لجريدة عمان:
2025-08-18@01:57:28 GMT

في سبيل بناء جيل ثالث للثقافة العمانية

تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT

عبدالرحمن ابن خلدون (ت:808هـ).. يذهب في تنظيره للدولة؛ بأنها لا تُعمَّر أكثر من أربعة أجيال، كل جيل حوالي ثلاثين عاماً، وقد تحدثت عن تطبيقات الرؤية الخلدونية على الدولة العمانية، وبيّنت أنها انطبقت عليها مرتين: الدولة المركزية الأولى (177-272هـ) بحكم اليحمد. والدولة المركزية الثانية (1034-1131هـ) بحكم اليعاربة.

المقال.. يطرق الخطاب الثقافي -بكونه من مكونات الدولة الحديثة- وفقاً للتحقيب الخلدوني.

في مقال «السلطان قابوس بن سعيد.. وعمان جديدة»، «عمان»، 20/ 11/ 2024م .. بيّنت أن السلطان رحمه الله أدرك أبعاد النظرية الخلدونية، وسعى إلى تجاوزها ببناء دولة المؤسسات والقانون. وقد تعرضت لمراحل الثقافة العمانية في مقالاتي، ودرّستها لطلابي في المرحلة الجامعية، وهنا أدرُس الثقافة بكونها مرحلة للإسهام في البناء للمستقبل واستمرار الدولة، حتى لا نقع في «المأزق الخلدوني».

إن مراحل الثقافة العمانية الحديثة أربع؛ أدمجها في «جيلين»؛ هما:

- الجيل الأول.. توحيد الرؤية الثقافية، وقد بدأ بقيام النهضة الحديثة، وجاء على مرحلتين: مرحلة التأسيس.. في عقد السبعينات، وفيها شكّلت الدولة هُوياتها؛ منها الهُوية الثقافية. مرحلة البناء.. انطلقت بإنشاء وزارة التراث القومي والثقافة عام 1979م، واسم الوزارة لخّص الرؤية التي اعتمدتها الدولة حينها للحقل الثقافي، وهي ربط الثقافة بتراث عمان الإسلامي وبُعده القومي العربي.

الجيل الثاني.. التعددية الثقافية، ابتدأ بإلقاء السلطان قابوس خطابه المفصلي في 2 مايو 2000م، وهو مستمر حتى الآن، وملخّص رؤيته (لن نسمح لأحد أن يصادر الفكر أبداً)؛ بتوجيه صريح للتعددية الثقافية. هذا الجيل أتى أيضا على مرحلتين: مرحلة المجتمع المدني.. حيث أشركت الدولة المجتمع في البناء الثقافي عبر التشريع بإنشاء مؤسسات المجتمع المدني. ومرحلة الحوكمة.. التي ينبغي تطبيقها على الثقافة لجعلها قابلة للتقييم وفقاً لـ«رؤية عمان 2040» التي تسير الدولة على هديها، وهذه المرحلة.. ينبغي ألا تتعدى عام 2030م، للانتقال إلى الجيل الثالث.

الجيل الثالث من التكوين الثقافي.. هو «الخطاب الفكري للثقافة»، لا أطيل الحديث عن الخطاب ومفهومه، فقد تحدثت عنه في ورقة «خطاب الكراهية والمعالجة العمانية» ألقيتها في جامعة أكسفورد ببريطانيا عام 2019م، وأكتفي ببيان أن الخطاب منظومة شاملة.. تشمل نص الخطاب؛ ظاهره وفحواه ودلالته، ومكان إلقائه وزمانه، ومرسِله ومتلقيه، ولا يقتصر على اللسان والمداد، وإنما يتعدد بحسب الوسائل المتاحة والمناسبة، والأهم؛ أنه ينطلق من رؤية فكرية مقصودة، وبيئة اجتماعية حاضنة، وعمق ثقافي مؤثر، بغية ترسيخ نمط سلوكي معين، أو تغيير رؤية وممارسة قائمة باتجاه رؤية جديدة يتغياها صاحب الخطاب.

