الفنلنديون لا يعتبرون نوكيا مجرد شركة، بل يرونها سردية وطنية، بدأت كورقة في النهر، وتحولت إلى جذر ضرب عميقا في الأرض. وبين الصعود المدوي والسقوط المؤلم، تروي لنا نوكيا قصة أمة قررت أن تربّي التكنولوجيا كما تُربّى الغابات: برعاية، وبطء، وبُعد نظر.
فشركة الهواتف الفنلندية لم تولد من شريحة إلكترونية، بل من شجرة.
لم تكن نوكيا تصنع الهواتف فحسب، بل كانت تصنع صلة، فكرة، وطنًا متصلًا ببعضه البعض. في التسعينيات، بينما كان العالم يكتشف معنى الاتصال المحمول، كانت نوكيا تكتب شعارها على شاشة كل هاتف "نصل الناس" (Connecting People). لم يكن مجرد شعار تسويقي، بل كان بيانًا وطنيًا لفنلندا التي اختارت أن تربط العالم بهويتها عبر التكنولوجيا.
بحلول عام 1998، أصبحت نوكيا أكبر شركة هواتف محمولة في العالم، وبلغت حصتها السوقية أكثر من 40% بحلول عام 2006. لكنها لم تكن ظاهرة اقتصادية فقط، بل ظاهرة اجتماعية وثقافية.
إعلاننوكيا أصبحت أكبر شركة مصنّعة للهواتف المحمولة في العالم عام 1998 بعد أن تجاوزت موتورولا، وبلغت حصتها السوقية قرابة 40% في ذروة نجاحها منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، وتحديدًا بين 2006 و2007.
بلغت مساهمة نوكيا في الناتج المحلي الإجمالي الفنلندي حوالي 3.1% في ذروتها عام 2000، كما أسهمت نوكيا بنحو 20-22% من إجمالي الصادرات الفنلندية في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.
وهيمنت نوكيا كانت تهيمن بشكل كبير على البورصة الفنلندية في تلك الفترة، حيث وُصفت بأنها "أعلى شركة من حيث القيمة في أوروبا" عام 2000، وتشير بعض المصادر إلى أن نوكيا أسهمت بحوالي 23% من ضرائب الشركات في فنلندا في ذروتها.
نوكيا كانت تمثل قلب الاقتصاد الفنلندي، وكان لمقرها في مدينة إسبو رمزية كبيرة، كما أن الشركة استقطبت معظم خريجي الهندسة في فنلندا، وأسهمت في بناء هوية تكنولوجية للبلاد، ووظفت أكثر من 132,000 موظف حول العالم، يحملون الشعار نفسه.
وفي عام 2003، أطلقت نوكيا هاتفها الأسطوري نوكيا 1100 (Nokia 1100)، الذي بيع منه أكثر من 250 مليون وحدة، ليصبح الهاتف الأكثر مبيعًا في التاريخ. هاتف بلا كاميرا، بلا إنترنت، لكنه حمل ما لم تحمله الهواتف الذكية اليوم: وعدٌ بالثقة، وبطارية تكفيك لأيام، وشاشة.
نوكيا في تلك اللحظة لم تكن شركة، بل كانت فنلندا مختزلة في جهاز: صغيرة، بسيطة، موثوقة، وتربط العالم بصمت.
لم تسقط نوكيا لأن منتجها سيئ. سقطت لأنها تأخرت في طرح السؤال الصحيح: هل الهاتف ما زال جهازًا للاتصال فقط؟
فبينما كانت شركة آبل تقرأ المستقبل على شاشة تعمل باللمس، كانت نوكيا لا تزال تفتخر بأزرارها المتينة ونغمات رسائلها الشهيرة. وكأنها تظن أن التاريخ يتوقف عند من بدأه أولًا.
تمسكت نوكيا بنظام التشغيل سمبيان (Symbian)، النظام الذي صنع مجدها في البداية، لكنه سرعان ما أصبح عبئًا أمام البساطة والأناقة التي قدمها كل من أي أو أس وأندرويد. وعوضًا عن التحوّل الجريء، دخلت في شراكة متأخرة مع مايكروسوفت، في محاولة يائسة للحاق بركب الهواتف الذكية.
