فعاليات خطابية وشعبية في ذكرى عاشوراء تجدد العهد مع قضايا الأمة
تاريخ النشر: 11th, July 2025 GMT
يمانيون | تقرير
في مشهد روحاني ونضالي يتكرر كل عام، أحيت عدد من مديريات محافظة صنعاء ومحافظات أخرى، ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، في فعاليات خطابية وجماهيرية عكست الارتباط العميق بين الشعب اليمني وثقافة كربلاء التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الهوية النضالية والموقف الأخلاقي ضد قوى الظلم والاستكبار.
حيث شهدت مديريات بني حشيش وأرحب والحيمة الداخلية بمحافظة صنعاء، بالإضافة إلى محافظة إب ومديرية المراوعة بالحديدة، فعاليات خطابية حافلة تحت شعار “هيهات منا الذلة”، أكدت أن إحياء ذكرى عاشوراء في اليمن لم يعد مناسبة عابرة، بل تحوّل إلى محطة تأهيل وتعبئة وتأكيد على استمرارية النهج الحسيني في مواجهة قوى العدوان والهيمنة، وعلى رأسها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
ثقافة عاشوراء كمرتكز تعبوي في بني حشيش
في مديرية بني حشيش، كانت الفعالية أكثر من مجرد خطاب، إذ جاءت لتجدد بيعة أبناء المديرية لقيم الثورة الحسينية.
حيث أكد مدير المديرية، راجح الحنمي، أن إحياء عاشوراء هو استحضار حيّ لثورة خرجت لتصحيح مسار أمة انحرفت عن تعاليم السماء، فكان الحسين عليه السلام عنوانًا للحق ورفضًا للذل.
حضور تربوي وتعبوي واجتماعي واسع شهدته الفعالية، حيث تم التأكيد على أن مظلومية آل بيت النبي، وعلى رأسهم الإمام الحسين، لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة الأجيال، بل تُستحضر كمنهج حياة يُترجم في ميادين المواجهة، لا سيما في ظل العدوان المفروض على الشعب اليمني، والصمت الأممي تجاه ما يجري في غزة.
أرحب.. استنهاض الوعي وفضح التخاذل
أما في مديرية أرحب، فقد شكّلت الفعالية محطة لاستنهاض الوعي بمخاطر التخاذل والانحراف عن خط الحق.
حيث أشار مسؤول قطاع التربية، عبد الجليل عوّاد، إلى أن ما حدث في كربلاء لم يكن مجرد حادثة تاريخية، بل نتيجة لانحراف الأمة عن ولايتها الشرعية.
وبيّن أن صمت الناس يوم عاشوراء مكّن الباطل، وأنه لا يمكن للكرامة أن تُستردّ إلا بالسير على طريق الحسين، مشددًا أن كلفة التخاذل أكبر بكثير من كلفة المواجهة.
الحيمة الداخلية.. البصيرة قبل النصر
وفي فعالية الحيمة الداخلية، أعيد التذكير بأن الإمام الحسين لم يطلب النصر العسكري بقدر ما أراد إحياء البصيرة في قلوب الأمة.
وأوضح مسؤول الأنشطة المدرسية محمد السياغي، أن مواجهة الباطل تتطلب وعيًا مستمرًا، وأن عاشوراء هي البوصلة الأخلاقية التي تُرشد الشعوب التواقة للتحرر، مشددًا أن الشعب اليمني يُجسد اليوم تلك القيم في صموده وتضحياته المتواصلة.
إب.. منبر حسيني وموقف مقاوم
وفي محافظة إب، نظّم صندوق النظافة والتحسين فعالية نوعية، أكدت أن إحياء عاشوراء ليس حكرًا على العلماء أو المقاتلين، بل مسؤولية يتشارك فيها كل أبناء المجتمع، حتى عمال النظافة الذين اعتُبروا في كلمات الفعالية قدوة في التفاني والولاء.
وكيل المحافظة قاسم المساوى، أكد أن ذكرى الإمام الحسين تُعيد شحن النفوس بطاقة الثبات في وجه الطغاة، وتربطنا بأهم القيم النبوية في زمن التحولات الكبرى.
وتطرّق الحضور إلى المجازر المرتكبة في غزة، معتبرين أن صمت الأنظمة والأنظمة الرسمية إنما هو تكرار لصمت الأمة تجاه كربلاء، مما يوجب على الأحرار التمسك بالخط الحسيني كخيار وحيد لمواجهة الاستكبار العالمي.