سلطنة عمان.. عملت في جيلها الأول على توحيد الرؤية الثقافية، لكي تكتسب الدولة الصلابة السياسية والوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي. وعندما اكتملت مؤسسات الدولة، وأصبحت متطلعة إلى التعددية الثقافية؛ لتستفيد من التنوع الثقافي في المجتمع العماني، وتستوعب ثقافات المهاجرين إليها، وتواكب متطلبات النظام العالمي الجديد؛ التي شهدها عقد التسعينات، انتقلت الدولة إلى جيلها الثاني، وعمدت إلى التشريع لمؤسسات المجتمع المدني. عملت الدولة في المدة الماضية على وضع فلسفة للثقافة والبُنية الأساسية لها، وإشاعة مفهومها في المجتمع، عبر وزارات الثقافة المتتالية، والنوادي والمكتبات والمراكز الثقافية والجمعيات ذات الشأن الثقافي، وهذا تمهيد مهم لكي تصنع عمان خطابها الثقافي، ويكون للدولة «ناطقون بالثقافة»، أي؛ منظرّون لها ومعبّرون عنها، فالذي لدينا حتى الآن إنتاج معرفي وفني تعمل المؤسسات على إبرازه.

الجيل الثالث.. جيل مهم للمستقبل؛ لأجل أن يهيئ الدولة والمجتمع لتحول كلي؛ بالخروج من النمط الحالي والدخول في نمط جديد. إن ما نشهده من تحولات على المستوى البشري بما فيها التقنية الرقمية؛ يجعل أقصى مدى للنمط القديم للدول والمجتمعات القائمة عموماً هو نهاية هذا القرن، وعلى عمان.. أن تستعد لمواصلة وجودها الحضاري والمؤثر عالمياً، متجاوزة «النظرية الخلدونية». لقد بدأنا قطع النصف الثاني من الطريق، وهو الأصعب بحسب التحولات والتحديات التي نعيشها، ولكن بعزيمة وحكمة ورؤية مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق أدام الله مجده يتمهد الطريق، ونصل للغاية المنشودة.

وفقاً لبُنية الدولة وهياكلها القائمة؛ كان الخطاب الثقافي جزءاً من النطق السامي لعاهل البلاد، مشكلاً الرؤية الكلية للدولة والمجتمع، بيد أنه ينبغي أن تترجم هذه الرؤية عبر الممارسة الاجتماعية من خلال المؤسسات، بإعداد فئة مقتدرة على التنظير لمسارات الخطاب، والعمل على دراستها في المجتمع؛ وهي خطابات كثير منها وافد على المجتمع العماني، لستُ ضد التثاقف مع الآخرين.. بل أعتبره حتمية وجودية وضرورة إنسانية، وإنما علينا ألّا ننسى خطابنا الثقافي، الذي تقف وراءه حضارة عمرها آلاف السنين. علينا أن نصنع مفكرين في الخطاب الثقافي، بتحليل الخطابات القائمة، ونقدها نقداً بنّاءً، ثم طرح خطاب يحتاجه المجتمع وفق رؤية الدولة.

وأقترح خمسة حقول كبرى لتحقيق ذلك:

- الحقل التاريخي.. أقصد به الكشف عن مسار الثقافة العمانية الطويل؛ بوضع مداخل للعلوم العمانية، التي لم تُفرَد لها حتى الآن دراسات متكاملة، فنحن بحاجة إلى مدخل للأدب والشعر، ومدخل للفلكلور والفنون، ومدخل للتشريع والقضاء، ومدخل للفقه والفكر، ونحوها. هذه العلوم.. هي التي شكّلت ثقافتنا، وهي مركبتنا نحو المستقبل، فلابد من دراستها، لمعرفة أصول ثقافتنا ومسار تطورها، ولتقريبها من الأجيال القادمة، ونشرها عالمياً.

- الحقل الاستراتيجي.. بخطوة نوعية؛ وضعت وزارة الثقافة والرياضة والشباب عام 2021م لأول مرة استراتيجية للثقافة، بيد أنها كأي عمل مبدئي؛ عليه أن يخضع للتقييم والتطوير، فالاستراتيجيات غالباً ما تكون عامة ومرنة، بحيث تفسح المجال لمراجعتها وتطويرها، وهذا ما نأمله من استراتيجيتنا الثقافية، خاصةً؛ أنها وضعت تحت محك الحوكمة، ضمن مبادئ «رؤية عمان 2024». إن أهم ما يمكن أن تسعى إليه الاستراتيجية الحالية هي الحوكمة، ولا يتأتى هذا إلا بدراسة الحراك الثقافي في البلاد بمنهج علمي ومعايير موضوعية وأدوات أكاديمية، تحوّل الظاهرة الثقافية إلى بيانات مقروءة؛ قابلة للتعامل معها بوضوح وحكمة.

