د.محمد عسكر يكتب: ما بين الورقة والقلم ولمسة الشاشة
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
في عالم صار فيه الإنترنت أشبه بالهواء الذي نتنفسه، لم تعد المسافات تقاس بالكيلومترات ولا المعرفة تقتصر على ما تحمله الكتب، بل بات كل شيء في متناول الأصابع. ومع هذا التحول الجذري، أخذت تتشكل أمامنا فجوة آخذة في الاتساع بين الأجيال؛ ليست فقط مجرد فرق في سرعة الكتابة على لوحة المفاتيح أو فى براعة إستخدام الهاتف الذكى، بل إنها تعكس إختلافاً أعمق في طريقة التفكير، وأسلوب التعلم، وفلسفة التعامل مع التكنولوجيا ذاتها.
جيل ما قبل الإنترنت، ممن وُلدوا قبل التسعينيات، عرف التكنولوجيا كزائر متأخر في حياته، جاء بعد أن تشكلت عاداته وتحددت أدواته المعرفية. هذا الجيل نشأ على الورقة والقلم وإستخدام الهاتف الأرضي، وتابع الأخبار من الصحف أو نشرات التلفاز، ورأى في الكمبيوتر أداة تُستخدم لإنجاز مهمة محددة، لا رفيقاً دائماً فى كل تفاصيل الحياة اليومية.
أما جيل الألفية ومن بعدهم، فقد وُلدوا في عالم متصل بالأنترنت على مدار الساعة، حيث الهاتف الذكي حاضر منذ الطفولة، والمعلومة لا تحتاج رحلة بحث شاقة بل لمسة شاشة، والأصدقاء يمكن أن يكونوا في أي مكان فى العالم على بُعد قارات لكنهم حاضرون يومياً، أقرب من جيران المنزل.
هذه الفجوة لم تولد من فرق العمر وحده، بل هي نتاج بيئات نشأة متباينة، وسرعة مذهلة في التغير التقني، وتفاوت واضح في الفرص التعليمية والإقتصادية. مدارس التسعينيات لم تكن تعرف البحث على الإنترنت ولا برمجة التطبيقات، بينما يعيش أطفال اليوم تجارب تصميم الروبوتات والذكاء الإصطناعي في سنوات تعليمهم الأولى. الشركات التي إعتمدت لعقود على الفاكسات والمستندات الورقية، باتت تُدير إجتماعاتها عبر "زوم" وتستعين بالذكاء الإصطناعي في إتخاذ القرارات. وبينما يحاول الكبار التكيف بخطوات أبطأ، وأحياناً بشعور من الحيرة أو الخوف والتردد، ينظر الصغار بدهشة إلى فكرة العيش بلا تطبيقات يعتبرونها من بديهيات الحياة، كالماء والكهرباء.
المسألة لا تتوقف عند إختلاف الأدوات، بل إنها تتجاوزها لتصنع عالَمين ثقافيّين متباعدين. ففي سوق العمل، أصبح إتقان المهارات الرقمية شرطاً أساسياً للبقاء في المنافسة، ومن يفتقر إليها يجد نفسه خارج المشهد مهما بلغت خبرته التقليدية. وفي تفاصيل الحياة اليومية، قد يتحول الجهل بالتعامل مع البنوك الإلكترونية أو التطبيقات الحكومية إلى عائق أمام إنجاز أبسط المعاملات. حتى داخل الأسرة الواحدة، قد تصبح مجموعات "واتساب" أو النقاشات على وسائل التواصل فضاءات مغلقة على من لا ينخرطون فيها رقمياً. أما اللغة الرقمية — من الإيموجي والميمز إلى الترندات — فقد تبدو كطلاسم مبهمة لمن لم ينشأ وسطها، لتضيف حاجزاً لغوياً وثقافياً جديداً بين الأجيال.
ورغم اتساع الهوة، فإن بناء الجسر ما زال ممكناً. لكن الأمر يتطلب أولاً إدراك أن الفجوة الرقمية ليست مسألة تقنية فحسب، بل قضية مجتمعية وثقافية في جوهرها. يمكن للمدارس أن تغرس في الأطفال مهارات البحث والتفكير النقدي وأمن المعلومات، ليصبحوا قادرين على مساعدة الأكبر سناً في عبور العالم الرقمي. ويمكن للمؤسسات والمجتمع المدني إطلاق برامج تدريبية مبسّطة وميسّرة لكبار السن، لتفتح أمامهم أبواب الخدمات الحديثة بدل أن تبقيها مغلقة.
