيئة.

كذلك كان من فضائحهم وانكشاف تضليلهم في هذا الأسبوع، فيما يتعلَّق بعنوان مهم يعتمد عليه العدو الإسرائيلي، في عدوانه الهمجي، والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة: (عنوان الأسرى)، الذي يتجلَّى بوضوح أنه لا يمثل أهمية حقيقية لدى [المجرم نتنياهو]، ولدى زمرته المجرمة معه، في هذا الأسبوع كان هناك تصريح لمن يسمونه بوزير المالية، قال فيه: [أن إعادة الأسرى من غزَّة ليست الهدف الأكثر أهمية]، وهذا أثار ضجة لدى الإسرائيليين؛ لأنه يكشف عن استهتاره بحياة الأسرى من الإسرائيليين، وأنه لا يبالي بهم هو ومن معه من تلك الزمرة المتوحشة، المجرمة، اليهودية الصهيونية؛ إنما أهدافهم الحقيقية هي: التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غزَّة؛ وإلا كان مسار التبادل للأسرى كان مساراً ناجحاً في إطار الاتِّفاق الذي تم سابقاً، وكانت الدفع تخرج وفق الاتِّفاق ومساره، ولكنهم هم من انقلبوا على الاتِّفاق، بتشجيعٍ أمريكي، وحمايةٍ أمريكية؛ ليستمروا في عدوانهم، ولاسيَّما بعد أن تبنى [ترامب] بشكلٍ علني مسألة التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غزَّة؛ فزادت أطماعهم وآمالهم بتحقيق هذا الهدف الظالم.

فيمــــا يتعلَّــق بالضِّفَّــــة الغربيــــة:

هناك تصاعد وبشكل كبير داخل كيان العدو الإسرائيلي، في الحديث عن مسألة الضم للضِّفَّة الغربية، ويترافق مع ذلك خطوات عملية للضم التدريجي، وهذه مسألة واضحة، في النشاط الذي يسمونه [النشاط الاستيطاني]: الاغتصاب للأرض في الضِّفَّة الغربية، وإنشاء وحدات سكنية لليهود الصهاينة المغتصبين عليها.

هذه العملية الاستيطانية الاغتصابية هي متصاعدة بشكل كبير على مدى هذه السنوات، ومنها في هذا العام، وتمَّت المصادقة على آلاف الوحدات الاستيطانية، لاغتصاب مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية في الضِّفَّة الغربية، وهذا يكشف بكل وضوح أنه ليس هناك أي أمل في مسار التسوية؛ لأن العدو الإسرائيلي يسعى إلى فرض حقائق على الأرض، تقطع المجال أمام أي شيء يتعلَّق بهذه المسألة تحت عنوان تسوية، ومفاوضات سلام… وغير ذلك.

يستمر العدو الإسرائيلي في الضِّفَّة الغربية في عمليات القتل بشكلٍ يومي، وعمليات الاختطاف بشكلٍ واسع، وهدم المنازل، وتخريب البنية التحتية:

نفَّذ العدو الإسرائيلي في هذا الأسبوع حملات اختطاف واسعة في (جنين)، وفي (الخليل).

نفَّذ عمليات هدم وتفجير للمنازل في (القدس)، وفي (الخليل)، وفي (رام الله).

يواصل المغتصبون الصهاينة أيضاً عمليات البلطجة، وحرق المحاصيل الزراعية في (جنوب الخليل)، وسرقة شبكات ومضخات المياه الخاصة بالفلسطينيين، كما حصل في (الأغوار) في شرقي الضِّفَّة الغربية، والاعتداء على مركبات المواطنين الفلسطينيين، على مركبات الشعب الفلسطيني في مناطق متفرقة من الضِّفَّة، كما حصل في (بيت لحم) بالأمس.

التصرفات الدنيئة والعدوانية لقطعان المستوطنين المغتصبين، دائماً ما تكون بحماية من العصابات الإجرامية الإسرائيلية، التي تسمى بـ[الجيش الإسرائيلي]، وهي سلوك يومي، لاضطهاد الشعب الفلسطيني وتعذيبه.

في (جنين)، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من العدوان، يستمر العدو الإسرائيلي في هدم المنازل، وتخريب وتجريف البنى التحتية، وواضح أن لدى العدو الإسرائيلي برنامجاً عدوانياً تدميرياً لإنهاء المخيمات في الضِّفَّة الغربية.

المخيمات في الضِّفَّة الغربية لها أهمية كبيرة جدًّا، فهي منشآت سكنية لأبناء الشعب الفلسطيني المهجَّرين مما يسمى بـ(أراضي عام ٤٨)، ومن مناطق محتلة في فلسطين في أنحاء متعددة، فالعدو الإسرائيلي يسعى إلى تدميرها، والسيطرة عليها، وفي هذا السياق الذي تحدثنا عنه: أنه يسعى إلى فرض حقائق على الأرض فيما يتعلَّق بالضِّفَّة الغربية، تساعده على السيطرة التامة، والضم الشامل بعد مراحل معينة.

عمليات التدمير، والتجريف، والاعتداءات، والقتل في (مخيم جنين)، تضررت منها قرابة (ثلاثة آلاف وحدة سكنية)، تسببت في نزوح أكثر من (واحد وعشرين ألف فلسطيني)، والوضع مشابه في (طولكرم) ومخيماتها، في (نابلس) شمال الضِّفَّة الغربية، العدو الإسرائيلي يشن عدوانه بشكلٍ مستمرٍ ومتواصل.

فيمــا يتعلَّــق بالاستهـــداف للمسجـــد الأقصـى:

خلال الأيام الماضية، رفع العدو الإسرائيلي من وتيرة الاستهداف للمسجد الأقصى، تعتبر عمليات الاقتحام فيما يسمى بـ[عيد الفصح] هي أكبر عمليات الاقتحام التي قد شهدها المسجد الأقصى، حيث وصل العدد لأكثر من (سبعة آلاف يهودي مغتصب)، ويتصاعد من يومٍ إلى آخر.

كذلك تم نشر فيديو من جانب الإسرائيليين، تحت مسمى [العام القادم في القدس]، يصوِّر عملية نسف المسجد الأقصى، وبناء ما يسمونه بالهيكل المزعوم، هذا الأسلوب الإسرائيلي هو أسلوب معتمد لدى العدو الإسرائيلي تجاه العرب: أسلوب الترويض، والتهيئة الذهنية والنفسية لتقبُّل ما لا ينبغي تقبُّله على الإطلاق، تقبُّل اعتداءات كبيرة، جرائم كبيرة، المهدد هنا هو: المسجد الأقصى، من أعظم مقدَّسات المسلمين وأهمها، وما لا ينبغي السكوت تجاهه أبداً، ولكن العدو الإسرائيلي هو يشتغل في كل المسارات:

الإبادة الجماعية، ويريد أن يحوِّلها إلى حالة معتادة لدى العرب والمسلمين بشكلٍ عام، إلى مشهدٍ روتينيٍ اعتياديٍ يوميٍ، لا يبنى عليه أي ردة فعل، ولا أي موقف مسؤول.

كذلك في مسألة التهجير، ومساعيه للتهجير، نظير ما يفعله في الضِّفَّة الغربية، في مخيماتها ومدنها.

وهكذا مساره فيما يتعلَّق بالمسجد الأقصى.

في مرحلة من المراحل، عندما قام [المجرم شارون] بالاقتحام لباحات المسجد الأقصى، قامت انتفاضة فلسطينية كاملة، وفي نفس الوقت كان مستوى التفاعل في الشعوب العربية والإسلامية بشكلٍ عام في تلك المرحلة بمستوى أفضل، من حيث التضامن، المظاهرات، ظهور حالة الغضب، والتفاعل، والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

الحالة الآن مختلفة، يدخل الآلاف من اليهود الصهاينة المجرمين لاقتحام المسجد الأقصى، والرقص في باحاته، يدخل من كبار المجرمين معهم أيضاً، من يطلقون أيضاً تصريحات استفزازية عدوانية، ويدنسون باحات المسجد الأقصى، والحالة العامة في الأوساط العربية (رسمياً، وشعبياً) قد تصل- بالنسبة لبعض الأنظمة- إلى إصدار بيانات، وهي حالة لم يعد لها أي اعتبار ولا قيمة؛ لأنه لا يقترن بها أي خطوات عملية ولو في الحد الأدنى، كما نكرر كثيراً، ولو في مستوى المقاطعة الاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية، ولو في مستوى التَّوجُّه الإيجابي نحو الشعب الفلسطيني، ومساندته بشكلٍ حقيقيٍ وفعلي، بدعمٍ ملموس؛ إنما الحالة حالة راكدة، حالة جامدة بالنسبة للأنظمة العربية؛ إمَّا قِمَّة يصدر عنها بيان، ولا يترافق معه أي موقف عملية؛ وإمَّا كذلك بيانات تعلن في وسائل الإعلام بلهجة باردة، دون أي خطوات عملية.

العدو الإسرائيلي عندما قام بهذه الخطوة، التي هي: تصوير لعملية نسف للمسجد الأقصى، تمثيل، لكنه يحاول من خلال ذلك- كما قلنا- التهيئة الذهنية النفسية؛ لأنه من المعلوم لدى الجميع أن هذا من أهم الأهداف العدوانية للعدو الإسرائيلي: استهداف المسجد الأقصى، قضية أساسية بالنسبة لهم، في مخططهم الصهيوني، العدواني، الإجرامي، ولكنهم وقد عرفوا النفسية العربية، التي ابتعدت عن المسار الصحيح في التعبئة والتربية الإيمانية، وفي مستوى الوعي، واتَّجهت نحو الانحدار والهبوط في كل شيء: على مستوى الوعي، على مستوى الروحية الإيمانية والجهادية، والتربية الإيمانية والأخلاقية والقيمية، وأصبحت المؤثرات الأخرى تؤثِّر على المستوى النفسي، وعلى مستوى التَّوجُّهات والآراء والمواقف، مع الوقت؛ لأن هناك عمل كبير وراءه اليهود، ووراءه أذرعتهم، التي تعمل لصالحهم في مسار الحرب الناعمة، المفسدة، المضلَّة، التي يستهدفون بها الأُمَّة جمعاء في كل شيء: على المستوى الفكري، والثقافي، والنفسي، يستهدفون بها شباب الأُمَّة؛ لتمييعهم وتضييعهم، يستهدفون بها شعوب هذه الأُمَّة؛ لصرف اهتماماتهم عن كل قضاياهم المهمة، ولقتل الضمير الإنساني في هذه الأُمَّة.

هذا المسار هو مسار خطير، العدو الإسرائيلي هو يخطط ويعمل وفق مراحل معينة، ويشتغل معه الأمريكي في ذلك، كلاهما لهما نفس الأهداف، التَّوجُّهات، المواقف، هما وجهان لعملةٍ واحدة، المخطط الصهيوني هو مخططٌ مشترك ما بين الأمريكي والإسرائيلي.

الأمريكي في مسار دعمه المستمر للعدو الإسرائيلي، أيضاً هو مسار مكثَّف، وهو في هذا السياق يتحرَّك وفق جسر جوِّي، فيما تباهى الإعلام الإسرائيلي به، أنه قطار جوِّي أمريكي، يحمل شحنات كبيرة من الأسلحة، تصل إلى فلسطين بشكلٍ يومي، عشرات الطائرات، بمعدل (ست طائرات شحن كبيرة) في اليوم الواحد، مع كل ذلك، مع ما يقوم به العدو الإسرائيلي من إبادة جماعية يومية مستمرة، ما يقوم به في الضِّفَّة الغربية، وفيه درس واضح حتى للسلطة الفلسطينية، ترى العدو الإسرائيلي وهو لا يحترم أي شيء مما كان من اتِّفاقات بينها وبينه.

كذلك مساره العدواني والخطير جدًّا تجاه المسجد الأقصى، سعى العدو الإسرائيلي ومعه- وللأسف الشديد- بعض الأبواق العربية، التي تعمل معه إعلامياً، وتسنده إعلامياً، عملوا خلال هذه الفترة الماضية على تأليب الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة ضد الإخوة المجاهدين، حاولوا أن يحرِّضوا، أن يشوِّهوا، أن يدفعوا البعض للتحرُّك، في تأليبٍ لهم ضد الإخوة المجاهدين، وضد مسألة المقاومة والجهاد والسلاح.

شيءٌ غريب جدًّا في داخل هذه الأُمَّة، لدى بعض الأنظمة الرسمية، ولدى بعض القوى والمكونات، التي لا تمتلك رؤيةً صحيحة، لا بالاستناد إلى الوقائع والأحداث، ولا بالاستفادة من مسار هذا الصراع ما بين العدو الإسرائيلي وبين العرب، ما فعله مع الشعب الفلسطيني في كل المراحل الماضية، منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإلى اليوم، ليس هناك استفادة لا من الوقائع والحقائق والتاريخ، ولا استفادة أيضاً من القرآن الكريم، ومن الحقائق المعروفة لدى البشر: أن ما يفيد كل شعب هو أن يمتلك القوة، قوة الردع في حماية نفسه، وأن يسعى لأن يكون قوياً، وأن يحافظ على أي عناصر قوة يستفيد منها في الدفاع عن نفسه، وعن حقوقه.

والشعب الفلسطيني مستهدفٌ في كل شيء، يباد ويُقتل، وفي نفس الوقت تغتصب الأرض، وتنتهك المقدَّسات، تنتهك الحرمات، هو أحوج ما يكون إلى المزيد من القوة، إلى المزيد من التسليح، إلى المزيد من التحاق قوافل أخرى من أبناء الشعب الفلسطيني بالصف الجهادي، ليكونوا مجاهدين في سبيل الله، إلى التحرك الواسع في إطار التعاون، وتظافر كل الجهود على كل المستويات، كشعبٍ له هذه القضية العادلة بالإجماع العالمي، الواضحة، له المظلومية التي لا مثيل لها، فتظافر الجهود، التعاون على كل المستويات، شد الجميع لأزر المجاهدين، لِعَضُدِ المجاهدين، المناصرة بكل الوسائل هي الاتِّجاه الصحيح، والموقف الصحيح.

ولـذلك عندما اتَّجهت السلطة الفلسطينية، ومعها كذلك بعض وسائل الإعلام العربية، لتتعاون مع الإسرائيلي بنفس منطقه، بنفس كلامه، بنفس أطروحاته، التي تهدف إلى التأليب على الإخوة المجاهدين، وعلى خيار الجهاد والمقاومة، وعلى مسألة امتلاك واقتناء السلاح، والتَّصدِّي للعدو الإسرائيلي به، فهو كان خطأً رهيباً، بل خيانة بكل ما تعنيه الكلمة، وفي نفس الوقت خدمة مجانية للعدو الإسرائيلي؛ لأنه مثل هذا التصرف، ومثل هذا الأسلوب، ليس له أي إيجابية لصالح القضية الفلسطينية إطلاقاً؛ لأنه خدمة بالكامل للعدو الإسرائيلي.

ولكن فشلت كل تلك المحاولات بفضل الله تعالى، ونتيجةً للوعي العالي لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ونحن نثني على وعيهم، وعلى ثباتهم وصمودهم، واستبسالهم، بالرغم من كل المعاناة الكبيرة جدًّا، التي لا مثيل لها.

الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة ثابتٌ ثباتاً عظيماً، يستند في هذا الثبات العظيم، في مقابل المعاناة الكبيرة، في مقابل الإبادة الجماعية، والتجويع، والتدمير الشامل، وانعدام مقومات الحياة، يعتمد على إيمان، على وعي، على تَمَسُّك بقضيته العادلة.

فيمـا يتعلَّـق بقطــاع غــزَّة، والدعـم الأمـريكي، والشـراكة الأمـريكية:

من المعلوم أن استئناف العدو الإسرائيلي بعدوانه من جديد على قطاع غزَّة كان- حتى بالإعلان الأمريكي، إعلان البيت الأبيض- بإذنٍ أمريكي، وتبنٍ أمريكي، ودعمٍ أمريكيٍ مستمر، والجسر الجوي، والنقل اليومي المستمر للقنابل، والذخائر، والقذائف، التي يقدمها الأمريكي، هو يقدمها لإبادة الشعب الفلسطيني، حينما نشاهد كل المشاهد المأساوية، مشاهد المظلومية الرهيبة للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، نشاهد الأطفال أشلاءً، ونشاهد جثامين أخرى لهم متفحمةً، هي بفعل القنابل الأمريكية.

