إيران وإسرائيل.. صراع وجودي يُعيد تشكيل المنطقة
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
مقدمة
هذه قراءات ومتابعة لما يحدث في الحرب بين إسرائيل وإيران، من خلال أفكار وتحليل وفق المعطيات الموجودة. يُعد الصراع الإيراني الإسرائيلي من أبرز الصراعات الإقليمية والدولية التي تعكس صراعات أوسع على النفوذ والهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، والتي أصبحت ساحة لتنافس جيوسياسي معقد يضم قوى دولية وإقليمية متشابكة.
إيران: حضارة قديمة ونفوذ حديث
إيران أمة ذات حضارة عريقة ساهمت بشكل كبير في تاريخ الإنسانية. من الإمبراطوريات الفارسية القديمة إلى الجمهورية الإسلامية الحالية، مرت إيران بمراحل مهمة من التحول:
في العصر الحديث كانت تحت حكم الشاه دولة علمانية وحليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة والغرب، وتمتعت بنفوذ إقليمي واسع.
الثورة الإسلامية عام 1979 شكلت نقطة تحوّل دراماتيكية، حيث أخرجت إيران من النفوذ الأمريكي الغربي، وأطلقت مشروعًا دينيًا سياسيًا بقيادة الإمام الخميني.
توسع إيران الإقليمي عبر دعمها أنظمة وأحزاب مسلحة في لبنان (حزب الله وحركة أمل)، العراق، سوريا، واليمن، إضافة إلى علاقات عسكرية مع دول مثل باكستان وكوريا الشمالية.
العلاقات الإيرانية الإسرائيلية: من تحالف إلى عداء
لم تكن العلاقة بين إيران وإسرائيل دائمًا على هذا النحو العدائي. في عهد الشاه، كانت إيران حليفًا لإسرائيل، مع وجود جالية يهودية في إيران. لكن الثورة الإسلامية قلبت الموازين:
اعتبرت إيران إسرائيل عدوًا أساسيًا ورافضة شرعيتها.
دعمت إيران القضية الفلسطينية وأذرعها العسكرية في المنطقة.
رأت إسرائيل في التمدد الإيراني تهديدًا وجوديًا، خاصة عبر أذرع إيران في لبنان وسوريا والعراق.
الأبعاد الإقليمية للنزاع
الخليج العربي: يشهد توتراً بين إيران ودول الخليج لا سيما السعودية والإمارات، على خلفية صراعات مذهبية ونفوذ إقليمي، بالإضافة إلى النزاع على جزر محتلة.
الملف السوري واللبناني واليمني: إيران بنت حضورًا قويًا في هذه الدول عبر دعم أنظمة وأحزاب مسلحة، في مواجهة مباشرة لمصالح إسرائيل والدول العربية. سقوط النظام السوري، الذي أخرج من المعاملة أو النفوذ الإيراني .
الحرب العراقية الإيرانية التي أسهمت في تعقيد المشهد الإقليمي، مدعومة خليجيًا وغربيًا.
التحالف الأمريكي الإسرائيلي
يشكل التحالف بين واشنطن وتل أبيب العمود الفقري لمواجهة إيران.
إسرائيل تنفذ عمليات استخباراتية وعسكرية ضد إيران مدعومة بتكنولوجيا أمريكية.
المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران تمر بتقلبات، فيما ترفض إسرائيل أي تسوية لا تلغي البرنامج النووي والصاروخي الإيراني.
واقع المواجهة والتحديات
إيران تعرضت لاغتيالات قادة بارزين واستهداف منشآت نووية، وتعتمد على ترسانة صاروخية رغم افتقارها إلى قدرات جوية ومنظومات دفاع جوي متطورة.
تواجه إيران معارضة داخلية متزايدة، خاصة بين الشباب الرافض للقيود الدينية والتشدد السياسي.
في إسرائيل، مع وجود انقسامات سياسية، هناك إجماع على ضرورة مواجهة التهديد الإيراني.
احتمال تدخل دول مثل باكستان بشكل مباشر أو دعم غير مباشر، وعلاقات عسكرية ونووية بين إيران وكوريا الشمالية، تزيد من تعقيد الصراع.
السيناريوهات المستقبلية
التفاوض: حتى في حال تنازل إيران عن بعض برامجها، فإن الثقة بين الأطراف ضئيلة، خصوصًا مع إسرائيل التي تطالب بإلغاء كامل للبرامج النووية والصاروخية.
تغيير النظام الإيراني: أمر بعيد في ظل التشابكات الداخلية والإقليمية، وقد يرتبط بتنازلات إيرانية كاملة.
