بعد الأسد الصاعد.. إيران أمام مراجعة شاملة لعقيدتها العسكرية
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
طهران- لم تكن عملية "الأسد الصاعد" التي شنتها إسرائيل على إيران مجرد ضربة عسكرية، بل وصفت في الأوساط السياسية الإيرانية بأنها "تهديد وجودي" هز قواعد العقيدة العسكرية القائمة على مفهوم "الضربة الثانية"، وأثار تساؤلات عميقة عما إذا كان هذا التهديد يستوجب قلب الطاولة النووية وفتح الباب أمام مراجعة شاملة للإستراتيجية الدفاعية.
وبينما لا تزال آثار القصف تخيم على بعض المنشآت العسكرية والأحياء السكنية التي كانت تؤوي علماء ومسؤولين مرتبطين بالبرنامج النووي، اندلع جدل داخلي بشأن جدوى الاستمرار في العقيدة التقليدية، بين تيار يدعو إلى تغيير استباقي حاسم، وآخر يحذر من "الانزلاق إلى مغامرة لا تحمد عقباها".
وكشف اختراق الطائرات الإسرائيلية وقاذفات أميركية أجواء إيران، واستهدافها منشآت نووية وأمنية، حسب بعض العسكريين، ثغرات في العقيدة الإيرانية التي تقوم على تلقي الضربة الأولى والرد عليها لاحقا.
ويرى الباحث العسكري علي عبدي أن هذه الإستراتيجية أضعفت من قدرة القوات الإيرانية على احتواء التهديد، متسائلا في حديث للجزيرة نت عن جدوى الانتظار حتى تلقي الضربات، بينما يفقد الجيش الإيراني قيادات وعناصر ومواقع حساسة.
وأشار عبدي إلى أن "العدوان الإسرائيلي أظهر حاجة ملحة إلى نهج عسكري أكثر جرأة"، مشيرا إلى مؤشرات على بدء هذا التحول، منها كشف بعض الأسلحة الإستراتيجية خلال الهجوم الأخير، وتعيين قيادات جديدة تعطي الأولوية للهجوم بدلا من الدفاع.
ولم تخل التصريحات الرسمية من نبرة تصعيدية، إذ حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أن "بلاده لن تتردد في كشف قدراتها الحقيقية إذا استمرت التهديدات"، في وقت دعا فيه عبدي إلى اعتماد سلوك غير متوقع لردع الأعداء، وتنشيط الفصائل الحليفة في أي مواجهة قادمة.
مناقشة الردع النووي
تزامنا مع هذه التطورات، أعادت تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين طرح موضوع السلاح النووي للنقاش. ففي 2024، حذر كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية، من إمكانية تغيير العقيدة النووية في حال تعرض البلاد لتهديد وجودي، وهو ما أكده لاحقا مستشار المرشد الأعلى علي لاريجاني الذي أشار إلى أن "أي خطأ أميركي قد يدفع الشعب الإيراني للمطالبة بتصنيع قنبلة نووية".
إعلانهذا التحول في المزاج السياسي لقي صداه بين الجمهور، إذ كشف استطلاع رسمي أجراه مركز أبحاث منظمة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية بعد 4 أيام من الهجوم الإسرائيلي، أن 66% من الإيرانيين باتوا يؤيدون امتلاك بلادهم سلاحا نوويا.
كما طالبت "جمعية الأساتذة الثوريين في الحوزة العلمية بقم" بإعادة النظر في العقيدة النووية السلمية، ودعت القيادة إلى "رد حازم وسريع" على ما وصفته بـ"العدوان الغاشم".
في هذا السياق، صوت البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي على مشروع قانون لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة وصفها الباحث السياسي ياسر شاماني، في حديثه للجزيرة نت، بأنها "رد فعل حتمي على تهديد وجودي لم يعد من الممكن تجاهله".
ومع ذلك، حذر شاماني من خطورة الانسحاب الكامل من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، خشية التبعات الدبلوماسية، داعيا في المقابل إلى تحرك دبلوماسي فعال لانتزاع إدانة رسمية للهجوم الإسرائيلي-الأميركي على منشآت بلاده النووية.
وأكد أن جزءا من الطبقة السياسية الإيرانية يرى أن المعاهدة لم تحم المنشآت النووية الإيرانية، بل ربما شكلت أداة تسريب لمعلومات حساسة عن العلماء والبرامج النووية إلى أطراف معادية.
وفي ما يتعلق بالدعوات إلى اعتماد "سياسة الغموض النووي"، رأى شاماني أن الإعلان الصريح عن امتلاك السلاح النووي، كما فعلت دول أخرى، قد يكون أكثر فاعلية في الردع، خصوصا في ظل غياب ضمانات دولية حقيقية لحماية أمن إيران.
الجدل الفقهي والعقائديفي المقابل، يرى الناشط السياسي المحافظ عبد الرضا داوري أن تغيير العقيدة العسكرية الإيرانية أمر غير وارد، نظرا لارتباطها بمبادئ الفقه الشيعي، الذي لا يجيز "الجهاد الابتدائي في ظل غياب الإمام المعصوم".
وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر داوري بفتوى المرشد الأعلى علي خامنئي بتحريم إنتاج أو حيازة أسلحة الدمار الشامل، واعتبر أن السلاح النووي لم يعد يشكل عامل ردع حقيقي، مشيرا إلى أن الرد الصاروخي الإيراني على إسرائيل -التي تمتلك ترسانة نووية- أثبت فاعلية الرد التقليدي.
