رسوم ترامب على العراق مناورة تجارية أم ضغط للعلاقة مع الصين؟
تاريخ النشر: 13th, July 2025 GMT
بغداد – في مشهد يعكس تناقضا صارخا بين حجم التبادل التجاري وبين مدى الاستهداف السياسي، يطفو إلى السطح قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الصادرات العراقية إلى الولايات المتحدة، والمقرر تطبيقه اعتبارًا من مطلع الشهر القادم.
القرار، الذي شمل 6 دول أخرى، بدا لكثيرين في العراق مجرد ضغط سياسي لا يعكس واقع العلاقات التجارية المتواضعة بين البلدين، بل يأتي في إطار أوسع من إعادة رسم خريطة الشراكات الدولية في الشرق الأوسط، وإضعاف الحضور الصيني المتنامي في المنطقة.
ورغم أن القرار الأميركي يشمل تعريفات متفاوتة على دول متعددة، فإن التركيز العراقي على تداعياته يكشف عن حساسية العلاقة بين بغداد وواشنطن، في وقت تتصاعد فيه التحديات الاقتصادية والسياسية الإقليمية.
رسوم متفاوتة واستثناءات إستراتيجيةوقد أصدرت إدارة ترامب في 9 يوليو/تموز الجاري قرارات بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 25 و30% على صادرات 6 دول إلى الولايات المتحدة.
وقد خُصّت الجزائر، وليبيا، والعراق بنسبة 30%، فيما شملت بروناي، ومولدوفا، والفلبين رسومٌ بنسبة 25%. وأفادت الوكالة أن هذه الإجراءات تأتي ضمن حزمة "موجة التعريفات الجديدة" التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية تحت شعار "حماية الأسواق الوطنية".
بَيد أن القرار الأميركي استثنى بشكل واضح النفط والغاز والمنتجات البترولية من هذه الرسوم، وهي القطاعات التي تشكل العصب الأساسي للصادرات العراقية.
هذه الاستثناءات أثارت تساؤلات حول حقيقة الأهداف من القرار، خاصة أنه لا يمسّ فعليًا العصب التجاري العراقي مع الولايات المتحدة.
وفي تصريح خاص لموقع "الجزيرة نت"، أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح، أن الرسوم الجمركية الأميركية على الصادرات العراقية لن تترك أثرا اقتصاديا حقيقيا على البلاد.
إعلانوأوضح أن العراق لا يصدّر للولايات المتحدة سلعا صناعية أو زراعية بنطاق واسع، وإنما تتركز صادراته على النفط، الذي جرى استثناؤه من القرار.
وقال صالح إن العراق صُنف ضمن الشريحة التي تخضع لتعرفة بنسبة 30%، بينما وصلت بعض النسب مع دول أخرى مثل الصين إلى 50% أو أكثر، ما يعكس تباينًا في السياسة التجارية الأميركية تجاه مختلف الشركاء.
وأضاف أن حجم الصادرات العراقية النفطية إلى الولايات المتحدة لا يتجاوز 200 ألف برميل يوميًا، بقيمة سنوية تقترب من 5 مليارات دولار فقط، وهي تعتمد على الأسعار العالمية.
كما أشار إلى أن واردات العراق من الولايات المتحدة محدودة في طبيعتها، وتشمل بالأساس التكنولوجيا المتقدمة، والبرمجيات، وقطع غيار السيارات والطائرات، وتتراوح قيمتها بين 1.5 مليار و3 مليارات دولار سنويًا، وهي بدورها لا تخضع لهذه الرسوم الجمركية الجديدة.
واعتبر صالح أن القرار الأميركي بمثابة "إشارة ضغط"، الهدف منها إبعاد العراق عن شركائه التجاريين الكبار، وعلى رأسهم الصين، مشيرًا إلى أنه لا يوجد فعليًا ما "يُصدّره العراق إلى الولايات المتحدة حتى يُخضعه القرار للتعرفة"، مضيفًا أن الإجراء يحمل دلالة سياسية أكثر من كونه قرارًا اقتصاديًا موضوعيًا.
ولفت صالح إلى أن الميزان التجاري بين العراق والصين يتجاوز 53 مليار دولار سنويًا، وهو رقم ضخم مقارنة بحجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، الذي لا يتجاوز في أفضل أحواله 10 مليارات دولار.
