الصاروخ والمُسيرة من بين المعاناة: اليمن يصنع قراره من نور القرآن لا من فتات العالم
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
يمانيون ـ حزام الأسد*
في زمن تتصدّر فيه عناوين الرفاهية، والشكوى من ضيق المعيشة، وانقطاع المرتبات، يخرج البعض ممن يجهلون طبيعة الصراع أو يتجاهلون أسبابه ليتساءلوا: لماذا تصنع اليمن الصواريخ والمسيّرات في وقت الجوع؟ ولماذا لا تُنفق تلك الموارد على تحسين الوضع المعيشي؟.
سؤال يبدو للوهلة الأولى مشروعاً، لكنه في الحقيقة امتداد لدعاية العدو، وترديد لخطاب الخضوع، وتبرئة لمن حاصر ونهب ودمّر، وتحميل المظلوم وزر ما جناه الظالم.
بين بوتو وماو… والسيد القائد
“سوف نأكل العشب وأوراق الشجر وسنجوع، لكننا سنحصل على قنبلة تكون ملكنا.”
بهذه العبارة الشهيرة أعلن ذو الفقار علي بوتو، رئيس وزراء باكستان الأسبق، في ستينات القرن الماضي، بداية مشوار بناء السلاح النووي لبلاده. كانت باكستان حينها دولة فقيرة، محاصرة بالتهديد الهندي، وبحرب الاستنزاف، لكنها اختارت أن تجوع بكرامة، لا أن تعيش في ظل الخوف.
أما في الصين، فقد كانت المجاعة في أشدها، وعشرات الملايين يموتون جوعًا، والعالم يتعامل مع الصين كـ”دولة مارقة” غير معترف بها دوليًا، لا صوت لها في الأمم المتحدة، ولا مقعد في مجلس الأمن، لأن أمريكا وحلفاءها أبقوا تايوان بديلاً عنها في تمثيل “الصين” دوليًا.
ومع ذلك، قال ماو تسي تونغ عبارته المفصلية: “من لا يملك القنبلة الذرية سيُجبر على الركوع.”
وبعد أعوام قليلة من تفجير أول قنبلة نووية عام 1964، تغيّر كل شيء: استعادت الصين مقعدها الدائم في مجلس الأمن عام 1971، واعترف بها العالم كقوة لا يمكن تجاوزها، وبدأت رحلة نهوضها العظيم.
لكن اليمن… شيء آخر
نعم، باكستان صنعت القنبلة من العشب، والصين من الرماد، لكن اليمن ليس نسخة منهما. نحن لم نبنِ مشروعنا العسكري من منطلق قومي أو مادي، بل من صميم التوجيه القرآني: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ…” هذه الآية ليست تكتيكًا حربياً، بل منهجاً حضارياً، وقاعدة ربانية تؤسس لردع الطغيان وصون السيادة.
اليمن يصنع سلاحه لأن الله أمره. نصنعه لأن القوة شرط من شروط الإيمان، ولأن الذل لا يليق بالمؤمنين. نصنعه من قلب المعاناة، وتكالب الأعداء، لا برغد الوفرة. ونبنيه بقيادة مؤمنة، لا بزعامات قومية أو عسكرية.
السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، لم يقل “سوف نأكل العشب لنصنع سلاحنا”، بل قال: “سنتوكل على الله، وسنواجه، ولن نركع إلا له، وسنعدّ ما استطعنا من قوة.” وهنا يكمن الفارق الجوهري: قيادتنا لا تقايض قوت يومنا بكرامة أمتنا، بل تربط الجهاد العسكري بالجهاد الاقتصادي، وتعتبر الصبر على الضيق جزءا من تعبيد الطريق إلى النصر.
وهم الرواتب ودجل المرتزقة
يرفع المنافقون اليوم شعار “المعاناة مقابل الصاروخ”، محاولين زرع التذمر في نفوس أبناء شعبنا. لكن الحقيقة الساطعة هي أن هؤلاء أنفسهم هم من تسببوا بالمعاناة الاقتصادية:
• هم من استجلبوا العدوان على شعبهم خدمةً لمشاريع أسيادهم في الخارج.
• وهم من نقلوا البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
• وهم من التزموا أمام المجتمع الدولي بدفع المرتبات ثم تنصلوا.
