«الذهب .. أمان الثروات في زمن الأزمات»
تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT
تتنافس دول العالم على تخزين كميات كبيرة من الذهب، الذي يُعد الملاذ الآمن في ظل التقلبات المالية والاقتصادية للدول والمستثمرين لحماية ثرواتهم من الأزمات المالية والاضطرابات الاقتصادية. حيث يتجه المستثمرون في أوقات الأزمات الاقتصادية نحو الأصول الأكثر أمانًا للحفاظ على قيمة رؤوس أموالهم، وهذا ما يتمتع به المعدن الأغلى «الذهب»، لأنه يحافظ على قيمته في ظل الأزمات والتضخم وانهيار الأسواق المالية.
وفي مارس الماضي، قفز الذهب إلى مستويات قياسية، مدفوعًا بتزايد الإقبال على أصول الملاذ الآمن وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية بعد تجدد الحرب على قطاع غزة، إلى جانب الإجراءات الحمائية الأمريكية المتمثلة في فرض رسوم جمركية جديدة. وقد سجلت التعاملات الفورية حينها مستوى قياسيًا بلغ 3.045.4 دولار للأوقية. ومع اقتراب نهاية أبريل 2025، واصل الذهب تحطيم الأرقام التاريخية، ليصل في الأسبوع الثالث من الشهر ذاته إلى 3.067.2 دولار للأوقية، مدفوعًا باستمرار الأزمات الدولية وتنامي الطلب من البنوك المركزية والمستثمرين الأفراد على حد سواء. ومنذ بداية العام، حقق الذهب ارتفاعًا تجاوز 15%، في منحنى تصاعدي لا تزال التوقعات تشير إلى احتمالية استمراره.
وبالعودة إلى الوراء، يتضح أن الذهب لطالما استجاب بقوة للاضطرابات المالية الكبرى، مسجّلًا مستويات قياسية مدفوعة بالخوف وعدم اليقين. فقد كانت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 واحدة من أبرز المحطات التي دفعت بأسعار الذهب إلى الارتفاع، حين قفز إلى مستويات غير مسبوقة مع انهيار المؤسسات المالية الكبرى وتهاوي الثقة بالأسواق.
وتكرّر المشهد ذاته في عام 2020 خلال ذروة تفشي جائحة كورونا، حيث تجاوز الذهب حاجز 2000 دولار للأونصة، في وقت هرع فيه المستثمرون نحو الأصول الآمنة وسط حالة من الذعر العالمي. تعكس هذه التحركات ثقة راسخة من الأسواق في الذهب كأداة تحوط موثوقة تحفظ القيمة وتقاوم تقلبات النظام المالي.
ويُجمع عدد من الخبراء الماليين على أن الاتجاه الصاعد لأسعار الذهب مرشّح للاستمرار، في ظل حالة عدم اليقين التي تسود الاقتصاد العالمي وتذبذب أداء العملات الورقية. فالذهب لم يعد يُنظر إليه فقط كأصل ثمين، بل بات يُعد عنصرًا استراتيجيًا في المعادلة الاقتصادية العالمية. ويؤكد تسابق الدول على تعزيز احتياطاتها من المعدن الأصفر إدراكها العميق لأهميته في تحقيق الاستقرار المالي وحماية الثروات الوطنية من التآكل. وفي ظل استمرار التوترات الجيوسياسية، وتنامي التحديات أمام الاقتصاد العالمي، يبقى الذهب الخيار الأكثر موثوقية أمام الدول والمستثمرين على حد سواء، لضمان الاستقرار المالي وتأمين المستقبل الاقتصادي.
ولأهمية هذا المعدن، تحتفظ البنوك المركزية في العديد من دول العالم باحتياطات ضخمة من الذهب كوسيلة لدعم استقرار عملاتها وتعزيز ثقة المستثمرين في اقتصادها. وتتصدر هذه الدول، حسب المؤشرات الأخيرة، الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وروسيا والصين قائمة الدول الأكثر احتفاظًا باحتياطات الذهب، حيث تمتلك الولايات المتحدة الحصة الأكبر من احتياطي الذهب عالميًا، وبفارق كبير عن الدول الأخرى، وتُقدر ما تملكه بأكثر من 8133 طنًا. أما ألمانيا فتحتل المرتبة الثانية وتمتلك حوالي 3351 طنًا. فيما تملك إيطاليا 2452 طنا، أما فرنسا فبلغت حصتها 2437 طنا، وهي من الدول الرائدة في سوق الذهب العالمي، بينما بلغت حصة روسيا أكثر من 2336 طنًا، وقد زادت احتياطاتها خلال العقد الماضي في محاولة لتنويع أصولها بعيدًا عن الدولار الأمريكي. فيما تنبهت الصين (ثاني أكبر اقتصاد عالمي) إلى أهمية هذا المعدن الثمين، وتمتلك حاليا أكثر من 2264 طنًا، وقد تبنت سياسة لتعزيز احتياطاتها من الذهب في السنوات الأخيرة.
