23 يوليو سطرها الجيش والشعب.. «ثورة بيضاء» حققت أحلام المقهورين في التحرر والكرامة والسيادة
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
حين تنكسر قيود الصمت في ظلمة الفجر، وتعلو في السماء نغمة وطن يثور.. تولد الثورات، ولم تكن 23 يوليو مجرد تاريخ محفور على الورق، بل كانت نبضًا تفجّر في شرايين مصر، وصرخة أطلقها الضباط الأحرار بالحبر والنار على جدران الزمن. ثورة لم تحمل فقط السلاح، بل حملت الحلم… حلم العدالة، والحرية، والكرامة، وخرجت من رحم المعاناة لتقول إن مصر لا تُباع، وإن شعبها لا يُهان، في فجر ذلك اليوم، لم يتغير نظام فقط، بل تبدلت الملامح، ورفعت الهامات المنكسرة، وتكلمت مصر بصوتها الحقيقي لأول مرة منذ زمن طويل.
وبتجدد الذكرى يتجدد الحديث عما أحدثته ثورة 23 يوليو 1952 التي فجرها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار، من تغييرات جذرية في المجتمع المصري على كافة المستويات.
دور ثورة 23 يوليو في الإصلاح السياسي والاجتماعيويشير اللواء د.نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، إلى الدور الاستثنائي لـ ثورة 23 يوليو 1952 على كافة المستويات والأصعدة، قائلًا: «عندما نتحدث عن ثورة 23 يوليو، سأستعيد الزعم الخالد جمال عبد الناصر، بأن هذا الجيل هو جيل يوليو عام 1952، فإذا نظرنا إلى حال مصر في هذا التوقيت من ثلاثة وسبعين عامًا، فمن ناحية الحالة الاقتصادية والحالة الاجتماعية سأكتفي بذكر الدراسة التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية، والتي جاء بموجبها أن 99.5% من ثروة مصر يمتلكها نصف في المائة من الشعب المصري والعكس صحيح بمعنى أن 0.5% من ثروة مصر يمتكلها 99.5% من الشعب، ما يشير إلى أن الميزان مقلوب تمامًا».
ويضيف سالم في حديثه لـ «الأسبوع»: «وإذا كان الميزان الاقتصادي بهذه الشاكلة فكيف بالميزان الاجتماعي؟ حيث كان محاربة الحفاء «أي ارتداء الأحذية في القدمين» هو الشغل الشاغل للأحزاب المصرية، ناهيك عن أن مصر كانت تحت سطوة الاحتلال الإنجليزي لقرابة 70 عامًا، وفي سياق الحديث عن ثورة 23 يوليو، لا يفوتنا التذكير بمذكرات السياسي البريطاني أنطوني إيدن».
ويستطرد سالم:«أنطوني إيدن شغل منصب وزير خارجية بريطانيا عام 1954، وكان له دور محوري في التوقيع على اتفاقية الجلاء مع مصر، التي مهّدت لإنهاء الوجود البريطاني على الأراضي المصرية. لاحقًا، تولى إيدن رئاسة الوزراء في عام 1956، وهو العام الذي شهد العدوان الثلاثي على مصر، والذي شنّته كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عقب تأميم قناة السويس، فمن مفارقات التاريخ التي تكشف عن التناقضات العميقة في المشهد السياسي المصري منتصف القرن الماضي، ما أورده «إيدن» في مذكراته التي نُشرت في تسعينيات القرن العشرين».
ويشير سالم إلى أن إيدن قال في مذكراته: «كنا نجلس صباحًا مع ضباط الثورة نتحدث عن ترتيبات الجلاء، ثم يأتي إلينا في المساء ممثلو جماعة الإخوان المسلمين ليطالبونا بعدم مغادرة مصر، ويحثونا على البقاء وعدم الانسحاب » متابعا: «هذا المشهد المليء بالمفارقات يصل إلى ذروته في 26 أكتوبر 1954، يوم توقيع اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا. ففي الوقت الذي توجه فيه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى الإسكندرية للاحتفال مع الجماهير بهذا الإنجاز التاريخي، تعرّض لمحاولة اغتيال في ميدان المنشية، اتُهمت جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراءها. تلك الحادثة الشهيرة مثّلت ذروة الصدام بين السلطة الجديدة في مصر والتنظيم الذي كان يسعى لفرض رؤيته على مستقبل البلاد».
