ماذا تعني زيارة ترامب إلى الخليج الآن؟
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
مع زيارة الرئيس دونالد ترامب منطقة الخليج اليوم، الثالث عشر من مايو/ أيار 2025، تتزايد التوقّعات وتتضاعف الرهانات. إذ تمثل هذه الزيارة لحظة مفصلية في عملية إعادة ضبط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط.
ففي ظلّ تحولات جيوسياسية سريعة – بدءًا من تجدد المسار الدبلوماسي مع إيران، وسقوط نظام الأسد، وصولًا إلى استمرار الحرب المشتعلة في غزة – يُتوقّع أن تتناول محادثات ترامب مع القادة الخليجيين قضايا إستراتيجية آنية، إضافة إلى رؤى بعيدة المدى تتعلق بالأمن، وفرص السلام، والتحول الاقتصادي.
وعلى عكس ولايته الأولى، التي اتسمت بسياسات متشددة تجاه إيران وسوريا، تُعدّ هذه الزيارة فرصة لترامب ليتبنى نهجًا دبلوماسيًا أكثر مرونة وبراغماتية، متأثرًا بواقع إقليمي متغير وتوجهات خليجية أكثر عملية.
وفي مقدمة هذه التغيرات تبرز قضية إيران. إذ من المتوقع أن تتزامن الزيارة مع الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، في إشارة إلى تحوّل كبير عن موقف ترامب السابق الرافض لخطة العمل الشاملة المشتركة، ويبدو أنَّ واشنطن وحلفاءها في الخليج يميلون حاليًا إلى مسار دبلوماسي يهدف إلى فرض قيود يمكن التحقق منها على البرنامج النووي الإيراني، مع تجنّب المواجهة العسكرية المباشرة.
إعلانوقد استثمرت الأطراف الخليجية خلال العامين الماضيين في قنوات دبلوماسية خلفية مع طهران، لتأسيس آليات خفض التصعيد وقنوات اتصال غير معلنة.
ومن المرجّح أن تستكشف إدارة ترامب كيف يمكن لدول الخليج أن تؤدي دورًا داعمًا في هذه المفاوضات، ربما من خلال تقديم حوافز إقليمية – كتعاون اقتصادي أو مشاريع تكامل في مجال الطاقة – مرتبطة بالتزام إيران.
وقد يسهم هذا التنسيق الأميركي- الخليجي في تخفيف المخاوف من سباق تسلّح إقليمي، وخلق إطار أمني أوسع قوامه الترابط الاقتصادي كقوة استقرار.
ومن المتوقع أيضًا أن يدعو القادة الخليجيون ترامب إلى ربط أي اتفاق نووي بآليات تحقق صارمة، وبنود تقيّد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونشاطاته العسكرية عبر الوكلاء.
وهو ما يؤكد أن دول الخليج لم تعد تكتفي بالدبلوماسية عن بُعد، بل تطالب بدور مباشر في صياغة ترتيبات ما بعد الاتفاق. وقد يسعى ترامب إلى استثمار هذا الإجماع الخليجي لانتزاع تنازلات أوسع من طهران، لا سيما فيما يتعلق بتدخلاتها في الصراعات بالوكالة في العراق ولبنان واليمن.
وإذا ما أثمرت الزيارة عن رؤية ثلاثية منسقة تجمع واشنطن، ودول الخليج، وإيران، فقد تفتح الباب أمام تهدئة إقليمية أكثر استدامة، رغم استمرار العقبات السياسية.
أما الملف السوري، فيحمل قدرًا مماثلًا من الأهمية، وربما تعقيدًا أكبر. فقد مثّل سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد أكثر من عقد من الحكم السلطوي والحرب الدامية، بداية فصل جديد هش في تاريخ سوريا. إذ تقود دمشق حاليًا حكومة انتقالية، ترى فيها دول الخليج فرصة لإعادة دمج سوريا في الفضاء العربي، بشرط أن يترسخ هذا الانتقال عبر إعادة الإعمار والإصلاحات.