الأمريكي شريكٌ في الإجرام، شريكٌ في العدوان، والدور الأساس هو له، في أن يستمر العدوان، وفي أن يكون بذلك المستوى حتى من الوحشية والطغيان، فالدور الأساس هو له.

هذا ينبغي أن يكون له أثر على مستوى النظرة العامة في عالمنا الإسلامي، في الشعوب العربية، وغيرها، وعلى المستوى العالمي، تجاه الأمريكي: أن المسلك الأمريكي هو مسلك إجرامي، وحشي، مسلك طغيان، وعدوان، واستهانة بالحياة البشرية، واستباحة للحياة الإنسانية، لا يعطي حرمةً لحياة الأطفال ولا النساء، هذه النظرة يجب أن تكون نظرةً مترسِّخة، وأن تُبنى على أساسها المواقف، وأن تكون واحدةً من مفردات الوعي، التي تشمل المجتمع البشري بكله؛ لأن التَّوجُّه الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي يشكِّل خطراً على المجتمع البشري بكله؛ لأنه يتَّجه هذا الاتِّجاه، الذي لا يعطي أي كرامة ولا اعتبار للحياة الإنسانية، كحياة إنسانية، يستبيح قتل الناس، قتل الأطفال، قتل النساء، الإبادة الجماعية للشعوب، هذا مسلك ومنهج يتَّجهون عليه.

فيمـــا يتعلَّــق بلبنـــــان: خــــلال الأسبـــوع هذا:

استمر العدو الإسرائيلي في القصف الجوي والاغتيالات، وارتقاء الشهداء في لبنان بشكلٍ شبه يومي.

كذلك في جنوب لبنان تستمر الاعتداءات على القرى اللبنانية الحدودية، بالقصف الإسرائيلي، والتمشيط الناري، وجرف الطرق، ومحاولات من قبل العدو الإسرائيلي لمنع أي عودة للحياة في تلك القرى، العدو الإسرائيلي يستهدف البيوت الجاهزة، والغرف الجاهزة، والجوانب الخدمية، يستهدف المدنيين أثناء عملهم في الأراضي الزراعية.

لم يكتفِ بالاعتداءات في القرى الحدودية، بل وسَّع عدوانه باتِّجاه العمق اللبناني.

نفَّذ أيضاً عملية اغتيال غادرة جنوب العاصمة بيروت، لقياديٍ في الجماعة الإسلامية، خرق طيران العدو الإسرائيلي جدار الصوت في الأجواء اللبنانية، وصولاً إلى العاصمة بيروت.

حزب الله كسر العدو الإسرائيلي في كل مراحل الصراع، منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 82، وحتى التحرير في العام 2000، وفي حرب تموز 2006، وحتى في معركة الإسناد الأخيرة، العدو الإسرائيلي وقف عاجزاً على أعتاب القرى الحدودية اللبنانية لما يقارب الشهرين، دون تحقُّق تقدُّم واختراق فعلي ومهم.

حينما أتى الاتِّفاق لوقف إطلاق النار، التزم به حزب الله، ونفَّذ كل ما عليه، لم يبق هناك أي التزامات على أساس ذلك الاتِّفاق لم ينفِّذها حزب الله، نفَّذ كل الذي عليه؛ بينما العدو الإسرائيلي ليس فقط يخرق الاتِّفاق، بل بما هو أكثر من الخرق: عدم التزام، وتجاوز كامل للاتِّفاق، في اعتداءات كبيرة، وانتهاكات جسيمة.

ولـذلك المسؤولية الآن تقع على عاتق الدولة اللبنانية، فيما يتعلَّق بالاتِّفاق، والسعي للضغط على العدو الإسرائيلي، للالتزام بهذا الاتِّفاق وتنفيذ ما عليه؛ لأن هناك أشياء أساسية من الاتِّفاق لم يلتزم بها العدو الإسرائيلي، ولم ينفِّذها:

لم ينفِّذ ما عليه من وقفٍ فعليٍ كاملٍ لإطلاق النار، لا يزال يغتال، يدمِّر، يقصف، ينتهك ذلك بشكلٍ مستمر، وأكثر من انتهاك، اعتداءات مستمرة.

لا يزال يحتل مراكز في الأراضي اللبنانية.

لا يزال يمارس- كما قلنا- عمليات التجريف وغيرها، والتخريب للبنى التحتية.

ينتهك الأجواء اللبنانية بشكلٍ كامل، وكأنه ليس للبنان حقٌّ في أجوائه أن تكون مصانة ومحفوظة، بل كأنها مستباحة ومباحة للعدو الإسرائيلي.

ولذلك ينبغي أن يكون كل الجهد اللبناني، على المستوى الرسمي والشعبي، ومن كل المكونات، بمختلف أشكالها، وأنواعها، وتوجهاتها، ينبغي أن يكون الجهد بكله، الكلام بكله، هو: الضغط على العدو الإسرائيلي لتنفيذ ما عليه في الاتِّفاق، والضغط على الضمناء عليه كذلك، ولا ينبغي إطلاقاً لا على المستوى الرسمي، لا للرئاسة اللبنانية، ولا للحكومة… ولا لأي جهة، ولا لأي مسؤول في لبنان، أن يوجِّه أي كلمة إساءة ضد حزب الله، ليس هناك أي التزامات لم يفِ بها حزب الله فيما يتعلَّق بالاتِّفاق.

حينما يتَّجه البعض وينطقون بنفس المنطق (منطق العدو الإسرائيلي) ضد حزب الله، فهذا خيانة للبنان، خيانة للبنان، وعمل لخدمة العدو الإسرائيلي، كما في الحالة التي تقوم بها السلطة الفلسطينية، خدمة مجانية، ليس لها أي إيجابية لصالح لبنان، والقضية اللبنانية، ولا لمصلحة الشعب اللبناني.

الأولويات التي ينبغي أن يركِّز عليها الجميع، هي:

السعي للضغط على العدو الإسرائيلي بتنفيذ ما عليه في الاتِّفاق.

والتَّوجُّه الجاد لإعادة الإعمار في جنوب لبنان، وفي الضاحية… وفي سائر المناطق التي فيها دمار وخراب.

أمَّا ما يقوم به البعض من تبنٍ للمنطق الإسرائيلي، فهو خطأ فادح، وخيانة للبنان.

الأمريكي هو يسعى إلى إثارة البلبلة عبر بعض المكونات، يسعى لحرف مسار الأولويات لدى الجانب الحكومي، والهدف الأمريكي: أن يتبنَّى الجميع الموقف الإسرائيلي، وتتحول كل اهتماماتهم لخدمة العدو الإسرائيلي، مع التفريط في شعوبهم، وسيادة بلدانهم، ومصالحهم، مصالح شعوبهم الحقيقية.

والعدو الإسرائيلي هو يسعى لتجريد لبنان من أهم عناصر القوة، هو يسعى لذلك، وأطماعه مستمرةٌ في لبنان، عامل الردع الحقيقي في لبنان هو: المقاومة، التاريخ يشهد بذلك، الواقع يشهد بذلك؛ ولـذلك ينبغي أن تحظى دائماً شعبياً بالاحتضان والمساندة، وألَّا يصغي الشعب اللبناني إلى من يجعلون من أنفسهم أبواقاً للعدو الإسرائيلي، يرددون كلامه ومطالبه العدوانية.

فيمـــا يتعلَّــق بسوريــــا:

واصل العدو الإسرائيلي في هذا الأسبوع الاقتحامات، وحملات المداهمة للقرى في الجنوب السوري، في (القنيطرة)، نفَّذت قوات العدو الإسرائيلي حملات مداهمة وتفتيش للمنازل في: (قرية القحطانية، وبلدة العشة، وبلدة الأصبح)، وشملت اعتداءات على المواطنين، ومصادرة بعض إمكاناتهم وممتلكاتهم، وتفتيش المنازل، وترويع الأطفال… هكذا استباحة، استباحة وعدوان بكل ما تعنيه الكلمة! إضافةً إلى اعتقال بعض الأشخاص.

تقوم قوات العدو الإسرائيلي أيضاً هناك بتنفيذ دوريات بشكلٍ شبه يومي في (ريف القنيطرة)، تُقيِّد حركة المواطنين السوريين في تلك المناطق، وضعية سيئة، يسعى العدو الإسرائيلي أن يكون متحكماً بك حتى في حركتك في منزلك (متى تدخل، ومتى تخرج)، في قريتك، في ذهابك في أنحاء وطنك، من هذه المنطقة إلى تلك.

في ما يقوم به العدو الإسرائيلي بشراكة أمريكية، وفي ما يسعى له مما هو أكبر من ذلك؛ لأن كل هذا يتم- كما قلنا مراراً وتكراراً- في إطار المخطط الصهيوني، الذي يهدف لما هو أبعد من هذا بكثير، يجب أن نستذكر ونذكِّر بالمسؤولية الكبيرة على المسلمين جميعاً في كل العالم الإسلامي، هذه أُمَّة كبيرة (أُمَّة الملياري مسلم)، عليها مسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مسؤولية دينية، وأخلاقية، وإنسانية، وباعتبار مصالحها القومية، وأمنها القومي، هذه الأُمَّة التي أسهمت فعلياً بجمودها، وتخاذلها، وسكوتها، وتفرُّجها على تشجيع العدو الإسرائيلي، أسهمت- فعلاً- بأن يفعل ما يفعل وهو مطمئن البال، مطمئن تماماً، بل يلقى تشجيعاً- في الوقت نفسه- من بعض الأنظمة العربية.

العرب في المقدِّمة عليهم مسؤولية، مسؤولية كبيرة، الخنوع ليس من مصلحة أحد أبداً، حالة الخنوع تجاه العدو الإسرائيلي، بكل ما هو عليه من حقد وأطماع، وبكل ما هو عليه أيضاً من استخفاف، استخفاف بالعرب والمسلمين، لا يعترف لهم أساساً بأنهم من البشر، يعني: الخنوع له ليس له قيمةٌ عنده، هو لا يقدِّر لمن يخنعون له، ولا لمن يوالونه، ولا لمن يتَّجهون إلى تبني أطروحاته، وما يقدِّمه هو من عناوين في إطار مخططه، لا يقدِّر لأحدٍ مهما فعل معه أبداً، مهما قدَّم له من خدمات، ومهما سكت، ومهما خنع، ومهما خضع، لا يعتبر هذه إيجابية يقابلها بتوجُّه إيجابي، كما قلنا: لو كان هذا الخيار مجدياً؛ لكان مجدياً في سوريا، لكانت التوجهات الإسرائيلية هي: الانسحاب التام من الجولان، والإشادة بالموقف السوري، والثناء عليه، والتعامل بإيجابية عالية جدًّا؛ ولكن هو لا يقدِّر لأحد أي شيء.

فهناك مسؤولية، ومع أنها مسؤولية إيمانية، دينية، إنسانية، أخلاقية، هي: ضرورة حتمية، ليس هناك من خيار آخر، إلَّا خيار يخدم العدو، ويدمِّر الأُمَّة، كما قلنا:

خيار الموالين، الذين يقدِّمون خدمات للأعداء، هم يسهمون في تمكين الأعداء أكثر فأكثر.

وخيار الاستسلام، كذلك هو خيار انتحاري، مدمِّر، كارثي، يجعل الأُمَّة تخسر كل شيء، قضية خطيرة جدًّا على الأُمَّة، وفي نفس الوقت يكون هناك عليها عقوبة كبيرة من الله؛ لأنها أُمَّة لديها كل المقومات.

الوضع الراهن، وتجاه أي إنسان يتأمل الوقائع والحقائق، والوضع على المستوى الدولي والإقليمي؛ يجد أنَّ هناك أيضاً عوامل مساعدة كثيرة، تشجِّع هذه الأُمَّة لو بقيت لديها أي نظرة صحيحة، لكن هناك حالة عمى بشكل رهيب ومخيف في واقع الأُمَّة.

هنـــاك عوامـــل مساعـــدة مشجِّعـــة، تشجِّـــع هـــذه الأُمَّـــة للنهــوض بمسؤوليتهــــا:

أولا: هذه العوامل المساعدة المشجِّعة، والتي هي حُجَّة- في نفس الوقت- على الأُمَّة، هو: مدى وحجم الصمود الفلسطيني في قطاع غزَّة:

الصمود الفلسطيني في قطاع غزَّة لأكثر من عام ونصف، بهذا المستوى من: الاستبسال، والثبات، والفاعلية، والتضحية، هو حُجَّةٌ على هذه الأُمَّة؛ لأنه غير مسبوق أصلاً، غير مسبوق في الصراع مع العدو الإسرائيلي، لا في فلسطين نفسها، منذ بداية الصراع مع العدو الإسرائيلي، ولا على المستوى العربي، لم يسبق أن كان هناك صمودٌ بهذا المستوى، في مقابل: إبادة جماعية، تدمير شامل، هجمة عدوانية إجرامية وحشية إسرائيلية أمريكية، مدعومة غربياً بهذا المستوى، مع إطلاق يد العدو الإسرائيلي لارتكاب أبشع الجرائم، مع فعل كل الجرائم، من تجويع من إبادة جماعية، من انتهاك لكل الحرمات، ومع ذلك عجز العدو الإسرائيلي لأكثر من عام ونصف من حسم ما يريد حسمه في قطاع غزَّة، ومن تحقيق أهدافه في السيطرة الكاملة عليها، هذا الصمود العظيم للإخوة المجاهدين هناك، بإمكانات محدودة للغاية، محدودة جدًّا، وصمود كذلك الحاضنة الشعبية، صمود الشعب الفلسطيني في أقسى ظروف، وأصعب وضع، هو حُجَّة على هذه الأُمَّة.

وكان من المفترض أن يقابل هذا الصمود بالاحتضان، بالدعم، بالمساندة، وأن يكون هناك- كما قلنا- تغيُّر في طبيعة التعامل، ومستوى التعامل تجاه الشعب الفلسطيني نفسه بالدعم الكبير، والمساندة الحقيقية، وتجاه المجاهدين، أن يكون هناك ما يعتبر فارقاً ملحوظاً عن الماضي؛ لأنه ليس هناك مساندة بالشكل المطلوب، دعم بالشكل المطلوب، الحالة إمَّا حالة تخاذل بالكامل، أو حالة تواطؤ من البعض، وهناك قوى محدودة تدعم الشعب الفلسطيني، وتساند مجاهديه، وتقدِّم الدعم لمجاهديه.

بل أصبحت هذه القضية تمثِّل عند الكثير من الأنظمة إشكاليةً بينهم وبين الجمهورية الإسلامية في إيران، يعني: بدلاً من أن يشكروا الجمهورية الإسلامية في إيران، أنها تقدِّم الدعم للإخوة المجاهدين في فلسطين، هي مما ينتقدونه على إيران، وينتقدونه- في نفس الوقت- على الشعب الفلسطيني، وعلى مجاهديه، هم يريدون من الشعب الفلسطيني ومن مجاهديه ألَّا يقبل بأي مساندة، وألَّا يقبل بأي دعم، فمن يساند الشعب الفلسطيني؛ يتعرض لهجمة إعلامية من بعض الأنظمة العربية، وفي نفس الوقت هجمة على الشعب الفلسطيني كيف يتعامل حتى إيجابياً مع هذه الوقفة والمساندة، وهذا واضح، حتى فيما يتعلَّق بإسناد اليمن، ترى بعض الأصوات التي تنتقد الشعب الفلسطيني، تنتقد مجاهديه: [لماذا يرحِّب بهذه الخطوة الإيجابية الفريدة في الساحة العربية؟! لماذا يشيد بها؟! لماذا يرتاح لها؟!]، لا يريدون من الشعب الفلسطيني أن يرتاح حتى لمن يقف معه، أو يعبِّر عن ارتياحه لأي وقفة صادقة معه من أي عربيٍ أو مسلم، حالة غريبة جدًّا!

