في تحوّل دبلوماسي بالغ الأهمية، أعلنت المملكة المتحدة رسميًا إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، في خطوة تعبّر عن مراجعة شاملة للسياسات الغربية تجاه دمشق بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب الأهلية التي أنهكت البلاد وغيّرت ملامح الإقليم.

وجاء الإعلان بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى العاصمة السورية دمشق، وهي أول زيارة لوزير بريطاني منذ 14 عامًا، حيث التقى بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني.

بداية جديدة لعلاقات منقطعة

وقال لامي في بيان رسمي عقب اللقاء: "هناك أمل متجدد للشعب السوري... ومن مصلحتنا دعم الحكومة الجديدة للوفاء بالتزاماتها ببناء مستقبل مستقر وأكثر أمنًا وازدهارًا لجميع السوريين".

وجاءت زيارة لامي بعد تطورات كبرى شهدتها الساحة السورية، أهمها إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي، على يد قوات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام الإسلامية، ما مثّل نقطة فاصلة دفعت العديد من العواصم الغربية، وعلى رأسها لندن وواشنطن، إلى إعادة تقييم مواقفها من دمشق.

دعم مالي سخي لإعادة الإعمار

تزامنًا مع الزيارة، أعلنت بريطانيا تخصيص 94.5 مليون جنيه إسترليني (129 مليون دولار) كمساعدات لدعم سوريا في المرحلة المقبلة.
وأوضح بيان حكومي أن هذه الحزمة ستُستخدم في:

• تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للمتضررين من الحرب.

• دعم التعافي على المدى الطويل عبر تطوير قطاعات التعليم والبنية التحتية.

• المساهمة في معالجة الأزمات الاجتماعية الناتجة عن سنوات النزاع.

أول زيارة منذ أكثر من عقد

زيارة لامي هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب عام 2011، وقطعت بريطانيا آنذاك علاقاتها مع النظام السوري، كما أغلقت سفارتها في دمشق وفرضت عقوبات صارمة على مؤسسات وأفراد بارزين في النظام.

لكن، منذ تغيّر المشهد السياسي والعسكري نهاية 2024، بدأت لندن تخطو بخجل نحو إعادة الانخراط. وكان أول مؤشر على هذا الانفتاح، ما جرى في أبريل الماضي حين قررت بريطانيا رفع بعض العقوبات الاقتصادية، أبرزها:

• إلغاء تجميد أصول مصرف سوريا المركزي.

• رفع العقوبات عن 23 كيانًا اقتصاديًا، من بينها بنوك وشركات نفط.

مع الإبقاء على العقوبات المفروضة على شخصيات من النظام السابق.

أهداف سياسية وأمنية وراء الانفتاح

شدد لامي، خلال لقائه المسؤولين السوريين، على أن إعادة العلاقات لا تعني غياب الشروط السياسية، بل أكد ضرورة:

• تحقيق انتقال سياسي شامل يمثل جميع أطياف المجتمع السوري.

• ضمان تدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية.

• الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

• مكافحة التهديدات الإرهابية التي لا تزال قائمة في بعض مناطق سوريا.

الزيارة تؤكد كذلك أن أمن أوروبا مرتبط باستقرار سوريا، وأن إعادة دمج دمشق في النظام المالي الدولي بات ضرورة ملحّة لتسريع جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

دور أمريكي داعم للتحوّل

تزامن التقارب البريطاني–السوري مع قرار مهم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وقّع مؤخرًا أمرًا تنفيذيًا يقضي بوقف العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، بما يشمل إنهاء عزلتها عن النظام المالي العالمي، وفتح الباب أمام شركات أمريكية ودولية للمشاركة في إعادة إعمار البلاد.

هذا التوازي في المواقف بين واشنطن ولندن يعكس رغبة غربية في دعم المرحلة الانتقالية السورية الجديدة، بالتوازي مع محاصرة النفوذ الإيراني والروسي داخل الأراضي السورية.

محطة إقليمية لاحقة:

الكويت

بعد دمشق، من المقرر أن يتوجّه وزير الخارجية البريطاني إلى الكويت، حيث سيبحث:

• قضايا الأمن الإقليمي.

• تعزيز العلاقات الثنائية.

• إطلاق شراكة جديدة لمعالجة الأزمة الإنسانية في السودان، في ظل تصاعد القتال وانهيار الخدمات الأساسية هناك.

عودة العلاقات البريطانية–السورية تمثل تحوّلاً جيوسياسيًا كبيرًا، يُعيد ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط ويمنح الحكومة السورية الانتقالية شرعية دولية متنامية، بعد سنوات من العزلة والدمار.

فهل تنجح هذه العودة في تسريع عجلة إعادة الإعمار؟ وهل تتحقق تطلعات السوريين بدولة أكثر شمولًا واستقرارًا؟
الرهانات كبيرة، والمجتمع الدولي يبدو مستعدًا لفتح صفحة جديدة… إذا أُحسن استغلال اللحظة.

طباعة شارك سوريا بريطانيا الشرع أحمد الشرع

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سوريا بريطانيا الشرع أحمد الشرع

إقرأ أيضاً:

وول ستريت جورنال: واشنطن ترى في سوريا حليفا جديدا

أصبح موقف إسرائيل الهجومي تجاه الحكومة السورية الجديدة نقطة خلاف نادرة مع واشنطن، التي أعلنت دعمها للرئيس السوري أحمد الشرع، وتحاول الآن استمالة حليفتها التقليدية -أي تل أبيب- إلى صفها.

