نواصل محاولتنا التي لا تمل التكرار، من أجل ممارسة دورنا في التوعية لإيجاد رؤية لأزمتنا الليبية.

في ظل أزمة سياسية مزمنة، وانهيار اقتصادي وأمني، تظل ليبيا في مفترق طرق خطير. لم يعد السؤال: من يحكم؟ بل: هل نحن مستعدون لبناء الدولة؟ وهل نمتلك إنسانًا ليبيًا واعيًا قادرًا على النهوض بوطنه؟

إن بناء الدولة لا يبدأ من قصر الحكم، بل من العقل والضمير.

. من وعي المواطن الذي يقدّر قيمة الوطن، ويضع مصلحته فوق كل انتماء.

إرث ثقيل من الانقسام

إننا نعيش اليوم نتائج تراكمات ثقافية وسياسية صنعتها عقود من الحكم الفردي، والتهميش، وغياب المؤسسات، لم نتعلم من تجارب الدول التي نهضت بعد الحروب، كألمانيا واليابان، ولم نلتقط إشارات التاريخ، عندما حصلنا على الاستقلال بعد كفاح مرير ضد الاستعمار.

ورغم الانطلاقة الصعبة للمملكة الليبية في 1951، إلا أن الدولة بدأت تتشكل، حتى جاء الانقلاب في 1969، وبدأت مرحلة من حكم الفرد الواحد، وتحويل ليبيا إلى مختبر للتجريب الأيديولوجي والاقتصادي، مما جعلها في حالة قطيعة مع التنمية المستدامة، والتراكم المؤسسي.

مأزق ما بعد 2011: فرصة ضائعة

كانت ثورة 2011 لحظة فارقة، لكنها لم تُثمر بناء دولة حديثة، بل كشفت ضعف الوعي الوطني، وسيطرة منطق الغنيمة والمحاصصة القبلية والجهوية.

وهنا يجب أن نقف عند أخطر مظاهر الأزمة الليبية:

التعصب القبلي والجهوي والحزبي

إن التعصب القبلي والجهوي والحزبي أصبح سرطانًا ينخر في جسد الوطن، ومصدرًا دائمًا للصراع والانقسام.

وقد أثبتت التجربة أن هذا النمط من التفكير لا يُنتج دولة، ولا يصنع مواطنًا مسؤولًا.

بل يُغذي الفوضى، ويُضعف الثقة، ويُقدّم الولاء الضيق على الانتماء الوطني.

عن التدخلات الخارجية.. والمغالطة الكبرى

كفانا تعليق أزمتنا على شماعة التدخلات الإقليمية والدولية، فالعالم تحكمه المصالح لا العواطف، والسياسة لا تعترف بالفراغ.

نحن لم نُدرك بعد دورنا الحقيقي كمواطنين، ولم نتحمّل مسؤولياتنا تجاه وطننا.

كيف نُطالب الآخرين باحترام سيادتنا، ونحن لا نحترمها داخليًا؟ كيف نحذر من الاستعمار الجديد، ونحن نفتح له الأبواب بتناحرنا وضعفنا؟

الوعي بمصلحة الوطن يبدأ من الداخل.. من إدراك أن لا أحد سيبني ليبيا سوانا.

أين السلطة الشرعية؟

في ظل هذه الفوضى، تبرز الحاجة إلى سلطة وطنية قوية وشرعية، قادرة على فرض الأمن، وبناء مؤسسات حقيقية.
لقد عانت ليبيا من الفراغ الأمني، ومن انتشار الجريمة والمخدرات والإرهاب، لا سيما في شرق البلاد ووسطها وجنوبها، حيث توجد ثرواتنا الوطنية، فأصبحت تعيش الأمن والأمان والاستقرار، بفضل المؤسسة العسكرية والأمنية!.

وفي المنطقة الغربية، رغم وجود سلطة قائمة، فإن الواقع يُظهر أن قوة التشكيلات المسلحة تفوق سلطة الدولة، مما يجعل مطلب “الجيش والشرطة الوطنية” أساسًا لاستعادة السيادة.

