وجدت آبل نفسها في الشهور الماضية وسط مرمى نيران الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ ذكر اسمها أكثر من مرة عند الحديث عن تصنيع المنتجات الأميركية خارج البلاد والضرائب التي قد توقع على الشركات التي تفعل ذلك.

وطال الهجوم تيم كوك المدير التنفيذي لشركة آبل، إذ أقر ترامب سابقا بوجود مشكلة مباشرة مع تيم كوك حول تصنيع شركته لمنتجاتها في الهند لدرجة أن ترامب قال بشكل واضح "لا أريد آبل أن تصنع منتجاتها في الهند" وفق تقرير سابق من "سي إن بي سي" نُشر في مايو/أيار الماضي.

وعلى النقيض تماما، استضاف ترامب تيم كوك في البيت الأبيض وتباهى بخطة آبل لدعم الصناعات الأميركية، وأكد أن الشركة ستكون معفاة من الضرائب على الشرائح وأشباه الموصلات، مؤكدا أن "آبل" هي مثال للشركات الأميركية الناجحة.

فكيف أنقذ تيم كوك آبل من ضرائب ترامب المستمرة على الشرائح وأشباه الموصلات؟ ولماذا اقتنع ترامب بالتخلي عن فكرة "آيفون المصنوع في أميركا"؟

الاستثمار لتعزيز الصناعات الأميركية

أعلنت آبل في فبراير/شباط الماضي نيتها استثمار 500 مليار دولار أميركي لتعزيز الصناعات الأميركية وخلق أكثر من 20 ألف وظيفة خلال السنوات الأربع المقبلة، وهو الاستثمار الذي وصفه الخبراء سابقا بأنه من أكبر استثمارات الشركة على الإطلاق، وفق تقرير رويترز آنذاك.

ثم أعلنت عن افتتاح أول أكاديمية تصنيع تابعة لها في ولاية ميشيغان بالتعاون مع جامعة الولاية، على أن يقوم مهندسو آبل وخبراؤها بتقديم دورات تدريبية لتعزيز مهارات حرفيي الولايات المتحدة، وذلك ضمن الاستثمار السابق الذي أعلنت عنه.

وجاءت كل هذه الخطوات كمحاولة يائسة من تيم كوك لإرضاء ترامب وإدارته وإثبات أن آبل ليس لديها مشكلة مع الصناعات الأميركية، بل تسعى لتعزيزها بالشكل الكافي، ولكن لم تغادر فكرة تصنيع "آيفون" في أميركا ذهن ترامب واستمر في الضغط على الشركة من أجل الوصول إلى هذه المرحلة أو على الأقل الحصول على وعد من تيم كوك بمحاولة تنفيذها في المستقبل.

هدية المدير التنفيذي لشركة آبل مصنوعة في الشركات التي تعزز آبل استثماراتها معها (رويترز)

وبعد ذلك، قرر تيم كوك اتخاذ مغامرة غير مضمونة العواقب كما وصفها تقرير "إن بي سي"، إذ توجه للبيت الأبيض بنية تقديم إعلان جديد يرضي ترامب وإدارته.

إعلان

وأعلن كوك هناك عن زيادة استثمار الشركة ليصبح 600 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة مع وعد بالاعتماد على المزيد من المكونات الأميركية في هواتف "آيفون"، على أن يكون هذا جزءا من الاستثمار الذي أعلن عنه كوك سابقا.

ورغم أن كوك قال بكل صراحة إن عملية تجميع هواتف "آيفون" ستحدث خارج البلاد، فإن ترامب كان سعيدا وقال:" يتم تجميع كل شيء في أماكن أخرى، وهذا هو الحال منذ فترة طويلة بسبب التكلفة وأمور أخرى، لكنني أعتقد أننا قد نحفزه بما يكفي لكي يتمكن في يوم من الأيام من تجميعه هنا". وتابع قائلا: "إنه يصنع العديد من مكونات الهاتف هنا".

ووضح ترامب -خلال الاجتماع الذي أقيم بالبيت الأبيض في الأيام الماضية- أن آبل نجت من تطبيق ضرائب وغرامات إضافية كادت أن تضاعف أسعار هواتفها.