في عام 2011، تراجعت حصتها في سوق الهواتف الذكية من 33% إلى 14%. وبعد عامين فقط، باعت قسم الهواتف المحمولة بالكامل إلى مايكروسوفت. لم يكن مجرد بيع لخط إنتاج، بل كان بمثابة خلع الشعار من قلب الجهاز، وتوقيع شهادة وفاة لحقبة كاملة.
نوكيا، التي كانت تُعرف بصوت الرسالة ونغمة البداية المألوفة، انسحبت من المشهد فجأة. الهاتف الذي كان حاضرًا في جيب كل يد، أصبح فجأة في ذاكرة كل شخص.
التحوّل: مهاجر هندي غير مسار الشركةعندما سقطت نوكيا من سماء الهواتف، لم يكن السؤال: "متى ستعود؟" بل: "من يجرؤ على أن يعيد بناءها؟" وكان الجواب: رجل من خارج الغابة الفنلندية، اسمه راجيف سوري.
ولد سوري في الهند، وتدرّج في نوكيا بهدوء لا يُرى، حتى أصبح في عام 2014 أول غير فنلندي يتولى منصب الرئيس التنفيذي للشركة. لم يكن مهندسًا للأجهزة، بل استراتيجيًا يفهم أن المستقبل لا يُصنع في اليد، بل في الخفاء، حيث تُبنى الشبكات وتُرسم خرائط العالم الرقمي.
وفي عام 2015، قاد سوري واحدة من أعقد عمليات الاندماج في تاريخ التكنولوجيا: استحواذ نوكيا على شركة لكاتل- لوسينت (Alcatel-Lucent) الفرنسية، وضم مختبرات بيل لابس (Bell Labs) الشهيرة والتي تعود لمخترع الهاتف أبراهام بيل والتي لديها في تاريخها أكثر من 13 مخترعا حائزًاعلى نوبل.
لم تكن الصفقة مجرد توسع. كانت إعلانًا صامتًا أن نوكيا ستعيد كتابة مصيرها، لا من خلال الشاشة، بل من خلال ما وراءها.
وقد قالها سوري بوضوح:
"سنكون العمود الفقري لعالم متصل. الهواتف تتغير كل عام، لكن الشبكات تبقى لأجيال."
راجيف سوري لم يُعد نوكيا فقط إلى السوق، بل أعاد تعريفها. جعلها تتحدث لغة المستقبل، لا بصوت عالٍ، بل عبر اتصال لا ينقطع.
الجيل الخامس: حين تتكلّم الشبكات عن الموثوقيةفي عالم تُقاس فيه القيمة بالسرعة، لم تعد الشبكة مجرد وسيلة اتصال، بل حدودًا وطنية خفية. وكل برج إرسال هو نقطة تماس بين التكنولوجيا والسيادة.
في هذا العالم، وجدت نوكيا نفسها في سباق لم تخطط له، لكنه يحدد مصيرها: سباق تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات.
المنافسة لم تكن تقنية فحسب، بل سياسية. وعلى الضفة الأخرى تقف هواوي، محاطة بشكوك العالم، لكنها تمتلك سرعة وموارد أما نوكيا، فاختارت طريقًا أصعب وهو طريق الثقة والشفافية التي تحملها.
فبعد استحواذها على لكاتل- لوسينت، ركّزت نوكيا على بناء منظومة متكاملة تعتمد على شراكات مفتوحة وأكواد شفافة، وتحظى بقبول واسع لدى الحكومات الغربية التي تبحث عن بدائل موثوقة لحلول هواوي.
في 2024 وحده، أنفقت نوكيا أكثر من 3.1 مليار يورو على البحث والتطوير، ما جعلها لاعبًا أساسيًا في مشاريع البنية التحتية لشبكات 5G في أوروبا، وأجزاء من أمريكا الشمالية وآسيا.
لكن القصة ليست مجرد أرقام. نوكيا تراهن على شيء آخر: أن العالم المتّصل لا يحتاج إلى الأرخص، بل إلى الأوثق. أن السرعة يجب أن تكون مصحوبة بمعيار أخلاقي. أن البنية التحتية لا تُبنى فقط بالكابلات، بل بالقيم.
