ترامب والإعلام .. من يكتب الكلمة
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
لم يخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عداءه الصريح لبعض وسائل الإعلام الأمريكية، خصوصًا تلك المعارضة لسياسته، بل اتهمها بأنها كاذبة ومضللة و«فاقدة للمصداقية»، ولا تمثل سلطة رابعة كما كانت عليه فـي السابق. تلك الأوصاف خص بها ترامب وسائل الإعلام التقليدية التي لم تتفق مع رؤيته، والتي يرى أنها تخلّت عن حيادها المهني وتحولت إلى أذرع سياسية تعمل ضده مثلما رأينا مواقفه العدائية عندما رفض إجراء مقابلة مع شبكة ABC بحجة أنهم يكذبون باستمرار وأيضا هجومه الحاد على صحيفة wall street journal والتي قال عنها بأنها خسرت كل مصداقيتها ولم تسلم شبكة CNN الإخبارية من لسان ترامب فقد وصفها بأنها «عدو للشعب».
لكن فـي المقابل، كان لترامب رأي مغاير تمامًا فـي الإعلام الجديد، وتحديدًا فـي منصات التواصل الاجتماعي، فقد امتدح مرارًا تأثير هذه المنصات، ورأى فـيها أداة للتحرر من قبضة الإعلام التقليدي، ومنصة مباشرة للوصول إلى الناس دون وسيط؛ فبالنسبة له «تويتر» (قبل أن يتحول إلى X) لم يكن مجرد تطبيق، بل منبر سياسي يبني من خلاله خطابه، ويحشد أنصاره، ويوجه رسائله. حتى عندما تعرّض للحظر، لم يندم على استخدامه، بل أطلق لاحقًا منصته الخاصة «Truth Social» فـي محاولة لبناء إمبراطورية إعلامية موازية تخرج عن سلطة التحرير والتدقيق. ثم جاء الاستحواذ على «تويتر» من قِبل الملياردير إيلون ماسك -أحد الأصوات المحافظة المقربة من فكر ترامب- ليُعيد المنصة إلى الساحة كمنبر حر يتماهى مع خطابه، بل ويعيد له حضورًا غير مباشر فـيها.
وفـي مشهد آخر، لم يُخفِ ترامب إعجابه بتطبيق «تيك توك»، رغم أنه كان قد لوّح سابقًا بحظره، لكنه أدرك لاحقًا أنه أداة فعالة للتأثير على وعي الشباب وتشكيل المزاج الشعبي بعيدًا عن قوالب الإعلام التقليدي.
هذا التباين فـي مواقف ترامب يمكن أن يثير سؤالًا عميقًا هل لا يزال الإعلام التقليدي يتمسك بقيم مهنية عالية فـي الرقابة والمحاسبة ونقل الأحداث بكثير من الحياد والموضوعية، فـي وقت يتساهل فـي تلك القيود والمعايير كثير من منصات الإعلام الحديث التي تحمل شعار «سلطة بلا قيود» وتغري الجمهور بخطاب سريع الانتشار، لا يتطلب أدلة، ولا يخضع للتحرير أو التحقق. أم أن ذلك على الجانب الآخر لا يتعدى سوى محاولة لرفع معدلات المشاهدة والاستماع والقراءة وهذا هو ديدن الإعلام ككل والأمريكي بصفة خاصة الذي يجد فـي كثير من الفضائح مادة مغرية ودسمة له.
سؤال قد يصعب الإجابة عليه بدقة، فالمشهد الإعلامي لم يعد كما كان، فقد تداخل التقليدي بالحديث، وذابت الحدود بين الصحفـي والمغرد، وبين المذيع وصانع المحتوى، وبين الخبر والرأي. ولم نعد نعرف، على وجه اليقين، أي الأجندات تخدمها هذه المنصات، وأين تقف الحقيقة وسط هذا الضجيج المتسارع. فالإعلام اليوم، بمختلف أشكاله، بات ساحة صراع معقّدة، تتقاطع فـيها المصالح السياسية والاقتصادية والتجارية، وتُدار أحيانًا بذكاء يفوق قدرة الجمهور على التمييز. وهنا تكمن خطورته: ليس فـي ما يقوله، بل فـي ما يخفـيه أو يمرره بسلاسة تحت عباءة الترفـيه أو التحليل.
فـي زمن التحولات الإعلامية المتسارعة، لم يعد السؤال عن تأثير الكلمة، بل عمن يكتبها، ولمَن تُوجَّه، وكيف تُصاغ. فقد بات الكل يتسابق على وسائل الإعلام، كلٌ بطريقته الخاصة: دول تؤسس منصاتها الرسمية، ومنظمات تصنع رؤيتها الخاصة، ومؤسسات تروّج لأجنداتها، وأفراد يسعون لأن يكونوا منصات متنقلة تعبّر عن قناعاتهم، أو توجّه الرأي العام وفقًا لمصالحهم. لقد أصبح امتلاك منبر إعلامي -مهما كان حجمه- أداة لا غنى عنها، وسلاحًا فـي معركة الصوت الأعلى، والتأثير الأوسع.
