صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-11@05:44:37 GMT

السرديات المضللة في حرب السودان

تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT

السرديات المضللة في حرب السودان

السرديات المضللة في حرب السودان

فيصل محمد صالح

ليستْ هناك سردية واحدة لأسباب وبدايات ومجريات حرب السودان، ليس فقط لاختلاف التفسيرات، ولكن للاختلاف حول الوقائع نفسها، بدايةً من قصة بداية الحرب حتى الآن. هذه السرديات تتعامل بانتقائية شديدة مع الأحداث والوقائع، تأخذ ما تريده وتركز عليه وتتجاهل بقية المعطيات، وترفض ربط الأحداث ببعضها البعض، كما أنها تتعامل بتبسيط مخل… «إما أن تأخذ بضاعتنا كما هي، أو أنك عدونا».

سردية بداية الحرب تتعرض كل يوم لامتحان قاسٍ، عبر الفيديوهات التي تحمل إشارات وأقوالاً مباشرةً وعبر الأسرار التي تتكشف كل يوم عمن خطط لهذه الحرب وأعد لها من قبل شهوراً طويلة. هناك ثروة من التسجيلات واللقاءات والتصريحات وبعضها بها اعتراف صحيح بالمسؤولية عن الحرب، إلا أنه ومن باب الأمانة، ليس ثمة طرف من هذه الأطراف كان يظن أن الحرب ستطول أكثر من ثلاثة أو أربعة أسابيع، وهذه جريمة أخرى. وكثير من التصريحات الحالية لقيادات عسكرية نظامية وأخرى ميليشياوية توضح أن «الدعم السريع» عدو ثانٍ، لكن عدوهم الأكبر هو كل من انتمى لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، ودونك الحديث الأخير لقائد «كتائب الحركة الإسلامية» المصباح أبو زيد.

الحشد السياسي للحرب كان في قمته، لكن الاستعداد العسكري ثبت أنه كان في أدنى مستوياته، بدليل نتائج الحرب في أول أسابيع. خلال أيام انزوت كتائب الجيش في ثكناتها، المهندسين ووادي سيدنا في أم درمان، سلاح الإشارة ومعسكر حطاب في بحري، والمدرعات وجزء من القيادة في الخرطوم. وما فعلت كتائب الجيش ذلك عن جبن ولا عن استسلام، لكنها كانت بلا تسليح ولا إعداد كافٍ وبلا حتى مجموعات مشاة قتالية كافية.

في الوقت نفسه ثبت أن «الدعم السريع» استعدت للحرب وأعدت قواتها وخططها، تدفعها قبل كل ذلك الطموحات السياسية لقائدها، وكان منطقه البسيط يقول إن معارفه الفطرية من دون تعليم نظامي أو تأهيل عسكري قادته ليكون الرجل الثاني في الدولة، فما الذي يمنع أن يكون الرجل الأول…؟

انظر، من ناحية أخرى، إلى حوادث مهاجمة مدينة بورتسودان بمسيّرات «قوات الدعم السريع»، وما يمثله من تصعيد خطير للحرب ونقلها لمرحلة ثانية. المؤكد أن هذه المسيّرات استهدفت مواقع عسكرية في اليومين الأوائل، لكنها عادت بعد ذلك لتهاجم مواقع للخدمات، مثل خزانات النفط وميناءي بورتسودان وعثمان دقنة وأحد أكبر فنادق المدينة. هذا الهجوم يستحق الإدانة لأن فيه مخالفات واضحة للقانون الدولي الإنساني ولكل المواثيق وتقاليد الحروب في العصر الحديث، ونتائجه المباشرة ستتسبب في زيادة معاناة المواطنين المدنيين ومضاعفة المخاطر التي يتعرضون لها.

هل يجب أن يكون المبدأ أن استهداف المواقع والمنشآت المدنية مدان ومرفوض، وهو من جرائم الحرب، أينما كانت هذه المنشآت وأياً من كان يستهدفها، أم أن الأمر يمكن أن يخضع للانتقائية…؟

الحقيقة أننا شاهدنا الانتقائية وعدم الموضوعية من على منصات ومواقع وصفحات أفراد كثيرين. فقد سبق للطيران الحربي الحكومي أن هاجم منشآت مدنية وأسواقاً ممتلئة بالمدنيين وراح ضحية ذلك المئات بينهم نساء وأطفال. وكان من المقزز أن تقرأ للبعض وهو يصفق ويهلل ويسمي سلاح الطيران بـ«صانع الكباب» في الإشارة لجثث الضحايا المتراكمة فوق بعضها البعض. وكانت الكتابات التي تشجع وتدعو لتدمير المنشآت المدنية والبنيات الأساسية من جسور ومنشآت اقتصادية كبرى، مثل مصفاة البترول تتوالى كل يوم. بل إن أحد أهم أبطال السوشيال ميديا المؤيدة للحرب دعا في تسجيل شائع وموجود قيادة الجيش لمهاجمة أماكن اعتقال أسرى الجيش وقصفها وتصفيتهم «حتى لا يصبحوا ورقة ضغط في يد (الدعم السريع)».