لذا تمكن كوك من جعل ترامب يعترف بأن "آيفون" يجمع خارج البلاد وسيظل هكذا لفترة، وذلك في مقابل تعزيز سلاسل التوريد الأميركية والاعتماد على مكونات أميركية في هواتفها، ويكمن دهاء كوك في أن الشركات التي قرر الاعتماد عليها ليست شركات جديدة أو شركات تعمل مع آبل للمرة الأولى، بل هي شركات كانت تعمل منذ زمن وتتعاون آبل معها بشكل مستمر.

ويعني هذا أن مكونات "آيفون" لن تتغير ولن ينتقل صنعه إلى الولايات المتحدة في القريب ولن يزيد سعره بسبب أسعار الضرائب الجديدة والمفاجئة التي يفرضها ترامب دوما على الشركات.

وفي نهاية الاجتماع قدم تيم كوك هدية لترامب متمثلة في درع زجاجي مصنوع من زجاج "كورنينغ" مع قاعدة ذهبية عيار 24 قيراطا، وهي جميعا مصنوعة من قبل الشركات التي تنوي آبل التعاون معها لتعزيز استثمارات داخل الدولة.

تعزيز التعاون مع الشركات التي تعمل آبل معها

تباهت آبل بأن خطتها تخلق وتدعم أكثر من 450 ألف وظيفة لدى مورديها مع استثمارات ضخمة ومهولة، ولكن في الواقع هذه الاستثمارات لم تكن جديدة على الإطلاق، بل هي جزء من سلسلة توريد "آبل" منذ قديم الزمان.

وفي مقدمة الشركات التي أعلنت آبل تعزيز التعاون معها تأتي شركة "كورنينغ" (Corning) المختصة بصناعة طبقات الحماية في منتجات الشركة، وكانت كذلك لسنوات طويلة.

ويذكر أن الشركة تعمل مع آبل في صناعة طبقات الحماية لهواتف آيفون منذ عام 2007 عند طرح الجيل الأول من أجهزة آيفون.

وهي شركة أميركية تتخذ من كنتاكي مقرا لها، وأكدت آبل أنها تنوي إنفاق 2.5 مليار دولار لتعزيز استثماراتها الموجودة بالفعل مع الشركة، وهي استثمارات يتوقع أن تزداد مع ازدياد عدد القطع التي تصنعها الشركة بالفعل.

شركة "كورنينغ" تصنع شاشات أجهزة آيفون منذ 2007 (شترستوك)

ولم تكن "كورنينغ" هي الشركة الأميركية الوحيدة التي تتعاون مع آبل سابقا ويزداد حجم تعاونها معها، إذ حدث الأمر ذاته مع شركة "كوهيرنت" (Coherent) وهي شركة أميركية تتخذ من تكساس مقرا لها وتصنع مستشعرات الليزر التي تستخدمها آبل في مستشعر بصمة الوجه الخاص بها.

وكذلك الأمر مع شركة " تكساس إنسترومنتس" (Texas Instruments) التي لطالما صنعت الشرائح المستخدمة في منافذ "يو إس بي" الخاصة بأجهزة آبل فضلا عن دوائر التحكم في الطاقة وواجهة المستخدم.

إعلان

وامتد الأمر لإعلان التعاون مع الشركات التي تزود "تي إس إم سي" بالمكونات اللازمة لصناعة شرائحها، وهي شركات لا علاقة لآبل بها بشكل مباشر، واستثمارها الرئيسي يأتي عبر الاستحواذ على شرائح "تي إس إم سي" التي طالما كانت مزود الشرائح الرئيسي لآبل.

وأضافت الشركة أنها تنوي تعزيز استثماراتها في عدة ولايات أميركية لبناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي والاعتماد عليها بشكل مباشر لتشغيل مزايا الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، وهو الذي تسعى الشركة للقيام به حتى دون تدخل ترامب.

استغلال عناوين الصحف الكبرى

يرى بيتر كوهان أستاذ الإستراتيجية وريادة الأعمال في كلية بابسون أن تيم كوك اكتشف الشيء الذي يجعل ترامب سعيدا، وهو إعطاؤه شيئا يستطيع التباهي به أمام الصحف دون تدمير سلسلة أعمال الشركة القائمة بالفعل، وهو الأمر الذي قام به بكل احترافية.