ترامب، نموذجًا، لم يخرج عن هذا الإطار، بل صار أحد أبرز رموزه؛ فها هو يهاجم الإعلام التقليدي بضراوة، ويحتفـي بمنابر جديدة تتيح له تمرير رسائله، والتضييق فـي الوقت نفسه على الأصوات المناوئة له. وهنا، يبرز سؤال جوهري: من يكتب الكلمة اليوم؟ هل هو من يملك المال والجاه والنفوذ، ويستطيع التحكم بخوارزميات النشر والبث؟ أم هو ذلك المؤمن بحرية التعبير، الذي يدافع عن الرأي والرأي الآخر، حتى وإن كان صوته خافتًا وسط هذا الضجيج؟
ربما لم يعد الجواب واضحًا كما كان، فالمعادلة تغيرت، والمعايير اختلطت، لكن الثابت الوحيد أن الكلمة، رغم كل شيء، لا تزال تمتلك قدرة خارقة على الإقناع والتأثير... إذا ما كُتبت بصدق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإعلام التقلیدی
إقرأ أيضاً:
حينما تُثمر الجهود.. الشرطة بين الميدان والإعلام…
المتابع لأخبار المكتب الصحفي للشرطة في الآونة الأخيرة، لا يسعه إلا أن يلحظ بوضوح النشاط الميداني المكثف الذي تقوم به قيادة الشرطة، على مستوى رئاسة الشرطة أو في شرطة ولاية الخرطوم. هذا الحراك النشط يعكس إرادة واضحة لاستعادة الأمن وبسط الطمأنينة رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها الشرطة من دمارٍ طال مقارها وآلياتها ومعينات عملها بفعل الاعتداءات المتكررة من المليشيا المتمردة.
وفي جانب آخر، فإن المتابعة اليومية لأخبار مواقع التواصل الإجتماعي تشير إلى تراجع ملحوظ في أخبار الجرائم المقلقة التي أرّقت المواطنين في فترة سابقة، وعلى رأسها جرائم ما يُعرف بـ”تسعة طويلة”. وهذا الانحسار – وإن لم تصدر بشأنه بيانات رسمية بعد – يُعد مؤشراً إيجابياً على أن جهود إعادة فتح أقسام الشرطة وعودة الانتشار الأمني بدأت تعطي ثمارها. فالأمن لا يتحقق فقط بالقوة، بل بالتواجد الفاعل والمستمر الذي يشعر به المواطن في حياته اليومية.
ولعل هذا النجاح الميداني ما كان ليتحقق لولا التنسيق العالي بين قيادات الشرطة وضباطها وجنودها، الذين يثبتون كل يوم أنهم أهلٌ للمسؤولية، يعملون في ظروف قاسية ويواصلون الليل بالنهار ليعيدوا إلى الشوارع هيبتها، وإلى المواطن ثقته.
وفي هذا السياق، لا بد من أن نرفع صوت الشكر والثناء لإدارة الإعلام الشرطي. فقد كنا من قبل من المنتقدين لأدائهم، حين غابت صورة الشرطة الحقيقية عن واجهات الإعلام، لكن من العدل أن نعترف اليوم أن هناك جهداً ملموساً يُبذل لإبراز الأنشطة الشرطية، ولإيصال رسالة مفادها أن الشرطة موجودة، تعمل، وتستعيد عافيتها.
ومع كل ذلك، نظل نؤمن أن من حق المواطن، بل ومن حق الشرطة نفسها، أن يكون هناك عرض دوري وشفاف لمؤشرات الجريمة والإحصائيات المتعلقة بالبلاغات والإجراءات المتخذة بشأنها، عبر مؤتمرات أو لقاءات صحفية. فالإفصاح عن هذه البيانات لا يقلل من هيبة الشرطة، بل يعزز ثقة المواطن في أدائها، ويخلق شراكة حقيقية في تحقيق الأمن المجتمعي.
ومن المهم، بل من الواجب، أن نقول لمن أحسن: أحسنت. وأن نشجع من بذل جهداً ليبذل أكثر. فالكلمة الطيبة وقودٌ للعطاء، والثناء الصادق حافزٌ للاستمرار في الطريق الصحيح.
وختاماً، نقولها بلسان المحبة والولاء لهذا الوطن الذي لا نملك سواه:
في الفؤاد ترعاه العناية
بين ضلوعي الوطن العزيز
غير سلامتك ما عندي غاية
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
١٢ مايو ٢٠٢٥م