فعلى كُلٍّ، هذا الصمود العظيم هو من العوامل المساعدة، التي تؤكِّد قطعاً على الجدوائية الواضحة للصمود، وهناك من إن قدَّمت له الأُمَّة الدعم الكامل، من هو واقف بثبات في مواجهة العدو الإسرائيلي، فبدلاً من التأليب ضد المجاهدين في فلسطين، ضد حركة حماس، ضد كتائب القسَّام، ضد حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس… وغيرها، من المفترض أن يكون هناك تعاون، ودعم بكل الأشكال للشعب الفلسطيني، واعتبار هذا عنصراً مهماً جدًّا.

لو نأتي إلى من لهم تقديرات أخرى، وحسابات أخرى، من هم من ذوي اليأس والإحباط تجاه إمكانية الصمود في مواجهة العدو الإسرائيلي، كيف كانت تقديراتهم في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة؟ البعض منهم مع تلك الهجمة لم يكن يتوقَّع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة أن يصمد ولو لأسبوعٍ واحد، أو لشهر، أو لشهرين، في كل أسبوع يكونون منتظرين أن يكون في آخره رفعٌ للرايات البيضاء والاستسلام في قطاع غزَّة… وهكذا، يستمرون في حالة التربص شهراً بعد شهر إلى الآن، يكفي، يكفي، المفترض أن تفهموا أنَّ الثبات العظيم للشعب الفلسطيني ومجاهديه عامل قوَّة مهم، ينبغي أن يُبنى عليه: دعم، ومساندة، واحتضان، وتأييد، وتحرُّك جاد لدعم الموقف.

ثانياً: الاستفادة من المتغيرات العالمية في صحوة الضمير، وتصحيح النظرة تجاه القضية الفلسطينية:

هناك صحوة ووعي منتشر في الساحة العالمية، أصبحت النظرة العالمية في أوساط الشعوب، في مختلف البلدان، إلى العدو الإسرائيلي أنَّه: مجرم، ظالم، محتل، غاصب، يرتكب الإبادة الجماعية، والتغيرات في النظرة وصلت إلى الساحة الأمريكية نفسها، يعني: حسب استطلاعات للرأي في أمريكا نفسها، أنَّ أكثر من نصف المواطنين الأمريكيين لم يعودوا متضامنين مع إسرائيل، وهذا من المتغيِّرات المهمة جدًّا، المتغيرات أيضاً في الشعوب الأوروبية، في النظرة إلى القضية الفلسطينية، إلى المظلومية الفلسطينية، النظرة إلى العدو الإسرائيلي كمجرم، غاصب، ظالم، يرتكب الإبادة الجماعية، يرتكب أبشع الجرائم، وأفظع الجرائم، هذا متغير مهم في الساحة العالمية.

بل ليس فقط على مستوى الشعوب، هناك على مستوى الأنظمة، أنظمة كثيرة، بعض الأنظمة الأوروبية أعلنت عن مواقف متقدِّمة نسبياً في التضامن مع الفلسطينيين، حكومات وجهات رسمية في بلدان أخرى في غير أوروبا، مواقف متقدّمة جدًّا أيضاً في أمريكا اللاتينية.

هذا الموقف العالمي، الأكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، والأقرب إلى الإنصاف للقضية الفلسطينية أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، ينبغي أن يحسب من عوامل القوة، التي كان ينبغي أن تستفيد منها هذه الأُمَّة، وأن تتَّجه بموقف موحَّد، بمختلف حكوماتها، وأنظمتها، وشعوبها، للضغط لإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني، ولدعم القضية الفلسطينية.

هناك أيضاً مظاهرات تخرج في بلدان كثيرة، الرأي العام العالمي مهيأ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، ومتعاطف أكثر من أيِّ وقتٍ مضى مع الشعب الفلسطيني، كيف لا يستثمر هذا العامل المهم؟!

كذلك من العوامل المساعدة هي: الخلافات الإسرائيلية ما بين الإسرائيليين:

هناك خلافات كبيرة، وخلافات تتعمَّق وتزداد وتيرتها، والمسألة واضحة في المظاهرات، في التصريحات، في طبيعة تلك التصريحات للإسرائيليين فيما بينهم، تكشف عن حجم الفجوة التي تزداد اتِّساعاً فيما بينهم، تصريحات أيضاً بشكل حاد، المحاكمات، الإقالات، الاتِّهامات، المظاهرات… وغير ذلك.

في الجانب الأمريكي حتى رسمياً، هناك أيضاً إشكالات داخلية، وتباينات، والوضع الأمريكي مأزوم، والمشاكل التي يعاني منها الأمريكي هي مشاكل كبيرة؛ ولـذلك على المستوى الاقتصادي، اتَّجه إلى الحرب التجارية بممارسة الابتزاز المالي في إطار التلفيق لوضعه، الأمريكي في هذه المرحلة لديه مشاكل كبيرة، مشاكل كبيرة بكل ما تعنيه الكلمة.

مثلاً: على المستوى الاقتصادي، عندما لجأ إلى الابتزاز المالي، هو يحاول أن يعالج مشاكل في واقعه، لم تكن هكذا مجرد قرارات اتَّجه فيها، لديه مشاكل وتحدثنا عن هذا في الأسبوع الماضي، لكن عندما يتأمل الإنسان- مثلاً- عن بعض القرارات الأمريكية، منها:

أنه خفَّض ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية إلى النصف.

أغلق عدداً مهماً من السفارات في عدة بلدان، وكذلك عدداً كبيراً من البعثات الدبلوماسية.

إجراءات كثيرة تكشف عن حجم الأزمة الأمريكية، والمشكلة الأمريكية، هذا مما كان ينبغي الاستفادة منه.

الاستفادة أيضاً من الموقف اليمني كنموذج:

اليمن اتَّجه بموقفه (رسمياً، وشعبياً) بسقف عالٍ، هو كل المستطاع والممكن في إطار المشروع، اتَّجه على هذا الأساس، وأن يكون السقف هو: الاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والانطلاق في المسؤولية.

هذا نموذج مهم، نموذج مهم، هل قامت القيامة؟! هل شُطب اليمن من الخارطة؛ لأنه اتَّخذ هذا الموقف القوي، الجريء، الصامد، الثابت، المستند على أساس التوكل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والاعتماد على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؟! هذا الموقف كان من المفترض الاستفادة منه أيضاً كعاملٍ من العوامل المساعدة؛ لأنه موقف فعَّال، وقوي، وفي نفس الوقت بسقفٍ عالٍ، ومتكامل.

فيمــــا يتعلَّـــق بجبهـــة الإسنـــاد اليمنيــــة:

تستمر العمليات من يمن الإيمان والحكمة والجهاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، لإسناد الشعب الفلسطيني، حيث نفَّذت قواتنا خلال هذا الأسبوع (سبع عمليات)، بالقصف الصاروخي، وبالمسيَّرات، إلى عمق فلسطين المحتلة، منها:

باتَّجاه (حيفا)، وكانت عملية مفاجئة للأعداء.

وباتِّجاه (يافا).

باتِّجاه (عسقلان، والنقب، وأم الرشراش).

ونفِّذت بـ(سبعة صواريخ بالِسْتِيَّة وطائرات مسيَّرة).

العملية إلى (يافا، وحيفا) كان لها صدى وأثر:

توقفت الرحلات الجوية في مطار اللُّد، الذي يعرف بمطار [بن غوريون].

كذلك هرب الملايين إلى الملاجئ.

هذه العمليات هي دليلٌ واضح على فشل العدوان الأمريكي، فشله في إيقاف العمليات، في الحد من القدرات، في فاعلية الموقف وحجمه.

على مستوى العمليات البحرية أيضاً، هناك عمليات مستمرة في التَّصدِّي للعدو الأمريكي، في الاستهداف والاشتباك مع حاملتي الطائرات الأمريكية.

الأمريكي، بعد أن عزّز بحاملة طائرات أخرى، وأتت بعيداً هناك في أقصى البحر العربي، لم يستفد شيئاً، لم يُعزِّز موقفه بشكلٍ فعَّال، لم يتمكن من إحراز مزيد من التقدّم في تحقيق أهدافه العدوانية على بلدنا، التي هي كلها في إطار إسناده للعدو الإسرائيلي، وحمايته للعدو الإسرائيلي؛ ليستمر في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

عمليات هذا الأسبوع فيما يتعلَّق بالاشتباك مع القوات البحرية الأمريكية، حاملات الطائرات، والقطع البحرية العسكرية المرافقة لها، كانت العمليات بـ (سبعة وعشرين) صاروخ مجنَّح، وطائرة مسيَّرة، في (تسع عمليات اشتباك)، خلال هذا الأسبوع كان هناك (تسع عمليات اشتباك)، مع حاملتي الطائرات، والقطع العسكرية البحرية التي معها، كانت تستمر عمليات الاشتباك لمدة ساعات طويلة، وفي إحداها كما ذكر موقع صيني، موقع إعلامي صيني: [هروب حاملة الطائرات في أقصى البحر العربي مئات الأميال، أثناء الاشتباك معها، والاستهداف لها]، هذه حاملة الطائرات التي أتت مؤخراً، باتت أيضاً تتدرَّب على عمليات الهروب أثناء المناورة والاشتباك.

كما تستمر قواتنا في منع الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، وكذلك للأمريكي؛ لأنه ورَّط نفسه مع الإسرائيلي، في (البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي)، حيث أصبحت سفن العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي، منعدمة تماماً في هذا المسرح، يعني: ليس هناك أي نشاط ملاحي لهم إطلاقاً، بل هناك توقُّف تام.

فيمــا يتعلَّــق بقـــوات الدفـــاع الجــوِّي: والحمد لله رب العالمين، هناك نتائج ملموسة في إمكانات الدفاع الجوي، وفي فاعلية العمليات في قوات الدفاع الجوي، تستمر قوات الدفاع الجوي في الاصطياد لطائرات الاستطلاع المسلح الأمريكي (إم كيو 9)، حيث تمكَّنت- بفضل الله- خلال هذا الأسبوع من إسقاط ثلاث طائرات استطلاع مسلَّح نوع: (إم كيو 9)، في أجواء محافظتي صنعاء والحديدة، وتعتبر الطائرة السابعة التي يتم إسقاطها خلال هذا الشهر، كذلك في أجواء حجة، وتعتبر الطائرة الثانية والعشرين التي تمَّ إسقاطها من بداية عمليات الإسناد، هذا إنجاز كبير بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونعمة كبيرة.

الإحصائيات من شهر رمضان وإلى الآن كبيرة، ولكن لاختصار الوقت لن أقوم بالحديث عنها، نتركها- إن شاء الله- لكلمة أخرى.

على كُلٍّ، كان من الملفت فيما يتعلَّق بهذه العمليات هو: انزعاج [المجرم نتنياهو] من (مسيَّرة يافا)، ومن العنوان الذي يتكرر في البيانات (بياناتنا اليمنية) عن (يافا) المحتلة، العدو الإسرائيلي ينزعج حتى على مستوى التركيز في الأداء الإعلامي على الأسماء الحقيقية لفلسطين، والمدن والبلدات الفلسطينية، وهذه مسألة مهمة، وهذا درس مهم، انزعاجه هو درس مهم؛ لأنه يذكِّره دائماً بأنه كيانٌ غاصبٌ، محتلٌ، مجرم، وكيانٌ مؤقت، حتمي الزوال، كما وعد الله بذلك في التوراة والإنجيل والقرآن، لابدَّ من زواله، فعندما تذكر أسماء المدن والبلدات الفلسطينية، أسماءها الحقيقية، لهذا أهمية كبيرة جدًّا، فهو انزعج من تسمية الطائرة المسيَّرة (يافا) بالاسم الحقيقي، وكذلك عبارة (المحتلة) انزعج منها كثيراً، هذا درس مهم للجانب الإعلامي على المستوى العربي والإسلامي، أهمية المصطلحات والأسماء وما يتعلَّق بها كبيرة جدًّا في الأداء الإعلامي.

الإسناد مستمر بفاعلية تامة، بتأثير، الأمريكي فاشل في إسناده للعدو الإسرائيلي ضد اليمن، بالرغم من تصعيده، هو يسعى إلى التصعيد، في هذا الأسبوع أكثر من (مائتين وستين غارة) بقاذفات القنابل وبغيرها، ومع ذلك حاول أن يستهدف الأعيان المدنية، كما فعل في جريمته في الاعتداء على (سوق فروة)، وكذلك في اعتدائه على أماكن أخرى، وصل به الحال أن أصبح يستهدف المقابر، كما استهدف (مقبرة ماجل الدِّمَّة) في صنعاء، يستهدف العابرين في الطرقات، يستهدف الشارع العام، يستهدف الأحواش، كما فعل في فجر اليوم، هذه الجرائم كلها تشهد على فشله، على تخبطه، هل هذا يحدُّ من القدرات العسكرية: الاعتداء على سوق شعبي، هل هذا يحد من القدرات العسكرية؟ أو هو يعبِّر عن فشل وحقد- في نفس الوقت- على الشعب اليمني؟

الأمريكي، بالرغم من بلوغ عدد غاراته وقصفه البحري، منذ استئناف عدوانه المساند للإسرائيلي ضد اليمن- يعني: في هذه الآونة الأخيرة، خلال هذا الشهر، شهر وقليل- بلغت أكثر من (ألف ومائتين غارة وقصف بحري)، إلَّا أنَّ فشله واضحٌ تماماً، وهو يعترف أيضاً بالفشل، الواقع يثبت فشله، باب المندب والبحر مغلق على السفن الإسرائيلية، والملاحة الإسرائيلية، الأمريكي حتى بقدراته العسكرية البحرية، هو يبتعد بها هناك، على مسافة بعيدة، مئات الأميال، أكثر من (ألف كيلو) تبتعد في كثير من الأحيان، تبقى بعيداً على الدوام، مع ذلك هناك تصريحات أيضاً، تصريحات لخبراء أمريكيين وإسرائيليين، ونذكر بالاختصار البعض منها، قنواتنا هي تقوم بالبث لكثيرٍ من هذه التصريحات، والاعترافات، وإظهارها، وهي اعترافات مهمة:

هناك اعترافات لعقيد أمريكي متقاعد، يقول فيها: [سيبقون هناك]، يعني: لن تتمكنوا أنتم أيها الأمريكيون والإسرائيليون من القضاء على اليمنيين، وعلى المجاهدين في اليمن، [سيبقون هناك ما دامت الأرض والسماء قائمتين، وسيظلون صامدين، وأعتقد أنهم لن يختفوا أبداً من هناك بالقصف، لا يمكنكم إعادة الحوثيين إلى العصر الحجري، في الحقيقة هم يقفون بقوَّة أمامكم، فلا تتعبوا أنفسكم]، هذه العبارات التي تؤكِّد أنَّه لا جدوى من العدوان الأمريكي على اليمن (لا في الحد من القدرات، ولا في الضغط على الإرادة في الموقف، ولا في منع العمليات) هي كثيرة جدًّا، كثيرة جدًّا لدى الأمريكيين، لدى خبراء، لدى معلِّقين، لدى مسؤولين، لدى وسائل إعلامية.

منها كذلك لمسؤول سابق في وزارة الخزانة الأمريكية، يقول فيها: [الحوثيون يردُّون على ما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين، إذاً رد فعل الحوثيين في اليمن هو ضد إسرائيل]، يعني: هذه مسألة معروفة لدى الأمريكيين، القضية اليمنية هي: الإسناد للشعب الفلسطيني، في مقابل الإبادة الجماعية والتجويع، وهذه مسألة واضحة للأمريكيين: أنهم إنما قاموا هم بالعدوان على بلدنا إسناداً للعدو الإسرائيلي، فهذا الأمريكي- وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأمريكية- يقول: [إذاً رد فعل الحوثيين في اليمن هو ضد إسرائيل، لو لم تكن إسرائيل تفعل ما تفعله بالفلسطينيين، لما تحرَّك الحوثيون، هذا]، يعني: نستكمل كلامه يقول: [هذا هو الرد العربي الوحيد على الإبادة الجماعية الإسرائيلية في فلسطين، كل الدول العربية كأنَّ الأمر لا يعنيهم، أو يكتفون بكلمات دون فعل، إذاً هؤلاء هم العرب الوحيدون، الذين لديهم روح المقاومة، والضمير الأخلاقي، والتعاطف مع الفلسطينيين؛ لأن باقي العرب كأنهم مع إسرائيل]، يعني: هو ينتقد أيضاً موقف بقية العرب.