وتعزز نانسي تينجلر الرئيسة التنفيذية لشركة "لافر تينجلر" للاستثمارات من وجهة النظر هذه، موضحة أن تيم كوك أظهر مهارة حقيقية في تخطي المخاطر السياسية، مضيفة "اعتقدت أن هذا الإعلان كان مهما للغاية من الناحية الرمزية، لأن الرئيس يبحث عن العناوين الرئيسية".

محللون يقولون إن كوك اكتشف ما يجعل ترامب سعيدا، وهو إعطاؤه شيئا يستطيع التباهي به أمام الصحف (الفرنسية)

وكان لزيارة كوك الأخيرة للبيت الأبيض أثر أكبر من مجرد التصريحات والابتعاد عن أزمة الضرائب، إذ ساهمت هذه الزيارة وتصريحات ترامب في رفع قيمة أسهم آبل 5% ثم 3% في اليوم الذي يليه، فضلا عن رفع أسهم الشركات التي أكد كوك تعاونه معها.

ورغم أن الإعلان في ظاهره يضمن زيادة استثمارات آبل مع الشركات الأخرى، فإنه في الحقيقة يمثل زيادة كانت تنوي آبل القيام بها في السنوات المقبلة دون الحاجة لإعلان.

وذلك لأن الشركة تحتاج بالفعل لشراء المكونات الرئيسية من الشركات التي تتعاون معها سابقا والتي أعلنت الآن أنها تنوي التعامل معها بشكل أكبر، وضمت قيمة المنتجات التي ستحصل عليها إلى قيمة الاستثمار المقدرة بـ600 مليار دولار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الصناعات الأمیرکیة الشرکات التی ملیار دولار التعاون مع تیم کوک

إقرأ أيضاً:

اليمن.. تحسن وهمي لسعر الريال وسط قلق التجار من تقلبات سعر الصرف

تسود حالة فوضى بسوق صرف العملة المحلية في عدن، ومناطق إدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وسط تحذيرات من مخاطر الاضطراب الحاصل وتقلبات سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية بين انهيار وتحسن قياسي غير طبيعي.

 

ويشهد سوق الصرف توسعاً مقلقاً للفجوة بين سعري الشراء والبيع، فقد وصل هذا الفارق في بعض التحديثات لأسعار الصرف المتداولة إلى نحو 300 ريال. وبلغ سعر الدولار في عدن، أمس، نحو 1632 ريالاً للبيع و1617 للشراء.

 

يأتي ذلك في الوقت الذي تتوالى فيه تعميمات البنك المركزي اليمني في عدن بالتنسيق مع جمعية الصرافين والمتعلقة بقيود وضوابط لبيع العملة الأجنبية، إذ حدد تعميم، صادر يوم 30 يوليو/تموز الماضي، التقيد بالحد الأعلى في عمليات البيع والشراء لعملة الريال السعودي.

 

تبع ذلك تعميم موجه إلى جميع شركات ومنشآت الصرافة يدعوها إلى الامتناع بالكامل عن بيع أي مبالغ من العملات الأجنبية أو إجراء عمليات تحويلات خارجية لتجار المشتقات النفطية، إذ ستقوم البنوك المحددة من البنك المركزي بتوفير العملة الأجنبية وإجراء التحويلات الخاصة بمستوردي المشتقات النفطية.

 

في السياق، يؤكد أستاذ العلوم المالية والمصرفية بجامعة حضرموت، وليد العطاس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما يشهده سوق سعر الصرف من انخفاض مستمر ومتسارع غير مبرر، فلا توجد أي بوادر أو مؤشرات لهذا الانخفاض المفاجئ.

 

ويشير العطاس إلى أن هذا التحسن لن يؤثر على أسعار السلع والخدمات في السوق، كون التجار في حالة ترقب وخوف وحذر من ارتفاع ارتداداي مفاجئ، ولهذا فإنه من الطبيعي تسعير بضائعهم بسعر صرف مرتفع.

 

وأهابت جمعية الصرافين بكافة شركات ومنشآت الصرافة الالتزام والتقيد الصارم بما سبق لما فيه المصلحة العامة، مؤكدةً أن البنك المركزي سيقوم بتطبيق العقوبات القانونية الصارمة بحق المخالفين، بما في ذلك سحب وإلغاء الترخيص.

