سجلت الأغنية السودانية، حضورها في كل الأوقات والمناسبات، سلماً وحرباً، ووثقت لغالبية الأحداث بكلمات مفصلة على مقاسها، ما جعلها تعلق بالأذهان، ولم تكن حرب 15 ابريل بعيدة عن التوثيق لوجهتي نظر؛ داعمة لتحقيق السلام، وأخرى تنادي بالحسم العسكري!!

التغيير: عبد الله برير

تباينت ردود الفعل حول بعض الأعمال الغنائية التي أنتجت خلال فترة حرب السودان الحالية، ووضعت مواقف بعض الفنانين والمبدعين أمام تقييم الرأي العام، حيث انتقد البعض مواقف وأعمال فنانين داعمين للحرب، بينما وقف آخرون معها، في وقت أيد فيه الكثيرون الدعوة للسلام.

وسجلت الأغنية السودانية، حضورها في كل الأوقات والمناسبات، سلماً وحرباً، ووثقت لغالبية الأحداث بكلمات مفصلة على مقاسها، ما جعلها تعلق بالأذهان، ولم تكن حرب 15 ابريل بعيدة عن التوثيق لوجهتي نظر؛ داعمة لتحقيق السلام، وأخرى تنادي بالحسم العسكري!!

وفي التاريخ السوداني القريب والبعيد، كثير من الأصوات التي غنت للحرب وللسلام، واشتهرت الفنانة السودانية الراحلة عائشة الفلاتية بأغنية (يجوا عايدين) التي أدتها لدعم الجنود السودانيين المحاربين في صفوف الحلفاء تحت قيادة البريطانيين في الحرب العالمية الثانية، بجانب أغنيات وأناشيد حماسية أخرى.

انتقاد الفتنة

وظهرت خلال حرب 15 ابريل التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى، أعمال غنائية أغلبها لفنانات سودانيات أبرزهن ندى القلعة وعائشة الجبل وميادة قمر الدين وإيلاف عبد العزيز.

إيلاف والجبلية اختارتا الغناء للسلام ووقف الحرب ومحاربة الفتنة، فغنت من كلمات أمجد حمزة داعية للتفاؤل: “بكرة الهم يفوتنا، نرجع لبيوتنا بحري وأم درمان.. بكرة يقولوا عودوا، عيدنا تفوح ورودو والخرطوم أمان”.

ووجدت الأغنية تداولاً واسعاً وترحيباً من الشارع السوداني الذي هو في أشد الحاجة للتفاؤل والأمل في غدٍ أفضل بدون حرب أو دمار.

كما لقيت أغنية عائشة الجبل المسماة (الحرب الضرب) رواجاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي وحظيت بردود فعل واسعة.

وتساءلت الجبلية في أغنيتها التي ألفها ولحنها أمجد حمزة أيضاً، عن جدوى الحرب وخراب البيوت والموت والنهب.

ومضت الأغنية في انتقاد الفتنة واعتبرت أن الحرب دعوة لتقسيم السودان وتشريد مواطنيه، وهو ما صادف هوى في نفوس المتلقين المتعطشين للسلام والرافضين للحرب العبثية بين أبناء الوطن الواحد.

لكن المقطع الأخير من الأغنية قوبل بانتقاد لاذع من البعض حيث أرسل الشاعر رسالة شكر للجارة مصر، والتي رأوا فيها انتقاصاً كبيرا لقيمة الشعب السوداني، وجاء الانتقاد على خلفية عدم ذكر الدول الأخرى التي آوت السودانيين على غرار تشاد التي فتحت حدودها.

كما اعتبر البعض أن هذه الجزئية حملت قدراً من الاستهانة بالسودانيين: (المحروسة مصر الطيبة السيسي شكراً لولا عطفك كان نهونا).

كما علق مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي على إيقاع الأغنية مشيرين إلى ان اللحن الراقص لا يتناسب مع مأساة الحرب.

حسم بالسلاح

وعلى النقيض تماماً من دعوة الجبلية وإيلاف لوقف الحرب وعودة الحياة اطلقت الفنانة ندى القلعة لقلعة أغنية (مطر الحصو) من كلمات وألحان الشاعر هيثم عباس وهي تمجد الجيش السوداني وتدعمه لحسم المعركة مع مليشيا الدعم السريع، فيما خرجت الفنانة ميادة قمر الدين بأغنية (ملوك القل).

ودعت أغنية ميادة، وهي من كلمات وألحان هيثم عباس كذلك، إلى عدم الجلوس في المفاوضات والحسم بالسلاح.