ومن المتوقع أن تدفع السعودية باتجاه مطالبة ترامب بتخفيف بعض عقوبات قانون قيصر، التي تعيق الاستثمار في البنية التحتية والقطاعات العامة في سوريا. ويرى قادة الخليج أن التخفيف المدروس للعقوبات – في مجالات الطاقة والمياه والإسكان – قد يعزز القيادة الجديدة، ويقطع الطريق أمام عودة النفوذ الإيراني، ويحول دون تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة.
إعلانأما التحدي أمام ترامب، فيكمن في الموازنة بين الالتزامات القانونية الأميركية والمواقف الأخلاقية من جهة، والمنطق الإستراتيجي لإعادة الانخراط الاقتصادي المشروط من جهة أخرى.
وإذا ما تم تقديم هذا الطرح بإطار محكم، فقد يحقق مكاسب مزدوجة: الحفاظ على النفوذ الأميركي، وفتح المجال أمام إعادة إعمار تقودها دول الخليج واستقرار سياسي طويل الأمد.
ويُضاف إلى هذا المشهد السوري المعقّد فراغ السلطة الناشئ، الذي تسعى قوى متعددة لملئه.
وتخشى العواصم الخليجية أن يؤدي انسحاب أميركي متسرّع من سوريا إلى أزمة مطوّلة جديدة. لذلك يُتوقّع أن تقترح هذه الدول مبادرة استقرار تقودها دول الخليج، وربما تحت مظلة جامعة الدول العربية، على أن تكون مشروطة بدعم سياسي أميركي وأطر قانونية تسمح بتدفقات مالية غربية محدودة.
وقد يجد ترامب، المعروف بميوله نحو تفويض الأعباء للحلفاء الإقليميين، في هذا الطرح فرصة سياسية مناسبة، تسمح لواشنطن بالحفاظ على نفوذها في مرحلة التحول السياسي السوري، دون التورط في التزامات عسكرية أو مالية كبيرة، وذلك انسجامًا مع عقيدته المعروفة: "أميركا أولًا".
وفي ملف غزة، فقد تجاوزت الحرب مع إسرائيل أهدافها الأولية، وتسببت في كارثة إنسانية هائلة. ومن المرجّح أن تركّز لقاءات ترامب مع القادة الخليجيين على آليات وقف إطلاق نار فوري، وحلول طويلة الأمد للحكم بعد الحرب.
ومع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، يُتوقّع أن تقترح دول الخليج مبادرة لإعادة إعمار غزة برعاية أميركية، وتمنح السلطة لمؤسسات محلية تكنوقراطية أو بإشراف دولي لا تشارك فيه حماس.
وقد يسعى ترامب إلى إحياء إنجازاته السابقة من خلال اتفاقيات أبراهام، عبر ربط جهود إعادة الإعمار بتعزيز التطبيع العربي- الإسرائيلي. بيدَ أن هذا المسار محفوف بمخاطر سياسية، خصوصًا في حال رفضت إسرائيل تقديم تنازلات جوهرية، أو استمرت الانقسامات الفلسطينية الداخلية.
إعلانومع ذلك، يمكن لترامب ودول الخليج توظيف أدوات نفوذهم – الاقتصادية من جهة الخليج، والدبلوماسية من جهة واشنطن – لتأسيس نموذج حوكمة جديد في غزة، يحظى بدعم المانحين الدوليين وشرعية الفاعلين الإقليميين.
وعلاوة على ذلك، من المرجّح أن يطالب القادة الخليجيون بأن تقترن جهود إعادة الإعمار بضمانات سياسية تحول دون عودة الجماعات المسلحة. وقد يقترحون نشر قوات حفظ سلام عربية أو مراقبين دوليين في غزة بعد انتهاء النزاع لضمان الاستقرار وبناء الثقة.
