فقد بقي الأميركيون على موقفهم الذي يبرر جرائم الإسرائيليين ويحيلها إلى تحقيقاتهم الداخلية التي لا تسفر عن شيء في نهاية المطاف، وذلك رغم الضجة الدولية الكبيرة التي أحدثها اغتيال 6 صحفيين في غزة مؤخرا بينهم مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع.

ففي حين يطالب مدير مركز حرية الصحافة لدى نادي الصحافة القومي الأميركي، بيل مكارين، الولايات المتحدة باستخدام نفوذها لوقف هذه الممارسات الإسرائيلية ضد الصحفيين والفلسطينيين عموما، يقول عضو المركز الأميركي لمكافحة التطرف، مات برودسكي، إن من قتلهم جيش الاحتلال كانوا إرهابيين حتى لو ارتدوا سترة الصحافة.

وخلال حلقة 2025/8/14 من برنامج "من واشنطن"، قال ماكرين إن ما يجري بحق الصحفيين في غزة يفوق التصورات، وإن التحدي الكبير حاليا هو "رفع الصوت ضد هذه الممارسات".

شعور بالعار

وأعرب ماكرين عن شعوره بالعار لأن حكومة بلاده لا تستخدم نفوذها القوي لوقف هذه المذابح التي ترتكبها إسرائيل بحق الصحفيين، لمجرد نقلهم أمورا لا تريد للعالم أن يراها، كصور الأطفال المجوعين.

وحتى لو كان الصحفي يعمل مع مؤسسة تطرح رؤية مخالفة لإسرائيل فإن هذا لا يبرر قتله، وفق ماكرين الذي قال إن توجيه تهديد علني مسبق للصحفيين الذين استهدفوا "يعني أنهم قتلوا عمدا، كما أن اعتراف الإسرائيليين بهذه الجريمة يمثل سابقة تاريخية ويعكس أن الأمر أصبح سياسة إسرائيلية ممنهجة لقتل الشهود".

لكن برودسكي يختلف مع هذا الموقف، ويقول إن "أنس الشريف كان إرهابيا"، وإن إسرائيل "عرضت أدلة على ذلك، وعلى تلقيه أجرا من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)".

لذلك، لا يعني ارتداء الشريف لسترة الصحافة "أنه ليس إرهابيا" لأن هذه السترة "لن تغير من حقيقته أو تجعله صحفيا مستقلا"، كما يزعم برودسكي.

ليس هذا وحسب، فقد ذهب المتحدث إلى تذكير العالم بأن "حماس والمدنيين الفلسطينيين هم من أطلقوا هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023″، وهو ما يعني حق إسرائيل في قتلهم جميعا، على ما يبدو.

أنس الشريف ضيفا مباشرا ومشاركا من غزة في فعالية اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي نظمه الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا (الجزيرة)بروباغندا الجزيرة

ويرى برودسكي أن المنظمات الدولية المتعاطفة مع صحفيي غزة "تحولت إلى أضحوكة عندما صدقت البروباغندا التي تنشرها دولة قطر عبر قناة الجزيرة"، على حد زعمه. وقال إن السلطة الفلسطينية -التي تهكّم عليها بالقول إنها معتدلة بين قوسين- حظرت عمل القناة في مناطق سيطرتها.

إعلان

بيد أن ما قاله برودسكي لا يعدو كونه ترديدا للدعاية الإسرائيلية ومحاولة لتبرير قتل الصحفيين، وشغل العالم عن الجريمة بالحديث عن هذه التبريرات، برأي الصحفي والكاتب السياسي سعيد عريقات.

فإسرائيل، كما يقول عريقات، خلقت لقتل الفلسطينيين عموما، سواء كانوا صحفيين أو أطباء أو معلمين أو أطفالا، بحماية أميركية وغربية، بدليل أنها تسجن 70 صحفيا فلسطينيا من الضفة الغربية بينهم علي السمودي الذي أصيب خلال عملية اغتيال مراسلة الجزيرة في فلسطين شيرين أبو عاقلة.

وليس أدل على ذلك من حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– العلني عن حمله رسالة روحية لتأسيس إسرائيل الكبرى، كما يقول عريقات، مؤكدا أن أنس الشريف "قتل لأنه ينقل ما يحدث".

جرائم موثقة دوليا

واتفق الناشط السياسي شريف منصور مع حديث عريقات بقوله إن اللجنة الدولية لحماية الصحفيين -التي عمل بها 6 سنوات- لديها قوائم موثقة لقتل صحفيين فلسطينيين على يد إسرائيل، ولم يتمكن أي مسؤول إسرائيلي من التشكيك بهذه القوائم، أو إثبات قيام أي من هؤلاء بعمل غير مهني".

وقضى منصور 6 أشهر في إسرائيل قبل الحرب الأخيرة، كجزء من لجنة حماية الصحفيين التي كانت تحاول توثيق تقرير عن الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين الفلسطينيين.

وخلصت اللجنة -وفق منصور- إلى أن إسرائيل "قتلت 20 صحفيا على الأقل بينهم 3 قتلوا عمدا، ومن دون مبرر، وحتى شيرين أبو عاقلة نفسها اتهمتها إسرائيل بالإرهاب في بداية حديثها مع اللجنة ثم سحبت الاتهام واعترفت بقتلها على يد الجيش".

