من ميدان معارك حرب الكرامة يكتب: إلى الأمير عبد القادر منعم منصور
تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT
من ميدان معارك حرب الكرامة يكتب :
إلى الأمير عبد القادر منعم منصور ..
في القرن السابع عشر حدث أن كان جدنا الشيخ أب علي ود أُمحُمد الإديغم زعيم قبيلة الشكرية، في إحدى جولاته بأطراف البطانة، فوجد قوما مكتوفي الأيدي وفي حالٍ لا تسر ، فقد كانوا أسرى لدى عصابة ما ، فأشار لأحد الشباب وكان إبن زعيم في قومه ، فسأله : إت ود منو ؟؟ فرد الشاب : أنا ود أب جوادا صاهل .
فقال له الزعيم أب علي : ماك مشهاد فَسِل .. لكن فِسْلت الأيام ..
ومع أن بين سائل اليوم وسائل الأمس بُعد المشرقين، لكن حال أسير اليوم هو هو حال أسير الأمس، فكلاهما يعاني فسالة الأيام، ومن فسالة الأيام أن يكون الزعيم الأمير ابن الأمير ابن الأمير أسيرا بيد الساقطين من كتب التاريخ، والتاريخ هنا هو الذي كتبه آل منعم منصور ضمن ما كتبه شرفاء السودانيين على مر العهود، وقد كتب آل منصور بأيديهم فعلا مشرفاً وبأفواههم قولاً خالداً ، مثلوا أهلهم خير تمثيل وقادوهم بالرشد وجميل المعاشرة، سادوهم بالحكمة وكريم المباشرة، تقدموهم بحسن الخلق ووافر العدل وبديع الأدب ولين الجانب ..
وبالأمس القريب عندما هبط المحتلين الأنذال بمدينة رفاعة عاصمة الشكرية التاريخية أستحضر الناظر علي محمد أحمد أبوسن سيرة جده ال :
يوم ضربة كرن والناس حفايا يرحو
ثابتين هو وتواوا حالفين شبر ما يزحوا
فأقسم أن لا يبارحها إلا بعز النصر أو نصر الشهادة، فكان عز النصر بأن تحررت رفاعة بأبنائها، وأستقبل ود حلمي القائد البرهان بهتافه الشهير (الرجال يصنعون المواقف) وأستقبل جموع قبيلته بهتاف (أبشروا)، فلم يُحدّث أحدا عن كيف تعايش في أسره الجبري مع أمراضه المزمنة وسوء الحال في المدينة التي صارت مدينة أشباح، ولا عن إبن أخيه الذي قُـتل أمام ناظريه، ولا عن إستفزاز الأوباش اليومي له طوال شهور الأسر البغيضة ، ترك كل ذلك وراء ظهره وأقبل عليهم أشد عزيمة وإصراراً على أن ما عليه هؤلاء هو الباطل وأن الوطن هو الحق الذي لا يُعلى عليه ..
هذه هي أخلاق الزعماء وأبناء الزعماء ، والأمير عبد القادر الذي يستعرض صوره مرافيد الأرض وقوم الشتات اليوم هو من الجبال التي لا تهزها المحن ولا يختبرها بؤس الأيام وفسالها ، فهؤلاء يعلمون تمام العلم أن إن هي إلا ميتة واحدة والطموح أن تكون ميتة شرف وعز وكرامة، فالتاريخ يكتب اليوم، فالرجل الشريف يحمي شخصيته والرجل الوضيع يحمي وضعيته ، ولا أكثر وضاعة ممن ارتمى في حضن الغازي ومن رضخ خوفا وطمعا ومن باع جبناً وإرتعاداً وفرقاً .
والتاريخ يحكي أن من بيوت دار حمر الثلاث الكبيرة أنطلق الوعي والوطنية وعمت بشائر الإنتاج والتنمية، وقد مثلت قبائل العساكرة والدقاقيم والغريسية وبقية بطون الحمر واسطة خير وأمن وسلام بين مجتمعات إقليم كردفان، فهي مواطن الإكرام ، موفورة القيم، عميقة الجذور، ومن جذورها الراسخة ذلك الأمير المُمَثل بشخصيته وهو محاطٌ بالمرض وتقدم السن، الأمير عبد القادر منعم منصور الذي تولى نظارة عموم دار حمر في العام ١٩٨٥ خلفا لأخيه منصور منعم منصور والذي ورث النظارة عن أبيه منعم منصور الذي ولد بمدينة أب زبد وعين ناظرا لعموم دار حمر في العام ١٩٢٦ وقد أشتهر الناظر منعم منصور بالزهد والحزم والعدل فقد كان حافظا للقرآن وبني مسجدا من حر ماله بمدينة النهود في العام ١٩٤٥، وقد سلك الناظر منعم منصور طريق آبائه من لدن الشيخ إسماعيل قراض القش والشيخ إبراهيم بك المليح والشيخ منعم ود الشيخ سالم تريشو العسكري، ويعد الشيخ سالم تريشو الأب الروحي لقبيلة الحمر والذي جاء بأهله من العساكرة والدقاقيم لمنطقة كردفان وذهب للبحث عن مصادر المياه وتوفي بالقرب من المزروب وخلفه إبنه منعم على القبيلة ..
