عبدالله سليمان العامري

اللص إذا سرق مرة ولم يواجه مقاومةً من صاحب الحق ولم يسترِدْ ما سُرِقْ، فإنه يكرر السرقة، لأنه وجد أن صاحب الحق ضعيف. وبعد أن كان يسرقْ بالسر يصل به الأمر بعد ذلك إلى سرقة ذلك الضعيف وهو يتفرج.

وكذلك الكاذب إذا كذب مرة وقبِلَ المستمع كذبه ولم يُصارحهُ بكذبه سيعتاد على الكذب عليه وسيعتبر ذلك ضعفًا منه ومنقصة.

عصبة اللصوص والكذابين

وبعد حين يسيطر اللصوص والكذابون على الذين استضعفوا ويصبحون أداة طيعة في أيديهم، مقابل حمايتهم. ثم يحشدون أمثالهم من اللصوص والكذابين والمستضعفين، ويشكلون عصبة لاغتصاب حقوق الآخرين بالأكاذيب، والسرقة ومن ثم التحكم بقراراتهم وحياتهم.

هذه العصبة الظلامية موجودة في كثير من المجتمعات، تتشكل في بعض محطات الزمن وفي الصراعات البشرية.

وهي عصبة عادة ما تكون قليلة في كل مجتمع، تتشكل بعد أن تنحلّْ من القيم الدينية والأعراف الإنسانية.

 تبدأ هذه العصبة في شعوبها، ثم تعبر البحار للسيطرة على الضعفاء ومحاربة الدين والفكر السوي والأخلاق الطيبة التي فطر الله الإنسان عليها، وقد عانت كثير من الشعوب من ممارسات تلك العصبة المنحرفة ولا تزال، ولكنها تزول ولو بعد حين لأنها عصبة منبوذة.

عصبة أعداء السامية

في السابق كان العداء بين اليهود والمسيحيين لأسباب دينية، لأن المسيحيين يؤمنون بأن اليهود صلبوا سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، ولأسباب اقتصادية مثل الربا والسيطرة على المال والتجارة.

وفي عام ١٨٧٩ أسس الصحفي الألماني فيلهلم مار "عصبة المعادين للسامية" في ألمانيا. والعداء للسامية هذه المرة جاء على أساس عرقي بدلًا من العداء الديني مما أدى إلى ما يعرف عند الأوروبيين بمذبحة الهولوكوست.

عصبة الصهيونية العالمية

وكرد فعل على معاداة السامية والمجازر والمذابح بين اليهود والمسيحيين التي استمرت لقرون مثل مذابح الراين عام ١٠٩٦ ومذابح رندفلايش في أوروبا الوسطى عام ١٢٩٨ وغيرها من المذابح، أسس في نفس العام ١٨٧٩ الصحفي والكاتب اليهودي تيودور هرتزل "المنظمة الصهيونية العالمية" في أول مؤتمر صهيوني في بازل بسويسرا. وأعلنت المنظمة أن "هدف الصهيونية هو إقامة وطن معترف به للشعب اليهودي في فلسطين". تشكلت على إثر ذلك عصبة من اليهود والمسيحيين من الكذابين واللصوص والمنحرفين دينيًا وفكريًا وإنسانيًا لتضليل العقول بالأفكار الصهيونية الاستعمارية الهدامة، ومن بين تلك الأفكار العداء للسامية وأرض الميعاد.

واتفق أعداء الأمس على سلب حقوق وثروات الآخرين بتلك الشعارات والبدء بغرس شجرة خبيثة على أرض فلسطين.

اغتصاب الحق والإبادة

 وفي محاولة من تلك الفئة المنحرفة للحفاظ على الشجرة الخبيثة التي غرستها في فلسطين كدية. تعويضًا للصهاينة عن الجرائم التي وقعت بينهم، ارتُكِبتْ الجرائم بحق الفلسطينيين على مدى ٧٠ عاما، بهدف الحفاظ على ما اغتصبته والتمدد في الأرجاء. تارة بتضليل الشعوب وزرع الفتن في أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة، وتارة بالترهيب بالجرائم التي ترتكبها في مختلف البقاع وبحق الفلسطينيين. وأخيرًا بالإبادة التي ترتكب اليوم في غزة أمام أنظار العالم. أبشع إبادة عرفها التاريخ، إبادة تبرهن للعالم جرائم أصحاب السوابق الإجرامية البشعة ضد الشعوب.

الدوائر تدور

دخلت أمريكا التي قامت على جثث الهنود الحمر لتشارك في سرقة حقوق الآخرين وارتكاب المجازر في حق الأبرياء بالكذب والتضليل.

وتجاهل ترامب أن الدوائر تدور وإن توقفت يوما في مكان ما في زمن ما فإنها تتحرك مثلما يحرك الزلزال الأرض.

