جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-13@02:11:35 GMT

طنِّش تعِش!

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

طنِّش تعِش!

 

 

د. ابراهيم بن سالم السيابي

في عالمنا اليوم، ومع تطوّر وسائل التواصل وتعدُّد قنوات الاتصال، أصبح التواصل في بعض الأحيان أمرًا شبه مستحيل! نعم، رغم كل هذه السهولة التقنية، صار الحديث مع الآخرين أكثر تعقيدًا. قد تراسل أحدهم في انتظار رد، ولكن لا يأتيك جواب. بل قد تضطر لملاحقته برسالة تلو أخرى، فقط لتسمع في داخلك صدى "التطنيش" يتردد.

المكالمات تذهب سُدى، والرسائل لا تجد طريقًا إلى الرد، وكأنك لا تساوي شيئًا. هذا ليس استثناءً؛ بل واقعًا يعيشه كثيرون، حتى في تواصلنا مع من كنا نعتقد أنهم الأقرب إلينا، أصبحت اللامبالاة هي السائدة، وبدلًا من أن يكون التواصل وسيلة لتقريب المسافات، تحوّل "التطنيش" إلى أداة لبناء جدران بيننا وبين من حولنا. لكن السؤال الأهم الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: ماذا يعني "التطنيش"؟ هل هو مجرد تجاهل؟ أم أنه بداية لتفكك علاقات كانت دافئة وأصبحت باردة فاترة؟ المشكلة الحقيقية تكمن في أن بعض الناس يظنون أن "التطنيش" نوعٌ من القوة أو التميّز، لكن، هل تكون قوة الإنسان في تجاهله للآخرين؟ وهل العلو يكون بأن ننسى من حولنا ونتصرّف وكأننا أفضل منهم؟ البعض يضع معايير يصنّف الناس بناءً عليها، والمشكلة أن هؤلاء المصنِّفين أنفسهم لا يملكون في كثير من الأحيان الأدوات لتعديل هذه التصنيفات، ولا حتى القدرة على تغيير تلك المعايير، التي تضع "المصلحة" في أعلى قائمتها. ويغفلون عن حقيقة بسيطة: نحن جميعًا بشر، نعم، كلنا لدينا احتياجات ومشاعر، وكل واحد منا قد يمر بلحظة يحتاج فيها إلى حتى مجرد كلمة طيبة، أو اهتمام صادق، أو حتى مجرد محادثة خفيفة من شخص يشعره بأنه مهتم بأمره. وأحيانًا، حين تتواصل مع أحدهم، يظن أنك تطلب منه مصلحة أو منفعة، لكن، ماذا يضيره لو ساعدك؟ أليس هذا من جوهر ما علّمنا إيّاه ديننا الحنيف؟ ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبُّ إليّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا"؟ فالمساعدة، إن كانت في حدود المقدرة، ليست عبئًا، بل فرصة لكسب الأجر وزيادة البركة في الحياة. ولكن، هل بدأنا بتقييم أنفسنا أولًا؟ هل تأمّلنا في طريقة تعاملنا مع الآخرين؟ هل نستحق فعلاً أن نتوقع منهم حسن الظن، بينما نحن من يبني الجدران بينهم وبيننا؟ هل تقييمنا لأنفسنا نابع من قيمنا وأخلاقنا، أم أننا فقط ننتظر من الآخرين أن يعطونا ما نريد دون أن نمنحهم ما يستحقون؟ فالثقة بالنفس ليست في التكبر أو التقليل من شأن الآخرين، بل في أن تكون واثقًا بمكانتك، قادرًا على التعامل مع الجميع بتواضع واحترام، وليس هناك أجمل من أن تترك أثرًا طيبًا في حياة الآخرين، لأن هذا الأثر هو ما سيبقى، بعد أن تزول الألقاب، وتفنى الأموال، وتغيب المكانة. هل فكّرنا يومًا أن تصرفاتنا قد تكون الفارق بين إنارة يوم شخص ما أو تحطيم معنوياته؟ أن كلمة طيبة، أو لمسة اهتمام بسيطة، قد تغيّر حياة إنسان؟ لهذا، علينا أن نعامل من حولنا بلطف، لا بدافع المصلحة؛ بل انطلاقًا من قيمنا التي نؤمن بها. في النهاية، الأثر الطيب هو ما يدوم، هو ما يُخلَّد في قلوب الناس، ويُذكَر عنا حين تتبدّل الأحوال أو نرحل للأبد عن هذا العالم، لكن هذا لا يعني أن نكون في خدمة الآخرين على حساب أنفسنا، بل أن نتصرف بأخلاق تُظهر احترامنا وإنسانيتنا، وكلما عاملنا الناس بهذه الروح، عشنا حياةً أكثر سعادة ودفئًا. ويجب أن ندرك أن "التطنيش" ليس مجرد تجاهل عابر؛ بل هو بداية لهدم جسر كان يربطنا بالآخرين، وإن لم ننتبه، قد نجد أنفسنا في عزلة، بلا أثر، ولا وحب ولا ود لذلك، أيها القارئ الكريم، ردّ على من يناديك، أو يحاول أن يتواصل معك، ولو بكلمة تُجبر الخاطر، ولا تتجاهل أحدًا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وجوه قديمة بثوب جديد… هل تعيد الانتخابات إنتاج الفشل؟