وقبيلة الحمر التي تنتسب للشيخ محمد الأحمر تعد من أكبر القبائل التي سكنت إقليم كردفان، ولها صلات طيبة وجوار آمن مع شركائها في الأرض والدم من قبائل الكبابيش والشنابلة ودار حامد والمجانين وبني جرار وغيرهم ، وعلى طول امتداد الدار من مدينة الخوى الى غبيش ومن ود بندة الى أم لبانة، بما فيها النهود، عيال بخيت، صقع الجمل وغيرها، كلها لا صوت يعلو فيها على صوت الحكمة والعقل، ولا كبير فيها على منعم منصور وآله، حتى في هذا (الزمن الفَسِل) زمن صعود اللقطاء، ويظل اسم منعم منصور من الأسماء التي لا يدانيها أحد في الوطنية والولاء، فهو إسم شامخ لا يصرعه باطل الدجال ولا ترهبه خيله الملتاثة ولا تفزعه صيحات جند الكِراية والمحلسة .
فالأمير عبد القادر الذي فاز لخمس مرات في انتخابات البرلمان القومي يعرف قومه جيدا ويخبر معدنهم ويعرف أنهم إن خرجوا اليوم من دارهم فهم عائدون لا محالة عن قريب، وأن الدار وإن غاب عنها بنيها فهي حرة بهم بلا شك ولا ريب، فبعض معالم الدار تمثل لقبيلة الحمر الكثير، فهم يستمدون شموخهم من جبال حيدوب والنهيدات، وأم رقتي، وجبال كاجا، والعفاريت، ولكل منهم ذكرٌ وذكرى فيها وفي كل زاوية من الدار لديهم قبرُ عظيمٍ أو أثرُ شريف، وبين كل تبلدية وأخرى يسترجعون ذكريات الآباء والأجداد، فأرضهم المعطاء التي ينمو في قيزانها الغبيش والصميمة والهبيل والدروت ، وفي جُرّابتها الهشاب والكداد والبابنوس، والحميض، وفي قردودها الدخن والذرة وغيرها، والتي ظلوا ينعمون فيها مئات السنين ما بين قوز وجُرّابة وقردود، تحيطهم بخيرها وثمرها الوفير ويحيطونها بالحماية والرعاية والإنتماء الأصيل، فكل آريت وكل قرية وكل مشيخة في دار حمر يربطها وثاق المَحَنّة وآصرة القربى والمصير المشترك، ولذا فلن تكون النهود ولا مدن الدار لقمة سائغة للإحتلال الغاشم ..
الوالد الأمير ..
إن حال مواطني النهود من أهل الدار اليوم يشبه تماما حال الهمباتي تيراب حين قال :
هانونا النجوس حرمونا قول لي بتول
الله يحرمن كان حرمونا من دار منعم المنصور
ولا أشد مضاضة من فراق الدار ورؤية زعيمها أسيرا بيد هؤلاء النجوس، لكنها أيامٌ يأخذ فيها الباطل (عرضته)، وهو حال الدنيا الذي عبر عنه شعراء البطانة بقولهم :
يوم فارشين بطاطين والعجاج مالينا
ويوم واقفين تصويرة لأم خداد تعاين فينا
وقولهم :
يوماً غبش ويوم مسوحنا الفتنة
ويوم سايقين قران سدر القضارف بِتنا
البينة بترد وبنخاصم الباهتنا
نتستر على عروضنا ونقضي وكِتنا
وأيام الباطل ثقيلة ثقل أهله، وفيها تكون المحن الجسام على قدر تحمل المبتلين وطاقتهم، ولأن بقدر المحبة يكون الإبتلاء فإن الرازحون اليوم في قيد الإبتلاء هم الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، هم الراعون لعيال الله، الباذلين الخير والمحبة، (فراجين كربة الضايق) الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الناس والسعي في قضاء حاجاتهم ..
الوالد الأمير ..
سيتحدث التاريخ غدا عن ماذا قلت ل(فلنقايات) اللقطاء من خونة الدار، ومن الذين باعوا ما لا يباع، ومن أهدروا شرف الدار وتاجروا بتاريخها وخانوا أمانتها ، وسيشيع الناس باللعنات من كان سببا في سقوط عاصمة الدار، ومن فرط في ذلك التاريخ الوضئ، وسيأتي جيل من أهل الدار وشبابها شعارهم : من مات مات على هدى ومن عاش عاش على ثبات، وستكون الدار حرة على أيديهم وسَيُدَك باطل المليشيا وينهار صنمها ويتبدد سرابها الذي حسبه الراجفون ماء، والعاقبة للمتقين ..