ومن المرجّح أن يجد ترامب، الذي يفضّل الصفقات الواضحة وذات الأثر القوي، في هذه المبادرة فرصة لتقديم نفسه كصانع سلام في منطقة طالما ارتبطت بالنزاعات المزمنة. وسيكون لهذا الخطاب جاذبية مزدوجة: في العواصم الخليجية التي تتوق إلى دور أميركي فاعل، وفي قاعدته المحلية التي تسعى إلى انتصارات دبلوماسية دون انخراط عسكري طويل الأمد.
وبعيدًا عن بؤر التوتر الجيوسياسي، ستكون مسألة التعاون الدفاعي والأمني ركيزة محورية في الزيارة. فما زالت دول الخليج تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأميركي لردع التهديدات الإقليمية، خصوصًا تلك الصادرة عن إيران والجماعات المسلحة غير الحكومية كحزب الله والحوثيين.
ومن المتوقع أن يؤكد ترامب على التزام بلاده بالضمانات الأمنية، مع الدعوة إلى تعزيز التكامل العملياتي عبر تدريبات عسكرية مشتركة، وتبادل فوري للمعلومات الاستخباراتية، ونظم دفاع صاروخي متكاملة.
كما قد تُطرح مجددًا فكرة إنشاء تحالف أمني على غرار NATO (حلف شمال الأطلسي) خاص بالخليج، لتأطير الشراكات الدفاعية القائمة منذ عقود.
وسيكون لهذا التحالف دور مزدوج: ردع المغامرات الإيرانية، وإرسال رسالة مفادها استمرار التزام واشنطن بأمن الخليج، رغم انشغالاتها الإستراتيجية العالمية.
غير أن ترامب سيشترط على الأرجح تعزيز هذه الضمانات بزيادة الإنفاق الدفاعي الخليجي، ورفع حجم المشتريات من الصناعات العسكرية الأميركية. وهو ما يتّسق مع نهجه المعتمد على مبدأ "المقابل المادي" في التحالفات.
إعلانوفي هذا السياق، يبرز اهتمام متزايد بدمج التكنولوجيا الناشئة في البنى الدفاعية الخليجية. فأنظمة الطيران الذاتي، والمراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي، وبروتوكولات الأمن السيبراني، باتت من الركائز الأساسية في إستراتيجيات الدفاع الإقليمي.
ومن المتوقع أن يعرض ترامب حزمة من تقنيات الدفاع الأميركية المصممة خصيصَى لتلبية احتياجات الخليج، بدءًا من أسراب الطائرات بدون طيار، ووصولًا إلى أنظمة بحرية ذاتية القيادة، ومنصات رصد تهديدات مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
ويُعدّ هذا الاندماج بين التكنولوجيا العسكرية والدفاع الخليجي بمثابة المرحلة التالية من التعاون الأميركي- الخليجي، إذ يتيح للدول الخليجية قدرًا أكبر من الاستقلالية، مع الحفاظ على الولايات المتحدة كشريك تقني مفضل، في مواجهة منافسين مثل الصين وروسيا.
وبقدر لا يقل أهمية، وإن كان أقلّ تداولًا، يأتي في مجال التكنولوجيا، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد باتت دول خليجية مراكز إقليمية في هذا المجال، مستثمرةً مليارات الدولارات في البنية التحتية الذكية، والحكومة الرقمية، والدفاع المؤتمت.
ومن المتوقع أن تشمل زيارة ترامب مقترحات لإنشاء شراكات ثنائية في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتأسيس مراكز ابتكار تابعة لجهات أميركية في عواصم خليجية، وتعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني والمعايير الرقمية.
وستدعم هذه المبادرات أهداف التنويع الاقتصادي طويل الأمد في إطار رؤية 2030 وغيرها، كما ستشكّل في الوقت نفسه توازنًا إستراتيجيًا في مواجهة النفوذ الرقمي الصيني.
ومع تزايد قلق واشنطن من تغلغل بكين في البنية التحتية الرقمية الخليجية، قد يعرض ترامب بدائل مغرية في مجالات الجيل الخامس، والخدمات السحابية، وسياسات السيادة الرقمية.
