نقاشات موسعة تستشرف ملامح إعلام المستقبل
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
دبي: «الخليج»
شهدت قمة الإعلام العربي في دبي، ومع يومها الأول سلسلة من الجلسات النقاشية الملهمة حول جملة من الموضوعات وثيقة الصلة بمستقبل العمل الإعلامي في المنطقة، وكيفية النهوض بعوامل تميزه، حيث غطت نقاشات ضمن «المنتدى الإعلامي العربي للشباب»، مجموعة من الموضوعات المتنوعة، والتي امتدت من أثر السرد القصصي في الحفاظ على التراث، إلى توقعات الشباب في سوق العمل عقب الانتهاء من دراستهم الجامعية، وأثر برامج التوك شو في المجتمع لاسيما بين فئة الشباب.
في جلسة عقدت بعنوان: «السرد القصصي في الموروث الإماراتي»، تحدث الإعلامي والباحث في مجال التراث خلفان الكعبي، وصانع المحتوى مطر الشامسي، بينما أدارت الحوار الإعلامية علياء بوجسيم، حيث أكد المشاركون أنّ السرد القصصي، سواء كان مكتوباً أو شفوياً، هو وسيلة فعّالة للحفاظ على تراثنا، ونقله إلى الأجيال القادمة بلغةٍ محببةٍ وسلسةٍ، في زمنٍ أصبحت فيه المفردات القديمة مهددة بالزوال.
وقال مطر الشامسي إنّه لا بد لأيّ شخصٍ يعمل في المجال التراثي أن يستخدم الوسائل الإعلامية المتاحة بالشّكل الصّحيح، لما لها من تأثير كبير في إبراز الموروث الثقافي، ونقله إلى الأجيال القادمة.
من جهته، قال خلفان الكعبي، إنّ الوسائل السمعية والبصرية الحديثة أصبحت ضرورةً مُلحّةً في هذا العصر لإيصال القصص التراثية، سواء عبر فيديوهات قصيرة أو تسجيلات صوتية أو حتى عبر المنصات التفاعلية المختلفة.
وأشار إلى أنّ من يُريد دخول عالم صناعة المحتوى في المجال التراثي، لا بُدّ أن يُتقن فن الاختصار، ويُقدم محتوى بسيطاً وسهلاً يُخاطب عقول وقلوب الجمهور، مؤكداً أنّ التبسيط لا يعني تفريغ المعنى، بل يعني جعل التراث في متناول الجيل الجديد بلغةٍ يفهمها.
وفي جلسة «برامج التوك شو والشباب»، التي عُقدت ضمن فعالية «دردشات إعلامية» قالت الإعلامية ناديا الزعبي، من قناة عمّان، إنها تؤمن بأن الذكاء الاصطناعي سيسهم في تطوير قطاع الإعلام، من خلال تحليل البيانات وفتح آفاق جديدة، إلا أنه لا يمكن أن يحلّ محل الإعلامي الحقيقي، مشيرةً إلى أنّ الإعلامي ليس مجرد روبوت يقرأ الأخبار، بل هو إحساس حي، وتجسيد صادق لنبض الواقع.
فيما حددت جلسة «ما بعد التخرج الواقع والمستقبل»، والتي نظمت ضمن دردشات إعلامية، 10 ركائز تمكن الخريجين الجدد من الاستعداد الجيد لسوق العمل والحصول على وظائف تتوافق مع مهاراتهم وتوقعاتهم المستقبلية.
وناقشت نورهان فهمي من منصة مونيفاي خلال الجلسة، أبرز التحديات التي يواجهها الشباب في البحث عن الوظيفة الأولى، وطرحت حلولاً عملية لتجاوزها، ومن أبرزها أنه يجب على الشباب إعداد سيرة ذاتية احترافية، والانخراط في التدريب العملي لاكتساب الخبرات المطلوبة.
