مونيكا وليم تكتب: بوتين وترامب في قمة ألاسكا.. سلام مؤجل أم صفقة كبرى
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
برزت قمة ألاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين كواحدة من أبرز اللقاءات الدبلوماسية في السنوات الأخيرة، إذ انعقدت في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية، وتبدّل التحالفات الدولية، وتصاعد حالة عدم اليقين داخل المعسكر الغربي. وقد أثارت القمة نقاشًا واسعًا حول مغزاها وتداعياتها المستقبلية، خصوصًا وأن ترامب حاول إضفاء طابع التفاؤل والرهان على “دبلوماسية الاختراق”، بينما جاءت النتائج ضئيلة أو غائبة، لتطرح أسئلة محورية حول مستقبل الأمن الأوروبي، وسيادة أوكرانيا، والتوازن الدولي مرحلة في مضطربة.
وعليه حملت القمة دلالات رمزية عميقة؛ فألاسكا كانت أرضًا روسية بيعت للولايات المتحدة قبل 150 عامًا مقابل 7 مليون دولار، وبالتالي عقد القمة هناك أعاد إلى الأذهان جذور التنافس والتوازنات التاريخية بين القوتين.
كما أن توقيت القمة جاء شديد الحساسية، إذ تزامن مع تصعيد العمليات العسكرية الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا، في وقت كانت واشنطن قد لوّحت بفرض عقوبات جديدة على موسكو بحلول 8 أغسطس 2025، لتتراجع فجأة وتعلن عن “قمة سلام”. هذا التحول يعكس مرونة العلاقات الأميركية – الروسية، لكنه يكشف في الوقت ذاته عن توظيف الدبلوماسية كأداة لإعادة رسم مسارات الصراع.
وعند الوقوف عند أهمية القمة، فقد ساهمت في استعادة العلاقات الاقتصادية إلى ما قبل 2022، حيث أن مشاركة وزراء الاقتصاد وكبار رجال الأعمال من الجانبين أوحت بأن الاقتصاد يُطرح كمدخل لإعادة تطبيع العلاقات، وجعله أساسًا لتسوية أوسع، في ظل مساعٍ لربط التعاون التجاري والاستثماري بمسار المصالحة السياسية.
إلي جانب وقف إطلاق النار والتسويات الترابية، حيث تطرقت المباحثات إلى احتمالات وقف إطلاق النار ورسم “اتفاقات خرائطية”، وذلك بالتزامن مع تصعيد روسيا عملياتها الميدانية في دونيتسك وزابوروجيا وخيرسون ومطالبتها بانسحاب أوكراني كامل لتأمين ممر بري إلى القرم ظلت ثابتة، وهو ما فسره محللون كمناورة عسكرية لفرض وقائع على الأرض قبل التفاوض.
فضلا عن الملف النووي، إذ تناولت القمة مستقبل معاهدة “ستارت الجديدة” بما يعكس اتساع الرهانات المرتبطة بالعلاقات الأميركية – الروسية، من أوكرانيا إلى الأمن النووي، الذي يظل حجر الزاوية في الاستقرار العالمي.
على الرغم من الطابع الودي للقمة وتصريحات ترامب المتفائلة، بقيت الحسابات الصفرية هي السائدة، إذ لم يتم الإعلان عن خطوات عملية لوقف الحرب. رفض ترامب الإجابة عن أسئلة الصحفيين مكتفيًا بالحديث عن “تقدم مهم”، من دون تفاصيل. وفي المقابل، خرج بوتين بمكاسب رمزية كبرى: فقد منحه مجرد انعقاد القمة على الأراضي الأمريكية اعترافًا بمكانته الدولية، وأتاح له كسر جزء من طوق العزلة وإعادة تقديم نفسه كشريك ند للولايات المتحدة.
وبالظر إلي التصور الذي يطرحه ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا يستند على الوقائع الميدانية لا على السرديات التاريخية، فبعد أكثر من ثلاث سنوات من القتال، لم تنجح أوكرانيا رغم الدعم الغربي غير المسبوق في استعادة جميع الأراضي التي ضمّتها روسيا منذ 2014، كما أن موسكو نفسها لا تسيطر بالكامل على المناطق التي أعلنت ضمها في لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا. في هذا السياق من وجهة نظر ترامب، ينبغي أن تُترجم الدبلوماسية ميزان القوى على الأرض. أي تجميد خطوط التماس الحالية باعتبارها حدودًا بحكم الأمر الواقع، مع احتمال إجراء تعديلات طفيفة. عمليًا، يعني ذلك وقف الحرب مقابل اعتراف روسيا بسيادة أوكرانيا، مقابل احتفاظ موسكو بالمناطق التي تسيطر عليها فعليًا. لكن الدستور الأوكراني يحظر التنازل عن أراضٍ، ما يُلزم الرئيس زيلينسكي باللجوء إلى استفتاء شعبي محفوف بالمخاطر السياسية.
لذلك في نظري ، برزت هذه القمة كقمة تمهيدية لمسار أطول. إذ لمح ترامب إلى أنها قد تكون الأولى في سلسلة قمم مع بوتين، تمهد لجولات تفاوضية لاحقة بدلًا من اتفاق فوري.
علي مستوي قياس ردود الأفعال فهناك فريق داخل الولايات المتحدة، يرتأي أنّ أي تنازل عن إقليم الدونباس سيكون كارثيًا نظرًا لأهميته الرمزية وموارده المعدنية، التي ترتبط بها استثمارات أمريكية غير مباشرة، كما اعتُبر اختيار ألاسكا مكانًا للقمة بمثابة إنهاء للعزلة السياسية التي حاول الغرب فرضها على بوتين، دون أن يدفع الأخير ثمنًا مقابلاً.