علاوة على ذلك، توفّر أجندة الذكاء الاصطناعي فوائد مشتركة في مجالي تنمية القوى العاملة وبناء أنظمة الابتكار. إذ تسعى دول الخليج إلى تطوير كوادر وطنية عبر شراكات مع جامعات وشركات تقنية أميركية رائدة، وقد يقترح ترامب إنشاء تحالفات أكاديمية- صناعية تدمج الخبرات الأميركية في قطاعات الابتكار الخليجية.
إعلانومن أدوات هذه الشراكة المتوقعة: أدوات التنبؤ الأمني، وأنظمة مقاومة التغير المناخي المعززة بالذكاء الاصطناعي، وغيرها.
وتتيح هذه المبادرات لترامب تقديم بلاده كقائد في ميدان يتنامى فيه النفوذ الصيني. وإن تحققت هذه المقترحات، فقد تؤسس لتحالف رقمي طويل الأمد لا يقل أهمية وتأثيرًا عن الاتفاقيات الأمنية التقليدية.
في سياق أوسع، تندرج الزيارة المرتقبة لترامب ضمن مساعيه لإعادة بناء تحالفاته في الشرق الأوسط، في ظل تراجع الثقة الأوروبية، وعودة النفوذ الروسي- الصيني في المنطقة.
وعلى هذا الأساس، تسعى إدارة ترامب إلى تأطير الخليج كمنصة إستراتيجية لانطلاقة جديدة، توظف فيها أدوات الدبلوماسية الثقافية، والابتكار التكنولوجي، والاستثمار السيادي لتعزيز موقع الولايات المتحدة.
ومن المرجح أن يُطرح موضوع "الناتو العربي" مجددًا، ولكن بصيغة معدّلة تُركّز على التكامل الأمني السيبراني، والدفاع الجوي المشترك، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، بما يتماشى مع تطلعات دول الخليج لتعزيز أمنها الداخلي دون الانجرار إلى تحالفات عسكرية غير مرنة.
ختامًا، تمثّل زيارة ترامب المرتقبة إلى الخليج اختبارًا لرؤيته الجيوسياسية الجديدة، وفرصة نادرة لإعادة صياغة العلاقات الأميركية-الخليجية ضمن معادلة أكثر تنسيقًا واستقرارًا.
وبينما يحمل التاريخ سجلًا متقلبًا لهذه العلاقات، فإن التحولات الجارية – من حرب غزة، إلى إعادة تشكيل سوريا، إلى تصاعد المنافسة مع الصين – تفرض على الجانبين مقاربة أكثر واقعية وابتكارًا.
وفي حال نجحت الزيارة في بلورة تفاهمات عملية، فقد تُمهّد الطريق لإعادة تعريف الدور الأميركي في الشرق الأوسط في العقد المقبل، بعيدًا عن الحروب المفتوحة، وقريبًا من شراكات التنمية والنفوذ الذكي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ومن المتوقع أن من المتوقع أن دول الخلیج طویل الأمد ومن المرج ترامب إلى من جهة
إقرأ أيضاً:
ماذا يريد ترامب من قمة ألاسكا؟
واشنطن – قبل ساعات قليلة من مغادرته موسكو في طريقه إلى ولاية ألاسكا، غازل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأميركي دونالد ترامب بإشادته "بجهود ترامب النشطة والمخلصة" لوقف الحرب في أوكرانيا، لكنه أيضا حاول تخفيف تركيز القمة على تلك الحرب عبر إظهار الاهتمام بمناقشة قضايا أخرى كالتجارة والحد من التسلح.
وفي الوقت ذاته، بعث بوتين برسائل قوية لواشنطن قبل القمة بأيام من خلال اختراق القوات الروسية بعض خطوط الدفاع الأوكرانية في مواقع تماس بشرق أوكرانيا، ما دفع لزيادة قلق الكثير من الخبراء الأميركيين الذين يدركون عدم إلمام ترامب بتفاصيل الصراع، واستعجاله لتحقيق وقف إطلاق النار يكون له الفضل في تحقيقه دون اكتراث بتبعات ذلك على الأمن الأوروبي أو بمصالح واشنطن طويلة الأجل.