تصعيد الصراع: وارد في ظل الدعم الأمريكي الإسرائيلي ومحاولات إسرائيل استباق نفوذ إيران.
خاتمة
هذا الصراع يمثل تحديًا وجوديًا حقيقيًا لإيران التي تواجه تحالفًا دوليًا قويًا يضم الولايات المتحدة ودول الناتو. نجاح إيران سيكون بمثابة هزيمة للغطرسة الأمريكية والإسرائيلية، وقد يعيد رسم موازين القوى في الشرق الأوسط والعالم. في المقابل، فإن إخفاقها يعني المزيد من الصراعات وعدم الاستقرار الإقليمي والدولي.
وعلى الرغم من التحالف الوثيق بين إسرائيل وأمريكا، تحمل إسرائيل قناعة لا تتغير، مستمدة من تركيبتها وأهداف المشروع الصهيوني، الذي يهدف إلى العيش منفردة وآمنة، وهو ما يفسر تمسكها الشديد بمواجهة إيران كتهديد وجودي لا يحتمل التساهل.
في ظل هذه الديناميكية المعقدة، تبقى دول المنطقة والعالم الحلقة الأضعف، ضحية لصراعات النفوذ والمصالح الدولية التي تعيد رسم خرائط السياسة والجغرافيا، وتُدخل المنطقة في دائرة متجددة من التوتر وعدم الاستقرار، مع بروز تحالفات جديدة وتعميق تحالفات قائمة، حيث تُهدد مصالح دول كبرى مثل الصين وروسيا، وتبرز دول مثل باكستان والهند كلاعبين جدد في هذه الساحة المتشابكة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
الغارديان: كيف تعيد إسرائيل تشكيل الشرق الأوسط وتواجه عزلة متزايدة؟
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، للصحفية نسرين مالك، قالت فيه إنّ: "هناك طريقتان للنظر للأحداث في الشرق الأوسط، خلال العام ونصف العام الماضيين. الأولى هي أن ما بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 كان بمثابة قطيعة مع الماضي.
وأوضح المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه: "استحال حصر عدوان الاحتلال الإسرائيلي ضمن الحدود التي حددتها القوانين الدولية أو احتواؤه جغرافيا: الإبادة الجماعية في غزة، وغزو جنوب لبنان، واحتلال المنطقة العازلة في جنوب غرب سوريا، والغارات الجوية في أنحاء ذلك البلد، والآن هجماتها على إيران".
وتابع: "هناك تفسير آخر مفاده أن هذه الأحداث جزء من سلسلة تاريخية متواصلة. كان السلام الإقليمي نتيجة وضع متقلّب، كان دائما عرضة للاضطراب. بدا هذا السلام قابلا للاستمرار فقط لأنه اعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل التي عند تضافرها، بدت وكأنها تسوية".
وأردف: "قد زعزع هذا التوازن الدقيق حكومة إسرائيلية مهووسة الآن بتحقيق أجندتها الخاصة، تعيد صياغة مستقبل المنطقة بمفردها بطرق تعجز عن تفسيرها ولا ترغب في السيطرة عليها".
"كان أحد عناصر هذا السلام الهش وجود قوى الخليج كوسطاء. لم يكن تقارب الخليج مع إيران مدفوعا بالتجارة أو مشاعر الأخوة، بل بالحاجة العملية إلى الاستقرار. كما تجاوزت بعض دول الخليج خطا أحمر تاريخيا، فاعترفت بإسرائيل إما بتوقيع اتفاقيات أبراهام أو بدأت عملية تطبيع. والآن تجد هذه الدول نفسها عالقة بين طرفين متناحرين" وفقا للمقال نفسه.
وأردف: "عندما بدأ الهجوم على غزة، دفع إيران ووكلائها، حزب الله والحوثيين في اليمن، إلى لعب دور المدافعين عن الحقوق الفلسطينية. بمجرد أن دخلت إيران في الإطار، وشعرت إسرائيل بالقدرة على التصرف دون تردد أو لوم، لم يعد هناك مجال للتراجع".
ومضى بالقول: "ثمّة شيء آخر انكسر، فقد تجاوزت مبررات أفعال إسرائيل المعقول. مع اعتبار سلامة الشعب اليهودي مبررا للدعم الجامح، وأهمية إسرائيل كشريك وثيق في منطقة استراتيجية، منحت الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرون، إسرائيل، حرّية مطلقة للدفاع عن نفسها. لكن هذا يعتمد على رد إسرائيل على أي تهديدات بطريقة متناسبة، حتى لا تتسبّب في مزيد من عدم الاستقرار".