أما في أوروبا: ركّزت المخاوف على غياب أوكرانيا عن طاولة التفاوض، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على أنّ أي اتفاق لا يضمن أمن كييف ويؤسس لمسار انضمامها إلى الناتو سيبقى هشًّا وغير مشروع.
ختاماً، لقد أبرزت قمة ألاسكا التناقضات العميقة في المشهد الجيوسياسي الراهن: إذ اجتمعت الرمزية الدبلوماسية مع المأزق الواقعي. فبوتين حقق مكاسب سياسية ومعنوية دون تقديم تنازلات حقيقية، بينما غادر ترامب خالي الوفاض من الإنجازات التي وعد بها، ما أضعف صورته كـ”صانع صفقات”. أما أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون، فقد خرجوا بمزيد من القناعة بأن ضمانات أمنية قوية تمثل شرطًا لا غنى عنه لأي تسوية، بعيدًا عن مساومات كبرى تُعقد على حسابهم. وفي النهاية، تبقى قمة ألاسكا مفتوحة على تفسيرات عدة: فرصة ضائعة، أم منعطف حاسم، أم مجرد استعراض سياسي. لكن المؤكد أنها ستظل محطة مؤثرة في مسار الجدل حول الحرب والسلام وقواعد القوة في النظام الدولي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ترامب بوتين ألاسكا قمة ألاسکا
إقرأ أيضاً:
لا أمان لهما
كلاهما يجيد صناعة الوهم وبارع فى المراوغة والتضليل.. كلاهما لا يبحث عن السلام بل جُل سعيهما إلى استسلام من عجزوا عن هزيمتهم بعد إبادة جماعية دارت رحاها منذ عامين.. كلاهما يريد تحرير عشرات الرهائن فشلوا بعد كل هذا الدمار فى تحريرهم.. كلاهما خاب سعيه فى تهجير شعب أعزل مقهور فقدوا كل شىء فى الحياة سوى كرامتهم وعزة أنفسهم وقصص بطولاتهم وتضحياتهم.. أحدهمها مجرم حرب مطلوب للجنايات الدولية، وآخر بلطجى متقلب المزاج لا يؤتمن، ومن العدل والإنصاف أن يمثل أمام الجنايات الدولية على مشاركته فى إبادة شعب وتهجيره من أرضه.. كلامها تراجع عن إتمام صفقة وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن فى يناير من العام الجارى بعد إتمام المرحلة الأولى ويريدان أن يلعبا نفس اللعبة فى صفقة جديدة لتحرير الرهائن والعودة للحرب من جديد لاستكمال مخططاتهما فى إسرائيل الكبرى وريفيرا غزة.. أمريكا التى وقفت وحيدة منفردة أمام العالم بأسره فى مجلس الأمن ترفض وقف الحرب وتحرير الرهائن وإدخال المساعدات مرات عدة بعد عزل إسرائيل دوليًا تسعى اليوم وكأن العالم فقد عقله وضل رشده ليصدق سعى ترامب بلطجى البيت الأبيض متقلب المزاج ومجرم الحرب نتنياهو يسعيان إلى السلام!!!.
نتنياهو يتقن لعبة المراوغة والخداع والكذب.. ترامب يبيع الشعارات لصنع صفقات لا تخدم إلا مصالحه وحسابات القوة. يجتمع الاثنان فى استغلال معاناة الشعب صاحب الأرض لتحقيق مكاسب شخصية، كلاهمها يتقاطع فى ازدراء القانون الدولى والإنسانى وحقوق الشعوب.. من يراهن على وعودهما يكتشف فى النهاية أن كليهما لا تُبنى عليه الثقة، لأنهما لا يعرفان من السياسة إلا الخداع والكذب والمراوغة والتضليل.. مجرم الحرب وزمرته المتطرفة لا يريدون سلامًا حقيقيًا، بل هدنة مؤقتة تتيح لهم كسب الوقت والبقاء فى السلطة.
نتنياهو اتخذ من الحرب وسيلة للبقاء.. مجرم الحرب يدرك أن صفقة الأسرى ليست نصرًا بل هى مرآة كشفت عجزه وجيشه بكل ما يملك فى تحريرهم.. خطة ترامب ليست خطة سلام، بل خريطة جديدة للاستسلام وتكريس الاحتلال وفرض واقع القوة لابتلاع ما تبقى من الأرض ونزع ما بقى من الكرامة.. ما زال مجرم الحرب يتحدث عن "نصر مزعوم"، ويخدع العالم حين يلوّح باسم "ترامب" كأنها شهادة شرعية لما يفعل من إجرام.
نتنياهو يعيش ويستند بقاؤه فى السلطة على الأزمات كما يعيش السياسى على الأضواء.
كلما انطفأ بريقه، أشعل حربًا هنا أو صفقة هناك أو صنع أزمة، نتنياهو كلما انكشف ضعفه، صنع مشهدًا دراميًا جديدًا ليغطى فشله وإجرامه.
نتنياهو متمسك بخيوطٍ واهية من الوهم، يحاول أن ينسج بها وهمًا وخزعبلات على أنقاض الحقيقة.. الكذب وإن ارتدى بدلة النصر يظل هزيمة.
لا خطة لترامب أو خداع لمجرم الحرب يمكن أن تنجح دون عدالة وحل الدولتين الغائب عن ذهن مجرم الحرب وعن خطة ترامب.
[email protected]