أما جلسة «ما بعد الشاشة.. الشباب والبودكاست»، استضافت المنتج ومقدم البودكاست معين جابر، الذي استعرض من واقع خبرته الإعلامية والإنتاجية، كيف أصبح البودكاست وسيلة فاعلة للتعبير ومصدراً غنياً للنقاشات المجتمعية والفكرية، التي تسهم في تشكيل وعي الجيل الجديد وتوسيع مداركه.
فيما أكدت صانعة المحتوى ياسمين ناصر، بجلسة «من التسويق إلى صناعة المحتوى» أن الشغف هو القوة الدافعة وراء التعلّم والتحسين المستمر في فن الطهي، ما يساعد على نشر محتوى جذاب ومبتكر ويشجع المتابعين على تبني عادات غذائية جديدة..
وأكدت أنها استفادت من خبرتها في التسويق للترويج لفن الطبخ، حيث تعتمد صناعة المحتوى الناجحة على القدرة على إيصال الأفكار بمهارة وأساليب بسيطة تجذب المتلقي، وتُحفّزه للعودة مرة أخرى للاطلاع على المزيد من المحتوى المعروض.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الإعلام العربي الإمارات
إقرأ أيضاً:
باحثون وأكاديميون يؤكدون أهمية السرد القصصي في تشكيل الوجدان الأخلاقي وتعزيز الانتماء لدى النشء
"العُمانية": تشكّل القصص القصيرة التي تنسج أحداثها بطرق مدروسة مرتكزًا مهمًّا للطفل والناشئة في غرس جملة من القيم الإنسانية والأخلاقية في داخله، عبر عرضها بصورة ماتعة، من خلال استخدام بعض الصور التوضيحية، والتركيز على شخصية البطل لجذب الطفل.
ويمكن أن تقوم القصة القصيرة بدورها التربوي والثقافي إذا التزمت بمجموعة من الأسس والمرتكزات عند مراعاة الكاتب في قصصه السرد المنطقي للأحداث، عبر تسيير الأحداث بطريقة متسلسلة تجذب القارئ، ليكتسب مجموعة من القيم منها: الرحمة والعطف والاحترام والعدل والصدق.
وتقول الدكتورة أمل بنت سالم المغيزوية أخصائية أنظمة مدرسية بوزارة التربية والتعليم إنّ القصة الصغيرة أسهمت بدور كبير في تعزيز الكثير من القيم الإنسانية المتباينة عبر العصور وتتابع الأجيال وتقوية وترسيخ مجموعة من القيم الأخلاقية والإنسانية التي تدفع الطفل لاكتشاف مفهوم القيمة والبحث عن دورها في الحياة والتركيز على أهميتها في حياته.
وأضافت أنّ القصة الصغيرة التي تكتب بطريقة إبداعية وبشكل إيجابي يمكن أن تؤثر في الأطفال والناشئة، حيث يجد فيها القارئ ملاذًا آمنًا داخلها وتعلمه القيم الفاضلة في التعامل وتُعزز قيمتها وأهميتها داخل الإنسان، فيتقمص تلقائيًّا تلك الخصال في تعامله مع الجميع.
ووضّحت أنّ الكثير من القصص تعمل على صقل شخصية الطفل وتسهم في بناء الكثير من جوانب شخصيته عبر القراءة والاطلاع، فيصبح قادرًا على المناقشة والحوار، ويُعبّر عن وجهة نظره بطريقة إيجابية دون خوف أو وجل، مشيرةً إلى أنّ الكثير من القصص تناولت التركيز على قيم الانتماء للوطن وللأسرة إلى جانب مفهوم تشكيل الهوية الفردية لدى الأطفال والناشئة، لتعمق من شعوره بالانتماء لوطنه وتدفعه للذود عنه، وترسخ في داخله الإحساس بالفخر لمنجزاته والعمل بشتى الطرق لرفعته.
ولفتت قائلةً إنه ينبغي للكاتب أن يدرك بأنه يتعامل حاليًّا مع جيل تقني يختلف عن الأجيال السابقة، بحيث يراعي تغيرات العصر، ويسعى لغرس القيم من خلال الكتابة بشكل أكثر جاذبية، ليصبح قادرًا على تحقيق هدفه في غرس القيم التربوية بطريقة فاعلة.
وفي السياق ذاته قالت الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية أكاديمية متخصّصة في ثقافة الطفل إنّ القصة القصيرة يمكن أن تقوم بدور محوري في تعزيز القيم الإنسانية لدى الأطفال والناشئة، كونها أداة سردية قادرة على تجاوز الحواجز الزمنية والثقافية واللغوية، والوصول إلى الطفل في لحظاته الخاصة من التأمل والتلقّي. ففي عمر الطفولة، تكون القيم في طور التشكّل، والخيال يعمل مثل نافذة لتفسير العالم وهنا تأتي القصة القصيرة لتكون "الوسيط الحي" بين الفكرة المجردة والتجربة المعيشة.
وأضافت أنّ القصة القصيرة لا تقدم القيم باعتبارها خطابًا، بل تعيشها وتُمسرحها داخل النص، فالطفل لا يسمع عن "العدالة" بوصفها قيمة، بل يراها تتحقّق من خلال بطلٍ يتعرّض للظلم ثم يستعيد حقه، أو يرى أثر التعاطف حينما يعتني أحدهم بصديقٍ ضعيف. وبهذه الطريقة، تصبح القيم كائنات حيّة يتفاعل معها الطفل لا شعارات تُلقن له.
وبينت أنّ القصة يمكن أن تصبح وسيلة تربوية ثقافية قادرة على نقل القيم من جيل إلى جيل في سياق طبيعي غير قسري، عبر سردية واحدة تحمل القيم الجوهرية للإنسانية: الرحمة، والصدق، والإيثار، والشجاعة، والتسامح، وأنّ الوعي القيمي لا يتكوّن فقط بالمعرفة، بل بالتجربة، والتقمّص، والربط الشعوري.
وذكرت أنّ القصة القصيرة تقدم للطفل مساحةً آمنة ليمارس هذا "التجريب القيمي" في بيئة خيالية. حين يواجه البطل أزمةً أخلاقية، ويتخذ قرارًا فيه تضحية من أجل الآخر، ويتابع الطفل التفاصيل ويعيشها بانفعاله، مما يجعل القيمة ترتبط لديه لا بمفهومها اللفظي، بل بنتائجها الحقيقية مثل العدل يريح القلب، والخيانة تؤلم، والشجاعة تُنقذ، مما يجعل هذه الخبرات المصغّرة التي يعيشها الطفل داخل القصة، تتراكم مع الوقت، وتشكّل ما يمكن أن نسمّيه "الوجدان الأخلاقي"، وهو نمط تلقائي من الاستجابة القيمية للمواقف الواقعية في الحياة، لتُحدث التحوّل من الخارج إلى الداخل، ومن التقليد إلى القناعة، ومن الإملاء إلى الاكتشاف.
وأشارت إلى أنّ القصة القصيرة تمثل القوة التأثيرية في كونها تُحدث التغيير عبر "اللعب الرمزي"، لا عبر المواجهة الصريحة، وهذا التأثير الإيجابي يظهر في ثلاثة أبعاد رئيسة وهي البُعد السلوكي إذ تُسهم القصة في تعديل السلوك اليومي للطفل عبر نماذج يُحبها ويثق بها (شخصيات القصة).
وذكرت أنّ البُعد الوجداني للقصص يجعل الطفل يتعاطف، ويحزن، ويفرح، ويقلق مع الشخصيات، ما يطوّر قدرته على فهم مشاعر الآخرين، وهو ما يُعرف بالذّكاء العاطفي، وهو شرطٌ أساسي لاكتساب القيم الإنسانية.