ويتابع رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق: «لم تكن ثورة 23 يوليو 1952 مجرّد تحرك عسكري أنهى عهد الملكية، بل كانت نقطة تحول كبرى وضعت مصر على طريق الاستقلال الحقيقي والتنمية الشاملة. ويكفي أن نذكر أن مشروع السد العالي، الذي كان مجرد حلم فخاطراً فاحتمالاً، لم يكن ليرى النور لولا هذه الثورة. قبل بنائه، لم تكن الأراضي الزراعية في مصر تتجاوز خمسة ملايين فدان، معظمها يُروى بنظام الري الحياضي، أي بماء الفيضان السنوي لمرة واحدة فقط. أما اليوم، بفضل السد، ارتفعت المساحة إلى تسعة ملايين فدان تُزرع مرات متعددة على مدار العام».
ثورة 30 يونيو.. استكمال لمسار يوليو
ويستكمل سالم: «وتواصلت الإنجازات بعد ثورة 30 يونيو 2013، التي يُنظر إليها كامتداد لمسار يوليو، حيث أُضيف نحو 4.5 مليون فدان جديدة إلى الرقعة الزراعية، ما يمثل زيادة تقارب 50%، في إطار مشروع استصلاح الأراضي الذي يعد من أبرز مشروعات العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة، أما على صعيد العدالة الاجتماعية، فقد دشنت قوانين يوليو الاشتراكية مرحلة جديدة من إعادة توزيع الثروة. فبعد أن كانت الأرض الزراعية حكرًا على كبار الملاك، أصبحت في أيدي صغار الفلاحين، الذين لم يكن يملك بعضهم سوى الحفاء. تحوّل هؤلاء إلى ملاك حقيقيين، يمتلكون أرضًا ومحاصيل وحيوانات، وأصبح لهم دخل ومكانة في مجتمع جديد أكثر إنصافًا».
ويقول سالم: «ولم تقف ثورة يوليو عند الأرض، بل امتدت إلى التعليم، حيث أصبح مجانيًا في جميع مراحله، ما أتاح لأبناء الطبقات البسيطة الوصول إلى أعلى مراتب العلم. من هذا التعليم المجاني خرجت أسماء لامعة مثل العالم أحمد زويل، وجراح القلب العالمي مجدي يعقوب، والعالم الجيولوجي فاروق الباز، وجميعهم أبناء هذا الوطن البسيط».
جيش وطني قويويواصل سالم قائلا: «وعلى مستوى الأمن القومي، سعت الثورة إلى بناء جيش وطني قوي، يكسر هيمنة الاحتلال البريطاني على تسليحه، كانت هزيمة 1948 في حرب فلسطين درسًا قاسيًا، حيث خاضت القوات المصرية المعركة بأسلحة قديمة وغير فعالة. ولذلك، كان أحد أهداف الثورة كسر احتكار السلاح، وهو ما تحقق بعقد أول صفقة سلاح شرقي مع الكتلة الشرقية عام 1955. هذه الخطوة الاستراتيجية أثارت غضب إسرائيل، ودفع رئيس وزرائها آنذاك، ديفيد بن جوريون، إلى إصدار أوامر لوزير دفاعه موشيه ديان بالاستعداد لحرب تهدف إلى تدمير الجيش المصري قبل أن يستوعب السلاح الجديد».
ويختتم سالم قائلًا: «هكذا كانت ثورة يوليو، كما وصفها كثيرون، ثورة ذات «أيادٍ بيضاء» امتدت لتلمس حياة كل مصري، في الأرض، والتعليم، والكرامة، والسيادة الوطنية».
ثورة 23 يوليو 1952تُعد ثورة 23 يوليو 1952 واحدة من أبرز المحطات في التاريخ المصري الحديث، إذ مثّلت تحوّلًا جذريًا في بنية الدولة والمجتمع المصري، وأطلقت شرارة التغيير في المنطقة العربية كلها.
قاد الثورة البكباشي جمال عبد الناصر ورفاقه من «الضباط الأحرار»، وجاءت الثورة استجابة لحالة الغضب الشعبي العارم ضد فساد النظام الملكي، وتردي الأوضاع الاقتصادية، والتبعية للاستعمار البريطاني الذي ظل جاثمًا على مصر لعقود.