فعالية نسائية في المراوعة.. عاشوراء لحظة تجل لروح المقاومة
وفي مديرية المراوعة بمحافظة الحديدة، تميزت الفعالية النسائية بحضور لافت وجدل أخلاقي وروحي عميق.
حيث أكدت مديرة إدارة تنمية المرأة، أميرة الأهدل، أن عاشوراء هي لحظة تجلٍ لروح المقاومة، وأن الحسين عليه السلام لم يُرد البكاء بقدر ما أراد الإحياء.
أشارت الأهدل إلى أن ذكرى كربلاء اليوم تُترجم بمواقف النساء اليمنيات في دعم المجاهدين وتربية الأجيال على ثقافة الرفض للظلم.
كما ربطت الحاضرات بين مظلومية الإمام الحسين ومظلومية الشعب الفلسطيني، مؤكدات أن غزة اليوم هي كربلاء العصر، وأن السكوت عن المجازر الصهيونية خيانة لدماء الحسين وأصحابه.
من كربلاء إلى غزة… امتداد المعركة الواحدة
إن التزام الشعب اليمني بإحياء يوم عاشوراء بهذه الصورة الواسعة والمتعددة، من المديريات إلى المؤسسات، ومن الرجال إلى النساء، يعكس وعيًا جمعيًّا بأن كربلاء ليست ذكرى مأساوية فقط، بل هي مشروع تحرر متجدد.
كما أن ربط كلمات الفعاليات بين ذكرى كربلاء وما يجري في غزة، يحمل دلالة استراتيجية، إذ يُسقِط اليمنيون – في وجدانهم وخطابهم – كربلاء على الواقع، ويُسقطون واقع اليوم على كربلاء، في محاولة واعية لإعادة تعريف العدو والولاء والخيانة والمظلومية من منظور إيماني ثوري لا تنفصم فيه العقيدة عن الموقف.
فبين الحسين في كربلاء، ومحور المقاومة في اليمن ولبنان وفلسطين، خيطٌ نقيّ من التضحية والكرامة والعزة، يؤكد أن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن دم الحسين لا يزال يصرخ في وجه كل يزيد جديد.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الإمام الحسین الشعب الیمنی
إقرأ أيضاً:
عاشوراء.. شهادة التاريخ المتكررة على انحراف الأمة
في العاشر من محرم الحرام من كل عام، تجثم على صدور المؤمنين فاجعة كربلاء، تلك الحادثة الأليمة، بأحوالها وأهوالها الرهيبة العظيمة، وما اُرتكب فيها بحق آل البيت عليهم السلام، من أبشع المجازر وعمليات الإبادة المهولة، بتلك الصورة الإجرامية الوحشية القذرة، التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولا يجيزها الدين حتى بحق الأعداء والمحاربين، ناهيك عن المسلمين – فيما بينهم – من أبناء الملة الواحدة، ناهيك عن آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – موضع النبوة ومختلف الملائكة، ومعدن الرسالة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
لم تكن فاجعة كربلاء وليدة لحظتها، كما سعت لتقديمها سردية التاريخ السياسي الأموي، بوصفها حادثة قائمة بذاتها، مفصولة عن ما قبلها وما بعدها، بل هي إحدى المحطات التاريخية الكارثية، التي اختطها مشروع الانحراف – الرهيب – عن خط الولاية، منذ يومه الأول، في سقيفة بني ساعدة، حيث استبدل مشروع الولاية، بمشروع البيعة، ورغم الإعلان الصريح ببطلان البيعة، وخطورة مشروعها على الأمة الإسلامية، إلا أن من احتلبها بالأمس لصاحبه، قد عاد اليوم ليأخذ شطره “نصيبه” من الحلب، في ظل صمت وتخاذل جمعي مخزٍ، وتواطؤ وخضوع مهين، حين لم يجرؤ أحدٌ على تذكير صاحب فتوى القتل، بخطورة عودته لمثال تلك البيعة، بل وما هو أخطر منها، في سياق مشروع الانحراف، والتأسيس لنظرية الحكم الملكي القمعي التسلطي، في انقلاب واضح وصريح، حتى على مزاعم الشورى، ومبادئ اختيار الخليفة.
