جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-30@04:15:48 GMT

"حتى لا أتكشف عندما يقتلونني"!

تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT

'حتى لا أتكشف عندما يقتلونني'!

 

د. مجدي العفيفي

(1)

يا لجلال هذه الكلمة، ويا لجلال تلك السيدة الفلسطينية في قلب غزة: "حتى لا أتكشف عندما يقتلونني".. جملةٌ بألف كتاب؛ بل بألف شهادة على معنى الإنسانية حين يُسحق الجسد وتبقى الروح مرفوعة الرأس.

هي ليست مقولة عابرة... ليست ردًّا عفويًّا من سيدة عادية؛ بل هي اختصار مكثّف لكل ما تعنيه الكرامة حين تحاصرها المجازر، والشرف حين تُطوّقه النار، والإيمان حين يُحاصر تحت القصف.

تلك السيدة الفلسطينية في غزة- في قلب حرب يومية؛ حيث الموت يتربّص من فوق السماء ومن تحت الأنقاض- حين سألوها لماذا ترتدي ملابسها كاملةً، وتتحجّب وهي داخل بيتها، في عزّ القصف والدمار؟ لم تجب بعقلية الخائف... ولا بمنطق المنهزم؛ بل أجابت بمنطق الأبدية: «حتى لا أتكشف عندما يقتلونني».

أي قلب هذا؟ أي عظمة في الروح؟ أي وعي بالوقوف أمام الله في لحظة موت محققة؟

(2)

لقد تجاوزت- بهذه الجملة- كل مقاييس التحليل السياسي والاجتماعي، وتجاوزت كل الفوارق الثقافية بين الشرق والغرب؛ فمن هي المرأة في هذا العالم، في القرن الحادي والعشرين، التي تفكّر بهذه الروح، تحت هذا الرعب؟

لا يهمها القتل، ولا الدم، ولا الأشلاء، ولا دويّ الانفجارات؛ بل تفكّر في سترها أمام ربها.

هذه ليست مجرد ثقافة دينية أو تقليد مجتمعي؛ بل هي القمة العليا لما يُسمّى الكرامة الأنثوية تحت القصف. هذه المرأة تمثل اليوم وجهًا آخر للبطولة.. الوجه الصامت، المهمّش، الذي لا يُروى في نشرات الأخبار، ولا يُذكر في تقارير الأمم المتحدة. لكنها تستحق أن تُكتب عنها أعظم المقالات.. أن تُوثّق كلمتها في الكتب الكبرى؛ لأنها- في كلمتها البسيطة- تلخّص فلسفة المقاومة بالروح، حتى لو سقط الجسد.

في غزّة، بين ركام البيوت، وأزيز الطائرات، وارتجاج القلوب.. هناك نساء يفكرن بهذه العقلية العظيمة. لا يسألن: هل سننجو؟ بل يسألن: كيف نلقى ربّنا بكرامة؟

(3)

«حتى لا أتكشف... عندما يقتلونني».. قالتها السيدة في بيتٍ مهدّم فوق رأسها... قالتها، وهي تُهيئ نفسها للموت... لا للحياة؛ أي امرأة في العالم تفكّر بهذا الوعي؟ أي قلب هذا، الذي يظلّ يراعي الحياء والستر، في عنفوان القصف، وتحت أنقاض المدينة؟ أي روحٌ هذه التي تتشبّث بكرامتها، وهي تعلم أن جسدها قد يُنتشل في لحظة بلا حياة، أمام أعين الغرباء؟

ليست هذه الجملة مجرد ردّ... إنها نشيد امرأة تواجه الموت بوقار... إنها فلسفة في لحظة الذروة: حين يسقط العالم، وتبقى الروح معلّقة بين الأرض والسماء.

في غزّة؛ حيث يهبط الموت من الطائرات، وينبعث من الأرض، هناك نساء ما زلن يُفكّرن بهذا الصفاء...

لا يسألن: «من سينقذنا؟»؛ بل يسألن: «كيف نُحافظ على كرامتنا أمام الله... حتى في ساعة القتل؟»

(4)

أي عظَمة إنسانية هذه؟ وأي شموخ يُضاهي هذا؟

لقد صارت هذه السيدة، بكلمتها، رمزًا صافيًا للمرأة الفلسطينية الصامدة: التي لم يكسرها الحصار، ولا القتل، ولا الوحشية. التي لا زالت تُمسك بخيط الحياء... حين تَسقُط كلّ خيوط الأمان.

هي ليست مجرّد امرأة في بيتها... هي تمثال الروح في زمن المجازر... هي صرخة إنسانية تقول: حتى إن قُتِلنا... سنُقابِل الموت بكرامة.

أمام هذا النُبل، تنحني الأقلام، وأمام هذا الوعي- الذي يعلو فوق الغرائز- ينبغي أن تُكتب المجلدات.

هذه السيدة الفلسطينية الغزية... التي لا نعرف اسمها.. هي اليوم أيقونة الإنسان في وجه الموت.. هي صورة المرأة حين ترتدي الكبرياء بدل الثوب.. هي قصيدة من دم... تُغنّي للستر في زمن الوحشية.

(5)

في تاريخ فلسطين، سيُذكَر كثيرون.. لكن هذه الكلمة- هذه الجملة - ستبقى شاهدًا ناصعًا على أن المرأة الفلسطينية، في أحلك لحظات القتل، لم تفقد إنسانيتها، ولا حياءها، ولا إيمانها.

هذا شموخ يُضاهي وقوف الأشجار تحت العاصفة... بل يُضاهي بقاء الحجر أمام آلة الحرب.

هي فلسفة الإنسان الفلسطيني: أن يُحاصَر، أن يُجَوَّع، أن يُقصَف، أن يُغتال.. لكن أن يظل مرفوع الجبهة.. مستور الجسد.. صافي النية.

(6)

أيتها السيدة الفلسطينية الغزِّيَّة المجهولة الاسم.. أيتها العظيمة تحت القصف.. نحن نكتب عنكِ... لأنكِ كتبتِ تاريخًا من ذهب في لحظة موت.

نكتب عنكِ... لأن كلمتكِ تلك ينبغي أن تظلّ شاهدة على هذا العصر الوحشي، الذي نسي معنى الكرامة في زمن السلاح. ليس هناك في العالم امرأة تفكّر بهذه الروح، تحت هذا القصف، إلّا في فلسطين.. إلّا في غزّة.. وهذا وحده كافٍ لنُعَظِّمها... أن نرفع لها القلم، حين تُسقِط السماءُ القنابل.

(7)

سلام عليك ايتها السيدة الفلسطينية الغزِّيَّة.. التي ستظلّ تُعلِّم العالم معنى الكبرياء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري يكشف سبب تركيز القصف اليمني علئ بئر السبع

خبير عسكري يكشف سبب تركيز القصف اليمني علئ بئر السبع

مقالات مشابهة

  • عندما!
  • الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 56،500 شخصًا
  • قم بدل دمشق.. الهاجس الأمني يبعد العراقيات عن زيارة السيدة زينب
  • خبير عسكري يكشف سبب تركيز القصف اليمني علئ بئر السبع
  • عندما يكون حظك سىء ومصمم تعيش
  • خاص- الأوقاف السورية تنفي غلق مرقد السيدة زينب ومنع إقامة الشعائر الحسينية
  • نغم صالح مؤلفة وملحنة ومغنية في أغنيتها الجديدة "سجن الروح"
  • الفلسفة السياسية والنظرية السياسية (2): الأيديولوجيا
  • تحركات سعودية جادة لنفخ الروح في ملف الأزمة السودانية