هذا ما ورد في تقرير أعده الصحفي دوف ليبر -مراسل صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في إسرائيل- أشار فيه إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب شدد على ضرورة التوصل لاتفاق "يضمن ازدهار سوريا واستقرارها".

"إذا كان هدف إسرائيل هو العزلة الذاتية، فهي تسير على الطريق الصحيح"

بواسطة المدير الأول لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي بواشنطن

وبدوره، اشترط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة- موافقة سوريا على إقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد من دمشق إلى الحدود الإسرائيلية، وهو ما رفضه الشرع رفضا قاطعا كونه يهدد أمن البلاد وحدودها.​

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل أنت سويسري وأبحرت نحو غزة؟ ادفع الآن!list 2 of 2الأيوبي.. قصة دبلوماسي عائد إلى دمشق بعد انشقاقه عن الأسدend of listتصعيد

وأوضحت الصحيفة أن ترامب يأمل في ضم سوريا إلى اتفاقيات أبراهام التي أشرف عليها خلال ولايته السابقة، غير أن مسؤولين من الأطراف الثلاث (سوريا وإسرائيل والولايات المتحدة) يرون أن الوقت لا يزال مبكرا، وأن الأولوية الآن​ لحل القضايا الأمنية العالقة بين الجانبين.

أهالي بيت جن يؤدون صلاة الجنازة على من قضوا جرّاء القصف والتوغل الإسرائيلي (وسائل التواصل)

وأكد المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك​ أن الحكومة السورية تلبي طلبات واشنطن فيما يتعلق بإسرائيل، لكن الإسرائيليين يعرقلون المفاوضات، حسب التقرير.

وأشار التقرير إلى أنه "بينما تستمر إسرائيل في المماطلة"، تكرر التصعيد العسكري بين البلدين، إذ اقتحمت قوات إسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بلدَة بيت جَن بريف دمشق، مما أدى إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل 13 سوريا وإصابة 6 جنود إسرائيليين.

إعلان

وتكررت الشعارات المناهضة لإسرائيل والداعمة لغزة في احتفالات الذكرى السنوية لسقوط الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وفي العرض العسكري للجيش السوري، بحسب التقرير. وقد سارعت إسرائيل إلى إبلاغ واشنطن وطلبت منها حثَّ دمشق على إدانة تلك الهتافات.

ولفتت كارميت فالنسي، رئيسة برنامج سوريا في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إلى أن "الأسابيع الأخيرة شهدت تصعيدا واضحا ونبرة أكثر تشددا من دمشق تجاه إسرائيل"، وفق ما نقله التقرير.

وقال ويليام ويكسلر، المدير الأول لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي بواشنطن، للصحيفة إنه التقى مؤخرا بمسؤولين حكوميين كبار في دمشق، وأكد أنهم أعربوا عن انفتاحهم على العمل مع إسرائيل على ملفات منها "العنف الطائفي".

الجيش السوري نظّم عرضا عسكريا بمدينة درعا في ذكرى مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد (رويترز)

ولكنه حذر من أن نافذة الدبلوماسية تغلق، وأن التشدد الإسرائيلي قد يدفع سوريا نحو تركيا، الداعم الرئيسي للشرع وخصم إسرائيل الإقليمي.

وأضاف ويكسلر: "إذا كان هدف إسرائيل هو العزلة الذاتية، فهي تسير على الطريق الصحيح".

انتقادات وتحذيرات

وحسب التقرير، يرى كثيرون في سوريا والولايات المتحدة والشرق الأوسط أن إسرائيل تعمل لإبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة عبر استغلال التنوع العرقي في المجتمع السوري ووجود الأقليات، مما يقوض الجهود الأميركية الرامية إلى مساعدة الشرع على توحيد البلاد.

وفي إسرائيل أيضا عبّر بعض الجنرالات السابقين وخبراء الأمن عن قلقهم من أن نتنياهو "يبالغ" في موقفه تجاه سوريا، وقد يضر بعلاقة إسرائيل بأهم حليف لها -الولايات المتحدة- ويجعلها تبدو دولة عدوانية في المنطقة، بحسب وول ستريت جورنال.

ونقلت الصحيفة قول أفنير جولوف، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي: "المخاطر في سوريا أقل من أي مكان آخر. إذا كنت تريد أن يقف ترامب معك في العديد من الملفات الأكثر أهمية وخطورة، فهذا -أي الاتفاق- هو الثمن الذي عليك دفعه".

وشدد جولوف على أهمية التوصل سريعا إلى تسوية مع سوريا، وطالب بالسماح للقوات السورية بدوريات قرب الحدود مع حظر انتشار الأسلحة الثقيلة أو القوات التركية.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة ترحب بإعادة بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل
  • ذخائر العرب.. "دار المعارف" تعيد طباعة ترجمة الإمام أحمد بن حنبل بإخراج جديد
  • “حماس” تدين بشدة قرار حكومة بوليفيا استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني
  • الكونغرس يمهد لإلغاء قيصر… تحوّل مفصلي في الملف السوري
  • الكونغرس يمهّد لإنهاء حقبة قانون قيصر… خطوة أمريكية جديدة نحو إعادة تشكيل العلاقة مع سوريا
  • سوريا تتهم لبنان بعدم الجدية في ملف المعتقلين السوريين
  • اتحاد العلويين السوري في أوروبا يعلن نواة كيان معارض
  • وول ستريت جورنال: واشنطن ترى في سوريا حليفا جديدا
  • الأيوبي.. قصة دبلوماسي عائد إلى دمشق بعد انشقاقه عن الأسد
  • كيف تظهر تسريبات بشار الأسد أسلوب عمل النظام السوري المخلوع؟