وقال إن الصين فرضت نفسها كأكبر شريك تجاري للعراق، وأن "أسعارها التنافسية" استطاعت النفاذ إلى الأسواق العراقية وحتى الأميركية، مشددًا على أن العراق لا يعارض الاستيراد من أي جهة، شريطة أن يكون ذلك على أساس التنافسية وليس الضغط والإجبار. وأضاف أن اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن عام 2008 كان من المفترض أن تُفعَّل بما يضمن معالجة هذه الإشكاليات عبر أدوات دبلوماسية اقتصادية لا عبر قرارات منفردة.
وأكد أن العراق ملتزم بسياسة خارجية حيادية، وأنه لا يرى أي مبرر لتوجيه مثل هذا القرار له، في ظل غياب مشاكل حقيقية على مستوى العلاقات الثنائية.
فرصة لإعادة ترتيب العلاقات التجاريةمن جهته، يرى الخبير الاقتصادي صفوان قصي أن القرار الأميركي، رغم ما يثيره من مخاوف ظاهرية، يحمل في طياته فرصة لإعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وأشار في حديثه لـ "الجزيرة نت" إلى أن هذه الخطوة من البيت الأبيض تمثل محاولة لإعادة ترتيب الأوراق التجارية مع العراق، وإيجاد مساحات مشتركة لتوسيع نطاق التعاون.
وقال إن من الممكن استثمار هذا القرار في تفعيل استثناءات جمركية متبادلة، تتيح تدفق السلع الأميركية إلى الأسواق العراقية دون رسوم إضافية، مما يعزز فرص الاستثمار الأميركي المباشر في العراق، لا سيما في القطاعات الإنتاجية غير النفطية، مثل الصناعات التحويلية والمنتجات الغذائية.
وأوضح أن الاتفاقيات طويلة الأجل بين البلدين يمكن أن تُبنى على نموذج "التصفير الجمركي المتبادل"، بحيث تستفيد الشركات الأميركية من دخول السوق العراقي، بينما يتمكن العراق من فتح نافذة لصادراته غير النفطية نحو الأسواق الأميركية.
إعلان تحديات على المدى المتوسطوحذر قصي من أن العراق يواجه تحديا متزايدا في ملف العجز المالي، خاصة مع تراجع إيرادات النفط في ظل انخفاض الأسعار. وأشار إلى تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، أفاد بأن سعر النفط اللازم لتحقيق التعادل في الميزانية العراقية ارتفع بأكثر من 55%.
وفي هذا السياق، فإن أي توترات تجارية أو تقييدات على التبادل مع الشركاء الدوليين قد تعقّد جهود الحكومة في ضبط النفقات وتمويل مشاريع التنمية.
وأضاف أن نجاح العراق في بناء علاقات اقتصادية مرنة ومستقرة مع واشنطن قد يساعده على تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين، وفتح الباب أمام وصول أوسع إلى الأسواق المالية الأميركية.
ورأى صفوان قصي أن الخطاب الأميركي الأخير يتضمن إشارة ضمنية إلى رغبة الولايات المتحدة في أن ينفتح العراق اقتصاديا باتجاهها، سواء عبر تدفق سلعها للأسواق العراقية، أو عبر استثمارات عراقية مباشرة داخل الولايات المتحدة.
وتحدّث عن إمكانية إنشاء مصافٍ ومصانع عراقية للمنتجات الغذائية على الأراضي الأميركية، وتأسيس محافظ استثمارية في الأسواق الأميركية، بما يسهم في خلق علاقات تبادلية جديدة بين الطرفين.
وأكد أن السوق العراقي يُعتبر "سوقا دولاريا" بطبيعته، مما يجعله بيئة مناسبة لتوسيع نطاق التعامل التجاري والمالي مع الولايات المتحدة، خاصة في المجالات الحيوية مثل التكنولوجيا والطاقة والتحديث الأمني والدفاعي.
ما وراء القرار الأميركيولا يبدو أن القرار الأميركي بفرض رسوم جمركية على الصادرات العراقية سيترك أثرا اقتصاديا مباشرا في المدى القريب، بالنظر إلى ضآلة حجم التبادل غير النفطي بين البلدين.