وفي داخل البيوت، يمكن أن يتحول الأبناء إلى معلمين لآبائهم في إستخدام التطبيقات والمنصات، مقابل أن ينقل الآباء خبراتهم الحياتية وقيمهم الإنسانية التي لا تُختصر في شاشة أو كود. أما التكنولوجيا ذاتها، فيمكن تصميمها بواجهات أبسط وأكثر شمولاً، تراعي المستخدمين الجدد وتمنحهم الإحساس بالتمكين بدلاً من أن تدفعهم إلى الانسحاب من اللعبة.
الفجوة الرقمية ليست قدراً محتوماً، لكنها إذا تُركت بلا معالجة قد تتحول إلى جدار يفصل بين من يعيشون على أرض الواقع ومن يُحلّقون في فضاء الإنترنت. فالتكنولوجيا يمكن أن تكون حائطاً أو جسراً، والإختيار في النهاية لنا: نحن من نقرر إن كانت الشاشة نافذة نُطلّ منها معاً على المستقبل، أو حاجزاً نختبئ خلفه، فنمضي في مسارين متوازيين لا يلتقيان مهما اقتربنا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: لتكنولوجيا الإنترنت
إقرأ أيضاً:
الأردنيون يرددون(( نحن جميعا عسكر في خندق الوطن))
#الأردنيون يرددون(( نحن جميعا عسكر في خندق الوطن))
بقلم الناشطة السياسية باسمة راجي غرايبه
الرد على تصريحات النتن ياهو ومن قبله سموتريش الذي رفع خريطة الاحتلال التوسعيه أمام هيئة الامم المتحدة فهذه التهديدات هي جزء من الحلم الصهيوني بما يسمى ب (( إسرائيل الكبرى )) وليست تهديدات إستعراضية بل هي مشروع صهيو أمريكي يسير باتجاه إبتلاع المنطقة باكملها فهذه التهديدات ليست الإولى فقد بدأت منذ وعد بلفور وبعد قرار التقسيم وجاءت بشكل مباشر بعد حرب حزيران عام ١٩٦٧ وبعد احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية
وما التهديدات الاخيرة سوى خطر كبير جدا ومحاولة لإنتهاك سيادة الاردن والتعدي على حدوده وخرق لاتفاقية(( وادي عربه المشؤومه)) و هي بمثابة تحدي واضح وسافر من( المجرم النتن ياهو) لكل الامة العربية التي وقفت تشاهد جرائم الابادة الجماعية والقتل والدمار والتجويع للشعب الفلسطيني في غزة والضفه الغربية، وبعد أن صمتت الأمة صمتا مطبقا أمام آلة الاجرام الصهيونية وكأن مايحدث لايعني الأمة وان مايحدث في غزة هو فيلم هوليودي نشاهده على شاشة السينما وإعتبار مايحدث مجرد (( تمثيل)) بالعكس لقد أنسحقت هذة الأمة سحقا عميقا ووصمت بأبشع المصطلحات التي اقلها وطأة هي مصطلحات الذل والعار وتسمرت أمام مشاهد قتل الأطفال وتجويع أهل غزة ولم تفعل شيئا إزاء مايحدث دون أن تفعل شيئا سوى بينات الشجب والاستنكار ولبحث عن حلول إنهزامية وإستسلامية كان أقصى درجاتها التمسك بخيار اللهاث خلف مايسمى(( بالشرعية الدولية وحل الدولتين )) المزعوم الذي يعتبر( أبر تخدير) جعل الأمة تغط في سبات عميق منذ مؤتمر مدريد ووهم السلام
وهو بالواقع المزيد من التنازلات بعد توقيع إتفاقيات السلام التي اوصلتنا الى أرذل حال
بينما المشروع الصهيوني وسرطان الإحتلال تمتد أذرعه لتصل إلى الدول التي سارعت لتبني (( التطبيع الإبراهيمي )) والدوله اليهوديه التي ستبسط نفوذها نحو النيل والفرات
كل هذا يحدث ونحن مازلنا نتمسك بخيار السلام وإتفاقياته المذلة ولم نفعل شيئا سوى تقديم مزيد من التنازلات وفرض الهيمنة التي وصل مداها الى المطالبة بنزع السلاح من المقاومة في غزة ولبنان والضفة الغربية وبالتالي الإنصياع لمشروع الشرق الاوسط الجديد والقبول بالتقسيم كما حدث في سوريا