• هم من شاركوا في الحصار، ونهب الثروات، وحوّلوا موارد الدولة إلى بنوك السعودية.
• وهم من اعترفوا بأن أموال المرتبات مودعة في البنك الأهلي السعودي، تُستخدم للابتزاز والمقايضة السياسية.
ورغم ذلك، لم يتوقف التصنيع العسكري، ولم تُشل الإرادة، لأن معركتنا لا تُدار بالحسابات البنكية، بل بالإيمان، والصبر، والتوكل على الله.
ختاماً… معادلة الحق والنصر
نعم، عانينا كما عانى غيرنا، لكننا لم ننهَر، ولم نركع، بل اخترنا أن نستمر في معركتنا المقدسة: أن نصنع قوتنا، ونبني سلاحنا، ونحرّر قرارنا، وندفع ثمن ذلك من ضيقنا لا من كرامتنا.
في اليمن، لا توجد مجاعة كما يزعم المهرجون في إعلام العدو، بل معاناة اقتصادية وضيق معيشي صنعه العدوان ومن استجلبه، ويستثمر فيه المنافقون من الفنادق والمنتجعات السياحية لنفخ اسطواناتهم المشروخة، بينما الشعب صامد وواعٍ ومدرك أن العدو هو من يحاصره، وأن السلاح الذي يُصنع اليوم هو طريق الخلاص ووسيلة الردع وراية الكرامة.
في اليمن، بفضل الله وتوفيقه لم نعد نُدافع عن أنفسنا فقط، بل نساند إخواننا المستضعفين في غزة، نحاصر العدو الصهيوني في البحر، نستهدف عمقه الوجودي، ونتصدّى للأمريكي ونكبّده الخسائر ونهزمه…
لأننا وثقنا بالله، وتسلّحنا بالإيمان، وصنعنا سلاح الردع.
وهذا هو الفارق بين تجارب اختارت أن تُضحّي لتحيا بكرامة، وتجربتنا الإيمانية التي تجعل من التوكل على الله منطلقًا، ومن القرآن مصدرًا للقرار، ومن التصنيع والتطوير العسكري عبادةً وجهادًا.
وإن سألونا: من أين لكم هذه القدرة؟
نقول: من الله تعالى، من المشروع القرآني، من القيادة الربانية المؤمنة والشجاعة، من ماء الشهداء وآلآم الجرحى، من المعاناة، من الوعي الجمعي لشعب الإيمان والحكمة ومن يقين لا يتزعزع بأن العاقبة للمتقين.
* عضو المكتب السياسي لأنصار الله
* موقع انصار الله
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
دروس الفشل العسكري الأمريكي
شهدت السياسة الأمريكية تحولاً لافتاً في تعاملها مع ملف الأزمة اليمنية. فبعد سنوات من الاعتماد بشكل كبير على التواصل والتعاون مع دول إقليمية في إدارة هذا الملف المعقد، تتجه واشنطن اليوم نحو التفاوض المباشر مع “أنصار الله”. هذا التحول، الذي يعكس اعترافاً ضمنياً بقوة الأمر الواقع التي فرضها “أنصار الله” على الأرض، يسلط الضوء على دروس قاسية من الفشل العسكري الأمريكي، ويحمل في طياته خسائر فادحة لما يسمى بـ “الشرعية”.
إن قرار الولايات المتحدة بالجلوس مباشرة مع “أنصار الله” لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تراكم لتحديات وعوامل عديدة أفشلت المساعي السابقة، وعقدت الحملة العسكرية التي استهدفت الحركة. ومن اللافت للنظر أن هذا التفاوض المباشر يجري مع جماعة تصنفها الولايات المتحدة نفسها حالياً كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO). هذه الحقيقة تجعل من التحول في النهج الأمريكي أكثر دلالة، وتشير إلى مدى الإدراك الأمريكي بضرورة التعامل مع القوة المهيمنة على الأرض بغض النظر عن التصنيفات الرسمية.
فمنذ البداية، اصطدمت واشنطن بحقيقة دامغة تتمثل في سيطرة “أنصار الله” الفعلية على مناطق واسعة ومكتظة بالسكان في اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي. هذه السيطرة جعلت من أي محاولة لتجاوز الحركة في البحث عن حلول أو تهدئة للأوضاع أمراً غير واقعي، بل وعقيماً.