هذه الأطنان من مخزون «الذهب» التي تمتلكها الدول الكبرى يرمز لها بالقوة الاقتصادية والاستقرار المالي عالميًا، مما يعزز من عملاتها ويحمي اقتصادها وسط التقلبات المالية. وخلال الفترة الماضية، شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا، مدفوعة بمشتريات كبيرة من قبل البنوك المركزية، وزيادة الطلب الاستهلاكي في الصين.
وتلعب البنوك المركزية دورًا محوريًا في تشكيل اتجاهات سوق الذهب العالمي، إذ تُقدّر حيازاتها بنحو خُمس إجمالي الذهب المستخرج عبر التاريخ، وفقًا لتقارير عدد من وكالات الأنباء العالمية، ما يعكس مكانة الذهب كاحتياطي استراتيجي بالغ الأهمية. ووفقًا لتقرير حديث صادر عن مجلس الذهب العالمي، فقد سجلت مشتريات البنوك المركزية مستوى قياسيًا خلال النصف الأول من عام 2025، بلغ 483 طنًا، ما يؤكد استمرار الاتجاه العالمي نحو تعزيز الأصول الآمنة. وتصدرت تركيا قائمة المشترين بإضافة 45 طنًا إلى احتياطاتها، تلتها الهند بـ37 طنًا. ومن جهة أخرى، توقفت الصين -التي كانت من أبرز المشترين خلال السنوات الأخيرة- عن شراء الذهب في شهري مايو ويونيو، بعد سلسلة استمرت 18 شهرًا من التوسع المستمر في احتياطاتها.
وفي السنوات الأخيرة، اتجهت دول مثل الصين وروسيا إلى تبني سياسات استراتيجية تهدف إلى تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي، عبر تعزيز احتياطاتها من الذهب كوسيلة لتحقيق قدر أكبر من الأمان الاقتصادي والسيادة النقدية. ولم تكن الهند وتركيا بمنأى عن هذا التوجه، حيث كثفتا من مشترياتهما من الذهب في إطار جهود ترمي إلى دعم الاقتصاد المحلي وتقوية استقلاليته في وجه التحديات العالمية. ويُنظر إلى امتلاك مخزون كافٍ من الذهب كأداة فعّالة لحماية الاقتصادات الوطنية من الأزمات النقدية المفاجئة، أو حتى من تداعيات العقوبات الاقتصادية التي قد تُفرض في سياقات سياسية معقدة.
يوسف بن محمد البدواوي كاتب في الشؤون الاقتصادية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البنوک المرکزیة من الذهب
إقرأ أيضاً:
السوداني لأمين عام الجامعة العربية: ضرورة تعزيز الاليات في التصدي للمشاكل الاقتصادية والتنموية
الاقتصاد نيوز - بغداد
أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الثلاثاء، على ضرورة تعزيز آليات الجامعة العربية في التصدي للمشاكل الاقتصادية والبيئية والتنموية.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان تلقته "الاقتصاد نيوز" إن "السوداني استقبل، اليوم الثلاثاء، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط"، مبيناً أنه "جرى، خلال اللقاء، استعراض الاستعدادات والترتيبات النهائية لعقد القمة العربية في العاصمة بغداد السبت المقبل، والسعي لأن تكون القمة مميزة وناجحة بشكل يعكس مكانة العراق العربية والإقليمية وتسهم في تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية".
وأضاف أن "اللقاء أكد أهمية القمة التي تنعقد في مرحلة حساسة من مراحل الأحداث والتحديات التي تواجهها المنطقة والعالم العربي، والدور البارز للعراق في وضع الحلول الجارية وتقديم المبادرات العملية التي تعالج القضايا المعاصرة". وشدد رئيس الوزراء "على ضرورة تعزيز آليات الجامعة العربية ومؤسساتها، في مختلف جوانب التعاون العربية والشراكة في التصدي للمشاكل الاقتصادية والبيئية والتنموية، وكذلك في مجال التعاون الأمني المشترك بين الدول العربية".
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام