المسلة:
2025-08-04@18:27:12 GMT

العراق بين مشرط الإنقاذ وساعة الانفجار

تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT

العراق بين مشرط الإنقاذ وساعة الانفجار

18 يونيو، 2025

بغداد/المسلة: ليث شبر

خلال جلساتنا العلمية المطولة ضمن الفريق الوطني الذي يعمل على صياغة مشروع التحول الوطني للعراق، انشغلنا طويلاً بمناقشة كتاب بنية الثورات العلمية للفيلسوف توماس كون، والذي كان موضوع نقاش خاص مع زميلي الدكتور عبد السلام المياحي، العالم العراقي البارز في مجالات إدارة التغيير ونظم الاستدامة وصاحب الابتكارات الثورية حيث كنا نستعرض آليات تطور الفكر العلمي، وانتقال الأنظمة الفكرية والسياسية من مرحلة “العلم العادي” إلى “الثورة الفكرية”، وما يصاحبها من أزمات متراكمة قبل لحظة التحول الجذري.

في هذه الأجواء العلمية جاءت الإشارة الدقيقة لوصف ما يمر به العراق في هذه المرحلة الحساسة:

“نحن نعيش مرحلة التعفن السياسي.”

لم تكن الكلمة مجازاً أدبياً، بل كانت تشخيصاً حقيقياً يستند إلى قراءة فلسفية وعلمية لمسار الدولة العراقية منذ 2003 حتى اليوم.
إن العراق اليوم لا يمر بأزمة عابرة، بل وصل إلى مرحلة تحلل تدريجي في بنيته السياسية والاجتماعية والمؤسساتية، حيث تتراكم الأزمات دون قدرة على المعالجة الذاتية، ويقترب النظام من نقطة الانفجار إن لم يُبادر إلى عملية إنقاذ جذرية منظمة.

أولاً: التحديات المتراكمة منذ 2003 حتى 2025

منذ لحظة سقوط النظام السابق عام 2003، دخل العراق مرحلة انتقالية معقدة ظن البعض أنها ستكون مرحلة بناء دولة ديمقراطية حديثة، لكنها تحولت بفعل تراكمات عديدة إلى نظام مأزوم بنيوياً، من أبرز معالم أزمته:

تفكيك مؤسسات الدولة المركزية دون إعادة بنائها على أسس وطنية.

تكريس نظام المحاصصة الطائفية والقومية في توزيع السلطة والثروة.

إخضاع القرار السياسي العراقي لصراعات المحاور الإقليمية والدولية.

تفشي ظاهرة الفساد كمنظومة إدارية معقدة تخترق جميع مستويات السلطة.

تزايد الاعتماد المفرط على الريع النفطي دون بناء اقتصاد إنتاجي مستدام.

انقسام القوى الأمنية بين مؤسسات رسمية وفصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة.

انهيار المنظومات الخدمية الأساسية في الصحة والتعليم والكهرباء والبنى التحتية.

هذه التحديات، التي بدأت كاختلالات قابلة للإصلاح، تحولت مع مرور الزمن إلى أعراض مرضية مزمنة تدفع النظام إلى حالة شلل تدريجي.

ثانياً: مظاهر التعفن السياسي العميق

لم يعد العراق يعاني من أزمة سياسية فحسب، بل من حالة تعفن شاملة مست كل مفاصل الدولة والمجتمع، يمكن رصدها في كل المجالات والمحاور وهذه بعضها:

1️⃣ تعفن المؤسساتية:

غياب الدولة المؤسسية الفاعلة وتحول الوزارات والهيئات إلى كيانات مشلولة تديرها التوازنات الحزبية والطائفية.

ضعف الأداء الإداري وغياب معايير الكفاءة في التعيينات العليا.

انهيار منظومات التخطيط الاستراتيجي واستبدالها بإدارة يومية للأزمات المؤقتة.

2️⃣ تعفن القيم الأخلاقية:

ضعف الالتزام بالقيم الوطنية والمهنية في العمل العام.

شيوع ثقافة الولاء الشخصي والجهوي فوق مبادئ الصالح العام.

تطبيع الفساد واعتباره وسيلة طبيعية للترقي والنجاح داخل النظام السياسي والاقتصادي.

3️⃣ تعفن العدالة الاجتماعية:

اتساع الفجوة الطبقية بين قلة حاكمة متخمة بالثروات وأغلبية فقيرة تعاني البطالة والتهميش.

غياب تكافؤ الفرص في التعيين والترقي والتعليم.

تآكل قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بعدالة وكرامة.

4️⃣ تعفن الفكر والوعي السياسي:

انعدام المشروع الوطني الجامع كمرجعية فكرية للدولة والمجتمع.

اختزال العمل السياسي إلى صراع نفوذ بين كتل مغلقة بلا رؤى وطنية.

تسطيح النقاش العام وتدمير المنظومة الثقافية والإعلامية لحساب خطاب التخندق والانقسام.

ثالثاً: مؤشرات اقتراب الانفجار

تحت هذا المشهد المعقد يواصل التعفن السياسي دفع العراق نحو حافة الانفجار التاريخي، مع تصاعد:

غضب الأجيال الشبابية التي فقدت الإيمان بجدوى النظام السياسي القائم.

تصاعد البطالة بشكل غير مسبوق، خاصة بين خريجي الجامعات.

تعطل مؤسسات القضاء والرقابة وتآكل نزاهتها تحت ضغوط الولاءات السياسية.

صراع مستمر على النفوذ بين المكونات المسلحة داخل الدولة وخارجها.

انهيار ثقة المجتمع كلياً بكل أدوات الحكم القائمة.

رابعاً: الفرصة الأخيرة لإنقاذ العراق

رغم عمق الأزمة، لا يزال أمام العراق فرصة ضيقة للتصحيح قبل الانهيار الكامل.
هذه الفرصة لا تتحقق إلا عبر ثورة فكرية وعملية منظمة قادرة على:

إعادة تأسيس الدولة وفق مفهوم المواطنة الشاملة فوق كل الهويات الفرعية.

تقويض منظومة المحاصصة بكل أبعادها وتفكيك شبكات الفساد البنيوي.

بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي يوفر فرص العمل والثروة المستدامة.

دمج القوى المسلحة ضمن مؤسسات الدولة تحت سلطة القانون.

تحرير القرار العراقي من تدخلات الخارج ليعود سيداً على أرضه.

صناعة قيادة وطنية علمية تحمل مشروع التحول الجذري بعيداً عن الحسابات الحزبية الضيقة.

خامساً: بين مشرط الجراحة وساعة الانفجار

إن كل تأخير في إطلاق مشروع الإنقاذ الجذري سيقرب العراق أكثر من لحظة الانفجار الكارثي.
وكما في الجسد المتعفن، فإن الجراحة المبكرة المؤلمة أكثر رحمة وأملاً من الانهيار الكامل الذي لا رجعة فيه.

إن التاريخ لا ينتظر طويلاً، وهو الآن يضع العراق أمام لحظة مصيرية:
إما مشروع وطني شجاع يعيد بناء الدولة من الجذور،
وإما انفجار مدمر سيدخل العراق في دورة فوضى مفتوحة على المجهول لعقود قادمة.

الفرص التاريخية لا تمنح مرتين… والعراق 2025 يواجه لحظة الحقيقة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

اللبنانيون يحيون الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت

أحيا لبنانيون، اليوم الاثنين، الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت المروّع، مؤكدين تمسّكهم بـ«عدم المساومة على المحاسبة»، بالتزامن مع تعهد رئيس الجمهورية، جوزاف عون، بتحقيق العدالة للضحايا، بعدما تمكّن المحقق العدلي، طارق البيطار، من استجواب جميع المدعى عليهم في القضية.
وتعثّر التحقيق في الانفجار، الذي وقع في الرابع من أغسطس 2020 وأسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصاً وإصابة نحو 6,500 آخرين، منذ عام 2023 بفعل التجاذبات السياسية.
وتجمع المئات أمام المرفأ لإحياء الذكرى، في حدث يُعد تذكيراً بأحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم. ورفع المشاركون صور الضحايا ولافتات حملت شعارات مثل «لا مساومة على المحاسبة»، و«مع الحق ضد الظلم»، و«جريمة 4 آب ليست حادثاً».
وقالت جورجيت الخوري (68 عاماً)، التي فقدت ثلاثة من أقاربها: «أشارك للمرة الأولى هذا العام. رغم مرور خمس سنوات، أشعر وكأن الانفجار وقع أمس، فهو غصّة في قلب كل لبناني». وأضافت: «ما نطلبه هو العدالة، وإذا لم تتحقق على الأرض، فستتحقق في السماء».
على مقربة، حمل يوسف رومانوس (44 عاماً) صورة جارته الراهبة التي قضت في الانفجار، قائلاً: «الوجع باقٍ في قلوبنا... ننتظر أن يأخذ القضاء مجراه»، مضيفاً: «تحقيق العدالة لن يعيد شهداءنا، لكنه سيكون عزاءً لنا».
وعلى شاشة ضخمة، عُرضت صور جميع الضحايا مع تلاوة أسمائهم على وقع تصفيق الحاضرين. وأكدت المحامية سيسيل روكز، في كلمة باسم عائلات الضحايا، أن «مهما كثرت القضايا والظروف الصعبة، تبقى جريمة 4 أغسطس أولوية»، مطالبة بـ«الحقيقة ومحاسبة المجرمين»، وموجهة رسالة لكل مسؤول سياسي أو أمني أو قضائي متورط في التفجير: «الحقيقة ستظهر لا محالة، وستتحملون مسؤولية أفعالكم ولو عن غير قصد، مهما علا شأنكم».
وتعزو السلطات الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه، فيما تبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على علم بمخاطر هذه المواد ولم يتخذوا أي إجراء.
وشارك في إحياء الذكرى عدد من الوزراء، بينهم وزراء العدل والإعلام والشؤون الاجتماعية، وذلك للمرة الأولى منذ وقوع الانفجار. وأشادت روكز بتصريحات بعض المسؤولين، وآخرها بيان رئيس الجمهورية، لكنها شددت على أن «العبرة في التنفيذ، لا سيما تطبيق القرارات القضائية المنتظرة، وتنفيذها بسيف العدالة».

أخبار ذات صلة في ذكرى انفجار مرفأ بيروت.. عون يتعهد بتحقيق العدالة سلام: إنقاذ لبنان يتم بحصر السلاح في يد الجيش وحده

مقالات مشابهة

  • اللبنانيون يحيون الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت
  • نقيب يصرخ وطلاب يتجاهلون.. الصيدلة في العراق بين الانفجار الأكاديمي والموت المهني
  • بلاغ أمني من شرطة محافظة مأرب .. محمد الرزاحي المحتجز في الأمن السياسي مرتبط بوقائع تمس أمن الدولة وسيتم احالته للقضاء وفق توجيهات النائب العام .. عاجل
  • في ذكرى انفجار مرفأ بيروت.. عون يتعهد بتحقيق العدالة
  • عون يتعهد بتحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت
  • انفجار مرفأ بيروت في ذكراه الخامسة: هل اقتربت لحظة الحقيقة؟
  • طيار ينجو بأعجوبة بعد هبوط اضطراري في المياه.. فيديو
  • رئيس حزب الاتحاد يدعو لمشاركة المصريين بانتخابات الشيوخ بالداخل: مسؤولية وطنية في لحظة فارقة
  • البرلمان الغائب: حين يتواطأ النظام الداخلي مع التعطيل السياسي
  • خبير: صعود ترامب للسلطة في 2016 نقطة فاصلة بتاريخ النظام السياسي الأمريكي