اقرأ أيضاً«الاتحاد المصري لحقوق الإنسان» تهنئ القيادة السياسية والشعب المصري بذكرى ثورة يوليو
الذكرى الـ 73 لثورة يوليو 1952
ملك البحرين يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة يوليو المجيدة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: ثورة 23 يوليو 23 يوليو ذكرى ثورة 23 يوليو ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 جمال عبد الناصر ثورة 23 یولیو 1952 ثورة یولیو
إقرأ أيضاً:
ماذا حققت سوريا اقتصاديا بعد عام على سقوط الأسد؟
شهدت سوريا خلال العام الأول الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد تحولات اقتصادية متباينة بين مؤشرات إيجابية أولية وتحديات بنيوية عميقة.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن بيان اتحاد غرف التجارة السورية بمناسبة ذكرى يوم التحرير أن السوق المحلية أصبحت تتمتع بآفاق واسعة للاستثمار والتنمية.
وأشارت إلى أن رجال الأعمال الذين غادروا البلاد خلال سنوات الحرب سيعودون بخبراتهم للمشاركة في جهود الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد.
إجراءات حكومية ورفع العقوباتعملت الحكومة خلال تلك الفترة على تنفيذ حزمة من الإجراءات الهادفة إلى رفع العقوبات الدولية وإعادة بناء البيئة التشريعية والاستثمارية، وذلك بهدف جذب رؤوس الأموال، وتحسين حركة التجارة، وتمكين القطاع الخاص من استئناف نشاطه.
وتمكنت دمشق من رفع جانب كبير من العقوبات التي كانت مفروضة عليها واستأنفت علاقاتها بالمؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما نجحت الشهر الماضي في العودة إلى نظام "سويفت" (SWIFT) الذي سيربطها ماليا ببنوك العالم ومختلف الدول.
وتعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي ببذل كل ما في وسعه لإنجاح سوريا وذلك عقب محادثات مع الرئيس السوري أحمد الشرع في واشنطن.
وتحتاج سوريا إلى إجراء تحويلات مع المؤسسات المالية الدولية من أجل إدخال مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد الذي دمرته الحرب. يأتي ذلك في إطار رفع العقوبات الدولية عن سوريا، وكان آخرها تمديد وزارة الخزانة الأميركية خلال الشهر الجاري تعليق "قانون قيصر" لمدة 180 يوما.
لكنّ رفع هذه العقوبات بشكل كامل مرهون بموافقة الكونغرس الأميركي..
ورغم ذلك، بقي القطاع المصرفي يعمل تحت قيود شديدة بسبب نقص السيولة، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي، وضعف الثقة في النظام المالي.
لكن ومع نهاية العام الأول، بدأت المصارف تستعيد تدريجيا قدرتها على التعامل عبر نظام التحويلات المصرفية العالمية، مما عُدّ خطوة مهمّة لإعادة وصل الاقتصاد السوري بالعالم.
تحديات القطاع المصرفييواجه إصلاح القطاع المصرفي تحديات كبيرة أبرزها غياب البيانات الرسمية الدقيقة المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي، والتضخم، وميزان المدفوعات.
إعلانوهو ما يشكل عقبة أساسية أمام وضع خطط اقتصادية ومالية فعّالة، ويحدّ من قدرة المصارف على تقييم المخاطر وإدارة عملياتها.
آفاق مستقبلية
ورغم هذه التحديات، يتوقع اقتصاديون أن يسهم رفع القيود الغربية والأميركية تدريجيا في:
تحسين العمليات المالية إعادة تنشيط القطاع المصرفي تعزيز تدفق السيولة الأجنبية، وذلك بما يهيئ الأرضية لعودة النشاط الاقتصادي بوتيرة أفضل خلال السنوات التالية.وبحسب خبراء اقتصاد، فإن العام الأول بعد سقوط النظام شهد استمرار عجز الميزان التجاري نتيجة ضعف القدرة الإنتاجية، ومحدودية الصادرات، واعتماد البلاد بشكل كبير على السلع والمنتجات المستوردة.
