في حضرة الموت..لا صوت يعلو في المكان !
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
سامي بن أحمد اليحيائي
يقول المخرج الأمريكي الراحل وودي آلن في مقولته الشهيرة: «لست خائفًا من الموت، ولكنني لا أريد التواجد عندما يأتي». أما الروائية البريطانية رولينج فتقول: «الموت ما هو إلا مغامرة عظيمة يمر بها كل إنسان».
إذن كلا القولين في نظري يرافقهما الصواب، وإن كنا أحيانا نخاف من التفكير في الموت لأنه يسلبنا شغف العيش وطعم الحياة، لكنه يبقى الحقيقة المؤكدة وإن كانت لدى البعض تعتبر «الحاضرة الغائبة»، أما أن يكون الموت هو مجرد مغامرة فهذا يدفعنا نحو التسليم المباشر إلى أن للموت هيبة كبيرة وربما ينشأ نوع من الخوف المبطن الذي يتوطن العقل حتى وإن غاب التفكير فيه لوقت من الزمن.
في حضرة الموت لا صوت ينبعث من جثة هامدة في مكان معين، لا رائحة عطر كانت تنفذ من خلايا جسد شخص حي قبل أن يرحل، الصورة تبدو بكل ملامحها القاتمة، وحزن يكفي لاقتلاع جذور أشجار الصنوبر المعمرة في أعالي الجبال العالية، في حضرة الموت يتحدث الأموات صوت غير مسموع للناس، أما الواقفون على المشهد فالصمت يكمن في أفواههم الملجومة بالوجع، الكل يلتزم حدود الأدب في مثل هذه الأوقات الصعبة، أنظار شاخصة تحدّق في تفاصيل الواقع، فهناك بينهم يقبع جسد ممدد غادرته الروح إلى السماء.
إن تفاصيل اللحظات الأخيرة أو الوداع الأبدي هو مشهد مؤثر يصعب نسيانه بسهولة أو تجاوزه عن قصد، في تلك اللحظة الفارقة يعرف الإنسان قيمة الحياة ويؤمن بأن الموت قادم لا محالة، بعض الذين ارتقوا إلى السماء لم يكونوا يعلمون بأن مدة بقائهم قاربت على النهاية لذا لم يستعد الكثير منهم لهذه اللحظة! بعض الغياب مفجع ومؤلم أكثر من غيره خاصة إذا حدث فجأة دون أي مقدمات أو استهلال لحدث قادم، إذن الموت هو القدر الذي لا نعلم عنه الكثير وإن كنا نتوهم المعرفة، لكن ما نعلمه يقينًا هو أنه خنجر يُغرَس في جوف الإنسان فيعطل كل أجهزة الحياة بداخل الجسد.
لا شيء مؤلم أكثر من وداع سريع لوجه سيظل غائبا عن مشهد الحياة ولن يعود إلى ما كان فيه قبل الرحيل، هذا الوداع هو إيذان لرحلة بدأت منذ قليل، فالموت يُرحِّل الإنسان نحو البعيد تركا لنا بقايا ذكرياته القديمة، البعض يسافر مع الريح متخليا عن «عصاه التي عصمته من الوقوع يوما، لكن رائحته ظلت عالقة في ردائه ومعطفه القديم»، يرحل الإنسان تاركا خلفه نوافذ الذاكرة مفتوحة على شوارع الحنين والطرقات الخاوية من المارة.
عندما نعود إلى ديارنا وقد تركنا جزءا من لحمنا ودمنا مسجى في أديم الأرض، تبدأ الأفكار تتمرجح في عقولنا التي لم تستوعب بعد كل المشاهد الماضية، في الليلة الأولى لن ننام كعادتنا مسترخين حالمين بشعاع الشمس، بل سيظل القلب والعقل متيقظين ومتحفزين لسهر لليال أخرى قادمة.
