ماذا حققت سوريا اقتصاديا بعد عام على سقوط الأسد؟
تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT
شهدت سوريا خلال العام الأول الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد تحولات اقتصادية متباينة بين مؤشرات إيجابية أولية وتحديات بنيوية عميقة.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن بيان اتحاد غرف التجارة السورية بمناسبة ذكرى يوم التحرير أن السوق المحلية أصبحت تتمتع بآفاق واسعة للاستثمار والتنمية.
وأشارت إلى أن رجال الأعمال الذين غادروا البلاد خلال سنوات الحرب سيعودون بخبراتهم للمشاركة في جهود الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد.
عملت الحكومة خلال تلك الفترة على تنفيذ حزمة من الإجراءات الهادفة إلى رفع العقوبات الدولية وإعادة بناء البيئة التشريعية والاستثمارية، وذلك بهدف جذب رؤوس الأموال، وتحسين حركة التجارة، وتمكين القطاع الخاص من استئناف نشاطه.
وتمكنت دمشق من رفع جانب كبير من العقوبات التي كانت مفروضة عليها واستأنفت علاقاتها بالمؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما نجحت الشهر الماضي في العودة إلى نظام "سويفت" (SWIFT) الذي سيربطها ماليا ببنوك العالم ومختلف الدول.
وتعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي ببذل كل ما في وسعه لإنجاح سوريا وذلك عقب محادثات مع الرئيس السوري أحمد الشرع في واشنطن.
وتحتاج سوريا إلى إجراء تحويلات مع المؤسسات المالية الدولية من أجل إدخال مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد الذي دمرته الحرب. يأتي ذلك في إطار رفع العقوبات الدولية عن سوريا، وكان آخرها تمديد وزارة الخزانة الأميركية خلال الشهر الجاري تعليق "قانون قيصر" لمدة 180 يوما.
لكنّ رفع هذه العقوبات بشكل كامل مرهون بموافقة الكونغرس الأميركي..
ورغم ذلك، بقي القطاع المصرفي يعمل تحت قيود شديدة بسبب نقص السيولة، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي، وضعف الثقة في النظام المالي.
لكن ومع نهاية العام الأول، بدأت المصارف تستعيد تدريجيا قدرتها على التعامل عبر نظام التحويلات المصرفية العالمية، مما عُدّ خطوة مهمّة لإعادة وصل الاقتصاد السوري بالعالم.
تحديات القطاع المصرفييواجه إصلاح القطاع المصرفي تحديات كبيرة أبرزها غياب البيانات الرسمية الدقيقة المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي، والتضخم، وميزان المدفوعات.
إعلانوهو ما يشكل عقبة أساسية أمام وضع خطط اقتصادية ومالية فعّالة، ويحدّ من قدرة المصارف على تقييم المخاطر وإدارة عملياتها.
آفاق مستقبلية
ورغم هذه التحديات، يتوقع اقتصاديون أن يسهم رفع القيود الغربية والأميركية تدريجيا في:
تحسين العمليات المالية إعادة تنشيط القطاع المصرفي تعزيز تدفق السيولة الأجنبية، وذلك بما يهيئ الأرضية لعودة النشاط الاقتصادي بوتيرة أفضل خلال السنوات التالية.وبحسب خبراء اقتصاد، فإن العام الأول بعد سقوط النظام شهد استمرار عجز الميزان التجاري نتيجة ضعف القدرة الإنتاجية، ومحدودية الصادرات، واعتماد البلاد بشكل كبير على السلع والمنتجات المستوردة.
وقبل أيام أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية أن اقتصاد بلاده ينمو بوتيرة تفوق بكثير تقديرات البنك الدولي البالغة 1% لعام 2025، وذلك بفضل عودة نحو 1.5 مليون لاجئ خلال الفترة الأخيرة، جاء ذلك وفق تصريحات أدلى بها عبر رابط فيديو إلى مؤتمر "رويترز نكست" في نيويورك.
وقال حصرية إن الحكومة تسعى لإعادة بناء الثقة بعُملتها ونظامها المالي، من خلال طرح عُملة جديدة من 8 فئات مع حذف صفرين من الليرة السورية التي سجّلت نحو 11.057 ليرة مقابل الدولار مؤخرا على منصة "وورك سبيس" التابعة لمجموعة بورصات لندن. وأوضح "ستكون العملة الجديدة إشارة ورمزا لهذا التحرر المالي".
البنية التحتية
على صعيد آخر، سُجل تحسن تدريجي في البنية التحتية للنقل من خلال فتح طرق رئيسية كانت مغلقة وتأهيل شبكات متضررة، وتعزيز الربط بين المحافظات.
وتُعد هذه الخطوات أساسية لإعادة تنشيط الحركة التجارية وتسهيل تنقل البضائع والأفراد.
كما برز خلال هذا العام تطور كبير في مرفأي طرطوس واللاذقية، حيث بدأت أعمال إصلاح وتأهيل واسعة أتاحت رفع قدرة المرفأين على استقبال آلاف البواخر القادمة إلى سوريا، في خطوة وصفها مسؤولون بأنها حيوية لعودة النشاط التجاري وتدفق السلع.