من المؤكد أن سردية «قوات الدعم السريع» بأنها جاءت لمحاربة فلول النظام السابق ونصرة الديمقراطية وعودة الحكم المدني أضعف بكثير من أن يتعامل معها المرء بجدية ليعمل على تفنيدها، فقد ذاق المواطنون المدنيون ثمار ديمقراطيتهم هذه في الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق أخرى كثيرة، قتلاً ونهباً واغتصاباً. الحقيقة أنها ظلت طوال هذه الفترة عبارة عن بندقية تبحث عن قتيل، لا يسندها منطق ولا رؤية سياسية أو وطنية عامة. ولعل هذا ما دفع قيادة «الدعم السريع» للتحالف مع كيانات وأحزاب وحركات مسلحة لديها مشاريع سياسية، لعل وعسى. لكن ستظل الصور الدموية في ود النورة والتكينة والهلالية وقرى البطانة في الذاكرة دائماً، حتى يوم قريب يأخذ فيه كل مجرم ومنتهك، أياً كان موقعه أو منصبه، نصيبه من العقاب.

* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

الوسومالجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان الشرق الأوسط المسيرات المصباح أبوزيد بورتسودان فيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان الشرق الأوسط المسيرات المصباح أبوزيد بورتسودان فيصل محمد صالح الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

بعد فشل كل المسارات التي اتبعها السودان، يكون قطع العلاقات هو بداية للحل

لا يمكن أن تصل لتهدئة حقيقية مع الإمارات ما لم تمر بمرحلة تصعيد “التصعيد من أجل التهدئة escalate to deescalate” والتصعيد هنا ما موقف عدائي من السودان لفرض أجندة على الإمارات، بل هو رد فعل طبيعي بعد استنفاد كل الحلول السلمية معها..

الحكومة السودانية خلقت تواصل دبلوماسي وقدمت احتجاج رسمي ودخلت في محادثات سرية وحتى قبلت بوساطة خارجية.

النتيجة كانت شنو؟ هل توقف الدعم الإماراتي، لا. هل استجابت الإمارات للمناشدات الإقليمية ، الإجابة برضو لا..

واصلت الإمارات مشروعها في دعم الدعم السريع تحت غطاء رغبتها في إحلال السلام، وتبنت خطاب في ظاهره داعم للحلول السلمية وفي باطنه شرعنة وجودها كصوت إقليمي يحق له تقرير مستقبل السودانيين.الوضعية دي استفادت منها الإمارات طيلة سنوات الحرب..
الآن وبعد تصنيفها كدولة عدوان، فقدت تلك الوضعية ، وبدأ العالم يلتفت لدورها العدائي تجاه السودان وبالتاكيد لن ينظر لها كفاعل محايد في إحلال السلام..

أخيرا الكلفة السياسية للتصعيد أقل بكثير من الصمت على دعم الإمارات. فبعد فشل كل المسارات التي اتبعها السودان، يكون قطع العلاقات هو بداية للحل وأداة تفاوض جديدة إن غيرت الإمارات من سلوكها وبدأت في التراجع عن مواقفها.

حسبو البيلي
#السودان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • استهدف مخازن الدعم السريع بالفاشر.. الجيش السوداني يُصعّد عملياته في دارفور
  • الجيش السوداني يقصف مواقع استراتيجية لـالدعم السريع في دارفور
  • السودان.. الجيش يواجه مسيّرات الدعم السريع ومجلس الأمن يطالب بوقف القتال
  • السودان.. مقتل 8 مدنيين بينهم أطفال بنيران الدعم السريع
  • السودان كان قاب قوسين أو أدني من التخلص من مليشيا الدعم السريع
  • «الأمة القومي» يدعو لوقف فوري للحرب ويطلق تحركات سياسية لإنهاء الصراع في السودان
  • هجوم مسيّرات الدعم السريع على موانئ ومطارات شرق السودان.. سيناريوهات مختلفة لمستقبل الحرب
  • قوات الدعم السريع تكثّف استخدام المسيّرات ضد مناطق سيطرة الجيش في السودان
  • بعد فشل كل المسارات التي اتبعها السودان، يكون قطع العلاقات هو بداية للحل