مشينا في جنازة الراحل ونحن لا نهتدي نحو الطرقات التي نعرفها لكن لم نتمن يوما أن نسلكها، وفي أماكن محددة وزوايا معروفة توقف المسير وبدأت مرحلة ملاقاة الثرى، بدأ الأقوياء في تجهيز الميت الذي تقلب قبل الصلاة عليه بين يدي من قام بتغسيله وتكفينه في دقائق معدودة، اليوم ليس طهارة الجسد من أجل أن يصلي بل لكي يصلى عليه فهو خارج من الدنيا بأكملها إلى دار القرار، تسارعت خطى حاملي النعش إلى أن وصلنا إلى المكان المقصود، من حولنا كانت هناك قبور وصلت للمكان منذ أيام معدودة، شواهدها تخبرنا عن أسمائهم وتاريخ رحيلهم لكن سبب رحيلهم يظل مجهولا.
سرت كغيري من المشيعين في شارع ضيق كان يقودنا نحو الصامتين في لحودهم، بوابة «المقبرة» كتب على واجهتها «أنتم السابقون ونحن اللاحقون»، بدت خطوات الحضور بطيئة في مكان يعج بالسكان الذي غابوا عن مشهد الحياة، بعضهم قطعا شوطا طويلا منذ أن رحل عن الدنيا، والبعض الآخر وصل حديثا إلى هذا المكان، الأموات لا يسمعوننا حديثهم، لا حراك يُذكر، بل نبحث عن هدوء وسكنية نفسية، كنت أنظر إلى تفاصيل المكان فأجد قبورًا متناثرة، قدماي لم أعهدهما بهذا الثقل الموازي لوجعي النفسي، وقلبي الذي أصبح فجأة أرق من حد السيف القاطع.
شواهد القبور تزين أسماء الموتى وتواريخ رحيلهم، انتحب حزنا وألما، المكان وتفاصيله ليست مخيفة كما يعتقد الناس، بل مكان للعبرة والموعظة وصفحة من كتاب مفتوح لمن لم يكتب القدر خاتمته بعد.
هنا أستحضر قول الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين: «يأتي الخوف من الموت بسبب الخوف من الحياة، الشخص الذي يعيش حياته بشكل كامل يكون على استعداد تام للموت في أي وقت».
أُمرنا بزيارة موتانا ورؤية قبورهم؛ فهي تذكير لنا بما سوف نذهب إليه يوما، فـ«كفى بالموت واعظا»، بعد مضى نحو أيام من تلك الحادثة المؤلمة، قررت بأن أخصص يوما من وقتي لزيارة قبر ذلك العزيز الراحل، لعل الوجد يتفتت قليلا من صخرة الذكريات، أو يخف من قسوة الشوق أملا في هروب من الواقع أو أحلام الأمنيات بالعودة مرة أخرى.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مأساة في الدلنجات.. بئر الموت يبتلع شقيقين ويُصيب الثالث بالبحيرة
شهدت قرية رزافة التابعة لمركز الدلنجات بمحافظة البحيرة، مساء أمس الأربعاء، حادثًا مأساويًا إثر انهيار بئر صرف صحي أثناء محاولة ثلاثة أشقاء إصلاحه، ما أسفر عن مصرع اثنين منهم في الحال، وإصابة الثالث بسحجات وكدمات متفرقة في أنحاء الجسم.
تلقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن البحيرة، إخطارًا من مأمور مركز شرطة الدلنجات، يفيد بوقوع حادث انهيار بئر صرف صحي بقرية رزافة ووجود حالتي وفاة ومصاب.
وعلى الفور، انتقلت الأجهزةالأمنية وقوات الإنقاذ النهري والحماية المدنية إلى موقع الحادث، وتم الدفع بعدد من سيارات الإسعاف.
بالفحص تبين أثناء قيام كل من:«محمد عبد السلام علي غيات»، 45 عامًا، مزارع، «علي عبد السلام علي غيات»، 46 عامًا، مزارع، «رضا عبد السلام علي غيات»، 40 عامًا، مزارع، وجميعهم من سكان قرية رزافة، بإصلاح بئر صرف صحي انهارت الأرض بهم وسقطوا داخله، ما أدى إلى وفاة الأول والثاني، وإصابة الثالث بسحجات وكدمات متفرقة بالجسم.
تم نقل الجثتين إلى ثلاجة حفظ الموتى بمستشفى الدلنجات المركزي، فيما يخضع المصاب للعلاج تحت إشراف طبي، وتم تحرير محضر بالواقعة، وتباشر النيابة العامة التحقيقات، للوقوف على أسباب الحادث وملابساته.