وفي موازاة ذلك، تتواصل أعمال تحسين البنية التحتية داخل المدن من شبكات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، وذلك لتسهيل حياة المواطنين، وتمكين المستثمرين من استئناف نشاطهم في بيئة أقل كلفة وأكثر كفاءة.
تحسّن في الكهرباء
قطاع الكهرباء شهد بدوره تحسنا ملحوظا، إذ ارتفع متوسط تزويد المواطنين بالكهرباء من 4 ساعات يوميا إلى 10 ساعات.
أما المدن الصناعية فقد أصبحت تحصل على تغذية كهربائية كاملة على مدار 24 ساعة، ما أعاد للمصانع القدرة على العمل بنظام ورديات كاملة وبشكل متواصل، وهو ما يعد عنصرا أساسيا في تحريك عجلة الإنتاج.
إجراءات التخفيف عن السوريينإن أهم ما يشغل الشارع السوري اليوم، هو تسهيل ظروف الحياة والتخفيف عنه في ظل ارتفاع الأسعار وقلة الدخل، وتشير البيانات الرسمية إلى اتخاذ عدد من الخطوات، أبرزها:
خفض أسعار المشتقات النفطية بنسبة 25% خلال الشهرين الماضيين رفع الرواتب والأجور بنسبة 200% خلال الصيف الماضي توقعات بزيادة جديدة للرواتب لتقليص الفجوة بين الدخل وتكلفة المتطلباتومن شأن هذه الإجراءات أن تسهم في:
تحسين القدرة الشرائية للسوريين خلق فرص عمل جديدة وتقليل البطالة عبر تدفق الاستثمارات. الاستثمارات الأجنبيةبحسب الأرقام الرسمية، فقد بلغت الاستثمارات الأجنبية خلال عام من سقوط الأسد نحو 28 مليار دولار، ورغم أن المبلغ يُعد متواضعا مقارنة بحجم الاحتياجات الضخمة للبلاد التي تعرضت لتدمير كبير، ولكنه الأكبر منذ سنوات طويلة ويمثل عودة تدريجية لثقة المستثمرين بالسوق السورية.
إعلانوفي سياق الحديث عن اتجاهات الاستثمار المستقبلية ومع الإعلان عن حزمة واسعة من التسهيلات، توقع خبراء اقتصاديون أن يتضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية والعربية خلال الفترة المقبلة، مدفوعا بتحسّن البيئة التشريعية وتخفيف القيود المالية.
ويُنظر إلى عودة الاستثمارات المحتملة على أنها عامل رئيسي في دعم عجلة الإنتاج وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي، خاصة أن المستثمر المحلي يمتلك خبرة طويلة في طبيعة الأنشطة الصناعية والزراعية داخل البلاد.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
عام على سقوط الأسد.. صحفيو سوريا يتمتعون بحريتهم بعد 50 عاما
بعد مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، الذي حكمت عائلته سوريا بـالحديد والنار مدة 5 عقود، يتمتع الصحفيون السوريون بحرية واسعة في أداء عملهم، ولكنهم يواجهون في الوقت ذاته تحديات أخرى، مرتبطة بتنظيم المهنة وطبيعة بعض المناطق غير المستقرة في البلاد.
وأشار 20 صحفيا في سوريا إلى أن الظروف تحسنت بشكل كبير، إذ يمكن لجميع وسائل الإعلام السفر والتغطية بحرية، بما في ذلك التغطية الناقدة للحكومة الجديدة، على الرغم أن أسس حرية الصحافة الحقيقية لم تترسخ بعد، وفق لجنة حماية الصحفيين الدولية.
وبحسب اللجنة، فإن معظم حالات القتل والإصابات والاعتقالات والاعتداءات التي تعرض لها الصحفيون منذ الإطاحة بالأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، نجمت عن الانقسامات السياسية في البلاد، وغالبا ما تُرتكب الانتهاكات على يد المليشيات الإقليمية، وليس من قبل الأجهزة التابعة للحكومة الجديدة.
صحفي سوري يلتقي عائلته بعد غياب 14 عامًا#الجزيرة_سوريا pic.twitter.com/b3bw1ZPogR
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 31, 2024
فروقات كبرى وتطورات مشجعة
وتوقف مراسل قناة "سوريا تي في"، أنس إدريس عن استخدام اسم مستعار في عمله، لأنه بات يشعر بأمان أكبر في ظل الحكومة الجديدة، مؤكدا أن تغييرا كبيرا جدا حدث في المشهد الصحفي، لأن السلطات الجديدة لا تتدخل في التغطية الصحفية ما لم "يحرض الصحفي على العنف".
وأعرب إدريس عن سعادته برد فعل الحكومة عندما تعرض للتهديد في سبتمبر/أيلول من قِبل أحد أفراد قوات الأمن الذي حذره على فيسبوك قائلا: "لا تلعب بالنار"، مضيفا أن المسؤولين العاملين لدى محافظ مدينة القصير عينوا محاميا وقدموا شكوى نيابة عنه، وعلى إثر ذلك اعتُقل الضابط المتورط على الفور.
