بالفيديو .."الوطنية وعلي هندي وحمدي صيام” ثلاثية أقدم مقاهي الإسكندرية !!

 

 

بين الأحياء القديمة التي تمتلئ شوارعها بحكايات التراث وقصص شاهدة على محطات تاريخية مختلفة، ومواقف سجلت سطور جديدة في سجل الحكايات والذكريات، وأماكن يحكي كل ركن من أركانها أحداث كاملة التفاصيل تركت بعضها بصمة لاتزال موجودة والتي تجاوز عمرها 100 عام، تأتي المقاهي الشعبية والتي يتوقف الزمان عند كل واحدة منها  بحكاياتها من مختلف الزوايا، فلم تكن مجرد مكان لاحتساء أكواب القهوة والشاي، وإنما كانت ملتقى المثقفين والأدباء والعلماء والشعراء والفنانين والنقاد والسياسيين والتوجهات المختلفة، كما لعبت أدوارًا رئيسية في بعض المشاهد السينمائية، وكانت بداية لرواية تنقش بين السطور داخل ورقة عن حياة شعب وحكايات شارع، لتجوب العالم وتفوز بنوبل، وكانت البورصة الوطنية وبورصة حمدي صيام وعلي الهندي من أشهر تلك الأماكن داخل شوارع المنشية والعطارين وكورنيش الإسكندرية.

وتعد المقاهي جزء متأصل من ثقافة وتراث المجتمع المصري، وشاهدًا على تفصيل حياته من مواقف مختلف، كعقد الصفقات التجارية وإتمام زواجات، وجلسات عرفية لفض خلافات، واستراحة للمسافرين والعمال البسطاء الذين أنهكهم التعب، ومتكئ للقراء والمؤلفين والكُتَاب، وبروڤا للفنانين وتشكيلات لاعبي فرق كرة القدم للمبارايات الهامة، وساحة لقيام دوري الشطرنج والطاولة والدومينو، ومكان لطرح الأفكار وإنشاء المشروعات ووضع الخطط وحل المشاكل، ولم يتوقف دورها هنا، بل عاصرت تبدل مناصب وتغير مقاليد حكم والانتقال من الملكية إلى الجمهورية، وسقوط زعماء ونشوب حروب، ومخبئ وقت الثورات، وإحياء المناسبات الدينية، كما تجمع مختلف الطبقات والفئات بالإضافة إلى أنها استضافة للسياح.

وداخل شوارع العطارين تكمن بورصة حمدي صيام، تملئ أبوابها بالمصابيح السوداء الصغيرة، وبساطة شكلها وجدرانها التي يغطي نصفها السيراميك، وصور شخصيات بارزة معلقة بكل زواياها، ويحتفظ "شوقي" ذو الشعر الأبيض والبشرة السمراء على مشارف الـ70 بشخصية " قهوجي" منذ أكثر من 50 عام، والتي تغيرت تلك الشخصية كثيرًا في معظم المقاهي الحالية، بطريقة مناداته للزبائن وتقديمه لطلباتهم بعروض بسيطة مثل لف صينية المشروبات مصحوبة ببعض الأغاني كنوع من الترحيب بالزوار، ويقول زغلول محمود عبدالله، محاسب، أن علاقته بالمكان تعود لارتباطه بمالكها لكونه صديق عزيز له، وأنها تأسست في فترة العشرينات من القرن الماضي، وكانت ملتقى للمثقفين والأدباء، وذلك لقربها من شارع فؤاد.

وأضاف عبدالله، أن المقهى كان يلعب دورًا هامًا في مبارايات الدوري بنادي الاتحاد السكندري، حيث كان الكابتن كمال الصباغ ومحمود حودة، مدربي كرة القدم بنادي الاتحاد سابقًا، بوضع تشكيلات الفرق ليلة كل مباراة خلال قضاء سهرتهم في المكان، وتجهيزه لاستضافة جمهور ومحبي سيد البلد لمتابعة المبارايات عبر التلفاز، وأما عن الأدباء فكان نجيب محفوظ، ويوسف إدريس أبرز المترددين باستمرار على المكان، وبعض الزعماء السياسيين منهم خالد محي الدين وزكريا محي الدين، وكان الشاعر محجوب عمر يقوم بتأليف بيوت الشعر وعمل ليالي لعرض قصائده، وعزت عوض الله وعبد الشفيع، كوادر الفن الشعبي بالإسكندرية.

