في مواجهة الحروب العبثية: العودة إلى الدولة الوطنية والمواطنة والتكامل الإقليمي
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
شهدنا خلال الأيام الأخيرة فصلا جديدا من الحروب العبثية في سوريا، والتي أدت إلى سقوط أكثر من ألف ضحية وتدمير المنازل والممتلكات ودخول العدو الإسرائيلي على خط المواجهات بحجة حماية طائفة الموحدين الدروز في مدينة السويداء، هذه الحرب العبثية هي امتداد لحروب عبثية أخرى عانى ويعاني منها العالم العربي والإسلامي، سواء داخل بعض الدولة كما جرى ويجري في اليمن وليبيا والعراق والصومال ولبنان والسودان، أو فيما بينها كما جرى سابقا بين العراق وإيران، أو كما جرى بين بعض دول الخليج، أو من خلال الحرب على اليمن، أو غيرها من الحروب العبثية التي عشناها ونعيشها إلى اليوم.
وكل هذه الحروب تؤكد الحاجة إلى قيام الدولة الوطنية القائمة على أسس العدالة والديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، والتعاون والتكامل بين دول المنطقة بدل الصراع على النفوذ وإفساح المجال أمام العدو الإسرائيلي والدول الأجنبية، وفي مقدمتها أمريكا، للتدخل في شؤون الدول والسيطرة أو الهيمنة عليها بأشكال متعددة، بحيث يستغل الأعداء الأخطاء التي تُرتكب لتبرير تدخلهم وتعزيز نفوذهم.
وإذا كانت بعض الشعوب العربية قد نجحت في إسقاط الأنظمة الفاسدة والديكتاتورية في السنوات العشر الأخيرة، فإن التحدي الأهم هو في كيفية قيام الدولة الوطنية أو دولة المواطنة؛ لأن البديل عن ذلك المزيد من الاقتتال والصراعات لأسباب معلنة أو مجهولة، والعنوان الوحيد لكل الصراعات ضمان الأمن والحريات والمشاركة في السلطة.
وقد وعى منتدى التكامل الإقليمي والذي تأسس قبل عدة سنوات في بيروت وضم عشرات المثقفين والباحثين العرب والأتراك والأكراد والإيرانيين ومن مختلف الطوائف والمذاهب؛ هذه الازمات التي يواجهها العالم العربي والإسلامي، فدعا إلى وقف الحروب العبثية والتعاون والتكامل بين دول الإقليم بدل الصراع على النفوذ.
ومن أبرز ما أكده المنتدى في وثائقه الأساسية والتي من من المهم العودة إليها اليوم؛ أن الحروب في المشرق عبثية ولن يكون من ورائها طائل البتة سوى القتل الجماعي والدمار والانحلال، كما أثبتت بجلاء، ومرّة بعد مرّة بتكرار مُمل، الحروبُ الأهلية الإسلامية- الإسلامية طيلة أكثر من ألف سنة، وكما أثبتت حروب العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وسيكون مُحتّما في لحظة ما أن يصل الجميع إلى القناعة بأن الحوار هو المنقذ الوحيد من ضلال الانتحار الجماعي، تماما كما اكتشف البروتستانت والكاثوليك الأوروبيون في القرن السابع عشر، حين يمموا وجههم نحو معاهدة وستفاليا طلبا للنجاة المشتركة بدل الهلاك المشترك، وهي التي أسست لقيام الدولة الوطنية القائمة على أساس المواطنة.
واليوم وفي ظل الحروب العبثية يجب العمل على استيلاد هذه اللحظة الوطنية لا انتظار ولادتها، لأن التدخلات الدولية الكثيفة في مجرى الصراع المشرقي، ستعمل دوما على إيقاد نيرانه كلما بدا أنه بدأ يخمد، وعلى تقوية الطرف الضعيف لدفعه إلى مواصلة الحرب ضد الطرف الأقوى.
ومن هنا ضرورة إطلاق شعاع نور وأمل يخترق السماء الداكنة في الإقليم، وأن نحث النخب العقلانية والمُخلصة التركية والإيرانية والكردية والعربية، على وضع أنموذج فكري- حضاري جديد يدير الظهر للشوفينية القومية والتعصب الديني، ويستند إلى القيم الروحانية الحضارية المشرقية- الإسلامية، والتكامل الإقليمي الجيو- ثقافي والجيو- استراتيجي بين دول الإقليم، إضافة إلى العمل المشترك لإنقاذ بيئة المنطقة من المهالك الوجودية التي تترّبص الدوائر بكل شعوب المنطقة بلا استثناء.