كان ينبغي أن تقام الدراسة قبل وضع الاستراتيجية، ولكن لم يفت الأمر؛ فبالإمكان تنفيذها باعتبار الحوكمة إحدى العناصر التي وجهت إليها الاستراتيجية.

- الحقل التخصصي.. لا يوجد لدينا متخصصون في الثقافة، ما لدينا علوم وآداب ينتجها باحثون وأدباء، وهذا مهم وأساسي، بيد أنه لابد من خطوة نحو الأمام؛ وهي صناعة المتخصصين. وقد جاءت اللحظة لتُعنى الدولة بإيجادهم؛ بدايةً من الفلاسفة والمفكرين وانتهاءً بـ«دعاة الثقافة العمانية»، وهم الذي يعملون على نشرها في الاجتماع البشري؛ المحلي والعالمي، من مختلف منابر التواصل الاجتماعي؛ الواقعي والافتراضي. نريد فلاسفة ومفكرين و«دعاة» للثقافة العمانية، يسهمون في البناء الحضاري؛ العماني والإنساني.

- الحقل البحثي.. بإنشاء مراكز لإعداد الكوادر الثقافية، سواءً المتخصصين الذين أشرت إليهم، أم الناشئين ثقافياً؛ فكرياً ومعرفياً وفنياً، بإقامة مختبرات وورش عمل، ينفذها أساتذة متخصصون، لنخرج من «الاجتهاد المشتت» إلى «الإبداع الممنهج» في الثقافة.

- الحقل الريادي.. ريادة الثقافة العمانية عالمياً في عصر الذكاء الاصطناعي ضرورة لاستمرارنا في عالم المستقبل، وعلينا البدء من الآن في الاشتغال عليها، والريادة.. لا تعني التمكّن الرقمي وحده، فهذا هو الأسهل في عالم اليوم والغد، وإنما التمكّن الثقافي ذاته هو الأساس، وحضور البُعد الفلسفي والرؤية الكلية القائمة على تحليل المفردات الثقافية، والربط المحكم بينها، لذا؛ ينبغي أن يتحرك هذا الحقل متآزراً مع الحقول الأربعة السابقة.

هذه بعض المقترحات المرجو من وزارة الثقافة والرياضة والشباب النظر فيها وتقدير مدى تنفيذها، حتى ننتقل إلى الجيل الثالث للثقافة، ضمن البُنية المستقبلية للثقافة التي يوليها الاهتمام صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم حفظه الله.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة العمانیة الجیل الثالث

إقرأ أيضاً:

هل نحن أمة عاجزة؟

حين نقرأ أعمال المفكر والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حول سلطة الخطاب نجد، فوق المرتكز المعرفي، تحررًا شخصيًا؛ فالخطابات والمفاهيم تتسلط علينا، وتنشد إخضاعنا لمقولاتها وتعبئتنا لخدمة أغراضها؛ واليوم حين يحاصرنا خطاب الانهزام العربي الذي يشيع في مواقع التواصل، ويجري تبنيه وإنتاجه حتى داخل الوسائل إعلامية، بوعي أو بدون وعي، فلا شك أن حساسيتنا وريبتنا تتضاعف أكثر من تلاعبات الخطاب، بنا وبمفاهيمنا.

يعاد اليوم، بفعل مأساة فلسطين وغزة المعاصرة، إنتاج خطاب الهزيمة العربية، والأمة المهزومة، الأمة الميتة التي بلا مشاعر، والتي مات أبطالها، الأمة المثقلة بالشحم التاريخي حتى غدت عاجزة عن النهوض والقيام، الأمة المتفككة التي تتحلل، والنائمة التي يسرقها أعداؤها نهارًا جهارًا وهي غافلة وعاجزة عجزًا مريعًا عن صدهم، كل ذلك يشكل خطاب الهزيمة، وهو خطاب أسوأ أثرًا على نفسية الأمة من الهزيمة نفسها، والأنكى أن هذا الخطاب المازوشي لجلد الذات أصبحت تتبناه جهات متنفذة ذات تمويل قوي وتشيعه، فكأنها، من حيث تعلم أو لا، تقوم بترسيخ الهزيمة كواقع نفسي لا مفر منه. ولكن ما الفائدة من ذلك؟ وما الغاية؟

تلاحقنا نفس الرسالة بمختلف المواضيع والأشكال والصيغ، رسالة الأمة المهزومة والعاجزة، وهذه الرسالة رسالة سجن مفتوح لأفكارنا وأجيالنا وخيالاتنا العربية، رسالة أخطر من كارثية الوقائع، والخطاب نفسه غير جديد، بل نحمله معنا منذ قرون، والخطورة تكمن في أنه تحول إلى سلطة تحاول أن تحكم علينا وتتحكم بنا.