حفظ الله الوالد الأمير رمز الشموخ والكرامة والعزة، وحفظ الدار وأهلها، وأبرم لبلادنا أمر رشد تُعز فيه قواتنا المسلحة وأنصارها ومسانديها ، ويُذَل فيه خنازير المليشيا وسدنتها وجناحها السياسي الخائن ..
يوسف عمارة أبوسن
4 مايو 2025 إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الأمیر عبد القادر منعم منصور دار حمر
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يدخل ميدان جراحات السمنة في الدمام الطبي
عبدالله الشمري – الدمام
في خطوة تُعد الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط، أطلق مجمع الدمام الطبي أحد مكونات تجمع الشرقية الصحي، ورشة عمل متخصصة بعنوان: ( الثورة الذكية في التحليلات التنبؤية لجراحات السمنة والأمراض الأيضية ) بمشاركة نخبة من جراحي السمنة وخبراء الذكاء الاصطناعي والتقنيات الصحية.
وتهدف الورشة إلى تأسيس أول منصة تنبؤية ذكية قادرة على تحليل بيانات مرضى السمنة والتنبؤ بالمضاعفات المحتملة بعد الجراحة بدقة تصل إلى 90%، ما يمثل نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية وعلاج السمنة في المنطقة. وتُعنى المنصة بتطوير خوارزميات تنبؤية تسهم في تقليل الأخطاء الطبية بنسبة تصل إلى 35% وفق دراسات من جامعة هارفارد، ودعم الجراحين في اتخاذ قرارات دقيقة تستند إلى البيانات السريرية ، إلى جانب وضع معايير أخلاقية صارمة تضمن الخصوصية والسرية التامة لبيانات المرضى.
أخبار قد تهمك رئيس هيئة الأمر بالمعروف يؤكد تسخير الوسائل التقنية والذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات في حج هذا العام 19 مايو 2025 - 7:23 مساءً الطلبة السعوديون في نيوكاسل يشاركون في مؤتمر SUSE 2025 19 مايو 2025 - 12:45 مساءًوأوضح الدكتور مالك المطيري رئيس مركز السمنة في مجمع الدمام الطبي، أن المنطقة تواجه تحدياً صحياً متنامياً يتمثل في ارتفاع معدلات السمنة بنسبة 60% بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، مما يجعل من توظيف الذكاء الاصطناعي ضرورة ملحّة، خاصة مع قدرته على تقليل التكاليف العلاجية بنسبة تصل إلى 25% من إجمالي نفقات الرعاية الصحية.
وبيّن أن من أبرز التحديات التي تواجه تطوير هذا النوع من الأنظمة هو نقص البيانات المحلية، حيث تعتمد معظم الأبحاث الحالية على بيانات أجنبية قد لا تعكس الواقع الصحي في المنطقة. ومن خلال هذه المنصة الجديدة سيتم تحليل أكثر من 10,000 حالة مرضية مسجلة في مجمع الدمام الطبي، حيث تشمل البيانات عناصر دقيقة مثل مؤشر كتلة الجسم والتاريخ العائلي ومستويات الهرمونات الحيوية. لتقديم تنبؤات مخصصة لكل حالة على حدة. فعلى سبيل المثال، قد تنبه المنصة الجراح إلى احتمالية إصابة المريض بنقص الفيتامينات بنسبة 70% بعد الجراحة، مما يستدعي اتخاذ إجراء وقائي مبكر.
وأكد “المطيري ” أن جميع البيانات تُشفّر بالكامل ولا تُستخدم إلا بعد الحصول على موافقة خطية من المرضى، مشدداً على أن خصوصية المريض وسلامته تأتي في مقدمة الأولويات. وأضاف أن جراحي السمنة لا يُعتبرون مجرد مستخدمين للمنصة، بل شركاء فاعلون في تطويرها، حيث يختبرون تنبؤاتها ميدانياً ويساهمون في إعادة ضبط خوارزمياتها بناءً على النتائج الواقعية.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن هذه المبادرة تتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 والتي تسعى إلى توظيف التقنيات الحديثة لخدمة الإنسان، مشيراً إلى أن المنصة الذكية تمثل بداية لعصر جديد من الطب التنبؤي والعلاجي في المملكة، وأنه بحلول عام 2030 من المتوقع أن تتم 50% من تشخيصات السمنة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، مع تحسّن متوقع بنسبة 40% في نتائج العلاج وفعالية الخدمة الصحية. وأكد أن هذه التكنولوجيا لا تهدف إلى استبدال الطبيب، بل تمنحه أدوات دقيقة تسهم في إنقاذ الأرواح وتعزيز جودة الرعاية الطبية.