وما التصريحات الأخيره للمجرم( النتن ياهو) والإعلان عن ضم اراضي الاردن لهذه الخارطة الصهيونيه فهي إنتهاك واضح سيادة الأردن سياسيا وجغرافيا فهذا يحتاج إلى موقف واضح وصريح وجريء من من الشعب الاردني وقيادته ويجب أن يتم الرد عليه بقوة ومن خلال أفعال حقيقية وليس الاكتفاء ببيانات الشجب والإستنكار سواء على مستوى التحرك الخارجي وردود قوية يحسب لها حساب في ميزان السياسة نظرا لموقع الأردن الاستراتيجي ونظرا لاشتباك الحقيقي والتاريخي مع القضية الفلسطينية
وأهمها …
الإجراءات الخارجية
أولا ؛إلغاء إتفاقية وادي عربه والاتفاقيات التي تلتها (( إتفاقية الغاز وإتفاقية الكهرباء والمياة والطاقه بشكل مباشر وفور
ثانيا :التمسك بالوصايه الهاشمية على القدس والمقدسات وفرض حماية دولية لمنع الكيان الصهيوني من التوسع الاستيطاني في القدس والمسجد الأقصى
فهي إنتهاك واضح للقدس والمقدسات
ثالثا: إلغاء إتفاقية الدفاع الامريكية وتفكيك هذة القواعد
رابعا: إغلاق سفارة الكيان الصهيوني إغلاقا
تاما ووقف التنسيق الدبلوماسي
خامسا ؛ التمسك بخيار المقاومة وعدم الموافقة على شروط التفاوض التي تطالب بنزع السلاح أحادي الجانب ودون الضغط على جيش الاحتلال بنزع السلاح
فهذا يمثل وجها إستسلاميا وإنهزاميا لخيار الشعب الفلسطيني بطرد المحتل ومقاومته
هذامن منطلق ان الدفاع عن الأردن والحفاظ على سيادته هو الحصن المنيع لخدمة القضيه الفلسطينية وضد المشروع الصهيو أمريكي في منطقة الشرق الاوسط
الإجراءات الداخلية
أولا: التمسك والحفاظ على الجبهة الداخليه من التشرذم والإنقسام والحفاظ على الأمن والاستقرار فهو الأساس لمواجهة خطر المساس بالأردن وإنتهاك سيادته
ثانيا ؛ إطلاق الحريات التي كفلها الدستور
وأهمها حرية التعبير عن موقف الشعب الأردني بكافة مكوناته واطيافه الاجتماعية والعشائريه وقد بدأت بالفعل رودد فعل العشائر الأردنية بالتصدي لتصريحات ترامب فهي مواقف مشرفه وسد منيع ضد أي اعتداء على الأراضي الأردنية او إنتهاك للدولة ومن هنا لابد من السماح للشعب الاردني بالتعبير عن موقفهم تجاه هذا الخطر
سواء كان بالمسيرات والتظاهرات السلمية التي تعبر عن خيار الشعب الاردني بالدفاع عن الوطن ومواجهة خطر المشروع الصهيوني
ثالثا ؛ وقف العمل بقانون الجرائم الالكترونية وحرية الصحافة فالكلمة الحرة ايضا سلاح وكذلك منع ملاحقة الناشطين والناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي والكتاب بالصحف الالكترونية الذين يعبرون عن موقفهم الصلب لحماية الوطن والحفاظ على سيادته
رابعا ؛ السماح للاحزاب السياسية كافة سواء الايدلوجية أو البرامجية بالعمل ضمن أنظمتها الداخلية وبرامجها لحماية الاردن وسيادته والحفاظ على الامن والاستقرار جنبا إلى جنب مع الأجهزة الأمنية
خامسا ::وقف تقييد عمل منظمات المجتمع المدني(( نقابات ،إتحادات، جمعيات، أندية وملتقيات ثقافية واجتماعية وحتى دواوين العشائر)) والسماح لها بالقيام بفعاليات وأنشطة من أجل الهدف الأسمى والاغلى وهو حماية الاردن وعدم المساس بسيارته وإستقراره
سادسا ؛ وقف ملاحقة الناشطين والناشطات ووقف الاعتقال الإداري من أجل حرية التعبير ضمن إجراءات محدده بحيث لاتتعدى السقف المسموح فيه دستوري وعدم المساس بأمن الدوله وضمان أن يصب في مصلحة الأردن ومنع أي تجاوز لهذا السقف
وأخيرا الشعب الأردني بكافة مكوناته وأطيافه سيكون السد المنيع لحماية الوطن وسيادته مهما كان حجم التحديات والأخبار
فنحن ((عسكر )) في خندق الوطن حين تقترب الخطوب وسندافع عنه بشتى الطرق والوسائل فالمشروع الصهيوني سيتوقف بيوتنا وإرادتنا ولن نسمح له بالمرور خاصة إذا إمتلكنا الوعي والإراده لمواجهته والأهم من ذلك(( القياده والشعب في خندق واحد ))