وهذا المشروع ليس سهلا ودونه عقبات خارجية غربية وإسرائيلية ضخمة ومعوقات داخلية أضخم. لكن، من كان يتصوّر، في المقابل، أن تقوم العدوتان التاريخيتان فرنسا وألمانيا ليس فقط بانهاء حقبة حروب دامت بينهما عشرات القرون، بل أيضا ببناء أضخم تنظيم إقليمي في العالم وهو الاتحاد الأوروبي؟ ومن كان يعتقد أن في وسع دول جنوب شرق آسيا أن تجلس إلى طاولة الحوار للتباحث حول بناء مستقبل مشترك بينها، وتقترب من لحظة إقامة هيكلية كونفيدرالية إقليمية بينها كمنظمة شنغهاي؟ بل من كان ليتصوّر أنه سيكون ممكنا للأعداء التاريخيين الصينيين واليابانيين والكوريين أن يتدارسوا بناء اتحاد على النمط الأوروبي بينهم؟
إقليم المشرق المتوسطي هو المنطقة الرقم واحد في العالم التي تمتلك كل مقومات التوحّد الجيو- استراتيجي المتطابق مع جغرافيتها وتاريخها. ومع ذلك فهي الآن الإقليم الوحيد أيضا في العالم الذي لا يزال يفتقد إلى هيكلية تعاونية إقليمية ويواجه حروبا داخلية وخارجية.
وللأسف، فإن الكيان الصهيوني هو المستفيد مما يجري، كما النظام العالمي الغربي، والهدف تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية ومذهبية وتعزيز الهيمنة الغربية على دول المنطقة.
ولذلك لا خيار لنا اليوم سوى العمل لإحياء القيم المشرقية الإسلامية والمسيحية، وبلورة الهوية الحضارية والروحانية والتاريخية الجامعة لكل أمم الإقليم، وبذل جهود حقيقية، فكرية وبحثية، من أجل تحقيق الإصلاح الديني ودعم كل المبادرات التي أعلنتها العديد من المؤسسات الدينية، خاصة الأزهر الشريف والفاتيكان، بما يؤمّن ليس فقط قيام دولة المواطنة أو الدولة المدنية في كل من دول الإقليم، بل يعيد كذلك بث الروح في القيم الروحانية المشرقية الإسلامية والمسيحية القائمة على وحدة وواحدية كل المخلوقات والكائنات، وكل الكون والوجود.
وفي موازاة قيام الدولة الوطنية القائمة على أسس المواطنة، لا بد أن يبدأ الحوار في المنطقة حول مسألة التكامل الإقليمي، والذي سيكون على رأس جدول أعماله الضرورة القصوى لصيانة واحتضان وترقية التنوّع الثقافي والعرقي لكل مكونات الإقليم (من سنة وشيعة ودروز وأكراد وأمازيغ وبلوش ومسيحيين وعلويين واسماعيليين وكلدان وأيزيدييين وسريان وأرمن.. الخ)، لأن مثل هذا التنوّع في إطار الوحدة، سيعزز إلى حد كبير وحدة الإقليم وتماسك النسيج الاجتماعي في كل من دوله. وإن بدء الحوار الهادئ والعقلاني حول التكامل الإقليمي، الذي سيكون في الواقع إيذانا ببدء اعتراف الجميع بـ"الأعماق الاستراتيجية" لكل أممه الأربع، سيؤدي أيضا إلى الاعتراف بالإعماق الثقافية- التاريخية لكل الأقليات، وسيعيد للحضارة المشرقية الإسلامية والمسيحية السمة الكبرى الأهم التي ميزّتها طيلة التاريخ عن الحضارات الأخرى، وهي قبول التنوّع والتعدد في إطار الوحدة، والاعتراف بالآخر.
هذا هو الطريق الاقصر لإنهاء الحروب ومعالجة أسبابها، وإلا فنحن ذاهبون إلى المزيد من الحروب العبثية والاقتتال الداخلي، ودخول العدو الصهيوني المدعوم أمريكيا على الخط.