لم تقف خطورة ذلك الانحراف، عند مجرد المخالفة الشرعية، لصريح الأمر الإلهي بشأن الولاية، بل امتدت تداعيات ومخاطر الانحراف، لتشمل الوجود الإسلامي، في بعديه الزماني والمكاني، كما أن الانقلاب على مفهوم الولاية، المنصوص عليه في قوله تعالى:- «انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا….»، في صفاته المخصوصة، المتعينة – تحديداً – بوجوب أمر البلاغ، المؤكد بأهميته القصوى، بوصفه معادلاً لتبليغ الرسالة بأكملها، التي لا تكتمل إلاّ به، هو ما جعل الرسول الكريم – صلى الله عليه وآله وسلم – يسارع إلى تبليغ الأمر الإلهي، مقدماً – بتلك الصورة المهيبة – في غدير خم، الترجمة الفعلية والتفسير العلمي، لأمر الولاية في ذاته، وتحديد الولي بشخصه، ومشروعية التولي في امتداداتها المقدسة، «إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم»، وبذات القدر من المشروعية والوجوب، «فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه»، وهو بلاغ صريح لا يخالطه شك، تكلل بالبيعة الشرعية، للإمام علي عليه السلام، بإمرة المؤمنين بلفظ التسليم والمصافحة، من قِبل أكثر من مائة ألف مسلم، أصطفوا أمام خيمته، ودخلوا عليه الواحد تلو الآخر، مصافحين وقائلين: «السلام عليك يا أمير المؤمنين»، وبذلك المشهد العظيم، ختم الرسول الأكرم – محمد صلى الله عليه وآله وسلم – مهمته الرسالية العظيمة، بعد أن أقام عليهم الحجة، وأشهدهم على أنفسهم، وألزمهم العهد.
أسفر الانحراف عن طريق الولاية، عن نماذج مشوهة، من الاستبداد باسم الشورى الوهمية، إلى الملكية التسلطية المطلقة، التي استعبدت الناس، واستأثرت بالأموال، واستباحة الحرمات، وأسقطت الحدود، وافترت – من خلال علماء السوء – على الله الكذب، وجعلت الدين خادماً لأطماع السلطة، وقتلت أعلام الهدى والآمرين بالقسط، ضلماً وعدواناً، لإسقاط الحق ومن يعمل به.
لم يكن قتل الإمام علي عليه السلام – بسيف محسوب على الإسلام – إلا التجسيد الفعلي لمقولات وفتاوى نظرية السقيفة، التي استمرت في استهداف أعلام الهدى وقرناء القرآن، من الإمام علي عليه السلام إلى الإمام الحسن إلى الإمام الحسين إلى الإمام زيد، وصولاً إلى شهيد القرآن الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي، وشهيد الأمة والإنسانية السيد حسن نصرالله، وغيرهم من الشهداء الكرام، أنصار المشروع الإلهي، القائمين بالحق على امتداد التاريخ، ولم يكن استهدافهم بتلك الطرق الوحشية، والإمعان في القتل والإبادة، إلا انتقاماً من الرسول الأكرم في شخصه ومشروعه، ورفضاً للنهج الإلهي القويم، وهدماً متعمداً لأركان الحق، وأسس الدين والهداية، وسلب الدين قوته وحامليه، وإقامة مشروع السقيفة، وتقديم الدين بمفهومه الأموي، المليء بالباطل والتدجين، بوصفه الدين الحقيقي، بما يضمن تهيئة الساحة الإسلامية، لسيطرة قوى الكفر والضلال من اليهود والنصارى، وعملائهم من بني أمية “الشجرة الملعونة”، ونظرائهم من قادة التطبيع والنفاق، وهكذا تظل عاشوراء محطة زمنية فاصلة، تدق جرس الإنذار في أوساط المسلمين، وتحذرهم من تداعيات الاستمرار في نهج الانحراف والضلال، وتذكرهم بما
أصابهم من مصائب ونكبات، وترسم لهم مسار الخلاص والانتصار على قوى الشر، إن هم عادوا إلى مصدر الحق، ورفعوا اليد التي رفعها رسول الله بأمر من الله تعالى، والتزموا ولاية أعلام الهدى وأئمة الحق، الذين أسقطوا قوى الطاغوت والاستكبار، باذلين أرواحهم في سبيل الله ونصرة المستضعفين، وهو ما شهد الواقع مع أحداث غزة، في حال محور المقاومة المدافع عن الإسلام والمسلمين والمقدسات، تحت قيادة أعلام الهدى من آل بيت الرسول الكريم، بخلاف أنصار السقيفة والنهج الأموي، الذين تحولوا إلى النفاق والتطبيع، وحرب الإسلام والمسلمين علناً، نيابة عن قوى الكفر والإجرام، أمريكا وإسرائيل وحلفائهم، طلباً لرضاهم، واعتزازاً بهيلمانهم المصطنع، رغم سقوطهم المهين سلفاً، في غزة وجنوب لبنان واليمن وإيران، «ولله العزة ولرسوله والمؤمنين».