ما الفائدة من خطاب يريد ترسيخ العجز العربي بوصفه حقيقة واقعة؟ فيما يشهد الواقع المعاصر، دون أن نوغل في البحث الماضوي، أن الحالة العربية المعاصرة ليست حالة عجز وعقم ، بل إن القضية الفلسطينية نفسها تثبت أن العرب ليسوا أمة متبلدة المشاعر، عاجزة عن الدفاع عن حقوقها، وليست أمة منبطحة، كما يلذ لذلك الخطاب أن يروج، بل هي أمة في حراك وحيوية مستمرة، يشهد بذلك تاريخ دولها في القرن العشرين عبر حركات مقاومة الاستعمار في كل الدول بلا استثناء، رغم طغيان الإمبريالية، وتفكك الدولة العثمانية، والحروب العالمية، وقيام الدول العربية المعاصرة، فقد نهضت الشعوب العربية بطبيعتها الفطرية بمقاومة الاستعمار والظلم وكل النظم المحلية المتواطئة لاستعباد الإنسان، وفي سبيل ذلك قدمت تضيحات جسيمة لا تحصى من الشرق العربي إلى الغرب العربي بلا استثناء.

كيف إذن يمكننا اليوم القبول بخطاب التعيير الابتزازي الذي يزعم أن العرب أمة ميتة؟ وأنها بلا حياء، ولا نخوة، وأن أغلب أخلاقها الفاضلة إنما تعود للماضي، ولعصر تأسيسي قديم يعود لتأسس الإسلام وعصور الخلافة الإسلامية الأولى فحسب، وما غاية مثل هذا الخطاب غير اغتيال الحاضر، ونسف تاريخ طبيعي مديد من الحياة الإنسانية العربية والمتعددة الأوجه التي ما زالت حية إلى يومنا هذا؟ وما زال العرب منتشرين على ضفاف محيطين بين الشرق والغرب، من المحيط الهندي هنا شرقًا إلى المحيط الأطلسي في الغرب، في واقع وإثبات حي، استوعب مختلف الأطياف المحيطة، لأمم متعددة من هند وفرس آسيا إلى البربر والأمازيغ الأفارقة، وانخرطت تلك المكونات في مصهر عربي رحب، جمع مختلف الشعوب والثقافات، وكان هو النواة، وما يزال، للحضارة الإسلامية.

كيف إذًا يتكرر علينا بلا انقطاع خطاب سطحي، بلا تفكير، يريد لهذا الجيل العربي أن يسلم بانتمائه لأمة مهزومة بطبيعتها؟ وليس بحكم الظروف التاريخية، والتقدم العلمي، والنهب الاستعماري، والاحتكار الاقتصادي، والهيمنة الغربية، ويدعي أن هذه الهزيمة العربية نتاج تخلينا عن مبادئنا العليا، وبالتالي نحن محكومون بالهزيمة، وعلينا التسليم بها؛ والواقع أن هذا الخطاب خطاب سلطة ماكرة، ينشد تعزيز التبعية والاستلاب، ويريد أن يجير كل الظروف المعاصرة لإعلاء خطابه وبالتالي سلطته، بينما الواقع وإفرازاته تشهد على ثورات حيوية ومقاومة بكافة الأشكال والصعد، بما يكفي ليفضح أن تهمة الانهزام العربي هي في حد ذاتها خطاب عدائي، مهمته ترسيخ الضعف في وجداننا العربي، وبذلك يرسخ تفوق منتجيه ومنهجه.

