غزة – يختصر الصحفي الأسير المحرر عماد الإفرنجي تجربة اعتقاله المريرة والقاسية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بالقول "كنت في غوانتنامو، أنا عائد من الجحيم، وقادم من الموت".

قضى الإفرنجي (57 عاما) نحو عام و7 شهور متنقلا بين عدة سجون إسرائيلية، ومعسكرات اعتقال تابعة لجيش الاحتلال، منذ اعتقاله في 18 مارس/آذار من العام الماضي، حتى تحرر في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري ضمن صفقة تبادل الأسرى بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

وكان الإفرنجي في أحد أيام شهر رمضان المبارك مدعوا من صديق له لتناول وجبة الإفطار في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، عندما حاصرته قوات الاحتلال، واعتقلته ضمن عشرات آخرين.

رغم قسوة تجربة السجن يبدي الصحفي المحرر عماد الإفرنجي عزيمة قوية وإيمانا بعدالة قضيته ونضال شعبه (الجزيرة)لحظة الاعتقال

يقول الإفرنجي "كانت لحظة اعتقالي خاطفة وصادمة ومؤلمة"، تعرض خلالها للتفتيش العاري ميدانيا، وتعذيب قاس، إذ انهال عليه جنود الاحتلال بالضرب المبرح.

ويصف الإفرنجي كيف أحاطت دبابات وآليات الاحتلال المستشفى وحاصرته، وقتلت كل من تحرك أو حاول الهرب. وقال إن أغلب من كان بالمكان، وكلهم مدنيون، استجاب لنداء جنود الاحتلال عبر مكبرات الصوت بالتجمع في ساحة المستشفى.

ويضيف للجزيرة نت "قال لي جندي إسرائيلي أنت يا ختيار (كبير السن)، اذهب هناك، وأشار إلى مكان لجمع المعتقلين، وطالبوني بخلع كل ملابسي، وبقيت فقط بالقطعة الداخلية التي تغطي العورة".

ورغم معرفتهم بهويته كصحفي، وبلا مقدمات يقول: "انهالوا علي بالضرب والتنكيل والشتائم، وقيدوا أيادينا للخلف بقيود بلاستيكية صعبة ومؤلمة، وكنت أسمع في مكان مجاور معتقلين يتعرضون لتعذيب قاس وسط صراخ رهيب، أين كنت يوم 7 أكتوبر؟، أنت حماس؟ أنت نخبة قسام؟، وكنت أنتظر دوري".

وبعد جولة من التعذيب، ألبسوهم ملابس بيضاء مرقمة، وكان رقمه -وفق الإفرنجي- 114، وظن هو ومن معه أنه زي إعدام، نطقوا بالشهادتين ووكلوا أمرهم لله.

سيديه تيمان

وعن رحلة الاعتقال، تحدث الإفرنجي عن وضعهم: بعد ساعات من الضرب والتنكيل، كنا في شاحنة انطلقت بسرعة كبيرة، وأغمى علي خلالها وفقدت وعيي.

إعلان

وعند وصولهم إلى معتقل سيديه تيمان، كان في انتظارهم مجندون ومجندات أجبروهم على خلع كل ملابسهم، ووقفوا أمامهم عراة، وخضعوا لتفتيش مهين، بعدها تم استبدال القيود البلاستيكية بأخرى حديدية، ووزعوهم على سجون ومعسكرات اعتقال مختلفة.

ويضيف "عندما وصلنا هذا المعتقل سيئ الصيت والسمعة طالبونا بالاستلقاء على بطوننا، وألقوا علينا قنابل صوتية، وأطلقوا علينا كلابا بوليسية شرسة لتهاجمنا، وعشرات الجنود انهالوا علينا بالضرب المبرح، وهذه كانت البداية وكأنها مقدمة لما هو آت، حيث التحقيق والتعذيب بأساليب غير معهودة".

ويواصل سرد ما يصفها بأصعب تجربة في حياته، وكيف بقي قرابة 100 يوم جالسا على هيئة القرفصاء، ومعصوب العينين، ومقيد اليدين، وممنوعا من الكلام والنوم نهائيا.

ليضيف أن مكان الاعتقال كان عبارة عن صندوق حديدي مساحته 40 مترا مربعا، وأرضيته أسمنتية، وفيه 120 معتقلا، لكل منهم فرشة سمكها سنتمتر واحد فقط، وإذا غلب النوم أحد المعتقلين يسحبوه خارجا وينهال عليه بضعة جنود بالضرب المبرح، وإذا احتاج أحدهم دورة المياه يتوجب عليه أن يحجز مسبقا وقد يأتيه دوره بعد 10 ساعات، وبمجرد الدخول لا يمنحه الجندي سوى ثوان معدودة ويبدأ بالطرق على الباب مع صراخ وشتائم ويطالبه بالخروج".

عماد الإفرنجي أحد أبرز صحفيي غزة وأقدمهم ويتمتع بعلاقات واسعة مع مختلف شرائح المجتمع (الجزيرة)تعذيب وإهانات

وبعد قضاء نحو 3 أشهر في سيديه تيمان، نقل الاحتلال الإفرنجي إلى معتقل عوفر، وهو معسكر تابع للجيش الإسرائيلي، حيث لم يكن هناك أي ضوابط تمنع الجنود من التصرف بالمعتقلين الفلسطينيين كما يشاؤون.

ويتحدث الإفرنجي عن ظروف اعتقاله في معتقل عوفر قائلا: "في هذا المعسكر عشنا تجارب مؤلمة وغير آدمية، حيث تعرض بعض المعتقلين لوضع العصي الكهربائية في مؤخراتهم، وآخرون عُلّقوا من الخصيتين، وهاجمتهم الكلاب البوليسية، كما كُسرت عظام بعضهم بسبب شدة التعذيب".

