تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء… واجهة مدنية لحكم عسكري
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
معتصم محمد دفع الله علي
في ظل حرب عبثية مستمرة منذ أكثر من عامين، تعيش البلاد انهيارًا شاملاً في مقومات الحياة ومؤسسات الدولة، وسط تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية. في هذا الظرف الكارثي، أصدر قائد الانقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان قرارًا بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، في خطوة اعتبرها كثيرون محاولة لتجميل صورة السلطة العسكرية التي فقدت شرعيتها، عبر واجهة مدنية شكلية لا تعكس إرادة الشعب السوداني.
يأتي هذا التعيين في وقت يعاني فيه المواطن السوداني من الجوع والفقر والنزوح واللجوء، وسط عجز تام للسلطة الانقلابية عن توفير مقومات الحياة أو معالجة الأزمات، بينما يواصل قادتها الالتفاف على الواقع بتعيينات مدنية شكلية لتحسين صورتهم خارجيًا، دون رغبة حقيقية في التغيير أو الانتقال نحو حكم مدني ديمقراطي.
لا يستند تعيين الدكتور كامل إدريس إلى إرادة وطنية أو توافق سياسي، بل يُعد محاولة لامتصاص الضغوط الدولية المطالبة بحكومة مدنية، في ظل غياب عملية سياسية جادة، وخطوات فعلية لوقف الحرب وتحقيق العدالة الانتقالية.
ويعيد هذا التعيين إلى الأذهان تجربة كامل إدريس في انتخابات عام 2010، حين واجه الرئيس المعزول عمر البشير في منافسة وُصفت آنذاك بأنها شكلية، جاءت لتجميل مشهد انتخابي يفتقر إلى الشفافية والتعددية الحقيقية. واليوم، يعود إلى المشهد عبر تعيين فوقي من قيادة انقلابية لا تحظى بأي تفويض شعبي.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لإعادة إنتاج النظام القائم في ثوب جديد، دون المساس بجوهره العسكري أو إنهاء الهيمنة الأمنية على القرار السيادي، بينما تستمر آلة الحرب في تدمير البلاد، وتزداد معاناة المواطنين يومًا بعد يوم. كما أن تعيين إدريس يأتي في سياق الترتيبات الشكلية التي دأبت عليها الأنظمة الاستبدادية، بتقديم شخصيات مدنية لإضفاء شرعية زائفة على حكم الفرد والتفرد بالسلطة.
غير أن الشعب السوداني لم يخرج في ثورة ديسمبر المجيدة ليُفرض عليه من يحكمه دون إرادته، بل ناضل من أجل إقامة دولة مدنية تقوم على الشفافية والعدالة والمساءلة. ومن هذا المنطلق، يرفض السودانيون مثل هذه التعيينات الفوقية التي تفتقر إلى الشرعية الشعبية، وترسّخ الأزمة بدل حلّها، عبر إعادة تدوير السلطة تحت مسميات مختلفة.
ويبدو واضحا أن هذا التعيين ليس سوى محاولة جديدة لتزييف إرادة السودانيين، وطمس حقيقة أن البلاد تحتاج إلى عملية سياسية تُنهي الحرب وتؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية، يكون فيها القرار بيد الشعب لا بيد من يحتكرون السلطة بقوة السلاح. وفي ظل هذا الواقع، يطرح كثيرون تساؤلًا مشروعًا: هل يمكن لتعيين شكلي صادر عن سلطة انقلابية أن يفتح أفقًا حقيقيًا للتحول الديمقراطي؟ أم أن الشعب السوداني، الذي أسقط طغاة بالأمس، سيواصل نضاله حتى يستعيد حقه الكامل في اختيار من يحكمه، وبناء دولة مدنية تُدار بإرادته الحرة، لا من خلف الكواليس؟
لا شك أن البرهان ومن معه يسعون لخداع الداخل والخارج من خلال تعيينات شكلية لا تمس جوهر الحكم العسكري، في محاولة يائسة لإطالة أمد سلطتهم. لكن دروس التاريخ وتجارب الشعوب تؤكد أن إرادة الجماهير أقوى من كل محاولات التزييف، وأن طريق الخلاص لا يكون باستنساخ وجوه جديدة في مشهد قديم، بل بالعودة إلى الشعب. فالسودان لن يُدار بقرارات فوقية أو بسلطة الأمر الواقع، وإنما بإرادة حرة ومشاركة وطنية حقيقية تعبّر عن آمال الشعب وتضحياته من أجل وطن حر وآمن وعادل.”
الوسوممعتصم محمد دفع الله عليالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: کامل إدریس
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل الطيب إدريس رئيساً لمجلس وزراء جمهورية السودان
رحبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بتعيين الدكتور كامل ادريس رئيساً لمجلس وزراء جمهورية السودان واعتبرته خطوة هامة نحو استعادة عمل المؤسسات الوطنية المدنية.
وذكر مصدر مسؤول بالأمانة العامة أن الجامعة العربية ستكثف جهودها من أجل دعم جهود صون سيادة السودان ووحدة أراضيه وزيادة الاستجابة الدولية مع احتياجاته التنموية والإنسانية، واستعادة مسار التحول المدني وإطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السودانيون تضمن مشاركة جميع أطياف المجتمع المدني السوداني.
يذكر أن الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي عقدت اجتماعاً على هامش القمة العربية في بغداد يوم 16 مايو الحالي، على مستوى رؤساء المنظمات كان الأول من نوعه منذ بدء الأزمة السودانية، للتحرك بشكل جماعي متناغم للمساعدة في وضع حد للأزمة ومعالجة آثارها المختلفة.