هناك أيضاً تصريح آخر لأحد الأمريكيين، محارب أمريكي قديم، وهو يشيد بدور اليمنيين في محاربة إسرائيل، والامبراطورية الأمريكية، يقول في تصريحه: [هذه هي حقيقة إسرائيل، ميناء حيفا مغلق، ومفلس، لماذا؟ لأن شعب اليمن حفظه الله]، يقول هو هكذا، [الحوثيين، أو أنصار الله، هؤلاء اليمنيين هم أفضل البشرية الذين واجهوا ليس فقط إسرائيل، بل الامبراطورية الأمريكية بأكملها، إنَّ إسرائيل تحرق الشعب الفلسطيني بفضل أموال دافعي الضرائب الأمريكيين]، هكذا يقول، ويثني على الموقف اليمني.

هناك تصريحات أيضاً مما يسمى بوزير الحرب السابق الإسرائيلي، قال فيها: [الحوثيون تهديد خطير لنا، وأمريكا ستفشل في حربها عليهم]، هناك الكثير جدًّا من التصريحات والاعترافات، التي تبيِّن أنَّه لا جدوى من العدوان الأمريكي في التأثير على الموقف اليمني.

فيمــــا يتعلَّـــق بالتظاهـــــرات:

هناك تظاهرات في كثير من بلدان العالم خرجت في هذا الأسبوع، مساندةً للشعب الفلسطيني في مدن متعددة: في أمريكا، وفي هولندا، والسويد، والنرويج، وألمانيا، وإيطاليا، والدنمارك، والنمسا، وبلجيكا، وفرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، وإيرلندا، وكندا، وأستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية.

عربياً، خرجت تظاهرات في عدد من المدن المغربية، وفي موريتانيا، وفي ليبيا، وفي تونس، وفي البحرين.

الأمريكي هو مستمر في الضغط على الجامعات والطلاب، وبارتكاب انتهاكات، وإجراءات تعسفية ضد الجامعات الأمريكية، ومتنوعة، إجراءات عقابية، منها:

قطع التمويل.

فرض ضرائب.

إلغاء التأشيرات والإقامة، وترحيل الطلاب.

اعتقال البعض منهم.

حرمان الجامعات من حق استقبال الطلاب الأجانب… وغير ذلك.

إجراءات متعددة ومتنوعة.

فيمـــا يتعلَّــق ببلدنـــا:

الأنشطة الشعبية مستمرة بكل أنواعها بفضل الله، بتوفيقه، بمعونته، من: مسيرات، وفعاليات، وندوات، وأمسيَّات، ووقفات.

أنشطة التعبئة العسكرية، من: تدريب، ومناورات، وعروض عسكرية، ومسير عسكري.

وأيضاً الوقفات القبلية، وهي من أهم الأنشطة الشعبية: الوقفات القبلية، والبيانات، والتصريحات، والمواقف، التي تؤكِّد عليها.

الشعب خرج في الأسبوع الماضي في أكثر من (أربعمائة ساحة) في الخروج المليوني في يوم الجمعة.

موقف شعبنا العزيز هو موقفٌ عظيم، موقفٌ قوي، موقفٌ ثابت، موقفٌ متكامل؛ لأنه مستمدٌ من قوة إيمانه، من قوة ثقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوكله على الله، وثقته بوعد الله الحق: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40]، شعبنا يؤمن بهذا الوعد الإلهي، وفعلاً نحن في الواقع في حالة انتصار، هذا الصمود العظيم، بهذه الفاعلية، بهذا الحضور الكبير، بهذا التأثير، بهذا المستوى المتكامل من الموقف، وعلى مدى أكثر من عام ونصف، هو انتصار بكل ما تعنيه الكلمة، والمسار فيه مسار تصاعدي أصلاً، يعني:

تطوير أكثر للقدرات العسكرية.

امتلاك أفضل للتقنيات العسكرية.

اكتساب خبرة أكبر.

ارتقاء في الروح المعنوية.

ارتقاء في مستوى الوعي.

حتى في تعزيز الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار واقعٍ معاش، في إطار واقعٍ عملي، نعيش فيه ونلمس الرعاية من الله، المعونة من الله، التأييد من الله، النصر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

تصريحات وكلام أقارب الشهداء تشهد على هذا الثبات، هذا الوعي، هذا الإيمان، هذه القوة في الموقف، المستمدة- كما قلنا- من قوة الإيمان، كذلك ما يقوله الجرحى، ما يقوله الناس في المظاهرات لوسائل الإعلام، وحتى في هتافاتهم، حجم الحضور الهائل، يعبِّر عن أنَّ مساحة الوعي، والثبات، والتَّوجُّه الجاد، مساحة واسعة، هذا الشعب يتحرَّك بشكلٍ مليوني في إطار موقفه الحق، يستجيب لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

الحرب هي حرب إرادة، وحرب مرتكزها- بالدرجة الأولى- هو: الجانب المعنوي والإيمان، الأمريكي يصعِّد، يعتدي، ولكن بفشل مكشوف ودنيء وواضح، ما معنى أن يهاجم مقبرة؟! أليس هذا هو منتهى الفشل؟! مقبرة عادية، مقبرة، أن يستهدف القبور بالقصف الجوي، هذا منتهى الفشل، كثير من اعتداءاته تشهد على فشله الذريع.

صمود شعبنا العزيز يعبِّر عن إرادته، أنَّه مهما كان التصعيد الأمريكي، فلن يكسر إرادة هذا الشعب، ولن يثني هذا الشعب عن موقفه الحق؛ لأنه- كما قلنا- موقف يستند إلى المنطلق الإيماني، إلى الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى التوكل على الله “جَلَّ “شَأنُهُ”، وفي واقعٍ قوي بحمد الله، بحمد الله.

فيتنام، صمدَّت في مواجهة عدوان أمريكي كبير جدًّا؛ وفشل الأمريكي في عدوانه عليها، ليس الأمريكي بمستوى أن يقول للشيء: [كن فيكون]، أو أن يحسم أي عدوان لصالحه، أينما كان، حينما يكون هناك شعب يصمد، يؤمن بقضية، يثبت على موقفه، يمكنه أن يحقق النصر على الأمريكي، وشعبنا اليوم هو يقدِّم درساً مهماً جدًّا، تحتاج إليه كل الأُمَّة؛ لأن الدور الأمريكي، سواءً في الأطماع الأمريكية والاستهداف لأُمَّتنا، أو مع العدو الإسرائيلي، وهو الأساس: مع العدو الإسرائيلي، بمعنى: أنَّ العدو الإسرائيلي يعتمد عليه بشكلٍ أساسيٍ وكلي، وتتهيَّب معظم الشعوب والبلدان من أن تتبنى الموقف الصحيح، وتتَّجه في الموقف الصحيح؛ خوفاً من الأمريكي، شعبنا يقدِّم درساً مهماً لكسر هذا الحاجز، كسر هذا الحاجز الذي أثَّر على الأُمَّة، ودفعها إلى الحالة المخزية، والمهينة، والمذلَّة، في مقابل الأمريكي، فيرى العالم أنَّ الأمريكي فشل في عدوانه على هذا الشعب، وأنَّ هذا الشعب بقي ثابتاً، صامداً، متماسكاً، لم يتراجع، وكان المسار بالنسبة له مساراً تصاعدياً، يقوى فيه أكثر، كلما صعَّد الأمريكي؛ كلما كان الموقف بالنسبة لبلدنا أكثر قوةً، وكلما أسهم ذلك أيضاً في مزيدٍ من التطوير للقدرات العسكرية.

هناك أيضاً كوبا- مثال آخر- صمدت في مواجهة الحظر الاقتصادي، والحصار لأكثر من نصف قرن، فما بالك بيمن الإيمان، الذي ينطلق من منطلقات إيمانية، في قضية حق واضحة، كيف لا يصمد!

سبا

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: یستمر العدو الإسرائیلی قوات العدو الإسرائیلی مع العدو الإسرائیلی العدو الإسرائیلی فی بکل ما تعنیه الکلمة مع الشعب الفلسطینی القضیة الفلسطینیة للعدو الإسرائیلی الإبادة الجماعیة للشعب الفلسطینی فی هذا الأسبوع المسجد الأقصى الإسرائیلی هو وفی نفس الوقت بهذا المستوى المجاهدین فی الاستفادة من فی نفس الوقت الأمریکی فی العدوان على على المستوى بعض الأنظمة من القدرات هذا الصمود ا الأمریکی یعتمد علیه ینبغی أن ی ما یقوم هناک أیضا فی مواجهة ة الغربیة هذه مسألة هذا الشعب مستوى الت یکون هناک على الشعب فی عدوانه على مستوى بالرغم من فی فلسطین هذه الأ م ت ع ال ى ذ ما علیه س ب ح ان ه لأکثر من حزب الله البعض من یسعى إلى فی مقابل فی لبنان على الله وغیر ذلک لیس هناک خلال هذا فی مستوى من الله فی واقع هو یسعى ما یتعل تلک الم فی إطار أن یکون کذلک فی أکثر من ة کبیرة على الأ هناک أی ما یسمى لا یزال حتى فی ذلک فی کل شیء ة التی مع ذلک کان من فی الض ما بین أی شیء فی الت فی تلک

إقرأ أيضاً:

“الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة بمناسبة يوم الولاية

الثورة نت/..

نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بمناسبة يوم الولاية 18 ذو الحجة 1446هـ 14 يونيو 2025م:

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

 

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

 

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

بمناسبة عيد الغدير الأغر، يوم الولاية المبارك، أتوجَّه إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، وإلى كل المؤمنين والمؤمنات، الذين يحتفلون بهذه المناسبة، في كل البلدان التي تحتفل بها، بأطيب التهاني والتبريك، ونسأل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يتقبَّل مِنَّا ومنهم كل الأعمال المشروعة لإحياء هذه المناسبة.

 

شعبنا اليمني العزيز هو يحتفل بهذه المناسبة كل عام، وهذا من ضمن إرثه الإيماني الذي ورثه عبر الأجيال، واستمر عليه قرناً بعد قرن، على مدى الزمان الماضي وإلى اليوم، والاحتفــال بهــذه المناسبـــة هـو:

 

– أولاً: من الفرح بنعمة الله تعالى وفضله، كما قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58]، وهذا- إحياء هذا اليوم والاحتفال به- هو من اظهار الفرح بنعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وبفضله.

 

– ويصاحبه أمورٌ مهمةٌ جدًّا، في مقدمتها: الشهادة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بكمال دينه، وأنه ليس ديناً ناقصاً، والشهادة لرسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” بأنه بلَّغ ما أمره الله بتبليغه، في الآية المباركة التي سيأتي الحديث عنها: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67].

 

– وهو أيضاً عملية توثيقية في غاية الأهمية، لذلك البلاغ التاريخي العظيم، تتناقله الأجيال من جيلٍ إلى جيل؛ لأهميته الكبيرة جدًّا.

 

– وهو- في نفس الوقت- ترسيخٌ للمبدأ الإسلامي العظيم، في ولاية الله تعالى على عباده، في مختلف شؤون حياتهم، وفي التولِّي لله، وامتداد هذا التولِّي وفق الآيات القرآنية المباركة، وما يترتب على ذلك من نتائج مهمة، ومن ضمنها: التحصين للأُمَّة (للمسلمين) من الولاية والولاء لليهود وأوليائهم من النصارى، والأمة في هذه المرحلة أحوج ما تكون إلى ذلك.

 

والبدايــــة هي: في الحديث عن مضمون هذه المناسبة، وعن محتوى البلاغ التاريخي العظيم، الذي بلغه الرسول “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، من السنة العاشرة للهجرة.

 

الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وفي السنة العاشرة للهجرة، عندما اقترب موسم الحج، عَمِلَ نفيراً واسعاً، واستنهاضاً كبيراً للمسلمين، للمشاركة في أداء فريضة الحج في ذلك العام، وبشكلٍ ملفت، واهتمامٍ استثنائي غير مسبوق، فقد كان يرسل رسله إلى القبائل العربية، إلى المسلمين في مختلف المجتمعات، يدعوهم إلى المشاركة في الحج في تلك السنة، في ذلك العام، ويحثُّهم على ذلك، ويستنفرهم لذلك، وفعلاً كانت النتيجة: أن ذلك الحج، في ذلك العام، لربما كان من حيث كثرة الحجاج وتوافدهم غير مسبوق ما قبله في تاريخ الجزيرة العربية، يعني: لم يسبق أن حج العرب إلى بيت الله الحرام بتلك الأعداد الكبيرة، والجموع الغفيرة، في السنوات الماضية ما قبل ذلك، سواءً ما قبل الإسلام في العصر الجاهلي، أو ما قبل ذلك أيضاً، في الامتداد الذي كان امتداداً لنبي الله إسماعيل “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ونبي الله إبراهيم، ومِلَّة نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، أو حتى في المرحلة الإسلامية، كان ما قبل ذلك هو الحج الإسلامي في السنة التاسعة للهجرة، لم يكن الحضور فيه بذلك الشكل، ولم يحضر فيه النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”.

 

فعملية الاستنفار الواسع، والتحشيد الكبير، للمشاركة في أداء الحج في ذلك الموسم نجحت بشكلٍ كبير، وكان الحضور بعشرات الآلاف، وبأكثر من مائة ألف حاج، وكانت هذه الأعداد، مقارنةً بالتعداد السكاني لذلك العصر، نسبةً مهمة، يعني: على مستوى الجزيرة العربية لربما قد تكون خمس السكان، أو قريباً من ذلك، يعني: نسبة ضخمة جدًّا من الحجاج مقارنةً بعدد الناس آنذاك في ذلك الزمن.

 

رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” حج في تلك السنة بنفسه، وحشد الناس للحج بأقصى ما أمكن، وسُمِّي ذلك العام، وسُمِّي حج النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” في ذلك العام بحجة الوداع، وهذا الاسم له مدلوله، لماذا؟ لأن النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” ودَّع أمته في ذلك الحج، ودَّعها وأشعرها بقرب رحيله من هذه الدنيا الفانية إلى عالم الآخرة، وهذا شيءٌ محزنٌ وكبير، يعني: حدث كبير بالنسبة للأُمَّة، له التزاماته، وما يترتب عليه أيضاً من مخاطر، ومن التزامات مهمة جدًّا في واقع الأُمَّة، بما يضمن لها الاستمرار على نهج الإسلام والاتِّباع لرسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، المسألة كبيرة جدًّا بالنسبة للأُمَّة، وفعلاً كبيرة، وكان لها تداعياتها، وآثارها… إلى غير ذلك.

 

في حَجَّة الوداع هو ودَّعهم، قال لهم: ((وَلَعَلِّي لَا أَلْقَاكُم بَعْدَ عَامِي هَذَا))، وعبارات أخرى، من ضمنها: ((يُوشِكُ أَنْ أُدعَى فَأُجِيب))، ((يُوشِكُ أَنْ يَأتِيَنِي رَسُوْلُ رَبِّي فَأُجِيب))، عبارات وجُمَل في مقامات متعدِّدة، كلها أشعرت هذه الأُمَّة بأنه على مقربةٍ من فراقها، من الوداع لها من المغادرة لهذه الدنيا الفانية.

 

الــوداع، لم يكن هكذا مجرَّد وداع عاطفي، يقول لهم: [أنا أوادعكم، أنا ذاهبٌ عنكم]، وانتهى الأمر، الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” في مهمته ومسؤوليته الرسالية (تبليغ رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”) هو يُقَدِّم للأُمَّة ما يرتبط بمستقبلها ومصيرها، فيما يمثِّل ضمانةً لها إذا تمسَّكت به بالاستقامة التَّامَّة على رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولـذلك كان لكل ما يقدِّمه من التعليمات، ومن الحقائق، ومن الهدى، في حجة الوداع، وما بعدها، وما يرتبط بها، أهمية كبرى للأُمَّة فيما يتعلَّق بحاضرها آنذاك، وبمستقبلها، وبمستقبلها، فكانت المسألة مهمة.