وأبرز: "لم تكتفِ إسرائيل بالرد بشكل غير لائق على التهديدات، بل حوّلتها إلى سلاح لدرجة أنها أصبحت عاملا رئيسيا في انعدام أمنها، وانعدام أمن بقية دول المنطقة".
إلى ذلك، تابع: "يعتمد دعم الحلفاء أيضا على الشفافية بين الأطراف. يوفّر الغطاء العسكري والاقتصادي والسياسي الهائل على أساس أنّ من يتولى زمام الأمور في الحكومة الإسرائيلية لا يملك أي دوافع أخرى للانخراط في صراع سوى ضمان سلامة مواطنيه. زعزع رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، الثقة، مستغلا الحرب لتعزيز الدعم الشعبي لمسيرته السياسية. إنه لا يقلّل من أمن الإسرائيليين فحسب، بل يعمّق استغلال هذا الشعور بانعدام الأمن من خلال لعبه دور الحامي".
واسترسل: "وضعت العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين على المحك بشأن غزة، مع تزايد الضغط الشعبي من داخل الدول الغربية، الذي يتابع صور الأطفال الجائعين والمستشفيات المتفحمة وصفوف تلو صفوف من أكياس الجثث. بفتح جبهة جديدة والاشتباك مع عدو آخر، تتاح للحكومة الإسرائيلية فرصة استعادة بنود اتفاقها مع رعاتها، والرواية التاريخية بأنها الضحية".
وأورد: "اختفت قصص الموت جوعا في غزة، أو قتل الجياع في طوابير الطعام، من عناوين الأخبار. وتراجع الهجوم المتواصل على الضفة الغربية وتوسع المستوطنات غير الشرعية عن الأنظار. واستبدل الضغط الذي بدأ يتزايد على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات والالتزام بوقف إطلاق النار بنفس الحجج الواهية التي رأيناها في الأيام الأولى لحرب غزة، بالإضافة إلى نفس الهراء الداعي إلى "ضبط النفس". لقد أعيد ضبط الساعة".
وأردف: "فيما يتعلق بالضربات على إيران، يبدو أن إسرائيل استفادت من دروس حرب العراق، مدّعية أنها تصرفت دفاعا عن النفس بناء على معلومات استخباراتية يجب على العالم أن يثق بها"، مستفسرا: "ما مدى قرب التهديد؟ من له الحق في تحديد متى تكون "الضربة الاستباقية" مبررة؟ ومن له الحق في الرد على هجوم أحادي غير قانوني؟".
وأوضح: "كان من الممكن تلطيف هذه الفروقات في الماضي بسهولة أكبر، لأن إسرائيل والولايات المتحدة كانتا "الطرفين الصالحين"، وإيران كانت جزءا من "محور الشر". لكن تآكل مصداقية إسرائيل والولايات المتحدة كمحاورين صادقين، حكيمين في اعتباراتهما الأمنية وملتزمين بالقانون الدولي، جعل هذه الحملات أصعب تسويقا".
واختتم المقال بالقول إنّ: "هذه هي الحرب الحقيقية التي تخوضها إسرائيل. لا تزال إيران تحتفظ بقدر من الإرادة السياسية والقدرة العسكرية التي لا تطمئن إسرائيل إليها. وهكذا، ومع انغلاق نافذة مصداقية إسرائيل، يصبح من الضروري لها تقليص مصداقية إيران السياسية وقدراتها العسكرية".
واستدرك: "ولكن ما هي النهاية؟ هل تتصور إسرائيل حملة محدودة المدة، تنسحب بعدها راضية عن النتائج؟ أم أن هذا ليس سيناريو معقولا، بالنظر إلى الضربات المضادة التي أثارتها. يبدو الأمر أشبه بغزة: تصعيد بلا نهاية، أو تغيير نظام بلا خطة".
وأردف: "تشترك حملتا إسرائيل -الدعائية والميدانية- في أمر واحد: اعتبارهما الشرق الأوسط مسرحا للسياسة الداخلية، وإدارة السمعة، والتجريب في تحقيق "الأمن" وفق شروط لم تحدّد بعد. لكن المنطقة ليست مجرد فناء خلفي لإسرائيل، بل هي موطنٌ لشعوب أخرى، لها سياساتها وتاريخها وسكانها واحتياجاتها الأمنية الخاصة، التي تخضع بشكل متزايد لسيطرة دولة قررت أن أجندتها الخاصة هي الأهم".