فهل نعي ما ينتظرنا أو نغرق في الحروب والصراعات؟
x.com/kassirkassem
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه سوريا الحرب العربي سوريا اسلام عرب حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القائمة على
إقرأ أيضاً:
الشراكة الوطنية في ظل المسيرة القرآنية المباركة .. مشروع جامع في وجه التعنت الخارجي
في ظل مرحلة فارقة من تاريخ اليمن الحديث، تبرز المسيرة القرآنية المباركة كمنهجية متكاملة تسعى لبناء دولة عادلة ذات سيادة، ترتكز على القرآن الكريم كمرجعية شاملة للسياسة والاقتصاد والاجتماع. ومن بين الركائز التي تؤكد عليها القيادة الثورية والسياسية لأنصار الله، تأتي الشراكة الوطنية كخيار استراتيجي لبناء الداخل، رغم التحديات والتدخلات الخارجية.
هذا التقرير يسلط الضوء على الجهود الإيجابية للمسيرة القرآنية في ترسيخ مفهوم الشراكة الوطنية، في مقابل تعنّت الأطراف الموالية لتحالف العدوان، التي لا تزال تراهن على الإقصاء والتجزئة والتبعية للخارج.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
المسيرة القرآنية .. مشروع لبناء الدولة لا للهيمنة
اعتمدت المسيرة القرآنية المباركة على القرآن الكريم كدستور حياة، وكمصدر للهداية في مواجهة الظلم والفساد، محليًا وخارجيًا، ومن هذا المنطلق، جاء الطرح السياسي لأنصار الله قائمًا على، إشراك المكونات الوطنية في القرار، بعيدًا عن المحاصصة الحزبية المقيتة، ومواجهة التبعية السياسية والاقتصادية للخارج، واستعادة السيادة اليمنية، وإعلاء قيم العدالة والكرامة والمساواة وفقًا للمنهج القرآني.
ولذلك، كان الحديث عن الشراكة الوطنية جزءًا أصيلًا من المشروع، وليس تكتيكًا سياسيًا ظرفيًا.
محطات واقعية تؤكد نهج الشراكة
اتفاق السلم والشراكة (2014) : رغم أن الاتفاق تم توقيعه بعد دخول أنصار الله إلى صنعاء، إلا أن الجماعة حرصت على صياغته بإجماع وطني، وبإشراف أممي، ضامنًا لحكومة توافقية وإصلاحات اقتصادية. لكن أطرافًا خارجية أجهضت الاتفاق، من خلال دفع بعض القوى للانقلاب عليه.
تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني (2016) : تم تشكيل الحكومة بالشراكة بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام، وبمشاركة مكونات أخرى، في خطوة تعكس الحرص على الشراكة الوطنية في ظل العدوان والحصار.
الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة : وثيقة استراتيجية تؤطر لبناء مؤسسات الدولة على أسس العدالة والاستقلال والشفافية، متاحة للنقاش الوطني ومفتوحة أمام جميع الأطراف.
حكومة التغيير والبناء (2024) : تم تشكيل حكومة وطنية جامعة شاركت فيها كل القوى والمكونات الوطنية المناهضة للعدوان من الكفاءات الوطنية في نموذج شراكة يعزز قيم الولاء للوطن والسيادة الوطنية .
واقع الشراكة في مؤسسات الدولة في المحافظات الحرة
مشاركة المؤتمر الشعبي العام، وبعض التيارات المستقلة، في المجلس السياسي الأعلى ومجلس النواب، وتقاسم المهام الحكومية، دون إقصاء، وفتح المجال لمنظمات المجتمع المدني والنقابات للعمل في بيئة مستقرة نسبيًا، مقارنة بالمناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف ومرتزقته، كذلك استمرار الدعوات للحوار الوطني من موقع القوة لا الاستعلاء، وهو ما ظهر في مبادرات القيادة السياسية تجاه الجنوب، وفتح الباب للمصالحة.
العراقيل المفروضة من مرتزقة التحالف
في الوقت الذي تسعى فيه القيادة الثورية والسياسية في صنعاء لتحقيق الشراكة الوطنية، يواصل مرتزقة التحالف إفشال أي مبادرة وطنية، من خلال الارتهان الكامل للأجندة الخارجية، السعودية والإماراتية تحديدًا، ورفض الحوار الجاد، ووضع شروط تعجيزية لأي مفاوضات، وتأجيج النزعة المناطقية والانفصالية، بهدف تقسيم اليمن، والعمل على إضعاف مؤسسات الدولة لصالح تشكيلات عسكرية خارج القانون.