 

يعني: هو عندما كان يخبرهم أنه على وشك الرحيل من هذه الحياة، يخبرهم في سياق ما يقدِّمه لهم من تعليمات ذات أهمية كبيرة جدًّا لهم في مستقبلهم، وفي ضمان استمراريتهم على منهج الله الحق ورسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولـذلك كانت هذه المسألة مهمة، فهو يوصيهم، ولكنَّها وصية الرسول “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، في تقديم أهم التعليمات، التي تتضمن أهم الضمانات للاستقامة لمسيرة الأُمَّة على أساس منهج الله الحق، وهديه القويم في صراطه المستقيم، وهذه مسألة في غاية الأهمية.

 

رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” أقام الحج، وعلَّم الأُمَّة بنفسه أيضاً مناسك الحج بالتفصيل، وقدَّم التعليمات المهمة جدًّا في خطبة يوم عرفة، وهي خطبة شهيرة جدًّا، وكان من ضمن ما ورد فيها: (حديث الثقلين)، وغير ذلك من التعليمات المهمة: في تحريم حرمة دماء المسلمين على بعضهم البعض، وكذلك ما يتعلَّق بحرمة أعراضهم، وأموالهم، وممتلكاتهم، والحث على وحدتهم، وتعاونهم، واستقامتهم على منهج الله الحق… وغير ذلك.

 

بعد اكتمال الحج، والعودة من مكَّة، وصل رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” ومعه الحجيج، وهم عائدون من مكَّة، إلى (الجحفة)، وهي منطقة ما بين مكَّة والمدينة، وهي إلى مكَّة أقرب، في هذه البقعة (الجحفة) غدير يُدعى بـ(غدير خُم) في الوادي نفسه (وادي خم)، والوادي في نفس المنطقة، في هذه المنطقة، وما قبل افتراق الحجاج؛ لأن من بعدها سيتفرق الحُجَّاج في وُجُهاتهم إلى بلدانهم، فما قبل هذا الافتراق نزل على رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67].

 

هذه الآية المباركة من المُتَّفَق على أنها من الآيات الأخيرة في القرآن الكريم، من آخر الآيات نزولاً، ومع ذلك تتضمَّن هذا المنطق العجيب، وهذا التأكيد الكبير، الذي يُبَيِّن لنا نحن- نحن المسلمون- يُبَيِّن لنا أهمية محتوى ذلك البلاغ، أنه بلاغٌ في غاية الأهمية، مع أن الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” عندما نزلت عليه هذه الآية المباركة، قد بلَّغ مبادئ الإسلام الكبرى، وفي مقدِّمتها: التوحيد لله، وحارب الشرك، وعمل على إنهائه في الجزيرة العربية بشكلٍ كامل، وفي نفس الوقت بلَّغ بقية مبادئ الإسلام وشرائعه، وأركان الإسلام، كذلك ما يتعلَّق بالمواقف، المواقف الواضحة والصريحة من كل فئات الطغيان، والكفر، والشر، والضلال، والباطل، سواءً في مواجهته مع مشركي العرب، أو مع اليهود، أو مع النصارى، كل هذا قد بلَّغه كمواقف، أو تشريعات إلهية (شرائع، وفرائض)، أو مبادئ وأسس ومعتقدات، فهو في المرحلة الأخيرة من حياته، ما قبل وفاته بأقل من ثلاثة أشهر، إذاً يبقى هناك موضوعه في غاية الأهمية، وأهميته مرتبطةٌ بماذا؟ بكمال الدين، بقيام أمر الإسلام، واستقامة أمر الإسلام، وتمام هذا الدين؛ ولهـذا عبَّر عن هذه المسألة بِدِقَّة في قوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67]، مما يوضِّح أن النقص المتعلِّق بهذه المسألة، لو لم يبلِّغ بها النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ليس نقصاً عادياً، ولا هامشياً، بل هو نقص يمتد كل أثره على محتوى الرسالة الإلهية، في فاعليتها، في دورها، في حضورها، في استقامة واقع الأُمَّة عليها، فهو نقصٌ خطيرٌ جدًّا، لو لم يتم الإبلاغ بهذا البلاغ العظيم؛ لكان ذلك نقصاً وثلماً كبيراً في هذا الدين، كذلك على مستوى الالتزام والاهتمام بمضمون هذا البلاغ في إقامة الدين، استقامة أمر الأُمَّة على أساسه، كل هذا يوضِّحه قول الله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67].

 

أمَّا قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]، وهي ضمانة قُدِّمت للنبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” في العصمة، يعني: دفع شر الناس عنه، وتمكينه من أداء هذا البلاغ بنجاح، والمسألة هذه مسألة عجيبة؛ لأنه سَيُبَلِّغ هذا البلاغ في وسطٍ إسلامي، لم يبقَ للشرك أي حضور في الساحة العربية آنذاك، وفي الجزيرة العربية آنذاك، الجموع التي سينادي فيها بهذا البلاغ، ويبلِّغها بهذا البلاغ، وهي عشرات الآلاف من الناس، جموعٌ من المسلمين الذين دخلوا في الإسلام، وهم أيضاً سيقومون بنقل هذا البلاغ إلى بلدانهم، ومجتمعاتهم، وقبائلهم، التي قد دخلت في الإسلام، في دين الله أفواجاً؛ ولكن يتَّضح أن هذه المسألة هي مسألة ذات حساسية كبيرة، محتوى البلاغ الذي سيبلِّغه ذات حساسية كبيرة لدى الناس بكل فئاتهم؛ لأن التعبير هنا جاء عاماً: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]، لم يقل- مثلاً- فقط: [والله يعصمك من الكافرين، أو يعصمك من فئات معيَّنة]، (مِنَ النَّاسِ) بكل فئاتهم.

 

كذلك الختام لهذه الآية المباركة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]، يُبَيِّن أيضاً أن الموقف من محتوى هذا البلاغ، حينما يكون موقف الجحود، أو موقف الرفض العملي، هو خطيرٌ جدًّا؛ لأنه ليس موقفاً من مسألة عادية، هامشية، بسيطة، ليست ذات أهمية، تعتبر من المسائل التي يمكن التغاضي عنها واللامبالاة بها؛ بل هو موقفٌ سيءٌ جدًّا تجاه قضية ذات أهمية، وازنة، كبيرة، عظيمة، مهمة في دين الله وفي رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولهـذا أتى الحديث بهذه الصيغة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]، في التشديد على قبح وسوء أي موقف سلبي جاحد، أو رافض، لمحتوى هذا البلاغ العظيم، كما في قوله تعالى في قصة الحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97].

 

الموقف المتمثل إمَّا بالجحود، أو الرفض العملي، لأمر من أمور الدين الإسلامي المهمة، العظيمة، الكبيرة، ركن من أركان الإسلام، أو مبدأ مهم وعظيم من مبادئ الإسلام، لا يعتبر حينما يكون موقفاً سلبياً سيئاً: إمَّا جاحداً، وإمَّا رافضاً على مستوى العمل؛ لا يعتبر موقفاً هيناً عند الله، وموقفاً عادياً عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بل يعتبر موقفاً خطيراً؛ ولهـذا يأتي التصنيف عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لخطورة هذا الموقف بهذه التسمية: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]… وغير ذلك؛ لأن بعض الأمور- فعلاً- الجحود بها، أو الرفض العملي لها، يمثِّل إساءة كبيرة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ودلالةً على اختلال إيماني لدى الإنسان، اختلال في إيمانه بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي جوهر هذا الدين الإلهي، وهو: التسليم لله، والقبول بأمر الله، بتوجيهات الله، بتعليمات الله، بما قرَّره الله، بما فرضه الله، بما شرعه الله، وهي الحالة الخطيرة بالنسبة للإنسان، إذا كان في اتِّجاه مباين لها، حالة انحراف خطير على الإنسان.

 

هذا كله يبيِّن أهمية المسألة؛ ولـذلك الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” حينما أتاه هذا الأمر العظيم، بالبلاغ بأمر له هذه الأهمية الكبيرة، الواضحة، والحساسة في نفس الوقت، في غاية الحساسية عند الناس، وهي- فعلاً- قضية لا يوجد مسألة أكثر حساسية منها عند الناس كمجتمعات واتِّجاهات، غير الحسابات الشخصية لدى كل إنسان لوحده، كمستوى عام يعني لدى الناس، وهذا سيتَّضح.

 

رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” اتَّجه لتنفيذ أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو الذي له مرتبة عالية جدًّا بين رسل الله وأنبيائه، في أدائه الرسالي، في تبليغه لرسالات الله، في قيامه بمهامه ومسؤولياته الرسالية: في تبليغ رسالة الله، في إقامة دين الله، في العمل على هداية عباد الله، في إيصال هدى الله إلى الناس؛ على أرقى مستوى، له موقع متميِّز بين كل الرسل والأنبياء، هو متقدِّم، وهو راقٍ في مستوى هذا الأداء العظيم؛ ولـذلك هو كان يعرف أهمية كل مسألة، ويعطيها ما تستحقه من الأهمية:

 

– في كيفية إيصالها إلى الناس.

 

– في طريقته في التبليغ.

 

– في أسلوبه.

 

– وفي بيانه؛ لأن من ضمن مسؤولياته المهمة: البلاغ المبين، هذه من مسؤولياته: أن يُبَلِّغ بلاغاً مبيناً، يعني: واضحاً، لا لُبس فيه.

 

ولـذلك اتَّجه رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” إلى تنفيذ أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإبلاغ بهذا البلاغ العظيم، الوقت آنذاك- حين نزول هذه الآية المباركة على رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”- كان وقت الظهيرة، في حرارة الشمس الشديدة، في أشد حرارة الشمس، والمنطقة بنفسها حارَّة (منطقة الجُحْفَة)، الموضع الذي هو فيه حار جدًّا ونزل فيه.

 

فرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” اتَّجه لتنفيذ أمر الله، وتبليغ ما أمره الله بتبليغه، بطريقةٍ تُشعِرُ كذلك بأهمية ما يريد أن يُبَلِّغه للناس، وتدل على ذلك دلالةً واضحة، فهو أعلن عن اجتماعٍ طارئٍ وعام، مطلوب من كل الحجيج أن يحضروا في ذلك الاجتماع الطارئ، والنداء لتلك الاجتماعات الطارئة، التي هي في غاية الأهمية، كان يُنادى لها بنداء (الصلاة جامعة)، فنودي بهذا النداء العظيم للاجتماع الطارئ، وأمر أن يتم إعادة من قد تقدَّموا من الحجيج ليعودوا إلى حيث هو، والانتظار للمتأخرين ليصلوا؛ حتى اجتمع كل الحجيج الذين كانوا ذاهبين من الحج، فهو أمر الذين كانوا قد تقدَّموا بالعودة، وعادوا، وانتظر للمتأخرين حتى وصلوا؛ حتى تكامل الجمع.

 

رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، أمر بتنظيف مكان تحت (دوحات) أشجار، وعادةً ما يكون تحتها الشوك، أَمَرَ؛ فَقُمَّ ما تحتهن، يعني: نُظِّفَ ما تحتهن من الشوك ونحوه، وأمر بأن تُرَصّ أقتاب الإبل، وهي كثيرة؛ لأن الجمع عشرات الآلاف من الحجاج؛ فَرُصَّت أقتاب الإبل؛ من أجل أن تكون بشكل مِنْبَر مرتفع وعالٍ، حينما يصعد من فوقه يشاهده الجميع، ويرونه ويسمعونه، وصلَّى بالحجيج صلاة الظهر.

 

بعد أن أكمل صلاة الظهر، استدعى علي بن أبي طالب “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وصعد وهو معه فوق أقتاب الإبل التي كانت قد رُصَّت، ثم خطب خطبةً عظيمةً ومهمة، والجميع يصغون له؛ لأن الأجواء كلها أجواء استثنائية، اجتماع طارئ، لأمرٍ مهم، وذكر لهم هو قبل أن يبدأ حتى بخطابه، أن الله أمره بإبلاغ أمرٍ مهم، وقرأ عليهم الآية المباركة، وخطب خطبته العظيمة والمهمة؛ حتى وصل إلى الموضوع المهم، وهو: محتوى البلاغ الذي أمره الله بإبلاغه.

 

في تلك الخطبة، أخبرهم من جديد أنه على وشك الرحيل من هذه الدنيا، وهذا- كما قلنا- ليس مجرَّد وداع عاطفي؛ بل ليربط المسألة بما بعدها، بالبلاغ نفسه، البلاغ له علاقة بالموضوع، ورغم أنه على وشك الرحيل من هذه الدنيا، قائلاً: ((أَلَا وَإِنِّي يُوْشِكُ أَنْ أُفَارِقَكُم))، هذا خبر مُحزن جدًّا ومؤلم؛ لأن رحيل رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وإن كان قد أتمَّ الرسالة وبلَّغ، وأتى بالقرآن الكريم، ويبقى القرآن بين هذه الأُمَّة، والتعليمات العظيمة التي بلَّغهم بها رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”؛ إلَّا أن غيابه نقصٌ لا يُعَوِّضه شيء، نقص كبير جدًّا على الأُمَّة.

 

((أَلَا وَإِنِّي يُوْشِكُ أَنْ أُفَارِقَكُم))، يعني: على مُقْرُبة، مقربة من الرحي (يُوْشِك)، ((أَلَا وَإِنِّي مَسْؤُول، وَأَنْتُم مَسْؤُولُون))، وفعلاً كما قال الله في القرآن الكريم: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف:6]، يعني: في يوم القيامة، الله يسأل الرسل، ويسأل الأمم أيضاً، ((أَلَا وَإِنِّي مَسْؤُول، وَأَنْتُم مَسْؤُولُون، فَهَل بَلَّغْتُكُم؟ فَمَاذَا أَنْتُم قَائِلُون؟))، لنلحظ هنا، كل هذا التعبير هو يدل على تركيز رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” على إقامة الحُجَّة بشكلٍ كامل.

 

فقام من كل ناحية من القوم مجيب؛ لأن الاجتماع كبير جدًّا، عشرات الآلاف من الحجيج، يقولون: (نَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْله، قَدْ بَلَّغتَ رِسَالَاتِه، وَجَاهَدتَ فِي سَبِيلِه، وَصَدَعت بِأَمرِه، جَزَاكَ اللهُ خَيرَ مَا جَزا نَبِيّاً عَن أُمَّتِه)، وهذا شهادة له، شهادة له بالإبلاغ، وبما هو أكثر من الإبلاغ، وهو مسألة: العمل على إقامة دين الله، وهداية عباد الله، وإرساء دعائم الإسلام… وغير ذلك.

 

ثم واصل خطبته، إلى أن قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاس، إِنَّ اللَّهَ مَوْلَايَ، وَأَنَا مَولَى المُؤمِنِين، أَولَى بِهِم مِنْ أَنفُسِهِم، فَمَن كُنْتُ مَولَاهُ، فَهَذَا))، وأخذ بيد عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” ورفعها مع يده، ((فَهَذَا عَلِيٌّ مَولَاه، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاه، وَعَادِ مَنْ عَادَاه، وَانصُر مَنْ نَصَرَه، وَاخذُل مَنْ خَذَلَه))، واستمر في خطابه، مؤكِّداً أهمية الموضوع، ومستشهداً عليهم بالبلاغ، قائلاً لهم، وهو يكرر الاستشهاد عليهم بأنه قد بلَّغهم: ((أَلَا هَلْ بَلَّغْت؟))، وهم يجيبونه: (اللَّهُمَّ بَلَى)، فيقول: ((اللَّهُمَّ فَاشْهَد))، ويكرِّر ذلك لثلاث مرَّات: ((أَلَا هَلْ بَلَّغْت؟))، وهم يقولون: (اللَّهُمَّ بَلَى)، فيقول: ((اللَّهُمَّ فَاشْهَد))، ويحرص مع ذلك على أن يصل هذا البلاغ إلى مجتمعاتهم وقبائلهم، وأن يستمر في الأُمَّة جيلاً بعد جيل؛ ولهـذا قال: ((فَليُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِب))؛ لأنه مطلوب أن يصل هذا البلاغ إلى الآخرين، فنزل قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة:3].

