دراسة: أدوات الذكاء الاصطناعي لديها ثقة أكثر من اللازم ومتحيزة مثل البشر
تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT
رغم أن الذكاء الاصطناعي والبشر "يفكرون" بطرق مختلفة، إلا أن دراسة جديدة كشفت أن أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT تتخذ أحيانًا قرارات غير عقلانية تشبه إلى حد كبير تلك التي يرتكبها الإنسان.
تعد الدراسة، التي نشرت في 8 أبريل بمجلة Manufacturing & Service Operations Management، الأولى من نوعها في تحليل سلوك ChatGPT عبر 18 انحيازًا معرفيًا شائعًا في علم النفس البشري.
وأظهرت النتائج أن روبوتات المحادثة المدعومة بنماذج اللغة الكبيرة GPT-3.5 وGPT-4 أظهرت في حوالي نصف السيناريوهات التي تمت دراستها أنماط تفكير غير عقلانية مألوفة لدى الإنسان، مثل تفضيل اليقين، والثقة الزائدة، وتأثير التملك.
وقالت الدراسة، التي أعدها باحثون من خمس مؤسسات أكاديمية في كندا وأستراليا، إن ChatGPT كان "متماسكًا بدرجة مدهشة" في منطقه، لكنه في الوقت نفسه لم يكن بمنأى عن العيوب البشرية.
وأضاف الباحث الرئيسي، البروفيسور يانج تشين من كلية آيفي لإدارة الأعمال: "سيستفيد المدراء من هذه الأدوات في المسائل التي لها حلول واضحة ومعروفة، أما في القرارات المعتمدة على التفضيلات الشخصية أو الآراء، فيجب توخي الحذر".
طبق الباحثون مجموعة من الانحيازات المعرفية المعروفة مثل النفور من المخاطر، والثقة المفرطة، وتأثير التملك، على ChatGPT من خلال طرح أسئلة نفسية تقليدية وسيناريوهات تجارية حقيقية تتعلق بإدارة المخزون أو التفاوض مع الموردين.
وأظهرت النتائج أن نموذج GPT-4 تفوق على GPT-3.5 في المسائل التي تعتمد على المنطق والاحتمالات، حيث ارتكب أخطاء أقل، إلا أنه في القرارات التي تتضمن تقييمات شخصية أو استراتيجية، أظهر تحيزات تشبه الإنسان مثل تفضيل الخيارات الآمنة حتى وإن لم تكن الأفضل.
بل وأظهر GPT-4 ميلًا أقوى من البشر نحو ما يُعرف بـ"تحيز التأكيد"، وهو الميل إلى تأكيد المعتقدات القائمة بدلًا من اختبارها، كما كان أكثر عرضة لـ"وهم التسلسل"، أي افتراض وجود نمط في أحداث عشوائية.
في المقابل، استطاع ChatGPT تجنب بعض الانحيازات المعرفية الشائعة مثل تجاهل المعدلات الأساسية (Base-rate neglect) وتحيّز الكلفة الغارقة (Sunk-cost fallacy)، والتي تؤثر سلبًا على القرارات المنطقية.
التحذير من الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعيخلص الباحثون إلى أن هذه التحيزات قد تكون ناتجة عن بيانات التدريب التي تحتوي على نفس الأخطاء الإدراكية التي يرتكبها البشر، ما يعني أن ChatGPT لا يستند دائمًا إلى المنطق المجرد، بل يتأثر بأنماط التفكير البشري خاصة في المهام الغامضة أو المفتوحة.
وقال البروفيسور تشين: "إذا كنت ترغب في قرارات دقيقة وغير متحيزة، استخدم GPT في المجالات التي تثق فيها بالحاسبة"، مشيرًا إلى أن القرارات المعتمدة على تفضيلات شخصية تحتاج إلى إشراف بشري لتقليل أثر الانحيازات.
وأضافت الباحثة المشاركة الدكتورة مينا أنديابان من جامعة ماكماستر الكندية: "يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي كما لو كان موظفًا يتخذ قرارات هامة — يحتاج إلى رقابة وإرشادات أخلاقية. وإلا فإننا نخاطر بأتمتة التفكير الخاطئ بدلًا من تصحيحه".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي أدوات الذكاء الاصطناعي
إقرأ أيضاً:
هل يُعيد الذكاء الاصطناعي صياغة بيئة التعلم؟
أمل بنت سيف الحميدية **
يشهد التعليم العالمي تحوّلًا مُتسارعًا بفعل الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد تقنية مساعدة؛ بل أصبح محركًا رئيسًا يُعيد تشكيل العملية التعليمية؛ ففي العقود الماضية كان التعليم يعتمد على التلقين والمناهج الثابتة، أما اليوم فقد دخلت أدوات التحليل الذكي والتعلم التكيفي والفصول الافتراضية إلى المدارس والجامعات، لتفتح آفاقًا جديدة أمام الطلبة والمعلمين.
هذا التحول ليس خيارًا ترفيهيًا؛ بل ضرورة تفرضها متغيرات العصر ومتطلبات بناء رأس مال بشري قادر على المنافسة، وهو ما أكدته رؤية "عُمان 2040" التي وضعت التعليم أولوية وطنية للتنمية.