أما البعُد الثالث المجتمعي فيتمثل في تنشئة الطفل على قيم التشارك والتفاعل الإيجابي، فتنقله القصص القصيرة من مركزية الذات إلى الوعي بالآخرين، وهي خطوة بالغة الأهمية في تشكيل إنسان مسؤول اجتماعيًّا.
وأشارت إلى أنّ الهُوية لدى الطفل تُبنى من خلال التعرّف إلى الذات أولًا، ثم إلى المجتمع، ثم إلى الرموز الثقافية الكبرى، فالقصة القصيرة حين تُكتب بوعي ثقافي ووطني تؤدي دورًا تأسيسيًّا في هذا المسار من خلال ترسيخ الانتماء الثقافي. وعندما يقرأ الطفل قصة تجري أحداثها في بيئته، وتظهر فيها مفرداته اليومية، يُعزز ذلك فخره بهُويته الثقافية ويقلّل من اغترابه أمام صورٍ نمطية دخيلة عليه.
وذكرت أنّ القصة تبني دعم الهوية الفردية، من خلال مساعدته على فهم أن له دورًا في العالم، وأن له رأيًا، وصوتًا، وقدرة على التغيير. كما تعمل القصة على تفعيل الانتماء القيمي عبر منظومة أخلاقية يشترك فيها مع البشرية، في ذات القيم من الحب، والصداقة، والأمان، والأمل، وتقوم القصة بالجمع بين الترفيه والتربية والمعرفة في آنٍ واحد، وهذا ما يجعلها أداة ذهبية في يد المربي والمثقف.
وأشارت إلى أنّ القصة تقوم بدور تربوي عبر تقديم مواقف حياتيّة مُبسّطة تحمل بذورًا عميقة للتوجيه السلوكي، دون أن يشعر الطفل بأنه تحت رقابة أو ضغط، مثل الاعتذار، واحترام الكبير، وضبط النفس.
كما تؤدي دورًا ثقافيًّا تُعرّف الطفل بمفردات لغوية، وعادات، وتراث، وأمثال، وفنون شعبية، مما يوسّع أفقه المعرفي ويجعله ينتمي إلى ثقافة حية قابلة للتجديد، كما تمنحه نافذة على ثقافات الآخرين، فيتشكّل لديه "الاحترام المتبادل" بدلًا من "الرفض أو الانبهار".
ووضّحت أنه عند دمج القصة بين الخيال والعلم، أو بين الفلكلور والأسئلة الفلسفية، تصبح أداة شاملة في تكوين عقلية الطفل المتفتحة، وتتحوّل من مجرد نشاط قرائي إلى "تجربة تربوية ثقافية مكتملة".
من جانبها ترى الشاعرة بدرية بنت محمد البدرية أنّ القصة عبارة عن رسالة غير مباشرة يرسلها الكاتب للطفل تضعه أمام تحدٍّ أو مشكلة ثم يجعله يكتشف الحل الذي لا يكون إلا بقيمة إنسانية يحاول الكاتب غرسها في النشء.
وأضافت أنّ الإنسان يُقاس عمومًا بحصاد تجربته وما عاشه ونشأ عليه منذ طفولته، مشيرة من خلال تجربتها القصصية الموجهة للطفل إلى أن هذه القصص تعمل على غرس قيم الحب والسلام والوحدة والعلم والمعرفة، من خلال إيصالها بشكل غير مباشر إلى الطفل عبر جوانب القصة الإيجابية والسلبية.
وأكّدت على دور الكاتب في إيصال الرسالة والقيمة التي يريد غرسها في الأطفال من خلال قصته، وتحديد أهدافه، وأنه لا حدود للأدوار التي قد يقوم بها الطفل، وقد وُجِدَ للتأقلم مع أي ظرف يوضع فيه، وعلى الكاتب أن يوجّه الأطفال إلى اختيار طريقته وفق مؤهلاته وهواياته.