ويؤكد علي عيد، رئيس تحرير موقع "عنب بلدي" الإخباري، ومدير منصة التحقيقات "سيريا إنديكيتور" أن هناك تطورات مشجعة، مثل توقف الرقابة الحكومية عن مراجعة محتوى الصحفيين قبل النشر.
إعلانوقال: "أنا أعمل بحرية، لا توجد خطوط حمراء، ولا أحد يمنعنا من النشر، ولا أحد يطلب منا ألا نكتب بصرامة"، داعيا إلى مزيد من الإصلاحات، مضيفا "نحن بحاجة إلى بيئة مستقرة حقا تتضمن قوانين واضحة لحماية عمل وسائل الإعلام"، مشددا على أهمية تدقيق الحقائق ومكافحة المعلومات المضللة.
الخطر في بعض المناطق قائموفي مارس/آذار الماضي، أُطلقت النار على 3 صحفيين، وتعرض آخرون للاعتداء، معظمهم من قِبل قوات موالية للأسد في محافظة اللاذقية الساحلية.
لكن على الرغم من انتقاده الحكومة الجديدة في ملفات متعددة يقول كمال شاهين، الصحفي المستقل المقيم في اللاذقية "لا توجد رقابة أو قيود في الوقت الحالي".
وأشارت اللجنة الدولية إلى مقتل صحفيين وتعرض آخرين لإطلاق النار والمضايقة خلال الاشتباكات التي وقعت في يوليو/تموز بين المليشيات الدرزية والقوات الحكومية في السويداء.
ويقول ريان معروف، رئيس تحرير موقع "السويداء 24" الذي يركز على الدروز، إنه أحد الصحفيين القلائل الذين ما زالوا في السويداء، حيث تمنع نقاط التفتيش الحكومية الصحفيين المستقلين من دخول المدينة، مضيفا "الصحفيون هم مع الأسف الحلقة الأضعف لأنهم يتعرضون للتهديد من جميع الأطراف".
واندلع اشتباك جديد على الحدود الجنوبية لسوريا مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث سيطرت إسرائيل عقب سقوط الأسد على منطقة عازلة منزوعة السلاح -أُنشئت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974- في مرتفعات الجولان، بالإضافة إلى أجزاء من دمشق، في حين تُشن غارات إسرائيلية بشكل أسبوعي تقريبا.
ويقول نور الحسن، مراسل صحيفة المدن اللبنانية، الذي غطى العديد من الهجمات الإسرائيلية وطارده الجنود الإسرائيليون: "نواجه صعوبات شديدة للغاية وخوفا ورعبا عند محاولتنا توثيق ومراقبة الغارات الإسرائيلية"، مضيفا أن الصحفيين يواجهون خطر الاعتقال من قِبل إسرائيل، لكنهم يواصلون عملهم، حتى لو اضطروا إلى التصوير من خلف جدار أو نافذة أو أي زاوية يمكن التصوير منها.
وبحسب لجنة حماية الصحفيين ما زالت حرية الصحافة تتراجع في الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق البلاد، حيث واجهت وسائل الإعلام اعتداءات واعتقالات وحظرا منذ عام 2012.
وعود حكومية بالأفضلوعلقت حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع قوانين الصحافة التي كانت سارية في عهد الأسد، والتي كانت بمثابة أدوات عقابية أكثر منها أدوات حماية، وذكّر صحفيون بأن الإجراءات الأمنية المشددة والمراقبة إبان حكم الأسد جعلت الصحافة المستقلة شبه مستحيلة، إذ لم يُسمح إلا بترديد رواية الحكومة، وأي انحراف عن ذلك كان يؤدي إلى الاستجواب أو الاعتقال أو ما هو أسوأ.
وفي إيضاح للمفارقات في وضع الصحافة والإعلام في بلاده قبل سقوط نظام بشار الأسد وبعده، أشار وزير الإعلام حمزة المصطفى إلى مقتل أكثر من 700 صحفي خلال الثورة على الأسد بين عامي 2011 و2024.
وتخطط وزارة الإعلام، وفق مدير عام الشؤون الصحفية عمر حاج أحمد، إلى تشريع قانون حديث للإعلام يحترم حرية التعبير والمسؤولية المهنية، حيث عقدت الوزارة ما لا يقل عن 16 ورشة عمل حول أخلاقيات الإعلام.
إعلانويقول المصطفى إن سوريا انتقلت من "مملكة الخوف" واعتقال وقتل الصحفيين إلى بلد خال من أي معتقل بسبب رأيه أو منشوراته، مؤكدا عدم وجود صحفيين معتقلين في البلاد، باستثناء حالة واحدة قيد التحقيق.
وبيّن أن أكثر من 500 وسيلة إعلامية تعمل حاليا في سوريا، مضيفا "تلقينا نحو 3 آلاف طلب للحصول على بطاقات صحفية"، مشيرا إلى أن العمل جار من أجل معالجتها وإصدار البطاقات للصحفيين.
وقال "إن وزارة الإعلام انتقلت من وزارة الرقابة إلى وزارة صناعة محتوى إعلامي"، لافتا إلى السعي للعب دور فاعل في عملية صناعة المحتوى.