 

الآية المباركة في الأمر بالبلاغ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]، ونص خطبة الغدير، الخطبة بكلها، وفي خلاصتها وجوهرها وأهمها: النص المتعلِّق بمسألة الولاية: ((يَا أَيُّهَا النَّاس، إِنَّ اللَّهَ مَوْلَايَ، وَأَنَا مَولَى المُؤمِنِين، أَولَى بِهِم مِنْ أَنفُسِهِم، فَمَن كُنْتُ مَولَاهُ، فَهَذَا عَلِيٌّ مَولَاه، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاه، وَعَادِ مَنْ عَادَاه، وَانصُر مَنْ نَصَرَه، وَاخذُل مَنْ خَذَلَه))، ثم النص القرآني المبارك، في كمال الدين وتمام النعمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة:3]، كل هذا يدل على الأهمية الكبرى لموضوع الولاية، والواقع يشهد على ذلك، واقع المسلمين يشهد على الأهمية الكبيرة لذلك.

 

هناك أيضاً السياق القرآني، الآيات القرآنية؛ لأن هذا الموضوع أيضاً أتت الآيات المباركة عنه في (سورة المائدة)، وأيضاً في سياقٍ مهمٍ جدًّا لهذه الأُمَّة، كله يدل على أهمية الموضوع، السياق الذي أتى الحديث فيه عن مسألة الولاية وأهميتها في (سورة المائدة)، هو سياق يوضِّح لنا بشكلٍ تام كمسلمين، المخاطر الكبرى علينا في كل عصر، ولاسيَّما في العصور المتأخرة، ولكن في كل عصر؛ لأن واقع الأُمَّة مترابط، وكل مرحلة تؤثِّر على ما بعدها، الخطر الكبير على هذه الأُمَّة من جهة اليهود، وأوليائهم من النصارى، ومخاطر التَّوَرُّط في التَّوَلِّي لهم، وفي الخضوع لولايتهم، وحاجة الأُمَّة الكبيرة جدًّا إلى ما يُحَصِّنها من ذلك، ويحميها من ذلك.

 

الآيات المباركة في (سورة المائدة) من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:51]، هي تُحَذِّر بأشد التحذير من التَّوَلِّي لهم، من اتِّخاذهم أولياء، اتِّخاذهم أولياء:

 

– يشمل التأييد لهم في الموقف.

 

– يشمل كل أشكال التعاون معهم ضد الإسلام والمسلمين.

 

– يشمل أيضاً الخضوع لهم، والطاعة لهم، والتعامل معهم كجهة آمرة، مُقَرِّرة، مُوَجِّهة في مختلف شؤون الحياة.

 

وهذه حالة خطيرة جدًّا، إلى درجة أنه يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، يعني: يصبح حكمه عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وفي كتاب الله كحكمهم، كما لو كان يهودياً، أو نصرانياً، يعني: قضية خطيرة جدًّا، إخلال كبير جدًّا في انتمائك الإيماني وانتمائك الإسلامي، إلى أسوأ مستوى يمكن أن تتصوره، وتصبح محسوباً منهم في ما هم عليه: من إجرام، من إضلال، من طغيان، من فساد، وشريكاً لهم في كل ذلك، فالمسألة في غاية الخطورة.

 

الكثير من الناس يستبسطونها، ويتهاونون تجاهها، ولاسيَّما مع غياب التثقيف الديني، والتعليم الديني، والتوجيه الديني الذي يبيِّن أهميتها ويركِّز عليها، في كثيرٍ من أبناء الأُمَّة، ليس هناك نشاط توضيحي، تبيني، تفهيمي للناس، فمع غياب هذه المسألة من أوساط الناس، يستبسطها الكثير من الناس:

 

– يستبسطها في واقعه هو؛ فيتحرَّك بما فيه خدمة لليهود والنصارى، أو تأييد لمواقفهم ويستبسط المسألة، أو رضا لما يفعلونه، أو أي شكلٍ من أشكال الموالاة لهم.

 

– أو لديه تقبُّل بمسألة سيطرتهم على هذه الأُمَّة، وفرض إملاءاتهم على هذه الأُمَّة، وتدخُّلهم في كل شؤون هذه الأُمَّة، وهذا التَّقَبُّل هو بعينه مسألة التَّوَلِّي لهم واتِّخاذهم أولياء.

 

– أو تَقَبُّل المسألة لمن هم لديهم سلطة، نفوذ، أمر ونهي فيه، وهو خاضعٌ لهم، يتقبَّلها لغيره، لكن فيما يؤثِّر عليه أيضاً.

 

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في التحذير منهم، أيضاً حذَّر من هذه المسألة في آيات كثيرة، آيات أخرى، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، لأن المسألة ليست مسألة عادية وبسيطة؛ لأنها تتَّجه في تأثيراتها السيئة على التزاماتنا الدينية، والإيمانية، والأخلاقية: في المبادئ، في المواقف، في الأخلاق… في كل شيء.

 

القرآن الكريم، كتاب الهداية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الذي قال الله عنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، هو يُقَدِّم الهداية الواسعة لنا، في كل ما نحتاج إلى الهداية فيه، هو يُرَسِّخ لدينا نحن كمسلمين النظرة الصحيحة تجاههم كأعداء، تجاه اليهود وأوليائهم من النصارى؛ باعتبارهم أعداء لنا بكل ما تعنيه الكلمة؛ بل اليهود أشد عداءً من غيرهم من كل الأعداء لهذه الأُمَّة كأعداء؛ ولهـذا يقول عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، فكيف تتولى عدوك، الذي هو يعاديك، كل أنشطته، كله برامجه، كل توجهاته، كل سياساته، هي عدائية، تستهدفك بشكلٍ عدائي، وإن كانت مخادعة، وإن كان فيها تلبيس، أو خداع؟!

 

يُقَدِّمهم كأعداء حاقدين جدًّا، أشد حالات الحقد؛ ولهـذا قال عنهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119]، هذا يُعَبِّر عن حقد شديد؛ بل قال عنهم أيضاً: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة:105]، وهذا من الحقد الشديد، أنه لا يريد لك أي خيرٍ إطلاقاً حتى من الله، أي خير مهما كان، كل أنواع الخير، يعني: لو تمكَّنوا من أن يمنعوا عنَّا الأوكسجين الذي نتنفسه لمنعوه، لا يريدون لنا أي خير، أي عِزَّة، أي كرامة، أي نهضة، أي خير في أي شأنٍ من شؤون الحياة، في كل ما تتناوله أيَّ خير.

 

وهم- في نفس الوقت- مخادعين ومضلِّين، يعني: أعداء يستخدمون أسلوب الإظلال، قال عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، وهم يعملون على هذا الأساس: الإضلال، والخداع للأُمَّة، وكل العناوين التي يخادعون بها الأُمَّة كعناوين جذَّابة ومغرية؛ إنما يستخدمونها للإظلال لهذه الأُمَّة، فهم يريدون لهذه الأُمَّة أن تضل، أن تضيع في كل شيء: في دينها ودنياها، أن تكون أمها ضائعة.

 

وكأعداء مفسدين أيضاً، قال عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}[المائدة:64]، (يَسْعَوُنَ): لديهم نشاط مكثَّف، وجاد، ومتسارع، ومستمر، في الإفساد الشامل، الإفساد في الأرض في كل مناحي الحياة.

 

كذلك القرآن الكريم يبيِّن لنا كثيراً عن أساليبهم الخطيرة، الهادفة إلى تطويع الأُمَّة، يعني: هم يعملون إلى أن تتحوَّل هذه الأُمَّة إلى أُمَّة مطيعة لهم، التطويع أسلوب خطير جدًّا، وهم أعداء في نفس الوقت، لكنهم يعملون على تحويل هذه الأُمَّة إلى أُمَّة مطيعة لهم: حكوماتها مطيعة لهم، شعوبها مطيعة لهم، احزابها، سياسيوها، كوادرها بكل أشكالهم، نخبها… الكل يكون مطيعاً لهم، ويتحوَّل إلى مطيع لهم: يتقبَّل بإملاءاتهم، يتأثَّر بأفكارهم، يتقبَّل ما هو منهم، يتَّجه الاتِّجاه الذي يريدونه هم… وهكذا.

 

ومع هذا الخطر من جهتهم هم، هناك حالة خطيرة من داخل الأُمَّة تلتقي بهذا الخطر، هي: حالة الانحراف في داخل الأُمَّة، المتمثلة بحركة النفاق، وما يتماهى معها، ممن يشملهم العنوان القرآني: في قول الله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة:52]، وهو عنوان يشمل فئات واسعة، من الذين لديهم اختلال كبير في عمق إيمانهم، في واقعهم النفسي، في قلوبهم، وأنواع المرض التي تعني: اعتلال معنوي، وإيماني، وأخلاقي، خلل في هذه الجوانب، أنواع كثيرة جدًّا:

 

– لدى البعض من الناس هو: الشك، هو الريب.

 

– لدى البعض من الناس هي: الأطماع والأهواء.

 

– لدى البعض من الناس هي: المخاوف.

 

– لدى البعض من الناس هو: الميل بدوافع أو بأخرى.

 

الأنواع كثيرة جدًّا، ليس السياق في كلامنا هو الحصر لها، لكن البيان على أنها حالة تتَّجه من داخل الأُمَّة، يعني: حالة تتحرَّك من داخل الأُمَّة على هذا الأساس: تدفع بالأُمَّة نحو اتِّخاذ اليهود والنصارى أولياء، فهي تُرَوِّج لذلك، تسعى لذلك، تضغط لذلك، تتحرَّك بقدراتها بإمكاناتها، بوسائلها الإعلامية؛ لإقناع الآخرين بذلك، للدفع بالآخرين بذلك؛ لأنها تركِّز على أن تُقَدِّم ما تعتبره تودُّداً إليهم، خدمةً لهم، تَقَرُّباً إليهم، وبمسارعة، (مسارعة) اهتمام كبير، المفترض بحسب النظرة القرآنية هي المسارعة إلى العداء لهم، إلى اتِّخاذ موقف منهم، والمسارعة إلى طريق مرضاة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لكنَّ هذه المسارعة معاكسة، في اتِّجاه يخدمهم.

 

فالآيات القرآنية هي تبيِّن خطورة هذه الحالة من الانحراف، والسلبيات الكبيرة لها، وتبيِّن- وبيان ممن؟ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الذي له عواقب الأمور، القائل “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:41]، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}- كيف النتيجة لهذه الحالة من الانحراف، التي تتَّجه نحو اتِّخاذهم أولياء، بالولاء لهم في الموقف، وبتمكينهم من السيطرة على هذه الأُمَّة، والانصياع لمؤامراتهم، لتوجهاتهم، للمواقف التي يدفعون إليها، والتَّقبُّل بما يقدِّمونه على كل المستويات، وبمسارعة واهتمام كبير، الله يؤكِّد أنَّ العاقبة لهذا التَّوَجُّه، لهذا الانحراف، للذين يسيرون وفق ذلك: في المسارعة فيهم، العاقبة هي الندم والخسران، أن يصبحوا نادمين وخاسرين، وهذه حقائق قرآنية، مهما- في ظروف معيَّنة- كان الواقع بالنسبة للبعض واقعاً يطمئنون إليه، في حساباتهم السياسية وغيرها، لكن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو من يملك أن يصنع المتغيرات الكبيرة، وأن يُنَفِّذ وعيده الحق، وأن تجري سنَّته التي تجري في مسيرة الحياة، وهو القادر “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على تنفيذ ما توعَّد به؛ ولـذلك هذه حقائق حتمية، حقائق حتمية، تتحقق بلا شك: أن يصبحوا خاسرين، وأن يصبحوا نادمين.

 

الآيات القرآنية، التي رسَّخت كيف تكون نظرتنا ورؤيتنا صحيحة وفق هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كيف يكون اتِّجاهنا كَأُمَّة، كمسلمين، بما يحمينا، يحمينا من الانزلاقة والتَّوَرُّط في الاتِّجاه الذي لا يفيدنا؛ إنما يمكِّن الأعداء، وفي نفس الوقت تكون عاقبته الخسارة والندم، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في هذا السياق قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}[المائدة:54]؛ لأنه سياق ارتداد، الخضوع لليهود وأوليائهم من النصارى، والاتِّجاه لموالاتهم على مستوى الموقف، وعلى مستوى التعاون معهم في إطار الموقف، والمساندة لهم في إطار الموقف، وعلى مستوى التَّقَبُّل بهم كجهة آمرة، مقرِّرة، متحكِّمة، تفرض إملاءاتها، تتدخَّل في شؤون حياتنا المختلفة: في التعليم، في التثقيف، في الخطاب الديني، في الإعلام، في التأثير على الرأي العام، في الاقتصاد… في مختلف شؤوننا، وهم يحرصون على ذلك، يعملون على أن يقولبوا وينظِّموا واقع هذه الأُمَّة بما يخدم مصالحهم، والذي يخدم مصالحهم ما هو؟ ما يكون ضلالاً، ما يكون انحرافاً، ما يكون تحريفاً، ما يكون زيغاً، ما يكون انصرافاً عن هدي الله وعن الحق، فالحالة ستكون حالة ارتداد، {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54]، ثم قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:55-56]، فالآيات المباركة قدَّمت الولاية كأساس إيماني، يحمي الأُمَّة من ولاية أعدائها اليهود والنصارى، أساس إيماني يمثِّل حماية للأُمَّة، وتحصين للأُمَّة في هذا السياق نفسه، وأيضاً يصلها: يصل الأُمَّة التي تتَّجه على هذا الأساس، ومن يتَّجهون على هذا الأساس برعاية الله، وهدايته، ونصره، ويجعلها في موقع الصراع مع أولئك الأعداء، الذين هم أعداء مضلُّون، مفسدون، حاقدون، مجرمون، ظالمون، أبرز عنوان هو الظلم من عناوينهم، مما يعبِّر عن توجُّهاتهم، أعمالهم، سياساتهم، مواقفهم.

 

فالأُمَّة في إطار الصراع معهم، تكون في إطار مهمة مُقدَّسة؛ ولهـذا قال: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ}[المائدة:56]، تواجه شر، وطغيان، وإجرام، وظلم، وإضلال، وفساد اليهود، وأوليائهم من النصارى، في إطار مهمةٍ ومسؤوليةٍ مقدَّسة، ومنطلقٍ إيماني، ومهمة مُتَّصِلَة بالله في هديه وتعليماته، وهذا ما أراده الله للأُمَّة الإسلامية: أن يكون لها هذا الموقع في الصراع مع اليهود، موقع أنها تؤدِّي مسؤوليةً مهمةً مقدَّسة:

 

– فهي أُمَّة الخير، التي تواجه شرَّ اليهود.

 

– وهي الأُمَّة القائمة بالقسط والعدل، التي تواجه ظلم اليهود، وهم أظلم الناس، وأسوأ الناس ظلماً، وأشدُّ الناس ظلماً.

 

– وهي الأُمَّة التي تتحرَّك بقيم الحق، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، في مواجهة منكرهم، وفسادهم، وإجرامهم.

 

– وهي الأُمَّة التي تحمل الهدى والنور للبشرية، في مواجهة ضلالهم، وإضلالهم، وظلماتهم.

 

هذا الموقع الذي أراده الله للأُمَّة، وهي في ذلك كله تكون مُتَّصِلةً بهدى الله، تتحرَّك على أساس تعليماته، وتعتمد عليه، وتثق به، وتحظى برعايته ونصره؛ فتؤدِّي هذا الدور وهي في واقع الحال حزب الله، {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56]، {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56]، يكون التَّوَلِّي لله، ولرسوله، وللذين آمنوا في هذا السياق، هو هذا الاتِّجاه: هو التَّحَرُّك من هذا الموقع الذي أراده الله للأُمَّة في أداء مسؤولياتها الإيمانية والمقدَّسة والعظيمة.