المسيرة القرآنية .. انفتاح لا إقصاء
تنطلق المسيرة القرآنية من قاعدة فكرية تؤمن أن الدولة الحقيقية لا تُبنى بالتحزب الضيق، بل على قاعدة التعاون وفق قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ﴾ [المائدة: 2] ، وقد برهنت القيادة الثورية على انفتاحها في أكثر من مناسبة، منها، لقاءات سياسية مع وجهاء الجنوب والوسط، ومبادرات لإطلاق سجناء سياسيين، ومبادلات إنسانية، وقبول مقترحات أممية بوقف إطلاق النار، مع التأكيد على فك الحصار، لا تسليم القرار.
المسيرة القرآنية نموذج سياسي يجمع بين الأصالة الدينية والرؤية المدنية
من أبرز ما يميز المشروع السياسي للمسيرة القرآنية المباركة هو قدرته على الجمع المتوازن بين مرجعية القرآن الكريم كمنظومة قيم وأحكام، وبين متطلبات الدولة المدنية الحديثة التي تستوعب التنوع السياسي والاجتماعي،
في وقت سقطت فيه كثير من المشاريع العربية بين نقيضين، إما دينية مغلقة تتنكر للواقع، أو مدنية علمانية تقطع صلتها بالقيم، استطاعت المسيرة أن تطرح نموذجًا ثالثًا، أصيل في مرجعيته، عقلاني في أدواته، ووطني في أهدافه.
القرآن كمنهج شامل للحكم والإدارة : المسيرة القرآنية لا تتعامل مع القرآن كمصدر روحي فقط، بل كنص توجيهي شامل يغطي، العدالة الاجتماعية، ونظم الحكم، والعلاقات الدولية، والحريات العامة، والاقتصاد والتنمية، فهو قاعدة للتشريع، والإدارة، والتكافل، كما ورد في قوله تعالى: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط [الحديد: 25]، أي أن الغاية من الرسالة الإلهية هي تحقيق القسط، وهي جوهر الدولة.
الرؤية المدنية في مؤسسات الدولة وممارساتها: رغم الطابع الديني للخطاب، اتجهت القيادة إلى تعزيز إدارة مؤسسات الدولة المدنية والدستورية مثل (مجلس النواب – المجلس السياسي – حكومة مدنية)، كما حافظت على استمرار نشاط الأحزاب الوطنية المناهضة للعدوان ، ضمن الإطار الوطني الشامل ،وشجعت العمل النقابي والمجتمعي في القطاعات التعليمية والصحية والعمالية، كما قدمت رؤية وطنية لبناء الدولة تقوم على مبادئ الحكم الرشيد، لا على الهيمنة الفكرية.
هذه الرؤية المدنية لا تتعارض مع الأصالة القرآنية، بل تنبع منها؛ إذ إن مقاصد الشريعة قائمة على حفظ الإنسان، وصيانة الحقوق، وتحقيق المصلحة.
التكامل بين الهوية والإدارة : الخطاب الرسمي للمسيرة لم يختزل الهوية الإسلامية في الشعارات، بل ترجمها إلى ممارسات مثل تعزيز مبدأ الرقابة والمحاسبة في الإدارة العامة، ومكافحة الفساد بالاستناد إلى مبدأ قرآني: ولا تبغِ الفساد في الأرض [القصص: 77]، وتثبيت ثقافة خدمة الشعب لا التسلط عليه، وكذلك تشجيع التعليم النوعي وتعزيز الهوية الوطنية المستقلة.
وبذلك، فإن هذا المشروع ليس فقط محاولة لملء فراغ السلطة، بل هو رؤية استراتيجية لبناء الدولة الحديثة على أساس من القيم والثوابت القرآنية.