ومع ذلك، يدخل ترامب الاجتماع بفهم واضح لحدوده، إذ لا يمكنه التفاوض أو الالتزام بأي مطالب روسية نيابة عن أوكرانيا. وبشكل عام، ورغم أهميته الرمزية، من غير المرجح أن يسفر اللقاء عن اتفاق ملموس أو انفراجه نحو إنهاء الحرب.
تأرجح ترامب
وعكست 3 مواقف على مدار الأشهر الستة الأخيرة تأرجح الرئيس ترامب الكبير تجاه الحرب الأوكرانية الروسية، ولاعبيها الأساسيين، الرئيسين فولوديمير زيلينسكي وفلاديمير بوتين.
وجاء الموقف الأول في مشهد تاريخي سينمائي داخل البيت الأبيض يوم 28 فبراير/شباط، عندما هاجم ترامب ونائبه جي دي فانس زيلينسكي في بث متلفز على الهواء مباشرة، وهو ما اعتبره المسؤولون الأوكرانيون وقادة حلف الناتو الآخرون كارثة.
وقال ترامب لزيلينسكي "لقد فعلت ما يكفي من التحدث، أنت لا تنتصر بهذا"، ثم انتقد ترامب في وقت لاحق زيلنيسكي عبر تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي، كتب فيها "لم يحترم الولايات المتحدة في مكتبها البيضاوي العزيز، يمكنه العودة عندما يكون مستعدا للسلام".
إعلانوكان المشهد الثاني يوم 24 يونيو/حزيران الماضي، عندما التقى ترامب زيلينسكي وقادة آخرين في حلف الناتو بقمة في مدينة لاهاي، حيث أشاد علنا بالتحالف وأصلح علاقاته مع الرئيس الأوكراني.
وأشار ترامب من هناك إلى توتر علاقاته الشخصية مع بوتين في ظل استمرار الحرب، قائلا عن الرئيس الروسي "إنها فوضى بالنسبة له، اتصل قبل أيام، وقال: هل يمكنني مساعدتك في إيران؟ قلت: لا، يمكنك مساعدتي فيما يتعلق بروسيا".
وفي 8 يوليو/تموز الماضي، جاء الموقف الثالث الذي أشار فيه ترامب إلى أنه سئم الرئيس بوتين، وقال للصحفيين خلال اجتماع لمجلس وزرائه إنه "غير سعيد" بالزعيم الروسي، وأنه سمح للبنتاغون بمعاودة إرسال أسلحة إلى أوكرانيا. وأضاف ترامب "بوتين لا يعامل البشر بشكل صحيح، لذلك نحن نرسل بعض الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا، وقد وافقت على ذلك".
ولم يطمئن هذا التأرجح حلفاء أوكرانيا في واشنطن، خاصة مع إدراكهم الواسع أن صبر ترامب قد شارف على النفاد.
وفي ظل الصراع الدموي المستمر لأكثر من 3 أعوام، يعتزم ترامب إعادة بناء أساس للحوار المباشر والشخصي مع بوتين، وهذا الجهد ليس رمزيا فحسب، بل يعكس التزاما إستراتيجيا باستعادة قنوات الاتصال التي قد تنهي الحرب بشكل مقبول أيضا لأوكرانيا.
وفي السياق، أشار خبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي، في حديث للجزيرة نت، إلى أن ترامب "وبمشاركته المباشرة سيحدد خطوطا حمراء واضحة، بالرغم من أنه يبقى أن نرى ما سيكون شكلها النهائي؟ وسيدين ترامب بشدة الهجمات الروسية على أهداف مدنية بأوكرانيا، ويطالب بوتين بإيقافها، والأهم من ذلك أن ترامب سيدعو لوقف إطلاق نار غير مشروط".