 

الأعداء هم يسعون- اليهود، وأولياؤهم من النصارى، ومعهم حركة النفاق في الأُمَّة- هم يعملون دائماً على تجريد الأُمَّة وفصلها من هذه القيم، وهذه العناوين، وإبعادها عن هذا الموقع، فلو خاضت صراعها مع اليهود، يكون اليهود من جانبهم هم دائماً ما يركِّزون على أن يحملوا تلك العناوين: عناوين (النور في مواجهة الظلام)، (الخير في مواجهة الشر)، وحتى العنوان الديني، ثم كذلك التَّذَرُّع والاحتجاج بنصوصهم المُحَرَّفة، التي هي بعيدة كل البعد عن دين الله، ويكون للآخرين موقع آخر: عناوين سياسية مجرَّدة، أو عناوين حقوقية مجرَّدة، بمعنى: حينما تتحرَّك الأُمَّة في المواجهة لهم، يكون العنوان الذي تتحرَّك به- حصرياً- محدوداً جدًّا في نطاق أن تكون مطالبة بالأرض: [لا تأخذوا عليَّ أرضي]، ولا تُسنِد هذا الحق- هو حق، لكن لا تسنده- إلى قيمها الإيمانية، الدينية، ولا تتحرَّك فيه كأُمَّة تتمسَّك بقضية عادلة، تنطلق في إطار العدل، الحق، الخير، ولا ترتبط بصلتها الإيمانية والدينية، وهذا من خبث اليهود، يعني: عندما تتأملون- مثلاً- وتسمعون كلمات قادتهم من كبار المجرمين، وأسوأ المجرمين، وأفظع الناس إجراماً، وظلماً، وسوءاً، وقبحاً، وضلالاً، كيف يحاول أن يأتي في حديثه بتلك العبارات: عبارات أنهم هم الجهة التي تمثِّل الخير، والنور، ويواجهون الحركات الظلامية، والإرهابية، والمخربين… وتلك العناوين.

 

الشيء المؤسف: أنَّ أسلوبهم في تجريد الأُمَّة من تلك العناوين، التي عليها أن تمثِّلها بحق، بحق، وصدق، وواقع، وإزاحتها عن الموقع الذي ينبغي أن تنطلق فيه، وهو موقع مشرِّف عظيم، تؤدِّي فيه مسؤولية مقدَّسة وعظيمة، ومسؤولية إيمانية ورسالية، في إطار رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتعاليمه وإرث الأنبياء “عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ واَلسَّلَامُ”؛ تقبل بأن تترك كل ذلك، تتحرَّك في إطار عناوين حقوقية مجرَّدة، أو عناوين سياسية مجرَّدة، وتترك لأولئك أن يحملوا كل تلك العناوين، هذا من مكر الأعداء، لماذا؟ لأن الأُمَّة إذا جُرِّدَت من كل ذلك؛ تفقد أشياء كثيرة جدًّا:

 

– في مقدِّمتها: الاتِّصال والارتباط بالله، في أداء مسؤولية عظيمة مقدَّسة.

 

– كذلك تهبط في مستوى القضية، يعني: من قضية- مثلاً- إقامة العدل في الحياة، إقامة القسط في الحياة، إقامة الحق في الحياة، إقامة الخير في الحياة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التَّصَدِّي للظلم، للشر، للطغيان، للإجرام، للفساد، للإضلال؛ تُجَرَّد من كل ذلك، فتهبط إلى عنوان بسيط جدًّا، وكأنها مُنَازَعة على قضية مجرَّدة عن كل هذه العناوين، يعني: ليس فيها مسألة حق، عدل، ليس فيها مسألة خير، ليس… كل هذه العناوين مفصولة عنها؛ مجرَّد عنوان (الأرض) مثلاً، المطالبة بالأرض، المطالبة بهذه العناوين مجرَّدةً عن كلِّ ما يعطيها قدسية، أهمية، اعتبار مهم، وهذا هبوط له تأثيره النفسي، حتى على المستوى النفسي؛ وبالتـالي حتى هم عندما يأخذون ما يأخذونه على الآخرين، وكأنهم أخذوا شيئاً عادياً، وفعلوا شيئاً عادياً، والخلاف بينك وبينهم على مسألة عادية جدًّا، فهم يهبطون بك في قضيتك؛ بما يؤثِّر حتى على المستوى النفسي والمعنوي، وعلى مستوى الرعاية الإلهية، والتأييد الإلهي، والنصر الإلهي… وعلى اعتبارات كثيرة جدًّا.

 

أمَّا هم فلا يفعلون ذلك، هم يأتون ليحملوا كل تلك العناوين، ويحشدونها بغير حق، في غير محلها، بل يسيئون إليها؛ حينما يحاولون أن يقدِّموها عناوين لإجرامهم، لفسادهم، لظلمهم، لطغيانهم، لظلماتهم وفسادهم.

 

– ثم هم يحاولون أن يسلبوا الأُمَّة عن كل ما يؤهِّلها لتكون بمستوى مواجهة تلك التحديات؛ لأن الارتباط بهدى الله وتعليمات الله يبني هذه الأُمَّة: على مستوى البصيرة، والوعي، والنور، على مستوى الحالة المعنوية، على مستوى زكاء النفوس، يُحَصِّن الأُمَّة من تأثيرات أولئك، في نشاطهم في الإضلال والإفساد، والحرب الفكرية، الحرب الناعمة، الشيطانية، المفسدة، المضلَّة… كل أشكال الاستهداف الفكري، والثقافي، والنفسي، والمعنوي… وغير ذلك، فهم يريدون أن يضربوا هذا الجانب؛ ليسهل عليهم كل شيءٍ بعد ذلك، وهذا فعلاً يحصل.

 

ولـذلك فالإيمـــان بولايـــة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو:

 

– يصل الأُمَّة بهدى الله وتعليماته الهادية، والمباركة، والحكيمة.

 

– ويربطها في مختلف شؤون حياتها بذلك، يعني: تجعل مسيرتها في الجانب السياسي، في الجانب الاقتصادي، في الجانب الاجتماعي… في مختلف الجوانب الحضارية، على أساس تعليمات الله وتوجيهاته القيِّمة والحكيمة.

 

– ويربطها بنهج الله الحق، وهذا شيءٌ مهمٌ للأُمَّة: أن تتَّجه على أساس نهج الله وهديه وكتابه؛ وبالرموز الهداة، الذين يتحرَّكون بها على هذا الأساس، يسيرون بها على أساس هدى الله وتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

 

– ويحميها من الموالاة لليهود، ومن الخضوع لأمرهم.

 

الولاية لليهود، التَّوَلِّي لهم هو التَّوَلِّي للعدو، المضل، المجرم، الطاغوت، الطاغوت، هم طاغوت، طغاة، وهم ومن اتَّجه معهم طغاةٌ عن نهج الله وعن هدية، منهجهم: هو الطغيان، هو الظلم، هو الانحراف، هو التجاوز لأمر الله، لهدي الله، لنور الله، للحق، للعدل، للخير، تجاوز لكل ذلك، فمن يسير في نهجهم يطغى، يتحوَّل إلى طاغية، هو طاغٍ، متجاوز لحدود الله، وأوامر الله، مفسد، مضل، ظالم، يتَّجه الاتِّجاه المنحرف في هذه الحياة؛ وهم- بالتالي- امتداد لولاية الشيطان، وكلهم من أولياء الشيطان، وولاية الطاغوت هي ولاية الشيطان، أبرز عنوان لها هو: الظلم، وكذلك الظلمات:

 

– ولهذا قال الله عنهم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:51]، وكذلك هو حال من يواليهم، يتحوَّل إلى ظالم، ومن أظلم منهم! هل تشاهدون أظلم مما يفعله العدو الإسرائيلي في قطاع غزَّة بالشعب الفلسطيني؟! منتهى الظلم، أبشع أنواع الظلم، والظلم واسع، ليس على مستوى فقط الإجرام بالقتل:

 

– إضلالهم للناس، نشرهم للضلال في العالم: الضلال العقائدي، والفكري، والثقافي، والسياسي… كل أشكال الضلال، هو من الظلم للناس، وظلم رهيب جدًّا.

 

– نشرهم للفساد للناس: الإفساد للناس، الإفساد للمجتمعات البشرية بكل أشكال الإفساد، ومنه: الإفساد اللاأخلاقي، للترويج للفواحش والرذائل، هو أيضاً من الظلم للناس.

 

وهكذا يمتد ظلمهم إلى كل مجال.

 

– وأيضاً الظلمات، في إضلالهم للناس، في حجبهم للناس عن الحق والحقائق، وإبعادهم للناس عن نور الهدى، عن التعليمات الإلهية، عن القرآن الكريم، الذي هو نور الله، الذي يحتوي رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإرث الأنبياء “عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ واَلسَّلَامُ”، هو أيضاً من الاتِّجاه بالناس في الظلمات؛ ولهـذا يقول الله في القرآن الكريم، للتفريق بين الولايتين (ولاية الله، ولاية الطاغوت): {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}[البقرة:257]؛ ولـذلك هم الظلاميون، هم الظلاميون، وهم الطغاة المجرمون، المضلُّون، المفسدون.

 

هم يعملون على أن يجرِّدوا الأُمَّة من كل القيم، ومن كل عناوين الخير؛ بينما هم يحملونها بشكلٍ زائف، ومتباين معها تماماً، وكل اتِّجاههم لضرب هذه الأُمَّة في روحها المعنوية، وفي أن يجرِّدوها من كل الأسس الإيمانية الدينية؛ حتى تبقى أُمَّة بدون جذور، يسهل عليهم أن يقلعوها.

 

اتِّجاههم في هذا العصر للارتداد بها عن دينها، اتِّجاههم أيضاً لأن يقولبوها في كل شؤون حياتها على أساس ما يخدموا مصالحهم، حتى في الثقافة والمفاهيم، حتى في الخطاب الديني، شيءٌ واضح.

 

اليهود في هذا العصر، وفي هذه المرحلة، ومعهم من معهم من النصارى، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، يتَّجهون وبشكلٍ واضح إلى فرض ولايتهم على المسلمين، هم يعملون على ذلك، اتِّجاههم لتحقيق هذا الهدف هو اتِّجاه واضح، والسيطرة التَّامَّة على الأُمَّة الإسلامية، وهذه السيطرة ما الذي فيها؟ هل هي مجرَّد سيطرة عسكرية، أو مجرَّد احتلال أرضي لمواقع عسكرية هنا أو هناك؟! هم يتَّجهون لبرمجة دينها، وهويتها، وثقافتها، وفكرها، وولاءاتها، وعداواتها، وفق ما يحقق لهم هذا الهدف؛ لأن هذا من متطلبات سيطرتهم التَّامَّة على هذه الأُمَّة، وأن تكون متقبِّلةً لإملاءاتهم، ومطيعةً لهم.

 

هناك في ثقافة هذه الأُمَّة، في قرآنها، في دينها، في مبادئها، ما يمنع ذلك، إذا بقيت الأُمَّة واعيةً له، وملتزمةً به، ما يمنع من تقبُّل الطاعة لهم، الخضوع لهم؛ لأنهم- كما قلنا- عدو، مجرم، ظالم، مضل، مفسد، سيء، امتداد لولاية الشيطان، الطاعة له خسارةٌ في الدنيا والآخرة، فهم يحاولون أن يُقَولِبُوا ذلك، وللأسف تلتقي معهم أيضاً- كما قلنا- حركة النفاق والانحراف المسارعة فيهم.

 

فهم- في هذا السياق- يتَّجهون عملياً في هذه المرحلة لتحقيق خطوات متقدِّمة في هذه السيطرة؛ ولـذلك يحاولون أن يعملوا على تصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ نهائي، وما يرتكبونه من إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني هو في هذا السياق، يريدون أن يحسموا المسألة في فلسطين، ومن ثم ما بعد فلسطين، لا يقتصر الأمر على فلسطين فقط، هم يحاولون أن يعملوا على إزاحة أيِّ عائق أمامهم، العائق في فلسطين، والعائق فيما بعد فلسطين.

 

يجب أن تكون النظرة إليهم من كل أبناء أُمَّتنا الإسلامية على أساس- في مسألة ما هو توجههم تجاه هذه الأُمَّة- على أساس:

 

– الحقائق القرآنية التي ذكرها الله عنهم في القرآن الكريم، ومصاديقها في واقعهم بيِّنة وواضحة تماماً: في مخططهم الصهيوني، هو مخطط- بالنسبة لهم- يسيرون عليه، ويلتزمون به، ويؤكِّدون ارتباطهم به، هم يتبنونه بشكل صحيح، هم لا ينكرونه، خطواتهم العملية هي لتنفيذه، ومع ذلك المخطط أيضاً: العنوان الذي يكرِّرونه باستمرار، من أعلى مستوياتهم في قادتهم، وهو: [تغيير وجه الشرق الأوسط]، أليسوا يتحدَّثون عن تغيير وجه الشرق الأوسط، ماذا يعني هذا التعبير؟ التغيير إلى إخضاع هذه المنطقة بكل شعوبها تحت سيطرتهم، وإخضاعها لهم، والتَّحَكُّم بها، والسيطرة التَّامَّة في كل المجالات.

 

– النظرة إليهم أيضاً من خلال جرائمهم: حجم الإجرام الذي يحصل في قطاع غزَّة، ليست المسألة فقط أن يكون موقفنا منه الموقف النفسي والعاطفي، هذا شيء ضروري لكل ذي ضمير إنساني، أن يغضب من اليهود، أن يستاء منهم، وأن يحزن ويتألم للشعب الفلسطيني على ما يعاني من الظلم والاضطهاد عندما يشاهد تلك المآسي، ولكن مع ذلك: النظرة، الفكرة، الرؤية، هذا شيءٌ مهم، أن تعرف أنهم هكذا، اليهود الصهاينة هم بذلك الإجرام، يعني: أنهم سيئون جدًّا، مجرمون جدًّا، يشكِّلون خطراً على كل المجتمعات، على كل من يسمُّونهم هم بـ [الأغيار]، يسمُّون غيرهم من المجتمعات البشرية بـ [الأغيار]، ولا يعترفون لهم بأنهم من البشر.

 

– بثقافتهـــم، انظروا ما هي ثقافتهم؟ ما هي محتويات ومضامين التلمود، الذي يعتمدون عليه ككتاب بالنسبة لهم، يتضمَّن الثقافة اليهودية، الرؤية اليهودية، المعتقدات اليهودية المقدَّسة لديهم، التي يؤمنون بها، يعتقدون بها، ينظرون من خلالها إلى الآخرين، يتحرَّكون على أساسها.

 

هذا ما ينبغي أن تكون من خلاله النظرة والرؤية، ويبنى على أساسها الموقف، لا أن يخدع الإنسان نفسه، ويخالف القرآن، ويخالف الواقع، ويقبل بنظرة ساذجة، غبية، جاهلة، ظلامية، ترى فيهم أنهم: فئة يمكن السَّلام معها، التفاهم معها، التعايش معها، التطبيع معها، العلاقة معها.

 

نحن في مرحلة مهمة، مرحلة حسَّاسة جدًّا في الصراع معهم، الصراع ما بين أُمَّتنا وما بينهم، هي مرحلة- هذه بالتحديد- مرحلة مهمة للغاية، وليس هناك إلَّا خيار من خيارين:

 

– إمَّا الخنوع لهم، والخضوع لهم، واتِّخاذهم أولياء، والقبول بولايتهم، بسيطرتهم، بتحكمهم، بإملاءاتهم، وفي هذا خسارة الدنيا والآخرة، وفيه الشقاء، والهوان، والخزي، فيه الخسارة للكرامة الإنسانية، والعِزَّة الإيمانية، والاستقلال، والحُرِّيَّة، وفيه خسارة لكل شيء، وتمكينهم من كل شيء، لا يبقى للأُمَّة لا أمن، ولا استقلال، ولا كرامة، ولا حُرِّيَّة، ولا خير، وتخسر مع ذلك مستقبلها في الآخرة، وهذا شيء فظيع جدًّا، أي إنسان يختار هذا الخيار؛ فهو شقي بكل ما تعنيه الكلمة، وضال، وتائه، وغبي، أغبى الأغبياء، وأضل حتى من حمار أهله، هو في حالة رهيبة من الغباء؛ لأنه شيء ليس وراءه أي خير للإنسان، يعني: حتى الإنسان حينما يضحي هذه التضحية من أجل مَنْ؟ من أجل مجرمين، سيئين جدًّا، أسوأ خلق الله، أشرِّ الناس، فتخسر من أجلهم كل شيء: كرامتك الإنسانية، عِزَّتَك الإيمانية، خير الدنيا والآخرة، ومستقبلك في الآخرة.