علاوة على ذلك، أثبتت “أنصار الله” أنها قوة متجذرة بعمق في النسيج اليمني، تمتلك معرفة تفصيلية بالتضاريس المحلية، وولاءات قبلية واجتماعية يصعب اختراقها. طبيعة اليمن الوعرة نفسها شكلت تحدياً إضافياً، حيث يصعب تحديد وتدمير مواقع الحركة في الجبال والوديان المترامية الأطراف. وقد تفاقم هذا التحدي بسبب محدودية قدرة الولايات المتحدة على جمع معلومات استخباراتية دقيقة حول هذه المواقع، مما أعاق أي عمليات برية محتملة.
ولم تقتصر التحديات على الجغرافيا والانتشار، بل امتدت لتشمل القدرات العسكرية المتطورة التي يمتلكها “أنصار الله”. فقد كشفت الحركة عن ترسانة متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى، وامتلاكها لصواريخ فرط صوتية، وطائرات مسيرة حديثة أظهرت قدرة على اختراق المنظومات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية. هذه القدرات مكنت “أنصار الله” من شن هجمات مؤثرة على أهداف بعيدة، ابتداءً من منع الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر ثم المواجهة المباشرة مع حاملات الطائرات الأمريكية وتحقيق إصابات مباشرة، وكذلك تحقيق ضربات مباشرة لكيان الاحتلال في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وآخرها استهداف مطار اللد المسمى إسرائيلياً “بن غوريون” وصولاً إلى اتخاذ قرار بفرض حصار جوي شامل على الكيان بالتزامن مع قرار العقوبات الذي اتخذته صنعاء ضد عدد من الشركات الأمريكية، مما أجبر الولايات المتحدة على إعادة تقييم استراتيجيتها.
إن قدرة “أنصار الله” على التكيف مع الضربات الأمريكية واستمرار عملياتها النوعية، بالإضافة إلى الخسائر المادية التي تكبدتها الولايات المتحدة، بما في ذلك إسقاط عدد كبير من الطائرات المسيرة باهظة الثمن وخسارة 3 طائرات مقاتلة من طراز F18، كلها مؤشرات على فشل الرهان على الحل العسكري.
لكن هذا التحول في السياسة الأمريكية يحمل في طياته ثمناً باهظاً لما يسمى بـ “الحكومة اليمنية الشرعية”، التي كانت تُعد الشريك الأساسي لواشنطن في إدارة الملف اليمني. فالتفاوض المباشر مع “أنصار الله”، وهي حركة مصنفة إرهابياً من قبل الولايات المتحدة ولم تحظَ بالاعتراف الدولي الذي تتمتع به الحكومة المدعومة من الرياض، يمثل تآكلاً لمكانة “الشرعية” وتقويضاً لادعاءاتها بتمثيل الشعب اليمني.
هذا التحول يرسل رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة باتت تتعامل مع القوة الفعلية على الأرض، بغض النظر عن الشرعية الدولية أو حتى تصنيفاتها الخاصة. إنه اعتراف ضمني بأن “الحكومة الشرعية” لم تعد قادرة على تحقيق أهداف واشنطن في اليمن، سواء كانت تلك الأهداف تتعلق بمكافحة الإرهاب أو استقرار المنطقة.
في الختام، يمكن القول إن قرار الولايات المتحدة بالتفاوض المباشر مع “أنصار الله” هو بمثابة شهادة على فشل الاستراتيجيات السابقة، وعلى قوة وصلابة “أنصار الله” كطرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية لليمن. وبينما قد يفتح هذا التحول آفاقاً جديدة نحو تهدئة الصراع، فإنه في الوقت نفسه يمثل خسارة كبيرة لما يسمى “الحكومة الشرعية” التي وجدت نفسها مهمشة في معادلة إقليمية ودولية جديدة تفرضها حقائق القوة على الأرض. إن دروس الفشل العسكري الأمريكي في اليمن ستظل ماثلة للأذهان، مؤكدة على أن الحلول السياسية الشاملة هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في هذا البلد المنكوب.