من يرفض الشراكة اليوم .. لا يملك مشروعًا وطنيًا بل مشروعًا مدفوعًا من الخارجفي ظل مساعي القيادة الثورية والسياسية في صنعاء لتعزيز مسار الشراكة الوطنية وفق منهجية المسيرة القرآنية المباركة، تبرز بعض القوى الرافضة لهذا التوجه، والتي تصر على الإقصاء والانقسام وتُعرقل كل محاولات الحوار السياسي الجاد، لكن السؤال الجوهري هنا، لماذا ترفض هذه الأطراف الانخراط في شراكة وطنية؟ هل لأنها تختلف فكريًا مع المشروع؟ أم لأنها لا تمتلك أصلًا مشروعًا وطنيًا نابعًا من الأرض والناس؟
ارتهان سياسي لا خلاف وطني: القوى التي تتمركز اليوم في الخارج أو تتحرك تحت عباءة التحالف الإقليمي، لم تُظهر أي استعداد حقيقي للتفاهم أو حتى الحوار على قاعدة المصلحة الوطنية، لأن قراراتها لا تُتخذ في صنعاء أو عدن أو مأرب، بل في الرياض، أبوظبي، أو واشنطن، وهنا يظهر الفرق الجوهري، أن المسيرة القرآنية تُقدّم مشروعًا من الداخل إلى الداخل، بينما تلك القوى تتحرك من الخارج ولصالح الخارج.
غياب المشروع البديل: المفارقة أن مرتزقة العدوان التي تهاجم المشروع الوطني في صنعاء، لا تقدم بديلًا واضحًا، بل تتبنى، شعارات فضفاضة عن الشرعية والاتحادية والمبادرة الخليجية، دون رؤية اقتصادية، ولا برنامج إصلاح سياسي، ولا تصور للسيادة أو التنمية، وفي المقابل، المسيرة القرآنية وضعت، رؤية وطنية لبناء الدولة، ومشروعًا تحرريًا للاستقلال، وآلية تشاركية في إدارة مؤسسات الدولة، ونموذجًا سياسيًا قابلًا للتطوير.
الارتهان يقف عائقًا أمام أي شراكة حقيقية: الذين يرفضون الجلوس إلى طاولة الشراكة مع صنعاء، لا يفعلون ذلك لأنهم يعارضون بعض التفاصيل أو لديهم تحفظات وطنية، بل لأنهم لا يملكون قرارهم السياسي، ويرتبط بقاؤهم بالدعم الخارجي، ويرون في الشراكة تهديدًا لامتيازاتهم التي يمنحها لهم التحالف، أي أن القبول بالشراكة سيُسقط عنهم ورقة الشرعية الزائفة، وسيُلزمهم بالعودة إلى صناديق الاقتراع، والاحتكام إلى الشعب، وهو ما لا يناسبهم.
شواهد من الواقع السياسي: فشلت حكومة ما يسمى الشرعية في تقديم نموذج إداري فعّال في أي من مناطق سيطرتها، رغم الدعم المالي والعسكري الهائل، وتعثرت اتفاقيات مثل اتفاق الرياض لأن الأطراف الموالية للتحالف لا تتحرك بإرادة وطنية مستقلة، كما تجاهلت تلك الأطراف مبادرات السلام التي قدمتها صنعاء، بما فيها مبادرة فتح الطرق، ووقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى.
كل ذلك يؤكد أن مشروعهم ليس مشروع شراكة أو دولة، بل مشروع تمكين مصالح قوى إقليمية واستعمارية على حساب اليمن.
الشراكة تحتاج لمشروع وطني لا ارتباط خارجي : لايمكن لأي شراكة أن تنجح إلا إذا كانت الأطراف فيها تملك قرارها، وتُقدم مشروعًا يخدم الشعب لا الأجندات الأجنبية، وإذا كانت المسيرة القرآنية المباركة قد طرحت مشروعًا واقعيًا نابعًا من معاناة الشعب، ومفتوحًا لكل الأطراف الوطنية، فإن من يرفض الشراكة اليوم، يخشى عودة الدولة المستقلة، ويقاوم قيام نظام سياسي متوازن، لأنه ببساطة لا يملك شيئًا يقدّمه سوى التبعية والارتهان.
شراكة تحت راية الاستقلال
إن مشروع الشراكة الوطنية كما تقوده المسيرة القرآنية المباركة، ليس مشروعًا للمناورة، بل امتداد لمنهج قرآني يسعى إلى إقامة العدل، وإشراك الجميع تحت راية واحدة، راية الحرية والاستقلال والسيادة.
وإذا كان الخصوم يرفضون هذا المشروع فهذا لأنهم لا يتحركون بإرادة وطنية حرة، فإن التاريخ سيثبت أن منطلقات الشراكة التي تُبنى على القرآن الكريم، وعلى فهمٍ عميق للواقع، هي وحدها القادرة على إنقاذ اليمن من التمزق والانهيار.