وجاء في مطلع العمل: (تاح تاح تحسم بالسلاح ما في مفاوضات وده الكلام الصاح).

واحتفى جزء غير يسير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بدعوة هيثم عباس، وتمثل هذه الشريحة الداعمين لخيار الحسم الحربي، فيما انتقد كثيرون موقف ندى وميادة قمر الدين، مشيرين إلى أن الفنان يجب أن يدعو لنشر الثقافة السلام والمحبة.

ورأى البعض أن مفردات أغنية (تاح تاح) خشنة ولا تشبه الفن، وعابوا على الشاعر استخدام مفردات (البل، وتنبل، وبنطلع عينو) وغيرها.

واتهم المعارضون للأغنية الفنانة ميادة بالإسهام في إشعال وقود الحرب ودعوها إلى الاقتداء بأعمال الفنانين السودانيين الداعين للسلام مثل الموسيقار يوسف الموصلي الذي غنى (أريتو يسيل عرقنا بدل ما تسيل دمانا).

ومع استمرار الحرب لشهرها الخامس، تزايد الاصطفاف من المثقفين والشعراء والفنانين المتباينين في المواقف من حسم المعارك الجارية حالياً ما بين الحل السلمي والحسم العسكري، الأمر الذي ينبئ بإمكانية احتشاد الساحة بأنماط مشابهة من الأعمال الفنية مع وضد طبقاً لرؤية كل فريق.

الوسومأم درمان الأغنية السودانية الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان بكرة الهم يفوتنا عائشة الجبل ميادة قمر الدين ندى القلعة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أم درمان الأغنية السودانية الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان ندى القلعة

إقرأ أيضاً:

لماذا تنتصر الدولة السودانية

د. عمرو محمد عباس محجوب


لكي نستطيع فهم اي انتصار او هزيمة لأي قوى مقاومة لابد ان ننظر لعوامل مفتاحية تشكل أساس هذا النصر. اول هذه العوامل لاي مشروع مهما كان تقدمياً او انسانيا إذا لم يبن على أساس شعبي قادر على تحمل تضحيات وتبعات هذا المشروع فإنه يحمل جذور فنائه وانكساره. وثاني العوامل ان هذا الأساس، وهو قائم على فكرة ليست دينية او طائفية او جهوية لكن افكار وطنية موحدة لمختلف قطاعات الشعب، يجب ان تكون متجذرة داخل البنى الاجتماعية جميعها ولها امتدادات متنوعة ومتشعبة وعابرة لكل الطوائف والأفكار السياسية.


نشأة ميليشيات الجنجويد في مطلع الألفية، كانت بدعم مباشر من حكومة البشير، بغرض ضرب الحركات المتمردة في دارفور. تسليح هذه الميليشيات ومنحها حصانة قضائية أسس لمعادلة خطيرة: الدولة تستخدم العنف الأهلي لتفكيك المعارضة، لكنها في ذات الوقت تضع بذور تمرد جهوي مستقبلي.


مع سقوط نظام البشير عام 2019 وظهور حكومة مدنية انتقالية لم ينهيا دور الجنجويد. بالعكس، تم دمجهم في المشهد السياسي عبر اتفاقيات هشة (مسار السلام)، بل وأصبحوا قوة شبه دولة ونشأ تناقض حاد: قوى الثورة كانت تطالب بإزالة بنية الدولة القمعية (الجيش للثكنات والجنجويد ينحل)، بينما الجنجويد ازدادوا قوة وسط تردد الدولة وضعف مؤسساتها.


الأسباب الاجتماعية التي شجعت انتصار الجيش السوداني تتعلق ببنية المجتمع السوداني وتفاعله مع الحرب.


اولا: الرفض الشعبي المتزايد لقوات الدعم السريع لاستمرار الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين (قتل، اغتصاب، نهب) في كافة مناطق الوطن، أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والاجتماعي للجنجويد. وتحول كثير من القبائل والمجتمعات المحلية التي كانت مترددة أو متحالفة مع الدعم السريع إلى معارضة نشطة، مما سهّل اختراق هذه المناطق. كما ان وجود حاضنة شعبية في مناطق الشمال والشرق استمرت في دعم الجيش، مما وفر له قاعدة اجتماعية صلبة.


ثانيا: الجيش السوداني، رغم مشاكله التاريخية الطويلة، يُنظر إليه من قبل قطاعات واسعة كرمز لوحدة الدولة السودانية والمؤسسة الحافظة لوحدة أراضي البلاد.
ثالثا: في الدور القبلي والمناطقي لعبت بعض القبائل الكبرى في دارفور وكردفان، التي عانت من تجاوزات الجنجويد، ووفرت معلومات ولوجستيات مهمة للجيش، وظهرت تحالفات قبلية جديدة مع الجيش، خصوصاً عندما بدا واضحاً أن الجنجويد بات يهدد بنية الدولة والمجتمع.