في زمن أصبحت فيه الشبكات مسرحًا للتجسس والاختراقات والهندسة العكسية، تبني نوكيا شبكاتها على وعدٍ بسيط: "نحن لا نراقبكم. نحن نربطكم."
في فنلندا، حيث تتكلم الطبيعة بهدوء، وحيث تبقى الأشجار واقفة حتى بعد سقوطها، تعلّمت نوكيا قانون البقاء: لا تقاوم التغيير، بل كن جزءًا منه.
من نهر صغير حمل اسمها، إلى ملايين الأيدي التي حملت هواتفها، ثم إلى الشبكات التي لا تُرى ولكن يُبنى عليها كل شيء… كانت نوكيا دائمًا هناك، وإن تغيّرت هيئتها.
إعلانلم تعد في جيب المستخدمين، لكنها في كل مكان، في القطارات التي تصل في موعدها، في الموانئ التي لا تتوقف، في المستشفيات التي لا تحتمل خطأ في الإشارة، وفي المدن التي تحلم أن تصبح أذكى دون أن تفقد إنسانيتها.
نوكيا لم تكن قصة عن التكنولوجيا فقط، بل عن التجدد، ففي عالم يبحث عن الجديد، اختارت نوكيا أن تعود إلى ما تعرفه جيدًا: أن تكون الجذر الذي لا يُرى… لكنه يُبقي الشجرة حيّة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ی نوکیا أکثر من کانت ت لم یکن لم تکن بل کان فی عام
إقرأ أيضاً:
أرخص هاتف ذكي يغزو الأسواق قريبا.. أهم مواصفاته
تُعزز شركة لافا مكانتها في قطاع الهواتف الذكية الاقتصادية بإطلاق هاتف Blaze AMOLED 2 في الهند وهو هاتف ذكي اقتصادي غني بالعديد من الميزات والمواصفات الرائعة وتصميمه النحيف.
هاتف Lava Blaze AMOLED 2أعلنت العلامة التجارية الهندية مؤخرًا عن هاتف Lava Blaze AMOLED 2 بتصميم Linea. وتزعم الشركة أن هذا الجهاز هو الأصغر في هذه الفئة (الهواتف الذكية التي يقل سعرها عن 15,000 روبية)، حيث يبلغ سمكه 7.55 ملم فقط. ورغم أنه ليس بمستوى هواتف مثل Galaxy S25 Edge أو Infinix Hot 60 Pro+ ذات الهيكل الذي يقل سمكه عن 6 ملم، إلا أنه هاتف اقتصادي بسعر حوالي 150 دولارًا أمريكيًا.
يتميز بشاشة AMOLED عالية الدقة مقاس 6.67 بوصة ومعدل تحديث 120 هرتز.
يأتي هاتف Lava Blaze AMOLED 2 مزودًا بمعالج MediaTek Dimensity 7060، مع ذاكرة وصول عشوائي (RAM) بسعة 6 جيجابايت وذاكرة تخزين داخلية بسعة 128 جيجابايت.
يعمل هذا الهاتف ببطارية كبيرة بسعة 5000 مللي أمبير/ساعة، تدعم الشحن السريع السلكي بقوة 33 واط. يعمل بنظام التشغيل Android 15 فورًا.
ميزات التصويرأما بالنسبة للتصوير، فقد زودت الشركة هاتف Blaze AMOLED 2 بكاميرا رئيسية من سوني بدقة 50 ميجابكسل.
تشمل الميزات البارزة الأخرى توسيع ذاكرة الوصول العشوائي (RAM) افتراضيًا، وتصنيف IP64 لمقاومة الماء والغبار، وماسح بصمات الأصابع مدمجًا في الشاشة.
أما عن ميزات التصوير فقد أعلنت لافا مؤخرًا عن هاتفها النحيف الاقتصادي بلونين: الأسود الداكن والأبيض و يمكنك شراؤه بسعر 13,499 روبية هندية عبر متاجر الهواتف الذكية التقليدية. ستبدأ مبيعات هذا الطراز على المواقع الألكترونية في 16 أغسطس 2025.