بقلم: الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

مع اقتراب موعد الانتخابات في العراق، يزداد النقاش الشعبي حول جدوى المشاركة في عملية سياسية فقدت بريقها لدى شريحة واسعة من المواطنين. العزوف الانتخابي لم يعد مجرد حالة فردية أو موقف احتجاجي عابر، بل أصبح ظاهرة اجتماعية تعكس انعدام الثقة بين الناخبين والمنظومة السياسية بأكملها. السبب الرئيس لهذا العزوف هو القناعة المتنامية لدى المواطن بأن الانتخابات، في صورتها الحالية، لا تؤدي إلى التغيير المنشود، بل تعيد تدوير نفس الوجوه والأفكار التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه.
من بين أسباب هذا الإحباط، بروز نماذج سيئة من المرشحين، خصوصًا بعض المرشحات اللاتي يمتلكن تاريخًا سياسيًا أو اجتماعيًا مثقلًا بالسلوكيات المثيرة للجدل أو المواقف المعادية لمصلحة الدولة والشعب. في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون المرأة المرشحة رمزًا للنزاهة والكفاءة، شهدت الساحة السياسية بروز أسماء ارتبطت بفضائح تتعلق بتزوير الشهادات والألقاب العلمية أو الاستفادة من مواقعهن السابقة لخدمة مصالح ضيقة. هذه النماذج لم تكتفِ بالإضرار بسمعة العملية الانتخابية، بل أضرت أيضًا بفرص النساء الكفوءات والصادقات اللواتي يطمحن لخدمة بلدهن.
المفارقة أن بعض هذه الشخصيات، التي كانت ضد العملية السياسية برمتها في مراحل سابقة، عادت إلى الساحة بمسميات جديدة وقوالب أكثر بريقًا، مستفيدة من ضعف الذاكرة الجمعية لدى بعض الناخبين أو من محاولات الأحزاب استغلال الشعبية اللحظية أو النفوذ الاجتماعي لتحقيق مكاسب انتخابية. هذه العودة تطرح سؤالًا كبيرًا بمصلحة من يتم تلميع وإعادة إنتاج هذه الوجوه؟
هنا تقع المسؤولية على عاتق طرفين أساسيين الأحزاب السياسية والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات. الأحزاب مطالبة بمراجعة قوائم مرشحيها بجدية، وعدم التضحية بالمصداقية من أجل مكاسب انتخابية مؤقتة. أما المفوضية، فهي أمام امتحان تاريخي في تطبيق القانون بحزم واستبعاد كل من يثبت تورطه في التزوير أو الإساءة إلى الدولة، بغض النظر عن انتمائه أو شعبيته. فالتهاون في هذا الأمر لا يهدد نزاهة الانتخابات فحسب، بل يعمّق الهوة بين الناخبين والعملية السياسية.

إعادة الثقة تبدأ من تنظيف القوائم الانتخابية من كل من لوثوا العمل العام، وتقديم وجوه جديدة تملك الكفاءة والنزاهة والرؤية الحقيقية لخدمة الوطن. استمرار سياسة غضّ الطرف عن المرشحين والمرشحات ذوي التاريخ الأسود، هو بمثابة رسالة سلبية للناخب أن صوتك لن يغيّر شيئًا، وأن اللعبة مغلقة على دائرة المصالح.
إن عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات ليس ترفًا، بل رد فعل طبيعي على شعورهم بأن أصواتهم تُختطف قبل أن توضع في الصناديق. إذا لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة بجدية، فإن العملية السياسية برمتها ستفقد آخر ما تبقى لها من شرعية شعبية، وتتحول الانتخابات إلى مجرد طقس شكلي يكرس الفشل ويؤجل الانفجار الاجتماعي.

ختاما الوقت الآن ليس للتجميل الإعلامي أو تسويق الوجوه القديمة بأسماء جديدة، بل لإحداث فرز حقيقي بين من خدم العراق ومن أساء إليه، وإرسال رسالة واضحة للناخبين بأن الانتخابات القادمة لن تكون مجرد إعادة تدوير للفشل، بل خطوة نحو التغيير الفعلي.

انوار داود الخفاجي

مقالات مشابهة

  • متخصص يوضح كيفية منع الآخرين من إضافتك عبر جهات الاتصال..فيديو
  • الرئيس السيسي: مصر ضد التدخل في شئون الآخرين وتسعى للبناء والتعمير والتنمية
  • خطر يهدد سلامتك وسلامة الآخرين.. «المرور» يحذر من الانشغال عن الطريق أثناء القيادة
  • المنيف: الحب قبل الزواج مجرد إعجاب .. فيديو
  • وجوه قديمة بثوب جديد… هل تعيد الانتخابات إنتاج الفشل؟
  • أنس الشريف:رحيل الصوت وخلود الصدى
  • سامي الجميّل عن سلاح حزب الله: أي كلام عن التمسك بالسلاح هدفه دوس كرامة الآخرين
  • كلمات في حق مستشار جلالة الملك للشؤون العشائرية
  • الأزهر يحذر من التفاخر عبر مواقع التواصل: راعوا مشاعر الآخرين وكونوا نفعًا للناس
  • الحديث عن حرب أهلية مجرد حكي صالونات