رابعا: نجاح استثمار الجيش في الخطاب الوطني مثل خطاب “الحفاظ على وحدة السودان” و”استعادة الدولة من مليشيات خارجة عن القانون”، مما جلب تعاطفاً اجتماعياً. وتركيز الإعلام المرتبط بالجيش على دور القوات المسلحة كحامي للوطن، في مواجهة “المرتزقة” أو “المتمردين” من الجنجويد.


خامسا: بعد شهور طويلة من الحرب، أصبح المجتمع المدني مرهقاً ومستنزفاً، مما جعله يبحث عن طرف قادر على فرض النظام ووقف القتال والجيش – بفضل بنيته النظامية – بدا أكثر قدرة على فرض الاستقرار مقارنة بالجنجويد الذي اعتمد على العنف والنهب.


لذلك فان نتيجة هذه الأسباب المتعددة أدت لتقاطع الحاضنة الوطنية مع الضغط الاجتماعي والقبلي والرفض الشعبي الشامل مما أضعف الجنجويد وسهّل للجيش استعادة السيطرة. كما ساعدت عدة تكوينات في الفضاء السياسي في لعب أدوار مهمة وحاسمة في تأييد عمليات الجيش ضد المليشيا واهمها أفراد وجماعات الطبقة الوسطى النشيطة التي استطاعت محاصرة الجنجويد وكل مسانديها من تحورات تقدم وصمود وتأسيس والمتعاونين والمتعاونات كما ساهمت النقابات المختلفة والتنظيمات الفئوية وجماعات الشباب والنساء المنضوية في مكونات لجان الطواريء ولجان القرى والمدن والمستنفرين.


يستحق المستنفرين وتكوينات الجماعات والقرى ولجان المقاومات المحلية الذين التحقوا اما بالجيش او المشتركة او كونوا مجموعات مسلحة في القرى والمدن واهمها تجربة الفاشر ، تناولا خاصا ومميزا لأنها شكلت رفع السلاح الشعبي في الدفاع عن الأرض والعرض ربما لأول مرة منذ اكثر من قرن.


عندما اندلع القتال بين الجيش السوداني والجنجويد، انكشفت حقيقة الصراع: الجنجويد ليسوا مجرد ميليشيا بل جيش موازٍ طامع في الحكم. توسع رقعة الانتهاكات بحق المدنيين، خصوصاً في غرب السودان والخرطوم والجزيرة، دفع الأهالي إلى تنظيم أنفسهم.


تميزت هذه التجربة الكبرى بانها تعبر عن حالة الغضب الشعبي العميق بعد الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الجنجويد بحق المدنيين، لذلك أصبح حمل السلاح دفاعاً عن النفس مسألة حياة أو موت بالنسبة للعديد من المجتمعات المحلية.
وادّت لظهور مقاومة شعبية مسلحة من الحركات المحلية التي بدأت تنظم نفسها في شكل لجان مقاومة مسلحة أو كتائب دفاعية تشير إلى أن السلاح لم يعد حكراً على الدولة أو المليشيات، بل أصبح وسيلة للبقاء. واتخذت بعدا رمزيا ان السلاح هنا ليس مجرد أداة مادية، بل هو تعبير عن إرادة الشعب في رفض الإبادة والهيمنة، والبحث عن العدالة والكرامة.

 

مقالات مشابهة

  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • بعد وفاتها.. من هي تيته نوال جدة الفنانة وئام مجدي التي خطفت قلوب المصريين؟
  • وكيلة وزارة المعادن: الوثائق الروسيه تحتوي على قاعدة بيانات قوية لاستعادة كل الوثائق والتقارير الجيولوجية التي فقدت في الحرب
  • المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
  • منير زايد يطرح الأغنية العاطفية "مو غلطتك" باللون الغنائي الخليجي
  • لماذا تنتصر الدولة السودانية
  • كبسولات في عين العاصفة : رسالة رقم [190]
  • “صمود” في كمبالا- محاولة لخلق طريق مدني ثالث وسط ركام الحرب السودانية
  • بالأرقام.. انتهاكات جسيمة بحق المرأة السودانية في خضم الحرب
  • وصول 49 حافلة حجاج من فلسطين ومصر لمدينة استقبال ضيوف الرحمن بمحافظة خيبر