 

ويرى الباحث الاقتصادي هشام الصرمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الأمر كان يخضع لقوى المضاربة الذين يستفيدون من انخفاض القوة الشرائية للريال اليمني بين الانخفاض والعودة بنسب بسيطة مقارنة بحجم المبالغ الكبيرة التي تتم المضاربة عليها، والتي تحقق عوائد لا يمكن أن يحصل عليها المضاربون. ويشير الصرمي إلى أن الهوامش والفوارق كبيرة ويدل على ذلك الانخفاض الواسع الذي حصل، والذي يصل إلى نحو 30% بين الارتفاع والهبوط.

 

لكن بالمقابل، يرى خبراء اقتصاد ومصرفيون أن ما يحدث في الأسواق المصرفية أشبه بفقاعة اقتصادية يقف خلفها المضاربون الذين يقفون وراء الارتفاع في أسعار الصرف فيكسبون عند البيع، ويقفون عند الانخفاض ليحصدوا مدخرات الناس من العملات الأجنبية من خلال شرائها بأقل الأسعار لفترة محددة، ومن ثم يعاودون البيع بالأسعار السابقة.

 

 الباحث الاقتصادي والمالي وحيد الفودعي، يؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الهبوط في سعر صرف الريال لم يصل إلى ما دون السعر العادل، لافتاً إلى ضرورة أن يقوم البنك المركزي بدوره في هذا الصدد.

 

وحذر اقتصاديون ومصرفيون، منهم رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، المواطنين من عدم الانجرار وراء المضاربة أو الفخاخ التي ينصبها المتلاعبون بالعملة، لأن ضياع الأموال مسألة وقت في ظل غياب الرقابة الصارمة، وذلك بالنظر إلى أن الأسباب الجذرية للتدهور لا تزال قائمة، وأبرزها شح الموارد من النقد الأجنبي نتيجة توقف تصدير النفط وأخطاء في السياسات المالية والنقدية، إذ يقتضي ذلك معالجة هذا الملف أو الحد منه من جانب السلطة الشرعية أمر مهم لضمان الاستقرار، إضافة إلى أن التقلبات الحادة في سعر الصرف لم تكن طبيعية، سواء في الانهيار السريع أو في التحسن المفاجئ، ما يعكس هشاشة السوق النقدية وغياب الاستقرار.

 

بينما يوضح الصرمي أن ما يحصل حالياً في سوق الصرف جاء بعد الإصلاحات التي بدأتها الحكومة والبنك المركزي في عدن بالتوازي، وفي مقدمة ذلك لجنة الاستيراد التي تم تشكيلها الأسبوع الماضي.

 

وكانت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في اجتماعها الدوري الأسبوع المنعقد الأربعاء 30 يوليو الماضي، قد استعرضت تقرير محافظ البنك المركزي حول الأداء النقدي وإنجاز نقل المنظومة المصرفية إلى عدن، وضبط سوق الصرف.

 

 ‏وأكدت ضرورة استثمار تحسن سعر صرف العملة الوطنية في تخفيف أعباء المواطنين، من خلال تشديد الرقابة على الأسواق وضبط المتلاعبين بأسعار السلع الأساسية، وتوجيه الوزارات المعنية باتخاذ إجراءات سريعة ومباشرة لذلك.


مقالات مشابهة

  • الشيخ : الحرب الاقتصادية التي يشنها الاحتلال لا تقل خطوة عن العسكرية
  • قمة ألاسكا.. ما المساحة التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا ؟
  • الميثاق الوطني: نرفض تصريحات نتنياهو التي يحاول من خلالها التخفيف من ازماته الداخلية والدولية
  • الكويت.. فيديو مداهمة مسكن ساحرة ومشعوذة وما وجد معها بالبيت يشعل تفاعلا
  • غوغل تطلق هاتف الأحلام.. يفوق آيفون وغالاكسي في القوة والتقنيات
  • منافس آيفون 16e سامسونج تستعد لإطلاق هاتف Galaxy S25 FE
  • تصميم أنحف وبطارية عملاقة.. تسريبات تكشف مواصفات آيفون 17 برو ماكس
  • ثبات أسعار الذهب والليرات في الأردن وسط تقلبات الأسواق العالمية
  • اليمن.. تحسن وهمي لسعر الريال وسط قلق التجار من تقلبات سعر الصرف