واقترح داوري مراجعة الخطاب الرسمي الإيراني تجاه القضية الفلسطينية، دون الاعتراف بإسرائيل، والاستمرار في دعم "الفصائل التحررية"، مع التوصل إلى تفاهم سياسي حول برنامج نووي سلمي يسمح باستخدام الطاقة النووية لأغراض طبية وصناعية، دون تعريض البلاد لمخاطر المواجهة الشاملة.
وبينما تجمع النخب السياسية في طهران على وصف الهجمات الأخيرة بأنها تهديد وجودي، تتباين المواقف بشأن كيفية الرد عليه: هل يكون عبر إعادة النظر في العقيدة النووية، أم بالتشبث بالثوابت العقائدية؟ وبين هذا وذاك، يترقب المراقبون ما إذا كانت طهران ستبقى متمسكة بعقيدة "الضربة الثانية"، أم أنها تقف على أعتاب عصر جديد يتسم بـ"وضوح نووي" وردع استباقي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی العقیدة
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست: هل دُمر البرنامج النووي الإيراني فعلا؟
تساءلت صحيفة واشنطن بوست أي الأوصاف "مدمر أو منهك أو غير منقوص" أنسب لوصف حالة البرنامج النووي الإيراني بعد الضربات الأميركية؟ مشيرة إلى أن الجواب عن هذا السؤال الذي أزعج واشنطن طيلة الأسبوع الماضي هو الذي سيحدد نتيجة الصراع مع إيران.
وأوضحت الصحيفة -في افتتاحيتها- أن الضربة الأميركية إذا كانت "قضت" على البرنامج النووي الإيراني بالكامل، كما يصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فستكون الولايات المتحدة قد أثبتت قدرتها على تدمير قدرة إيران على إنتاج الأسلحة النووية متى شاءت، وعليه تبقى الدبلوماسية ضرورية حتى لا تضطر واشنطن لقصف إيران بانتظام لمنعها من إعادة بناء برنامجها النووي، وذلك ما يفرض على طهران أن تقبل بتنازلات، وربما بالتخلي عن طموحاتها النووية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحيفة إسرائيلية تكشف عن انهيار صفقة سرية لإنهاء محاكمة نتنياهوlist 2 of 2صحيفة إسرائيلية: تاريخ ترامب الطويل في تسريب المعلومات السريةend of listأما إذا لم تسفر الضربة الأميركية عن تدمير كامل، فقد تشعر إيران بقدرتها على الدفاع عن برنامجها النووي في وجه القوة النارية الأميركية الساحقة، وبالتالي سيحدد حجم الضرر مدى قدرة طهران على مقاومة المحاولات الأميركية، وفي هذه الحالة أيضا تكون الدبلوماسية ضرورية، وستكون المفاوضات أكثر صعوبة بالنسبة لترامب.
ولكن الحقائق غير واضحة في الوقت الحالي -كما تقول الصحيفة- وتقرير وكالة استخبارات الدفاع المسرب يشير إلى أن الضربة الأميركية أعاقت البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط، ولذلك فإن إيران تستطيع العودة إلى تخصيب المزيد من الوقود النووي، إضافة إلى مخزونها الذي يرجح أنه نقل إلى مكان آمن، حتى لو كانت أجهزة الطرد المركزي قد دمرت، لأنه لا يمكن محو الخبرة التقنية التي تراكمت لدى طهران على مدى عقود.
ضرورة استئناف المحادثاتومع أن ترامب يبدو مستعدا لإعادة التواصل مع إيران دبلوماسيا، فإن إيران ترفض التفاوض مع واشنطن حتى الآن، وقد أقر نوابها مشروع قانون لتعليق التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد لا تكون في عجلة من أمرها للعودة إلى المحادثات، في انتظار أن تتعافى من أسبوعين من الغارات الجوية القاسية التي قضت على قيادتها العسكرية وألحقت أضرارا بالغة ببنيتها التحتية للطاقة.
ورأت الصحيفة أن استئناف المحادثات ضروري، وخاصة إذا لم تكن الولايات المتحدة قد دمرت القدرة النووية الإيرانية، وسيكون من الحكمة أن يقدم ترامب حوافز مع احتفاظه بخيار المزيد من العمل العسكري، وأن يبقي الهدف مركزا على كبح طموحات إيران النووية بدلا من توسيع نطاق الأهداف لدرجة تجعل المفاوضات أكثر صعوبة.
وإذا كانت إيران مصرة على مواصلة برنامجها النووي المدني كما تقول، فيجب -حسب الصحيفة- تحقيق ذلك مع شركاء دوليين تحت رقابة صارمة وعمليات تفتيش دقيقة وقيود على مستوى اليورانيوم المخصب المسموح لها بامتلاكه، مع ضرورة إجبارها على الكشف عما هو مخفي والتخلي عنه، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات التي شلت اقتصادها، ووعد باستعادة مليارات الدولارات من أصولها المجمدة في جميع أنحاء العالم.
إعلانوفي غياب حل دبلوماسي، فإن السيناريو الأفضل -حسب واشنطن بوست- هو أن تمارس الولايات المتحدة وإسرائيل لعبة "ضرب الخلد" على الأمد الطويل، في محاولة مستمرة للعثور على المواقع النووية المشتبه بها وتدميرها، علما أن إيران، بعد أن تعرضت للإذلال، ستبتكر طرقا أكثر إبداعا لإخفاء وحماية برنامجها النووي.