د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

يُعد الاقتصاد المحرك الأساسي لحياة المجتمعات؛ حيث ينظم الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، ويحدد كيفية إدارة الموارد لتلبية احتياجات الأفراد والمجتمع المتزايد؛ فالاقتصاد ليس مجرد أرقام ومعادلات؛ بل هو انعكاس لحياة الناس اليومية؛ بدءًا من فرص العمل والدخل وصولًا إلى الأسعار والخدمات، ومن خلال فهم الاقتصاد، يمكننا التعرف على كيفية اتخاذ القرارات داخل الدول وكيفية استغلال الإمكانيات المتاحة لتحقيق التنمية والاستقرار، ويعد الاقتصاد عصب الدول، وهو المؤشر الرئيس لرفاهية الشعوب.

ويتألف الاقتصاد من عدة عناصر أساسية تشكل قاعدته؛ أبرزها العمل الذي يمثل الجهد البشري المبذول في الأنشطة المختلفة؛ سواءً كانت يدوية أو فكرية، ويأتي رأس المال كعنصر ثانٍ، ويشمل الأموال والمعدات والتقنيات المستخدمة في الإنتاج. أما الأرض فهي تمثل الموارد الطبيعية في باطن الأرض وخارجها مثل المواد الخام والمياه والمعادن والزراعة والثروة السمكية والحيوانية، وهي عناصر لا غنى عنها، والعنصر الرابع هو ريادة الأعمال؛ حيث يقوم الفرد بتنظيم هذه الموارد وتحمل المخاطر من أجل تحقيق الأرباح وتطوير السوق.

وعند الحديث عن اقتصادنا الوطني، نجد أنه محور رئيس في رؤية "عُمان 2040"،؛ إذ تولي الاقتصاد أهمية خاصة، ورغم أن قطاع النفط والغاز لا يزال يشكل الجزء الأكبر من الميزانية العامة للدولة؛ حيث تُظهر بيانات الميزانية لعام 2025 أن مساهمة قطاع النفط بلغت 52%، وقطاع الغاز 16% من إجمالي الميزانية، إلّا أن التركيز على التنوع الاقتصادي أصبح ضرورة ملحة، من أجل ما يعرف بالاستدامة المالية. وفي السنوات الماضية مكنت إيرادات النفط الدولة من تمويل مشروعات ضخمة وبناء بنية تحتية تعتبر من احدى البنى الأفضل في المنطقة، كما إن الموقع الجغرافي للسلطنة منحها ميزة تنافسية كبيرة، حيث تقع عند مفترق طرق التجارة البحرية، مما يفتح لها آفاقًا واسعة في مجالات النقل والخدمات اللوجستية.

لكن الاعتماد الطويل على النفط كمصدر رئيس للدخل، يطرح تساؤلات حول استدامة هذا النموذج فالأسواق النفطية متقلبة، وأسعارها لا يمكن التنبؤ بها؛ مما يمثل تحديًا حقيقيًا للاقتصاد الوطني، كما حدث بين منتصف عام 2014 وعام 2021؛ حيث شهدت السلطنة انخفاضًا حادًا في الإيرادات وتراكم العجز المالي، ما أدى إلى اللجوء إلى الاقتراض وزيادة الدين العام بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، مع الاتجاه المتسارع نحو الطاقة النظيفة، يصبح التنوع الاقتصادي أمرًا لا بُد منه؛ فالاعتماد على مصدر واحد يُشبه الوقوف على قدم واحدة، وأي تعثر في هذا القطاع قد يؤدي إلى اهتزاز الاقتصاد بأسره؛ لذلك، بات تنويع القاعدة الاقتصادية أولوية وطنية.

وفي هذا السياق، يبرز دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كعنصر أساسي في دعم الاقتصاد العُماني، حيث تشكل هذه المؤسسات رافدًا مهمًا في عملية التنويع الاقتصادي، فهي لا تمثل فقط مشاريع تجارية؛ بل تعكس طموح الشباب العُماني وتؤدي دورًا محوريًا في توفير فرص العمل، خصوصًا في قطاعات مثل السياحة، والصناعات الخفيفة، والتكنولوجيا، والخدمات، فالمؤسسات الصغيرة لا تحتاج إلى رأسمال ضخم بقدر ما تحتاج إلى فكرة مبتكرة، وإرادة قوية، ودعم بيئي ومالي وتشريعي. وفي السنوات الأخيرة، أولت الحكومة اهتمامًا متزايدًا لهذا القطاع عبر برامج تمويلية، تقديم الحوافز، وتسهيل الإجراءات، وقد أثمر هذا الاهتمام في زيادة مساهمة هذه المؤسسات في رفع الناتج المحلي، وتقديم منتجات وخدمات جديدة تسهم في تعزيز تنافسية السوق.

علاوة على ذلك، تؤدي هذه المؤسسات دورًا بارزًا في تنشيط الحركة الاقتصادية في المحافظات والولايات، وتعد أيضًا بيئة خصبة للابتكار، ويمكن للشباب تحويل أفكارهم إلى مشاريع حقيقية، تعكس ثقافة المجتمع وتلبي احتياجاته.

إن مستقبل اقتصادنا يجب أن يرتكز على رؤية بعيدة المدى تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتنمية قطاعات جديدة قادرة على المنافسة، من هنا، يُعد دعم المؤسسات الصغيرة، وتحفيز ريادة الأعمال مع ممكنات الاقتصاد الاخرى، خطوة استراتيجية نحو تحقيق اقتصاد متنوع ومستقر، قادر على مواجهة التحديات؛ فالاقتصاد ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل هو مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمجتمع والدولة، ولبناء اقتصاد قوي، لا بُد من الإيمان بأهمية التغيير، وتجاوز التردد، وفتح الأفق أمام الابتكار وريادة الأعمال.

