اتهام مسؤول كيني باختلاس مساعدات صحية أميركية بملايين الدولارات
تاريخ النشر: 6th, October 2025 GMT
وجهت محكمة أميركية اتهامات إلى رجل أعمال كيني بدعوى تورطه في مخطط ضخم لتحويل مساعدات صحية ممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كانت مخصصة لعلاج مرضى الإيدز والملاريا وبرامج تنظيم الأسرة في كينيا.
وبحسب لائحة الاتهام المقدمة أمام محكمة المقاطعة في ساوث كارولاينا، يُتهم إريك ندونغو موانغي، مالك شركة "لينيار دايغنوستيكس"، بالاستيلاء بشكل منهجي على أدوات فحص فيروس نقص المناعة البشرية وغيرها من المستلزمات الطبية الممولة من الوكالة الأميركية عبر هيئة الإمدادات الطبية الكينية.
وقال المدعي العام الأميركي برايان ستيرلينغ إن التحقيق كان "معقدا للغاية وامتد لسنوات عبر المحيط"، مؤكدا أن المتهمين "عرّضوا مهمة صحية حيوية للخطر وتسببوا بخسائر كبيرة لدافعي الضرائب الأميركيين".
وتشير الوثائق إلى أن موانغي قام بين عامي 2015 و2019 ببيع هذه المستلزمات إلى رجل أعمال من غيانا، يُدعى دافيندرا رامبرساد، الذي أعاد تسويقها عبر شركته "كاريبيان ميديكال سابلايز" مقابل أكثر من 177 ألف دولار، قبل أن يحصل على عقد حصري مع وزارة الصحة في غيانا.
وبينما ينتظر موانغي محاكمته في كينيا، فإنه يواجه عقوبة تصل إلى السجن 20 عاما في حال إدانته في الولايات المتحدة.
أما رامبرساد فقد اعتُقل في ميامي عام 2023، وأقر بالذنب، ليُحكم عليه بالاكتفاء بالمدة التي قضاها موقوفا، إضافة إلى 3 سنوات من المراقبة وغرامة قدرها 84 ألف دولار.
أعادت القضية تسليط الضوء على العلاقة المتوترة بين الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وهيئة الإمدادات الطبية الكينية، التي تعاني منذ سنوات من اتهامات بالفساد وسوء الإدارة.
ففي عام 2021، أنهت الوكالة تعاونها مع الهيئة وأسندت مهمة توريد الأدوية لشركة أميركية خاصة، وهو ما أثار جدلا واسعا في كينيا وأدى إلى تأخير وصول أدوية الإيدز إلى المرضى.
إعلانوتزامنت هذه التطورات مع سلسلة فضائح داخلية طالت الهيئة، من بينها اتهامات بإساءة استخدام أموال مكافحة جائحة كورونا، وتقرير تدقيق مالي عام 2020 أشار إلى "احتمال وجود عمليات احتيال"، إضافة إلى إلغاء مناقصة لشراء ناموسيات بتمويل من الصندوق العالمي.
وقد دفعت هذه الأزمات الرئيس الكيني وليام روتو إلى حل مجلس إدارة الهيئة وتعليق عمل مديرها التنفيذي، متعهدا بإصلاحات جذرية.
وتأتي هذه القضية أيضا في سياق تحوّل أوسع في السياسة الأميركية تجاه القارة، إذ يدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتجاه تقليص المساعدات الطبية المباشرة لصالح مقاربة تقوم على تعزيز التجارة.
ويؤكد ترامب أن على الدول الأفريقية بناء أنظمة صحية مكتفية ذاتيا بدلا من الاعتماد على المانحين.
وقد دفعت هذه السياسة عددا من الدول الأفريقية إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها الصحية.
فكينيا رفعت موازنتها الوطنية للصحة، بينما اعتمدت جنوب أفريقيا على خطط إصلاح التأمين الصحي، وتسعى نيجيريا إلى تعزيز إنتاجها المحلي من الأدوية.
كما تكشف قضية موانغي عن هشاشة أنظمة الإمداد الصحي في كينيا، وتعكس الضغوط المتزايدة على الحكومات الأفريقية لإيجاد حلول تمويلية محلية ومستدامة لقطاع الصحة، في ظل تراجع الاعتماد على المساعدات الخارجية وتزايد ربطها بالشفافية والمساءلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات شفافية فی کینیا
إقرأ أيضاً:
من عجائب السياسة.. أصبح ترامب هو المنقذ
كان بإمكان حركة حماس وبقية فصائل المعارضة أن تجيب على المبادرة الأمريكية الإسرائيلية بالرفض وتصعيد الخطاب، لكن قادتها اختاروا منهج التعامل السياسي، وتحكيم العقل، وتغليب المصلحة الوطنية. قبلوا المقترح، وثمّنوا العناصر التسعة الأولى فيه، وطالبوا بتوضيحات بالنسبة للبعض الآخر، واعترضوا بذكاء على كل ما من شأنه أن يفتح الباب من جديد لأي شكل من أشكال الوصاية على القرار الفلسطيني، فأثبتوا بذلك كفاءتهم السياسية إلى جانب قدرتهم على المقاومة العسكرية.