وتكمُن أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم في قدرته على جعل العملية التعليمية أكثر عدلًا وتخصيصًا ومرونة. فقد أوضحت منظمة اليونسكو في تقرير "الذكاء الاصطناعي في التعليم" الصادر عام 2023، أنَّ النماذج التعليمية الذكية تتيح مُتابعة تقدم الطلبة بشكل فردي، وتقديم محتوى يتناسب مع مستوياتهم وسرعتهم في الاستيعاب. كما إن الاستثمار في هذه الأدوات يدعم المعلمين في أدوارهم التربوية والإبداعية، ويحررهم من المهام الروتينية مثل إعداد الاختبارات أو متابعة الحضور. وفي السياق العُماني، يعدّ هذا التحول مُتسقًا مع الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040 التي تستهدف بناء نظام تعليمي متطور قادر على استيعاب الثورة الرقمية.
ويُؤكد تقرير الثورة الرقمية للذكاء الاصطناعي في التعليم العالي الصادر عن البنك الدولي لعام 2023، أن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة في التعليم العالي، عبر أدوات تحليل البيانات التعليمية والتنبؤ بمعدلات النجاح وتخصيص المناهج. كما يشير تقرير المسارات الرقمية للتعليم "تمكين أثر أكبر للجميع" الصادر عن البنك الدولي عام 2023، إلى أنَّ بناء بيئة تعليمية رقمية متكاملة يتطلب خططًا استراتيجية طويلة المدى تشمل البنية التحتية والتشريعات والتدريب المستمر للكوادر.
وبحسب الدليل الصادر عن منظمة اليونسكو بعنوان الذكاء الاصطناعي والتعليم: دليل لصانعي السياسات (صدر عام 2021)، فإنه يوضح كيفية إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم بصورة أخلاقية تكفل العدالة وتكافؤ الفرص. ويشير إلى ما ينطوي عليه الذكاء الاصطناعي من مخاطر وفوائد، داعيًا إلى استخدامه بما يضمن المساواة والشمولية. كما يتناول قضايا التحيُّز في الخوارزميات وضرورة معالجتها عند تصميم النظم التعليمية، ويؤكد على خضوع السياسات ذات الصلة لمبادئ أخلاقية تراعي الأبعاد المجتمعية، ويربط ذلك بحق التعليم العادل وإتاحة فرص متكافئة لجميع المتعلمين.
ومن الأمثلة التطبيقية، استعرضت دراسة كمالوف وزملاؤه عام 2023 المنشورة على منصة (arXiv) نماذج عملية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية، مثل أنظمة التدريس التكيفي، التي تقوم على تخصيص عملية التعليم وفق احتياجات كل طالب، إضافة إلى الاختبارات الذكية التي تكيّف أسئلتها وفق مستوى المُتعلِّم؛ وهي نماذج يمكن أن تجد طريقها إلى المدارس في سلطنة عُمان.
إنَّ التحولات الرقمية تطرح تحديات موازية، من أبرزها الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية، واحتمال انحياز الخوارزميات، وضعف جاهزية المعلمين للتعامل مع الأدوات الجديدة. وقد شددت منظمة اليونسكو في تقريرها حول الذكاء الاصطناعي التوليدي عام 2023، على أهمية تطوير سياسات واضحة لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، مع التركيز على مبادئ الأخلاق والشفافية وإتاحة الوصول للجميع. وتؤكد رؤية "عُمان 2040" ضرورة بناء قدرات وطنية في البحث العلمي والتعلم الرقمي، وهو ما يعزز مكانة المعلم كشريك أساسي في التحول، وليس مجرد منفّذ للتقنية.
وبناءً عليه، يمكن صياغة خارطة طريق محلية لتبني الذكاء الاصطناعي في التعليم في سلطنة عُمان. تبدأ هذه الخارطة بتقوية البنية التحتية الرقمية في المدارس والجامعات، ثم تدريب المعلمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بكفاءة، يلي ذلك إطلاق برامج تجريبية في عدد من المؤسسات التعليمية لتقييم جدوى النماذج المختلفة، وأخيرًا توسيع التطبيق على نطاق وطني مع مراجعة دورية للنتائج. وهذا التدرج يتوافق مع ما أوصى به تقرير التقنيات المتقدمة من أجل التعليم الصادر عن البنك الدولي عام 2023، الذي أكد أن نجاح دمج التقنيات الحديثة يتطلب التوازن بين الابتكار والبُعد الإنساني.
إنَّ مستقبل التعليم في سلطنة عُمان يسير نحو نموذج ذكي ومستدام يجمع بين التقنية والقيم الإنسانية. فالذكاء الاصطناعي لا يُراد له أن يكون بديلًا عن المُعلِّم؛ بل شريكًا يسهّل مهمته ويعزز دوره في بناء القيم وتوجيه التفكير. ويبقى الهدف الأسمى إعداد جيل قادر على التكيّف مع متغيرات العالم الرقمي، مع الحفاظ على الهوية الوطنية. وهكذا، فإن الذكاء الاصطناعي يصنع الأدوات، أمَّا التعليم فهو الذي يصنع الإنسان القادر على توظيفها لخدمة التنمية والمجتمع.
** كاتبة وباحثة تربوية
رابط مختصر