14/8/2025-|آخر تحديث: 20:30 (توقيت مكة)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات أنس الشریف

إقرأ أيضاً:

قتل الشاهد.. الجريمة التي تُضاعف جريمة الحرب

تتجاوز خسارة العالم للصحفي في ساحة القتال خسارة غيره؛ إنها خسارة العين التي ترى، والأذن التي تسمع، واللسان الذي ينطق بالحقيقة. وفي غزة حيث تتقاطع حرب الإبادة الهمجية التي تمعن فيها إسرائيل على مرأى ومسمع العالم أجمع مع حرب السردية يصبح استهداف الصحفيين أخطر بكثير من مجرد انتهاك فردي، أو حتى من انتهاك المدنيين. إنه بمثابة إعلان متعمد بأن الرواية الوحيدة المسموح لها بالبقاء هي رواية القاتل.

كان استهداف الصحفي أنس الشريف أمس -وهو أحد آخر المراسلين الذين بقوا في شمال القطاع- حلقة جديدة في سلسلة اغتيالات تستهدف أولئك الذين يملكون القدرة على نقل الصورة الكاملة لما يحدث في غزة. ولا أحد لديه أدنى شك أن استهداف الصحفيين في غزة يأتي في سياق متعمد لقتل الرواية ذاتها، وحجب الحقائق عن الوعي العالمي.

والصحفي في الحرب هو الشاهد الذي يربط بين الحدث وسياقه، بين الصورة والمعنى الذي تشكله في الحرب خاصة وأن الصحفي يتحول هنا إلى «حارس الذاكرة» الذي يحاول أو يسعى ليمنع المأساة من أن تتحول إلى مجرد رقم في تقارير الأمم المتحدة. ولهذا؛ فإن استهدافه هو عملية مزدوجة هدفها إسكات صوت الضحية، وتحرير القاتل من ضغط الاعتراف بما ارتكب.

ما يجري في غزة اليوم يكشف عن ميدان آخر للصراع هو ميدان السيطرة على السرد؛ فالحصار لا يقتصر على الغذاء والدواء، بل يمتد إلى المعلومات التي تسهم في إدانة المحتل، وبمنع الصحافة الأجنبية، وإسكات الصحفيين المحليين يجري خلق فراغ معلوماتي يملؤه الطرف الأقوى بروايته وحدها. وفي هذا الفراغ تتحول الأكاذيب إلى ما يمكن أن تكون حقائق، وتصبح الحرب بلا شهود، وبالتالي بلا ذاكرة.

وخطر هذا الأمر يتجاوز غزة؛ فهو نمط يهدد جوهر النظام الدولي نفسه؛ لأنه يضرب أحد أعمدته: الحق في المعرفة. حين يُقتل الصحفيون بلا مساءلة تتحول «حرية الصحافة» من مبدأ عالمي إلى شعار فارغ، ويصبح الحق في الحقيقة ترفًا مشروطًا بقبول القوى الكبرى له. وحين يقبل العالم هذه السابقة فإنه يفتح الباب أمام جميع الأنظمة الاستبدادية لاستخدام القمع نفسه بذريعة «الضرورة الأمنية».

لا يمكن أن ينظر للصحافة في أوقات الحرب إلى أنها مهنة نقل المعلومة فقط؛ فهي تقوم بأعمال أكبر بكثير في ساحة القتال تمثل في مخاطبة الضمير الإنساني؛ ليستيقظ ويقوم بدوره في وقف المجازر، وهذا فعل مقاومة حضارية ضد المحو والتشويه. وإذا كان التاريخ سيحاكم الجناة فإنه سيحتفظ أيضًا بأسماء من حاولوا إسكات الشهود؛ لأن جريمة إسكات الكلمة لا تقل فداحة عن جريمة قتل الإنسان.

في النهاية؛ الحرب قد تنتهي، لكن آثارها تبقى. وما سيبقى أكثر من الخراب المادي هو الخراب المعنوي الناتج عن غياب الشهود. وحين يغيب الشاهد تصبح الحقيقة أسيرة القوي، والتاريخ ملكًا للمنتصر، بينما تُدفن العدالة تحت ركام الأكاذيب. ولهذا؛ فإن الدفاع عن الصحفيين في غزة هو دفاع عن الحق في التاريخ، وعن آخر ما تبقى للبشرية من ضمانات ضد النسيان.

مقالات مشابهة

  • استمرار الاحتجاجات المنددة باغتيال إسرائيل صحفيي الجزيرة
  • مراسلون بلا حدود منظمة دولية للدفاع عن حرية الصحافة وحماية الصحفيين
  • وصية أنس الشريف تتردد في برشلونة.. مطالبات بمحاسبة إسرائيل على اغتيال الصحفيين
  • محمد قريقع مراسل الجزيرة الذي اغتاله الاحتلال
  • اتحاد الصحفيين الخليجيين: جرائم إسرائيل بحق الصحفيين والإعلاميين في غزة جريمة حرب تستوجب المحاكمة
  • أنس الشريف شهيد الكلمة.. وقائمة شهداء الصحافة في غزة تزداد| بالتواريخ
  • قتل الشاهد.. الجريمة التي تُضاعف جريمة الحرب
  • الاتحاد الأوروبي يؤكد أن قتل “إسرائيل” الصحفيين في غزة ضربة لحرية الصحافة
  • اتحاد الصحفيين العرب يدين إسرائيل لقتل الإعلاميين: جريمة نكراء