وقبل أيام أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية أن اقتصاد بلاده ينمو بوتيرة تفوق بكثير تقديرات البنك الدولي البالغة 1% لعام 2025، وذلك بفضل عودة نحو 1.5 مليون لاجئ خلال الفترة الأخيرة، جاء ذلك وفق تصريحات أدلى بها عبر رابط فيديو إلى مؤتمر "رويترز نكست" في نيويورك.
وقال حصرية إن الحكومة تسعى لإعادة بناء الثقة بعُملتها ونظامها المالي، من خلال طرح عُملة جديدة من 8 فئات مع حذف صفرين من الليرة السورية التي سجّلت نحو 11.057 ليرة مقابل الدولار مؤخرا على منصة "وورك سبيس" التابعة لمجموعة بورصات لندن. وأوضح "ستكون العملة الجديدة إشارة ورمزا لهذا التحرر المالي".
البنية التحتية
على صعيد آخر، سُجل تحسن تدريجي في البنية التحتية للنقل من خلال فتح طرق رئيسية كانت مغلقة وتأهيل شبكات متضررة، وتعزيز الربط بين المحافظات.
وتُعد هذه الخطوات أساسية لإعادة تنشيط الحركة التجارية وتسهيل تنقل البضائع والأفراد.
كما برز خلال هذا العام تطور كبير في مرفأي طرطوس واللاذقية، حيث بدأت أعمال إصلاح وتأهيل واسعة أتاحت رفع قدرة المرفأين على استقبال آلاف البواخر القادمة إلى سوريا، في خطوة وصفها مسؤولون بأنها حيوية لعودة النشاط التجاري وتدفق السلع.
وفي موازاة ذلك، تتواصل أعمال تحسين البنية التحتية داخل المدن من شبكات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، وذلك لتسهيل حياة المواطنين، وتمكين المستثمرين من استئناف نشاطهم في بيئة أقل كلفة وأكثر كفاءة.
تحسّن في الكهرباء
قطاع الكهرباء شهد بدوره تحسنا ملحوظا، إذ ارتفع متوسط تزويد المواطنين بالكهرباء من 4 ساعات يوميا إلى 10 ساعات.
أما المدن الصناعية فقد أصبحت تحصل على تغذية كهربائية كاملة على مدار 24 ساعة، ما أعاد للمصانع القدرة على العمل بنظام ورديات كاملة وبشكل متواصل، وهو ما يعد عنصرا أساسيا في تحريك عجلة الإنتاج.
إجراءات التخفيف عن السوريينإن أهم ما يشغل الشارع السوري اليوم، هو تسهيل ظروف الحياة والتخفيف عنه في ظل ارتفاع الأسعار وقلة الدخل، وتشير البيانات الرسمية إلى اتخاذ عدد من الخطوات، أبرزها:
خفض أسعار المشتقات النفطية بنسبة 25% خلال الشهرين الماضيين رفع الرواتب والأجور بنسبة 200% خلال الصيف الماضي توقعات بزيادة جديدة للرواتب لتقليص الفجوة بين الدخل وتكلفة المتطلباتومن شأن هذه الإجراءات أن تسهم في:
تحسين القدرة الشرائية للسوريين خلق فرص عمل جديدة وتقليل البطالة عبر تدفق الاستثمارات. الاستثمارات الأجنبيةبحسب الأرقام الرسمية، فقد بلغت الاستثمارات الأجنبية خلال عام من سقوط الأسد نحو 28 مليار دولار، ورغم أن المبلغ يُعد متواضعا مقارنة بحجم الاحتياجات الضخمة للبلاد التي تعرضت لتدمير كبير، ولكنه الأكبر منذ سنوات طويلة ويمثل عودة تدريجية لثقة المستثمرين بالسوق السورية.
إعلانوفي سياق الحديث عن اتجاهات الاستثمار المستقبلية ومع الإعلان عن حزمة واسعة من التسهيلات، توقع خبراء اقتصاديون أن يتضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية والعربية خلال الفترة المقبلة، مدفوعا بتحسّن البيئة التشريعية وتخفيف القيود المالية.
ويُنظر إلى عودة الاستثمارات المحتملة على أنها عامل رئيسي في دعم عجلة الإنتاج وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي، خاصة أن المستثمر المحلي يمتلك خبرة طويلة في طبيعة الأنشطة الصناعية والزراعية داخل البلاد.