ومع ذلك، فإن الرمزية السياسية للقرار تضعه في خانة "أوراق الضغط" التي تستخدمها واشنطن في لحظة إقليمية حساسة، تسعى فيها إلى تحجيم الشراكات التجارية العراقية مع خصومها الإستراتيجيين، وعلى رأسهم الصين.
وإذا كان القرار يفتقر إلى الأثر الملموس، فإن دلالته لا يمكن إغفالها، لا سيما في ظل حاجة العراق لإعادة ترتيب أوراقه الاقتصادية، وتنويع علاقاته الخارجية بعيدًا عن ثنائية "الضغوط أو التبعية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات إلى الولایات المتحدة الصادرات العراقیة بین البلدین العراق من أن العراق إلى أن
إقرأ أيضاً:
أردوغان يدعو مادورو إلى مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة
أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مكالمة هاتفية بنظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، ودعاه إلى مواصلة الحوار مع واشنطن على وقع تصاعد مخاوف كراكاس من تحرك عسكري أمريكي.
وقال أردوغان لمادورو، بحسب بيان لمكتب الرئيس التركي: "من المهم إبقاء قنوات الحوار مفتوحة بين الولايات المتحدة وفنزويلا"، مبديًا أمله في "احتواء التوتر في أقرب وقت ممكن".
أخبار متعلقة الرئيس التركي: السلام العالمي لن يتحقق دون إقامة دولة فلسطينسيناتور جمهوري.. الولايات المتحدة عرضت على مادورو مغادرة فنزويلاترامب يجرى مكالمة هاتفية مع مادورو.. ماذا قال عنها؟وأكد إردوغان أن تركيا تتابع من كثب التطورات في المنطقة، وترى أن "المشكلات يمكن حلها بالحوار".قلق الرئيس التركيقالت وزارة الخارجية الفنزويلية في بيان، إن الرئيس التركي أعرب عن "قلقه العميق إزاء التهديدات التي تواجه فنزويلا، وخاصة الانتشار العسكري والإجراءات المختلفة التي تهدف إلى تعطيل السلام والأمن في منطقة البحر الكاريبي".
أضاف بيان الوزارة أن مادورو "شرح بالتفصيل الطبيعة غير القانونية وغير المتكافئة وغير الضرورية وحتى الباهظة لهذه التهديدات".
وبحث الزعيمان أيضًا التعليق الشامل للرحلات الجوية الدولية إلى فنزويلا بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي أنه يجب اعتبار المجال الجوي الفنزويلي "مغلقًا".
ويوم الأربعاء أكد الرئيس الفنزويلي أنه أجرى مكالمة هاتفية ودية مع نظيره الأمريكي قبل 10 أيام.
وأقر ترامب الأحد بإجراء هذه المكالمة من دون الغوص في أي تفاصيل.حشد عسكري أمريكي في الكاريبيفي وقت سابق من هذا الأسبوع، استدعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كبار مسؤولي الأمن القومي لمناقشة قضية فنزويلا بعد أشهر من التوتر مع كراكاس.
ويتهم ترامب مادورو بقيادة كارتيل مخدرات، لكن فنزويلا تنفي ذلك.
وتكثف واشنطن الضغط على كراكاس عبر حشد عسكري في منطقة البحر الكاريبي، حيث نفذت أكثر من 20 ضربة استهدفت قوارب يشتبه في تورطها بتهريب المخدرات، ما تسبب في مقتل 87 شخصًا على الأقل.
والشهر الماضي، أرسلت واشنطن أكبر حاملة طائرات في العالم إلى منطقة البحر الكاريبي، إلى جانب أسطول من القطع الحربية، وأعلنت إغلاق المجال الجوي الفنزويلي في شكل تام.
لتركيا علاقات وثيقة بفنزويلا، وقد زارها إردوغان في ديسمبر 2018 لإعلان دعمه لمادورو بعد أن رفضت واشنطن وعدة دول أوروبية إعادة انتخابه على خلفية اتهامات بالتزوير.
وأورد العديد من المسؤولين الأمريكيين أنه في حال أُجبر مادورو على التنحي فقد يلجأ إلى تركيا.