فكم من قوة وحضارات قامت واندثرت، وقد سبق في ذلك كثير من الحضارات القديمة والمستعمرين في العصور القريبة كالإسبان، والبرتغاليين والإنجليز والفرنسيين الذين استعمروا دولا ونهبوا ثروات شعوبها وأقاموا إمبراطوريات بتلك الثروات، فأين هم الآن؟

وإنه لجهاد، نصرٌ أو استشهاد

يبدو أن فئة اللصوص والكذّابين في تلك العصبة والمستضعَفين، بقيادة ترامب، يريدون اليوم سرقة انتصار غزة بالإبادة والتجويع والكذب على البشرية كعادتهم، بعدما فشلوا في الميدان، وذلك عندما طلب ترامب نيابة عنهم من المقاومة الاستسلام قبل أيام، ومن ثم الانتقال بجذور الشجرة الخبيثة إلى الأرجاء.
لكن المقاومة قد سبقته بكلمتها، وقولها هو قول الحق، عندما قالت: "إنه لجهاد، نصرٌ، أو استشهاد"، أي أنه لا خيار ثالث لترامب وزمرته.

يُفترض أن يدرك ترامب أن المقاومة من أجل اقتلاع تلك الشجرة الخبيثة عمرها ٧٠ عامًا، وما طوفان الأقصى إلا استمرار لتحقيق ذلك الهدف.
وإذا تقبَّل أكاذيب ترامب مَن هم على شاكلته من اللصوص والكذابين والمستضعَفين، فلن تتقبّلها المقاومة، ولا أكثر من ٤٠٠ مليون عربي، مسلمين ومسيحيين.

فالأمة لا تزال حيّة، ولا يغرّه صمت الشعوب ونكوص الضعفاء، فالعصبة الظلامية قلّة قليلة، ولا يُمثلون الشعوب، وليس بالضرورة أن يكون صمت الشعوب العربية دليلًا على الرضا وتقبّل الألم والانكسار عند مشاهدة تلك الجرائم.

ألا يعلم أن الشعوب العربية موحّدة، مسلمين ومسيحيين، منذ أن غُرِسَتْ تلك الشجرة الخبيثة؟ موحدون لاقتلاعها.

ألا يعلم ترامب أن الأمة تعجّ بالمفكرين والعلماء الأحرار، والكتّاب والشعراء، وأن كل المحافل الثقافية والفنية والشعبية تناصر الحق والكرامة وأولى القبلتين، وترفض الشجرة الخبيثة؟

ألم يسمع فيروز قبل ٥٨ عامًا وهي تصدح بكلمات الأخوَين رحباني: "الغضب الساطع آتٍ"؟

وها هو قد وصل الغضب عبر الطوفان.

 وإن سرق أجداد ترامب أرض الغير، فلن يستطيع أن يسرق أرض أمة تعدادها يزيد على ٤٠٠ مليون.

وكم من إمبراطورية قد قامت واندثرت، وكم من أرض اغتُصبت واستردها أصحابها.

هذه مسلّمات كونية، فحال ترامب وعصبته الظلامية مثل حال من سبقهم إلى "الانكسار".

غزّة انتصرت

غزة انتصرت، وفلسطين لن تكون "دية" من مجرمين إلى مجرمين، فعندما غرس اللصوص والكذابون تلك الشجرة الخبيثة في البستان، لم يكن الهدف ذلك البستان فقط، فهذه الشجرة من النوع الخطير، تنمو وتتمدّد جذورها لتصل إلى بساتين الآخرين.

غزة اليوم خط الدفاع الأول، ليس عن فلسطين فحسب، بل عن الأمة وتمدد الشجرة.
غزة انتصرت على اللصوص والكذّابين والمستضعَفين.

غزة انتصرت في الميدان، وسياسيًّا ومعنويًّا، فقد:

 كبّدت المجرمين خسائر كبيرة في العُدة والعَتاد.  فكّكت وحدة المجرمين داخل الكيان المحتل.  أيقظت أحرار العالم.  أحيت الإنسانية التي عملت تلك العصبة على انتزاعها من الشعوب على مدى عقود، بالتضليل ونشر الفتن.  كشفت أمام العالم كذبة ترامب بأنه رجل سلام.  أسقطت ورقة جائزة السلام التي مُنحت لمجرم من قرينه.  برهنت للبشرية فظاعة جرائم الصهيونية العالمية.  برهنت أن المقاومة في غزة تنتصر وتستعيد الحقوق مثلها مثل أي مقاومة.  كشفت اللصوص والكذّابين والمستضعَفين أمام شعوبهم وشعوب العالم. كشفت ارتكاب تلك العصبة لجريمة الإبادة والتجويع. كشفت أن نتنياهو مجرم إبادة ومطلوب للقصاص دوليًا، وكشفت حقيقة العصبة التي ينتمي إليها.