في الختام.. إن اقتصادنا هو مستقبلنا، وكل استثمار في العقول والموارد يمثل استثمارًا لحياة أفضل، لوطن نطمح لرؤيته يزدهر بثبات، ويواكب تطورات العالم بثقةٍ.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هيئة تنظيم الأعمال الخيرية تناقش مع مؤسسات خيرية خاصة سبل دعم جهود التنمية الوطنية

عقدت هيئة تنظيم الأعمال الخيرية اجتماعا تنسيقيا مع رؤساء عدد من المؤسسات الخاصة الخيرية في الدولة، وذلك لمناقشة سبل تعزيز الشراكة المؤسسية وتكامل الأدوار بين الهيئة وهذه المؤسسات، بما يخدم تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، ويرسخ دور القطاع الخيري كشريك فاعل في التنمية المستدامة.
ويأتي هذا الاجتماع، في إطار التوجهات الوطنية لتعزيز دور القطاع الثالث ضمن استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة لدولة قطر (2024 - 2030)، وبالأخص في سياق تحقيق النتيجة الاستراتيجية الرابعة "مجتمع متماسك".
وأكد السيد إبراهيم عبدالله الدهيمي المدير العام لهيئة تنظيم الأعمال الخيرية، خلال الاجتماع، أهمية تطوير الأداء المؤسسي للمؤسسات الخاصة الخيرية، ورفع كفاءتها التنظيمية بما يتوافق مع متطلبات الحوكمة والشفافية، مشيرا إلى أن هذا التطوير يعكس توجهات استراتيجية قطاع العمل الخيري والإنساني (2025 - 2030)، والتي تهدف إلى تمكين المنظمات الخيرية من أداء أدوار أكثر استراتيجية ومؤثرة محليا ودوليا.
ونوه إلى أن عددا من المؤسسات الخاصة الخيرية في الدولة قد استكمل متطلبات التحديث المؤسسي والتنظيمي بنجاح، مما مكنها من مباشرة أنشطتها بكفاءة، وبما يعزز من قدرتها على تلبية الاحتياجات المجتمعية ضمن بيئة عمل منظمة وآمنة مبتكرة تسهم في بناء القدرات المجتمعية، وتعزيز ثقافة التعايش والتسامح، بالإضافة إلى الالتزام بمعايير الشفافية والإفصاح ومساءلة الأداء، والعمل بالتكامل مع الجهات الحكومية والمجتمعية.
وأشاد المدير العام لهيئة تنظيم الأعمال الخيرية، بمستوى التعاون الإيجابي الذي أبدته المؤسسات الخاصة الخيرية في التفاعل مع التحديثات التنظيمية التي أقرتها الهيئة، لافتا إلى أهمية المشاريع الاستراتيجية التي أطلقتها الهيئة مؤخرا، أبرزها مشروع "سندي" لتنسيق المساعدات الداخلية، والذي يعد منصة رقمية رائدة تسهم في تنظيم عمليات الدعم والمساعدة للمستفيدين على مستوى الدولة، بما يحقق الإنصاف والتكامل بين مختلف الجهات.
وأكد الدهيمي، التزام الهيئة بدورها التمكيني والتنظيمي، واستمرارها في دعم بناء القدرات المؤسسية للمؤسسات الخاصة الخيرية، وتعزيز قدراتها على تحقيق الأثر الاجتماعي والإنساني المنشود، ضمن إطار من الشراكة الفاعلة والمساءلة والتميز المؤسسي، وتسهم في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
ولفتت الهيئة في سياق متصل، إلى أهمية متابعة نتائج مؤشر بيئة العمل الخيري الصادر عن "جامعة إنديانا"، والدفع نحو توفير بيئة قانونية وتنظيمية محفزة ومستقرة تسهم في نمو وازدهار المؤسسات الخاصة الخيرية.
جاء هذا الاجتماع، ضمن جهود الهيئة الرامية إلى ضمان التزام القطاع الخيري في الدولة بالمعايير الدولية، ولاسيما تلك الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF)، المتعلقة بتعزيز نظم الرقابة للحد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في القطاع غير الربحي.
وشكل أيضا فرصة لتسليط الضوء على الدور المحوري المنتظر من المؤسسات الخاصة الخيرية في تعزيز التماسك المجتمعي في قطر، كما حددته استراتيجية التنمية الوطنية، لا سيما فيما يتعلق بترسيخ الهوية الوطنية، وتمكين الفئات الأولى بالرعاية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والانتقال من العمل الخيري التقليدي إلى التنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • تخريج المشاركات في برنامج "صحار الدولي" لتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة
  • مناقشة جوانب التعاون بين جامعة صنعاء والمؤسسات الإعلامية
  • إطلاق النسخة الرابعة من مبادرة "تكافؤ الفرص الوطنية" لتشجيع أصحاب الأعمال ودعم الصناعات المحلية
  • للشركات الصغيرة والمتوسطة وفق مجموعة من المعايير .. «قطر للتنمية»: بدء التقديم على «قائمة التميّز»
  • ثمريت تحتضن النسخة الـثانية من ملتقى رواد الأعمال 2025
  • مدائن توقع عقودا مع عدد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • وزيرة المالية تقول إن دعم الشركات الصغرى "غير كاف" رغم دعم 56 ألف مشروع
  • هيئة تنظيم الأعمال الخيرية تناقش مع مؤسسات خيرية خاصة سبل دعم جهود التنمية الوطنية
  • جلسة حوارية حول تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في قطاعات البيع بالتجزئة والإنشاءات والصناعات التحويلية
  • مناقشة تعزيز فرص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بقطاعي الطاقة والمعادن