هل نملك شجاعة الاعتراف؟

لقد صمت الليبيون على الفساد، وتمت مصادرة إرادتهم في الانتخابات، وآخرها انتخابات ديسمبر 2021 التي لم تُستكمل.

والأخطر هو تبرير هذا الواقع، والدفاع عن أنظمة سابقة أو حاضر مأزوم، في مشهد يعكس سوء فهم للدولة، وقصور في الوعي السياسي.

إننا نعيش في دائرة مفرغة من الإقصاء والمزايدة والنفاق السياسي، بدلًا من أن نبدأ ببناء حقيقي للإنسان، الذي هو أصل كل مشروع وطني.

خاتمة: من أين نبدأ؟

ليبيا لا تحتاج إلى معجزات، بل إلى وعي جماعي يُدرك أن بناء الدولة مشروع طويل يبدأ ببناء الإنسان.

لا نهوض بدون تعليم حقيقي، ولا سيادة بدون مواطن فاعل، ولا مصالحة دون عدالة ومصارحة ومراجعة.

فماذا سنترك لأطفالنا؟

دولة متماسكة نفتخر بها؟ أم ذاكرة مثقلة بالفشل، والصراع، والضياع؟

فلنبدأ من الاعتراف، ولنمضِ نحو بناء الإنسان الليبي الحر، القادر، المسؤول.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

إقرأ أيضاً:

رئيس وزراء لبنان: نريد بسط سلطة الدولة ونسعى لشرق أوسط خالٍ من السلاح النووي

أفادت قناة “القاهرة الإخبارية” بأن رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، صرح بأن بلاده تتطلع إلى صفحة جديدة من العمل الدبلوماسي، قائمة على الحوار والتعاون الإقليمي، بما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.

ماذا حدث لطائرة رئيس الوزراء اللبناني جراء الهجوم على القاعدة الأمريكية بقطر| تفاصيلرئيس الوزراء اللبناني: الدولة فقط المنوط بها امتلاك السلاح وقرار الحرب والسلم السيادة أولاً: بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي

وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة اللبنانية تسعى إلى فرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية باستخدام الإمكانات الذاتية، دون الاعتماد على أي تدخل خارجي، في إطار الحفاظ على السيادة الوطنية.

 دعوة لشرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية

وشدد على أن لبنان يسعى بجدية إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، مؤكدًا أن الأمن الإقليمي لا يمكن أن يتحقق في ظل التهديدات النووية التي تزعزع الاستقرار.

واختتم رئيس الوزراء تصريحاته بالتأكيد على أنه لا يمكن تحقيق أي استقرار حقيقي في لبنان والمنطقة دون الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب اللبناني، معتبرًا أن ذلك يمثل مدخلاً ضرورياً لأي حل سياسي دائم.

طباعة شارك رئيس الوزراء اللبناني الحكومة اللبنانية نواف سلام

مقالات مشابهة

  • الهجرة النبوية وطوفان الأقصى.. ملامح التعبئة وبناء الوعي في وجه الطغيان الأمريكي الصهيوني
  • من الهجرة إلى النهضة .. قراءة في كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي لإعادة بناء الوعي
  • نائب: 30 يونيو إرادة شعبية صنعت التاريخ وأعادت للوطن هويته
  • الدغاري: الرئاسي والحكومة يتحملان مسؤولية غياب سلطة أمنية قوية بطرابلس
  • النائبة شيرين عليش: 30 يونيو أثمرت عن بناء مصر الحديثة
  • الصفدي: سوريا تسير بالاتجاه الصحيح نحو إعادة بناء الوطن الحر المستقل
  • مفكر سياسي: القوة الحقيقية تبدأ من بناء الإنسان وليس السلاح
  • سلطة في الظل.. هل حلّ "الشيخ" مكان الدولة في سوريا؟
  • الشيخ خالد الجندي: حب الوطن فطرة داخل كل إنسان
  • رئيس وزراء لبنان: نريد بسط سلطة الدولة ونسعى لشرق أوسط خالٍ من السلاح النووي