وخلال التجول على كورنيش الإسكندرية وهبوب نسمات الهواء الباردة واختلاط أمواج البحر مع السماء وأشعة الشمس، توجد البورصة الوطنية ذات السقف المرتفع والبلاط الذي يغطي أرضيتها وارتكاز الأعمدة المرصعة بالمرايا الموجودة في كل أركان وزوايا المكان، يجلس الحج خيري الشيمي صاحب المقهى مرتديًا نظارة النظر وقد اشتعل رأسه شيبًا، يحتسي كوبًا من الشاي بجانب إحدى النوافذ تاركًا أفكاره تمتزج مع نسمات الهواء، وقطع لحظات الهدوء والصمت وتحدث قائلاً، أن المقهى كان يطلق عليه اسم "نيلسون" ويعود لأحد الإيطاليين الذين كانو يعيشون بالمحافظة خلال فترة الخمسينات، وبعد ذلك اشتراه والده سيد الشيمي عام 1950 وتم تغيير الاسم ليصبح "البورصة الوطنية الكبرى" وذلك تضامنًا مع موقف ثورة 23 يوليو 1952.

وأوضح الشيمي، أنه قديمًا كانت تعقد بورصة تجارة القطن داخل المقهى، بالإضافة إلى تردد الأدباء والتجار بمختلف المجالات والفنانين، كما كُتِبت سطور روايتي السكرية، وبين القصرين للأديب الراحل نجيب محفوظ، وشارك المقهى في مشاهد بعض الأفلام لبعض رواد الفن الراحلين منهم، عبد الحليم حافظ ومحمود المليجي وفريد شوقي، كما عاصر المكان الثورات بداية من 1952 وحتى أخرهم ثور 30 يونيو، بالإضافة للحروب المختلفة التي ظلت ذكرى محفورة في أذهان الشعب المصري، مضيفًا أن "القهوجي" أبرز شخصيات ورموز المكان وكان يرتدي زي محدد يتكون من سديري وسروال أسود وينتصفهم حزام أحمر، كما هو بنظام الفنادق القديمة في عهد الملك فاروق.

وتابع الشيمي، أن ليالي سهرات وحفلات أم كلثوم كانت تمتلك طابع فريد، حيث كانت تستعد كافة المقاهي الشهيرة بالإسكندرية لتجهيزها وعمل محاكاة لموقع الحفل الذي كان يعقد يوم الخميس من كل أسبوع بمحافظة القاهرة، والذي كان يذاع عبر الراديو، بالإضافة إلى إقبال كل طبقات المجتمع السكندري من الجماهير العريضة ومحبي "الست أم كلثوم"، للاستماع لأغنياتها ذات الطابع الخاص بإنصات حتى أخر لحظة، ولازالت تقام بنفس التفاصيل إلى اليوم، أما عن الشطرنج والدومينو والطاولة، فتعقد دوريات يومي الخميس والجمعة بين الأصحاب والأقارب وجموع الأدباء والمثقفين وتبدأ من بعد صلاة العشاء إلى اقتراب الفجر، ويعتبر المقهى قبلة سياحية لمختلف الجنسيات حيث يأتي بعض الزوار بشكل خاص للمكان.

ووسط أزقة المنشية وبين ميدان أحمد عرابي ومحمد علي، يختبئ مقهى علي الهندي عن الزحام وأعين الناس، وبالدخول من خلال ممر صغير من الشارع إلى المكان يأخذك في رحلة عبر التاريخ والزمان الذي توقف منذ عام 1885، حيث الطراز المعماري الإيطالي ذو النوافذ العالية والرسم الهندسي الذي يحاكي اللوحات الفنية والتي أصبح جزء من التراث المصري، والذي ينتهي بقبة زجاجية مميزة، وينظم عبده، عامل بالمقهى، المقاعد لاستقبال العمال والمواطنين والمحامين وطلاب الفنون الجميلة لرسم اللوحات، ولعب الطاولة.

وأشار عبده، أن المقهى يعود لمالكة فرنسية تدعى مارية، وقام علي الهندي وذلك نسبة لأصوله وجنسبته، بشراء المكان منها وتوسيعه، وبعد إقبال الفنانيين والأدباء على المكان، ذاع صيته واكتسب شهرة واسعة، حيث أقدمت شركات الإنتاج والإخراج السينمائي على استخدام المكان استوديو تصوير للأفلام والمسلسلات وكان أشهرها، ملاكي إسكندرية والعتاولة، مضيفًا أنه يطلق عليه اسم "خبيني"، وذلك لاختبائه بين الممرات، كما يعتبر مصدر إلهام فني حيث يأتي طلاب كلية الفنون الجميلة لعمل التصاميم ورسم اللوحات، وأنه مسجل في وزارة الأثار، موضحًا أنه يحتاج إلى الترميم وذلك لتساقط أجزاء منه.

لمشاهدة الفيديو اضغط على 

 

 

 

IMG-20250813-WA0021 IMG-20250813-WA0022

المصدر: بوابة الوفد