واعتبر بوستزتاي أن "أجندة القمة ستدور حول العديد من القضايا المثيرة للجدل"، وأن أبرزها -حسب اعتقاده- "عضوية أوكرانيا المحتملة في الناتو، حيث سيطمئن ترامب بوتين بأن مثل هذه الخطوة غير مطروحة، مما يشير إلى أنه لا يوجد توسع آخر للتحالف شرقا".
وبعيدا عن الناتو -يضيف بوستزتاي- مرجحا "أن تتطرق المحادثات لضمانات أمنية أوسع نطاقا بنهاية المطاف من القوى الغربية لأوكرانيا، وهي إجراءات تهدف من وجهة نظر غربية لتحقيق الاستقرار في المنطقة دون إثارة المزيد من التصعيد، وستكون مطالبات روسيا الإقليمية والهيكل المستقبلي للقوات المسلحة الأوكرانية ودورها وتسليحها من النقاط الرئيسية في المناقشة".
ومن وجهة نظر ترامب، يُعد غياب زيلينسكي أمرا طبيعيا، إذ إن القمة لا تهدف للتوصل لاتفاق نهائي، ويعتقد الخبير بوستزتاي "أن ترامب يريد إرساء الأساس للمفاوضات من منظور أميركي دون أن يقاطعه زيلينسكي، معتمدا بهذا النهج على تجربته مع زيلينسكي خلال اجتماعهما أواخر فبراير/شباط الماضي".
وحول مدى واقعية التوصل لاتفاق سلام بالنظر للتباين الكبير بين مواقف موسكو وكييف، قال بوستزتاي ردا على سؤال الجزيرة نت "إنه، حتى لو تلقت روسيا تأكيدات بأن أوكرانيا لن تنضم للناتو، وتم التوصل لاتفاق بشأن مستقبل القوات المسلحة الأوكرانية، فإن اتفاق السلام بين روسيا وأوكرانيا ليس واقعيا في المستقبل القريب على أي حال".
إعلانوأضاف "لن تتنازل أوكرانيا عن الأراضي التي تحتلها روسيا، هذا محظور أيضا بموجب الدستور الأوكراني، في المقابل، لن تتخلى موسكو عن مطالبها في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا".
مجموعة نتائجويمكن أن تسفر القمة عن مجموعة من النتائج، كما كتبت خبيرة السياسة الخارجية الأميركية إيما آشفورد، في مجلة فورين بوليسي، مضيفا أنه على الجانب الإيجابي، يمكن أن تبدأ محادثة مستمرة ومثمرة بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن اتفاق سلام كامل -اتفاق مستساغ لأوكرانيا وأوروبا- غير مرجح.
وتابعت متسائلة "لماذا توافق روسيا، التي تنتصر حاليا في ساحة المعركة ولديها اقتصاد متضرر، لكنه لا يزال مرنا إلى حد كبير، على وقف القتال مقابل لا شيء؟".
في المقابل، وعلى الجانب السلبي -تواصل آشفورد- ربما يكون بوتين قد نصب فخا لترامب، وبعد أن وعد ترامب بإنهاء الحرب سريعا خلال حملته الانتخابية، فإن الأخير، قبل كل شيء، يائس من توقف القتال، ويخشى المراقبون من أنه نتيجة لذلك، قد يوافق على شروط بوتين بغض النظر عما تريده أوكرانيا.
وفعلا قال ترامب مؤخرا إن روسيا وأوكرانيا ستحتاجان إلى "تبادل الأراضي" (دون تحديد أي منها). لكن ليس من الواضح ما إذا كانت روسيا مستعدة للتخلي عن أي شيء.
وإذا رفض الرئيس زيلينسكي صفقة، بغض النظر عن مدى أحادية الجانب، في ذهن ترامب، فإن كييف ستكون -فجأة- العقبة الرئيسية أمام السلام، وقد يؤدي ذلك لقيام ترامب مرة أخرى بإطلاق العنان لغضبه على زيلينسكي، مع عواقب وخيمة محتملة على قدرة أوكرانيا على مواصلة خوض الحرب.