 

يقظة الشعوب

وها هي الشعوب الأوروبية اليوم، وشعوب العالم الحرة، تخرج في المدن والشوارع بالملايين نصرةً لغزة والإنسانية، بعد أن ضلّلتها تلك العصبة لعقود طويلة وسلبتها إنسانيتها بالأكاذيب وسرقت عقولها.

ها هي تخرج لتُعبّر عن إنسانيتها التي أيقظتها المقاومة الصامدة في غزة على مدى سنتين، وفي حرب الإبادة والتجويع.

فتحية تقدير لتلك الشعوب على مواقفها الإنسانية.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: ة انتصرت

إقرأ أيضاً:

مطالب باستقالة وزير الدفاع الأمريكي.. هل يطرد «ترامب» زعيم البنتاجون بعد فضيحتين؟

يواجه وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث ضغوطًا متزايدة بسبب الفضائح المحيطة بالضربات على قوارب المخدرات المزعومة، واستخدامه لتطبيق "سيجنال" لمناقشة معلومات عسكرية حساسة، مما أثار انتقادات ودعوات له بالاستقالة، وفق ما ذكرت صحف أمريكية.

استقالة الوزير

لا يُعد هيجسيث — وهو رائد سابق في الحرس الوطني للجيش تحول من مقدم برنامج على قناة "فوكس نيوز" إلى قائد أقوى جيش في العالم — غريبًا عن الجدل، ولم يتم تأكيد تعيينه إلا بفارق ضئيل من قبل مجلس الشيوخ في وقت سابق من هذا العام.

أدت الضربات التي وُجهت إلى مهربي المخدرات المزعومين — وخاصة الحادث الذي قُتل فيه لاحقًا ناجون من هجوم أولي — واستخدامه لتطبيق الرسائل التجارية "Signal" للحديث عن عملية وشيكة في اليمن، إلى تأجيج المزيد من المعارضة له.

وقال مارك كانسيان، العقيد المتقاعد في مشاة البحرية الأمريكية والمستشار الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية:
"إنه في موقف صعب آخر. في الواقع، اندمجت مشكلتاه الكبيرتان الآن".

وتابع كانسيان: "لكن يبدو أنه يحتفظ بثقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى مع خسارته دعم بعض الجمهوريين. لذا لا أعتقد أنه في وضع خطير".

وقال جيم تاونسند، نائب مساعد وزير الدفاع السابق للسياسة الأوروبية وحلف شمال الأطلسي خلال إدارة أوباما، إن هيجسيث "على جليد ضعيف"، وأن ترامب لديه "وزير دفاع يسبب له الكثير من الصداع".

واتفق تاونسند على أنه من غير المرجح أن يتم طرد هيجسيث على الفور، لكنه قال إنه إذا حدث شيء "يثير غضب الحزب الجمهوري حقًا" أو يحرج حركة ترامب "لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، "فربما يحاولون نقله إلى موقع آخر أو الاستغناء عنه".

ويُفضل ترامب أن يُسمى البنتاغون أو وزارة الدفاع الأمريكية باسم "وزارة الحرب"، وهكذا فعل الوزير المتهم بالفضيحتين، وجعل لافتة الوزارة تحمل هذا الاسم، لكن الأمر يتطلب موافقة الكونغرس الأمريكي.

طباعة شارك الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث معلومات عسكرية معلومات عسكرية حساسة الاستقالة استقالة الوزير اليمن

مقالات مشابهة

  • مطالب باستقالة وزير الدفاع الأمريكي.. هل يطرد «ترامب» زعيم البنتاجون بعد فضيحتين؟
  • بيت لحم تضيء شجرة الميلاد إيذانًا ببداية موسم الأعياد المجيدة
  • إضاءة شجرة الميلاد في بيت لحم إيذانًا بانطلاق الأعياد
  • نيويورك تايمز تقاضي البنتاغون بسبب سياسة تقيّد حرية العمل الصحفي
  • 3 أهداف مثيرة خلال 6 دقائق في مباراة الجزائر والبحرين بكأس العرب
  • د. شعيب خلف: سيناء خط الدفاع الأول.. و"أهل مصر" يرسخ الدمج الثقافي بين أطراف الوطن
  • أنشطة ممتعة للأطفال حول شجرة الكريسماس
  • كاشف الفساد وجزاء سنّمار . . !
  • لبنان: معادلة ضرورات الأنظمة وخيارات الشعوب
  • بوتين: تصريحات الغرب عن إحياء الاتحاد السوفيتي تهدف لتخويف الشعوب