وبذلك أعادوا الكرة الى المرمى الإسرائيلي؛ بعد حشر حماس في زاوية حادة، الرئيس ترامب يعيد خلط الأوراق بالتأكيد على حماس من خلال قبولها لمبادرته بكونها جاهزة لتحقيق السلام الدائم، وأن على إسرائيل إيقاف العمليات العسكرية والعودة إلى التفاوض. هكذا تغير المشهد كليا.
ما يجب التركيز عليه الآن هو الخروج من هذه الحرب القذرة بأقل ما يمكن من الضحايا والخسائر، والتأسيس لمرحلة مغايرة، فالذي يختار الحرب عليه أن يحسن التقاط الفرصة واللحظة المناسبة من أجل بناء السلام
سيبقى يوم السابع من أكتوبر محل خلاف بين المؤيدين لذلك التحول النوعي في الصراع مع العدو الصهيوني، وبين الذين يرون فيه مجازفة خطيرة غير مدروسة من قبل المقاومة، لكن ما يجب التركيز عليه الآن هو الخروج من هذه الحرب القذرة بأقل ما يمكن من الضحايا والخسائر، والتأسيس لمرحلة مغايرة، فالذي يختار الحرب عليه أن يحسن التقاط الفرصة واللحظة المناسبة من أجل بناء السلام.
الجولة الجديدة من المفاوضات ستكون أمام رقابة الجميع، وهو ما سيجعل احتمال انقلاب نتنياهو وحكومته على المسار ضعيفا وليس مستحيلا. فالثقة في هؤلاء سذاجة، لكن مصلحة ترامب تفرض على الإسرائيليين الاستمرار في الخطة وعدم التفكير في نسفها في حال استعادة محتجزيهم، وهي فرضية يتخوف منها الفلسطينيون والعديد من المراقبين. وما جاء على لسان نتنياهو في محاولة لتجاوز الصفعة التي تلقاها من ترامب، يؤكد الطابع الاستئصالي للحكومة الصهيونية التي سترصد أي شيء يمكن استغلاله من أجل العودة إلى إكمال حرب الإبادة. وهي مسألة يدركها المفاوض الفلسطيني، ويُستبعد أن يمكّن عدوه من هذه الفرصة.
تجنبت حماس الخوض في أي جدل عقيم مع ممثلي السلطة الفلسطينية، وبدل التورط في هذا المنحدر الخطير، دعت إلى إشراك الجميع في مناقشة الوضع الفلسطيني بعد توقف الحرب، ودعت الجميع بما في ذلك منظمة التحرير الى مؤتمر سيعقد في القاهرة للبحث عما هو مشترك بين الجميع. وحتى تكون في مستوى الحدث، قبلت حماس بأن يكون هذا الحوار علنيا وصريحا وذا مصداقية عالية، عساه يقطع الطريق أمام المخادعين والمتاجرين بالقضية.
إذا سارت الأمور في هذا النحو ، ستكون أفضل نهاية لهذه المغامرة المؤلمة التي فجرت أخطر حرب خاضها الفلسطينيون في تاريخهم المعاصر
وفي خطوة موازية، أعلن محمود عباس عن صياغة دستور بعد ثلاثة أشهر، وتنظيم انتخابات بعد سنة. وبقطع النظر عن محتوى هذا الدستور وعن كيفية تنظيم هذه الانتخابات، فالأكيد أن الحالة الفلسطينية مرشحة، مقارنة بالوضع الراهن، للانتقال لمرحلة مختلفة. فانتهاء الحرب من شأنه أن يُدخل الوضع الإسرائيلي في سياق مفتوح على تغييرات يصعب التكهن بمآلاتها. فخروج نتنياهو، وانهيار تحالف أقصى اليمين للصهيونية الدينية، والصراع الذي سينفجر بين هذه الجبهة وبين التيارات الموصوفة بالعلمانية، ستكون له تداعيات كبرى في مجتمع وصفته الوزيرة الصهيونية السابقة تسيبي ليفني بـ"الدولة المنبوذة" نتيجة ما خلّفته الحرب على غزة، وهو ما جعل "أبناءنا اليوم لم يعودوا يريدون دعم إسرائيل". كما يدور الحديث أيضا داخل المجتمع الإسرائيلي عن حرب أهلية يمكن أن تنفجر في أي لحظة بين شقين متعارضين ومختلفين في كل شيء تقريبا.
إذا سارت الأمور في هذا النحو ، ستكون أفضل نهاية لهذه المغامرة المؤلمة التي فجرت أخطر حرب خاضها الفلسطينيون في تاريخهم المعاصر. لقد عانى الفلسطينيون كثيرا وسيعانون أكثر للأسف، والمرحلة الجديدة لن تكون سهلة، حيث ستعمل أطراف ولوبيات وشياطين من أجل إبقاء الشعب الفلسطيني تحت الهيمنة، خاضعا للابتزاز والمتاجرة بدمائه وحقوقه، لكن الأمل في قيام إرادة وطنية قد يحوّل هذا المسار، الذي سيعمل الأعداء على إضعافه، إلى فرصة للبناء والتوحد حول مشروع بناء دولة فلسطينية ستكون صغيرة في حجمها، لكنها كبيرة في قيمتها، وقوية في شرعيتها.