 

– الخيار الآخر هـو: ألَّا تقبل بولايتهم، ألَّا تخضع لهم، ألَّا تقف معهم، ألَّا تؤيِّدهم، ولا تقبل أن يسيطروا على أُمَّتك، أن يهيمنوا على أُمَّتِك، أن يُخْضِعوا هذه الأُمَّة ويتحكَّموا بها، وأنت منها، وأن يكون الاتِّجاه الآخر هو الاتِّجاه لمواجهة مؤامراتهم، شرِّهم، وطغيانهم وإجرامهم، وضلالهم، وإفسادهم في كل المجالات، وعلى أساسٍ من الوعي، والبصيرة، والشعور بالمسؤولية، وأن نتَّجه في إطار الموقع الذي أراده الله لنا؛ لنكون أُمَّة الخير، في مواجهة شرِّهم، وأُمَّة الحق والعدل، في مواجهة باطلهم، وظلمهم، وإجرامهم، وأُمَّة القيم والأخلاق العظيمة الفطرية والإلهية، في مواجهة إفسادهم… وهكذا، نكون في الموقع الذي أراده الله لنا، وفيه الحفاظ على كل الحقوق، وعلى الأوطان، وعلى الممتلكات… وعلى كل شيء، يحفظ لنا كل شيء من موقع أرقى وأعظم، يصلنا بالله، بهدية، بتعليماته، برعايته، بنصره، بمعونته، وهو خير الناصرين، نعم المولى ونعم النصير.

 

المرحلة- كما قلنا- هي: أنَّ الأعداء يتَّجهون إلى إزاحة أيِّ عائق قبلهم في هذه الأُمَّة؛ لأنهم يريدون أن يُحْكِموا هذه السيطرة، وفي هذا السياق نفسه أتى العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية في إيران؛ لأن العدو الإسرائيلي يرى في الجمهورية الإسلامية، ومن خلفه الغرب، من خلفه أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا… ومن معهم، يرون في الجمهورية الإسلامية في إيران نموذجاً مستقلاً، حُرّاً إسلامياً، داعماً للقضية الفلسطينية، حاملاً لقضايا الأُمَّة، مناصراً للمظلومين والمستضعفين، ويرون في الجمهورية الإسلامية دولة تبني نهضةً حضارية، ويرون فيها أيضاً قوةً إسلامية، وهذا كله ما لا يريده الإسرائيلي، ولا الأمريكي، ولا البريطاني… ومن معهم، لا يريدون أبداً أن يكون في وسط المسلمين، أو في واقع المسلمين، أي دولة بهذه المواصفات: مستقلة، لا تخضع لهم، لا تخنع لهم، لا تقبل بالتبعية لهم في اتِّجاهها السياسي ومواقفها، وفي شؤونها الاقتصادية وغيرها، وتكون حُرَّةً، مستقلةً، عزيزةً، داعمةً للقضية الفلسطينية، داعمةً لقضايا المظلومين والمستضعفين، تبني نهضةً حضاريةً إسلامية، هذه هي القضايا الحسَّاسة جدًّا، وهي- في نفس الوقت- القضايا المهمة، التي يمكن أن تحفظ للأُمَّة كل شؤونها، تجاه الدين ومصالحها الحقيقية، فهم يحاربون أي توجُّهٍ على هذا الأساس في واقع المسلمين.

 

العدوان الإسرائيلي على إيران عدوان مكشوف، واضح، بلطجي، وقح، لا يراعي أي اعتبارات، حتى القانون الدولي، والمواثيق التابعة للأمم المُتَّحِدة وغيرها، اعتداء على دولة ذات سيادة، وهي دولة مستقلة، وفي نفس الوقت اعتداء ظالم وإجرامي:

 

– استهدف قادة عسكريين إيرانيين.

 

– استهدف علماء في المجال النووي.

 

– واستهدف أيضاً أبناء الشعب الإيراني، وهناك شهداء وجرحى من بقية أبناء الشعب الإيراني من غير العسكريين أيضاً.

 

– واستهدف منشآت عسكرية، ومنشآت متنوعة.

 

– واستهدف- في خطوة عدوانية خطيرة جدًّا- منشأةً نووية، ومعنى ذلك: أنه لم يكن يبالي بما قد يحدث نتيجةً لذلك من تلوثٍ إشعاعيٍ نوويٍ له مخاطره الواسعة، يعني: لم يكن عنده أي تَحَرُّج من ارتكاب جريمة كبيرة جدًّا، قد تكون لها تداعيات وآثار ومخاطر كبيرة، لولا أنَّ هناك إنشاءات أرضية كبيرة في تلك المنشأة النووية؛ لربما كانت النتائج خطيرة جدًّا لعدوانه عليها، فهو متقدِّمٌ وجريءٌ لارتكاب جريمة فظيعة جدًّا.

 

العدو الإسرائيلي ليس له أي تبرير صحيح أبداً لعدوانه على الجمهورية الإسلامية في إيران، كل ما يرفعه من تلفيقات، وذرائع، ومبررات، هي سخيفة للغاية، سخيفة جدًّا جدًّا جدًّا.

 

المواقف بالنسبة للدول العربية والإسلامية: هي مجمعة على إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران، وهذا شيء جيد وإيجابي، وهو المفترض بكل المسلمين جميعاً في البلاد العربية وغيرها، أن يكون موقفهم على المستوى السياسي، وعلى المستوى الإعلامي… وعلى كل المستويات، هو مساند للجمهورية الإسلامية؛ باعتبارها معتدى عليها، ومظلومةً، العدو الإسرائيلي في عدوان غاشم إجرامي، له مخاطره حتى على مستوى المنطقة بكلها.

 

المهم من الجميع، من كل الأنظمة العربية والإسلامية: أن تكون ثابتةً على موقفها في إدانة العدوان الإسرائيلي، مستمرةً على ذلك، أن يبقى موقفها السياسي، والإعلامي… وعلى كل المستويات، داعم للموقف الإيراني، وألَّا تخضع للإملاءات الأمريكية والغربية في اتِّخاذ موقف مغايِّر سراً أو علناً.

 

بالنسبة للموقف الغربي، فهو واضحٌ في انحيازه- كالعادة- مع العدو الإسرائيلي، وكل ما يسعى له الأمريكي، البريطاني، الفرنسي، المجتمع الغربي بشكلٍ عام، هو: احتواء الرد الإيراني، الشيء الذي يركِّزون عليه: احتواء الرد الإيراني، وإذا لم يتمكنوا من احتوائه بالضغط السياسي وغيره، فمحاولة التعاون مع العدو الإسرائيلي في التَّصَدِّي للرد الإيراني، هذا هو التَّوَجُّه الواضح بالنسبة لهم، وهذا من الشواهد الواضحة على توجُّهاتهم العدوانية ضد أُمَّتنا، وأنهم بعيدون كل البعد- بل ومتباينون تماماً- مع العناوين التي يرفعونها: عن حقوق الشعوب، عن حقوق الإنسان، عن حقوق الدول، حتى فيما يتعلَّق بالقانون الدولي وغيره.

 

فيما يتعلَّق بالموقف الإيراني، فهو قوي، ومتكامل (رسمياً، وشعبياً)، وهو يمتلك المقومات اللازمة لقوة الموقف (معنوياً، ومادياً)، وبدأ الرد فعلياً بـ(عملية الوعد الصادق 3)، وأمطر كيان العدو الإسرائيلي بالصواريخ المدمِّرة والفتَّاكة، وبزخمٍ كبير.

 

وضع الجمهورية الإسلامية في إيران متين، ومتماسك: عسكرياً، اقتصادياً، اجتماعياً، شعبياً، رسمياً، قيادياً، بنية النظام الإسلامي بنية قوية ومتماسكة، والعدو الإسرائيلي تورَّط في عدوانه على الجمهورية الإسلامية، وهذا العدوان هو لن يتَّجه بالجمهورية الإسلامية إلى الانهيار والضعف، بل هو فرصةٌ لها؛ لإلحاق الهزائم الكبيرة بالعدو الإسرائيلي، والتنكيل به، وإعادة الاعتبار للجمهورية الإسلامية، ولهذه الأُمَّة بكلها، تجاه غطرسة، وبلطجة، ووحشية، وإجرام، وطغيان العدو الإسرائيلي.

 

انتصار الجمهورية الإسلامية في هذه المواجهة هو لمصلحة القضية الفلسطينية، أول مستفيد من الرد الإيراني ضد العدو الإسرائيلي، ومن قوة هذا الرد، ومن تأثير هذا الرد، هو: الشعب الفلسطيني المظلوم، المعاني، المضطهد، الذي يواجه العدوان والغطرسة الإسرائيلية بدون إمكانات، بدون دعم ومساندة من مختلف الدول العربية والإسلامية، الذي يتفرَّج عليه معظم العرب، ومعظم المسلمين، وهو يواجه كل الوحشية والإجرام الصهيوني اليهودي بدون أي إمكانات، سوى إمكانات بسيطة جدًّا ومحدودة، بل هو محاصر بإسهام في الحصار من دول إسلامية وعربية.

 

الجمهورية الإسلامية، من أكبر ما يغيظ الأعداء منها، هو: أنَّها من بين كل هذا المحيط من التخاذل العربي والإسلامي، لها موقف متميِّز في نصرة الشعب الفلسطيني ودعمه.

 

الانتصار في الرد الإيراني هو أيضاً مصلحة لكل دول المنطقة؛ لأن العدو الإسرائيلي هو خطرٌ عليها بكل، خطر على الدول العربية في المقدِّمة قبل غيرها، وعلى بقية الدول في المنطقة؛ ولـذلك من المهم لكل دول المنطقة: أن تفرح بالموقف الإيراني، وبالرد الإيراني، أن تؤيِّد هذا الرد، أن تدرك أنه لمصلحتها جميعاً؛ لأن الكل في المنطقة بحاجة أن يكون هناك ردع للعدو الإسرائيلي، ومسألة الردع ومنع العدو الإسرائيلي من الانفلات والبلطجة، ومنعه من فرض معادلة الاستباحة، مسألة مهمة للجميع، ولمصلحة الجميع.

 

العدو الإسرائيلي يسعى بدعمٍ أمريكي، ودعمٍ فرنسي، بريطاني، ألماني… وبعض الدول الأوروبية والغربية، إلى فرض معادلة الاستباحة على هذه الأُمَّة، على هذه الشعوب والبلدان والأنظمة، أن تكون يده مطلقةً ليفعل ما يشاء ويريد ضد أيِّ بلد عربي ومسلم، ضد أيِّ بلد في هذه المنطقة، ما رأى في أنه يمثِّل مصلحةً له، وإن كان انتهاكاً لحقوق الآخرين، وظلماً للآخرين، وعدواناً على الآخرين، وإجراماً بحق الآخرين؛ يفعله.

 

وأخطر شيء على المسلمين، على أُمَّتنا، على شعوبنا في هذه المنطقة، على حكوماتها وأنظمتها، على الجميع بدون استثناء: هو القبول بمعادلة الاستباحة لمصلحة الإسرائيلي والأمريكي، هذه مسألة خطيرة جدًّا، هذه معناها التنازل- كما قلنا- عن الكرامة الإنسانية، عن العِزَّة، عن الاستقلال، عن الحُرِّيَّة… عن كل شيء، قضية خطيرة للغاية للغاية؛ لأن العدو الإسرائيلي هو عدوٌ مجرم، وحقود، ومستهتر بالدماء، وإذا أصبحت يده مطلقة لفعل ما يشاء في هذه المنطقة؛ فهو لن يتردد في فعل أسوأ الأشياء، وأقبح الأشياء، يمارس أشد الظلم والإجرام، يرتكب أقبح، وأشنع، وأفظع الجرائم دون اكتراث، وتكون الأُمَّة ضحية، ولا مبرر لأن تقبل بذلك أبداً، هو عدوٌ مستهتر، بدون الردع لن يتوقف عن الإجرام.

 

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فرض الجهاد في سبيله ليس للدفاع عنه، هو غنيٌ عن العالمين، وهو القوي العزيز، وهو المهيمن على العباد والخلائق، فرض الجهاد في سبيله لدفع الشرِّ والطغيان، ووعد بالنصر لمن يجاهد في سبيله، وهو لا يرضى لعباده المؤمنين أن يقبلوا بمعادلة الاستباحة لصالح أعدائه المجرمين، الظالمين، الفاسقين، السيئين، فلماذا، لماذا يمكن القبول بذلك؟! الله يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8].

 

القبول بمعادلة الاستباحة: أن يقتل الإسرائيلي أبناء هذه الأُمَّة، أن يكون دماء المسلمين، وأموالهم، وأعراضهم، وأوطانهم، ومقدَّساتهم، ودينهم، ودنياهم، مستباحاً له، هذا غير مقبول، وليس له أي مبرر أن يكون ذلك متاحاً له، ومباحاً له، على أي أساس تقبل الأُمَّة بذلك، وتستسيغ ذلك؟! من يستسيغ ذلك؛ لم يبقَ في نفسه أي إنسانية، ولا كرامة.

 

الله قال في القرآن الكريم في (سورة الحج): {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[الحج:60-61]، فليس هناك أي مبرر إطلاقاً للقبول بالاستباحة، الله قدَّم هنا ضمانة بالنصر، بالعون، بالتأييد: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}[الحج:60]، هذا وعد مؤكَّد من الله بكل عبارات التأكيد: {لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}[الحج:60]؛ ولـذلك لا ينبغي القبول أبداً بمعادلة الاستباحة.

 

فيما يتعلَّق بموقفنا نحن فيما حصل من عدوان إسرائيلي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران: نحن نؤيِّد الرد الإيراني، وشركاء في الموقف بكل ما نستطيع، ونحن نتوجَّه بالعزاء إلى القيادة الإيرانية، والشعب الإيراني، والمباركة للشهداء فيما فازوا به من الشهادة، نحن نؤكِّد أنَّ أي بلد إسلامي يدخل في مواجهة مع العدو الإسرائيلي؛ فإنَّ المسؤولية الدينية، والإنسانية، والأخلاقية، والمصلحة الحقيقية للأُمَّة، هي في مساندته، وتأييد موقفه في التَّصَدِّي للعدو.

 

نحن أيضاً مستمرون في الإسناد لِغَزَّة، ونصرة الشعب الفلسطيني، وفي حرب مفتوحة مع العدو الإسرائيلي في هذا السياق، وموقفنا ثابت ومستمر في إطار مهامنا الجهادية في سبيل الله تعالى.

 

العدو الإسرائيلي أيضاً في عدوانه على الجمهورية الإسلامية في إيران، هو في نفس الوقت وبنفس العدوان معتدٍ على دول عربية متعددة، على: الأردن، وسوريا، والعراق، يستبيح أجواءها، وينفِّذوا كل اعتداءاته من أجوائها، وهو في ذلك في حالة عدوان عليها، على هذه الدول العربية، ولا يبالي بها، بل هي من ضمن البلدان التي يعتبرها في مخططه الصهيوني من البلدان التي يسعى إلى احتلالها، والسيطرة عليها، ليس فقط في الجو، واستباحة الأجواء؛ بل السيطرة الكاملة عليها، وهذا يبيِّن حاجة هذه الأُمَّة- فعلاً- إلى الردع، إلى استعادة معادلة الردع في مواجهة العدو الإسرائيلي، وليس القبول بمعادلة الاستباحة.

 

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء.

 

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • “الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة بمناسبة يوم الولاية
  • قائد الثورة يهنئ الشعب اليمني والأمة بيوم الولاية ويؤكد تأييد اليمن للرد الإيراني على العدوان الصهيوني
  • 74 مسيرة جماهيرية بالمحويت تأكيدا على مواصلة إسناد الشعب الفلسطيني
  • أبو عبيدة :العدوان الصهيوني على إيران جاء بسبب وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني
  • الشعب الجمهوري: على الجميع الاصطفاف خلف الدولة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية
  • (نص) كلمة السيد القائد حول آخر التطورات والمستجدات 16 ذو الحجة 1446هـ
  • نص كلمة قائد الثورة حول مستجدات العدوان على غزة والتطورات الإقليمية والدولية
  • “الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة حول مستجدات العدوان على غزة والتطورات الإقليمية والدولية
  • قائد الثورة: اليمن سيستمر في موقفه المتكامل رسميًا وشعبيًا وعلى كل المستويات نصرة للشعب الفلسطيني
  • قائد الثورة: عملية الثلاثاء أربكت العدو.. وجبهة الإسناد اليمنية مستمرة حتى وقف العدوان على غزة