ما زالت فلسطين، منذ منتصف القرن العشرين إلى ربع القرن الحادي والعشرين، مبتلاة بهذا الاحتلال الوحشي المعزز بالدعم الغربي المادي والمعنوي، ورغم ذلك لم يقف الفلسطيني مكتوف الأيدي، بل ظل يقاوم رغم التفاوت والبون الشاسع في النظام الأسلحة والقوة والدعم، والأخلاق، وما يزال، ها هم أهل غزة يخطون بمقاومتهم خطًا عربيًا غائرًا في الروح عن معنى الوطن والوطنية، رغم الحصار والقتل والإبادة والتجويع، ومثل ذلك فعل العراقيون حين واجهوا الاحتلال الأمريكي والبريطاني إثر سقوط نظام البعث فسطروا ملحمة خلود صادقة، ومثلهم السوريون حين وجدوا أنفسهم بين سندان نظام ديكتاتوري مستبد ومطرقة قوة عالمية تنشد الهيمنة، فقاوموا الاثنين وحاولوا ما استطاعوا النجاة وإنقاذ شجرهم ووحدتهم من البعثرة والفوضى، وهكذا يفعل اليمنيون، وما زال الليبيون يقاومون التمزيق، ومثلهم السودانيون الذين يقاومون، فهل كل تلك المقاومات المعاصرة أفعال أمة منهزمة وميتة؟ أم بالعكس أفعال أمة واعية ويقظة؟ تقاوم رغم ضخامة واستفحال الأعداء الذين يرمون لتمزيقها.

لا يفعل الخطاب الذي يريد أن يرسخ في وجداننا أننا أمة مهزومة إلا أن يسلمنا للعدمية المهلكة، فهو في الوقت الذي يزعم أنه معنا وفي صفنا، إنما يعمل بشكل صريح لخدمة وصالح أعداء الإنسان والأمة، وهذا الخطاب العدمي، الذي لا يبصر عاقبته، خطاب تجب مقاومته لأنه احتلال فكري أسوأ من الاحتلال العسكري، ويجب علينا التنبه لخطورته وما يلحقه من ضرر بتصوراتنا ومفاهيم أجيالنا عن أنفسهم وعن ذواتهم، وعن أمتهم، فلم تعد الأخطار أخطارًا متوهمة أو افتراضية، بل هي أخطار معايشة، وهي تعمل على تمزيق كل ما مثله ويمثله العرب كشعوب شرقية منفتحة على حدودها، ويرمي لتحطيم كل الرمزية العربية بقدرة انفتاحها الاستثنائية، والتي أثبتت انفتاحها عبر القرون ومقدرتها على استيعاب مختلف الثقافات، في رحابة إنسانية شاسعة، ربما لأن العربي يملك في جينات ثقافته، منذ كان في صحراء جزيرته هذه، الواقعة وسط تشكيلة ثقافية رحبة ومتنوعة، يملك ميزة الانفتاح، وأنه رغم تمزقاته وانقساماته الظاهرية، يفسح المجال بالعكس لثقافة إنسانية جذرية تستوعب مختلف الصور الإنسانية، وتؤسس بالممارسة الحية واليومية عبر طاقة روحية رحبة، للمجتمع الإنساني المفتوح الذي يستوعب الأضداد والاختلافات على أرض واحدة، خلف غاية سامية واحدة، هي نفسها غاية الطبيعة والأرض والسماء في الإنسان.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • إزالة فورية لمخالفات بناء بمدينة نجع حمادي
  • بمشاركة 100 طفل.. بنك مسقط ينظم ورشة عمل لتعزيز مبادئ الثقافة المالية بالتزامن مع "معسكر إيكيا الصيفي"
  • هل نحن أمة عاجزة؟
  • جدل متصاعد حول التمييز.. دعوات في فرنسا لمقاطعة المنتجعات التي لا تستقبل الأطفال
  • "ترشيد مياه النيل والحفاظ عليها من التلوث".. مائدة مستديرة بالأعلى للثقافة
  • الشبكة العمانية للمتطوعين تختتم برنامج شغف بـ 5197 ساعة تطوعية
  • ضمن أعمال الموجة الـ27.. تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء بنجع حمادى
  • ضحى عاصي: رحيل صنع الله إبراهيم خسارة فادحة للمشهد الثقافي العربي والمصري
  • وزير الثقافة يُعلن انطلاقة فعاليات الدورة الـ33 من “مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء” ويُكرم 12 مبدعا.. هنو : المهرجان أصبح علامة فارقة على الخريطة الثقافية المصرية والعربية
  • أوبرا عربي تبهر جمهور مركز طنطا الثقافي بباقة من أغاني الزمن الجميل