وفي عوفر كان الإفرنجي واحدا من 24 معتقلا في غرفة بطول 10 أمتار وعرض 4 أمتار فقط، وهي -بحسب وصفه- "عبارة عن قبر حقيقي"، وبداخلها مغسلة واحدة، ودورة مياه واحدة وفيها كاميرتا مراقبة.

ويقول "كنا نجلس وننام على أسرة حديدية مصنوعة من ضبان قاسية من الحديد، أطلقنا عليها الشواية، لأنها تترك أثرا على أجسادنا كما تترك الشواية أثرها على اللحوم والدواجن، وكانوا يتعاملون معنا كأرقام للحط من كرامتنا، وبعد أن يسمع المعتقل رقمه وقت العد الصباحي، يتوجب عليه الجلوس بوضعية السجود، ومن يعترض يجبره جنود الاحتلال على إخراج يديه من فتحة صغيرة أسفل الباب ويتم تحطيمهما بالهراوات وأعقاب البنادق".

وإضافة لكل هذا التعذيب الجسدي، يشير الإفرنجي إلى قسوة سياسة التجويع الممنهجة، التي تركت أثرها على جسده النحيل، وهو الذي دخل السجن بوزن 110 كيلوغرامات وخرج منه بوزن 66 فقط.

عاجل | نائبة مدير المعهد الدولي لسلامة الصحفيين للجزيرة: من العار استهداف الصحفيين الذين يؤدون مهامهم في غزة

— الجزيرة – عاجل (@AJABreaking) October 8, 2025

تحقيق ومساومة

وكصحفي يمارس مهنته منذ 35 عاما، كانت لدى الإفرنجي تجربة خاصة خلال جلسات التحقيق، ففي أولى هذه الجلسات، اصطحبه جنود الاحتلال من سديه تيمان بسيارة عسكرية إلى مقر المخابرات، وخلال حوالي 5 دقائق من الطريق لم يتوقف الضرب والتنكيل والشتائم البذيئة، ويقول الإفرنجي: عند الوصول "ألقوا بي على الأرض، وجاء ضابط مخابرات، وكنت معصوب العينين، فأمسك برأسي وضربه بالأرض، وكل ذلك قبل بدء التحقيق".

إعلان

بعدها خضع الإفرنجي مجبرا لتفتيش عارٍ مرة أخرى، ورغم صعوبة التجربة، يشير إلى أنه لم يتعرض لتعذيب كما حدث مع آخرين، وبعد نحو أسبوع، خاض جولة تحقيق ثانية مشابهة.

وفي مايو/أيار من العام الماضي، عقدت له محكمة صورية عبر الهاتف، وأنكر خلالها جميع التهم الموجهة إليه، مؤكدا أنه صحفي ومحاضر جامعي فقط، وليس له أي انتماء لمنظمات إرهابية.

ثم جاءت الجولة الثالثة من التحقيق، والتي كانت أكثر قسوة، حيث هدد المحقق حياة جميع أفراد عائلته، وركز التحقيق على علاقاته مع إعلام حركة حماس وفصائل المقاومة، ومقابلة صحفية أجراها مع رئيس المكتب السياسي لحماس الشهيد يحيى السنوار عقب الإفراج عنه ضمن صفقة "وفاء الأحرار 1".

أما الجولة الرابعة، فكانت مع جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتركزت على عمله السابق في فضائية القدس، حيث حاول المحقق مساومته قائلا "أخبرنا أين الأسرى وسنحميك ونفرج عنك ونعطيك المال"، فابتسم الإفرنجي ورد "أجهزتكم وكل استخبارات العالم لم تصل إلى الأسرى، وتريدون مني أن أعرف أين هم؟!".

وقبل تحرره بأسبوعين، يختم الإفرنجي سرد تجربته في سجن النقب، حيث كانت آخر جولة تحقيق بمشاركة محققين من المخابرات، وقال لهم "أنتم تصنعون قنابل موقوتة من شبان في مقتبل العمر، اعتقلتموهم وعذبتموهم وقتلتم أهاليهم، وستجنون ثمار ذلك".

تجربة قاسية

وعن أثر تجربة الاعتقال عليه، يوضح الإفرنجي أنها أعادت ترتيب أولوياته في الحياة، وأعادت له تقييم علاقته بالله، وبأمه، وزوجته وأبنائه، وأشقائه وأخواته.

كما أضافت له تجربة الاعتقال، حسب وصفه، فهما أعمق للاحتلال، معتبرا أن الاعتقال أتاح له رؤية الواقع عن قرب، وقال "إنه احتلال جبان يخاف من الصورة ويرتعش أمام الكلمة، ولهذا استهدف الصحفيين في غزة، بمن فيهم أبنائي وتلاميذي مثل حسن أصليح وأنس الشريف وإسماعيل الغول، الذين كشفوا وجهه القبيح".

ويختم الإفرنجي حديثه برسالة للصحفيين وأهل غزة "خرجت من السجن أكثر إيمانا بقضيتنا وعدالتها، وأكثر صبرا وعنادا، أنتم تاج الرؤوس، شرف هذه الأمة وكرامتها، صمدتم كالجبال، وواجهتم جرائم وصعاب تشيب لها الولدان، ولم ترفعوا الراية البيضاء".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات جنود الاحتلال

إقرأ أيضاً:

الأسير المحرر الدكتور أحمد مهنا يروي للجزيرة تفاصيل وظروف اعتقاله القاسية

يروي الأسير المحرر الدكتور أحمد مهنا مدير مستشفى العودة بشمال قطاع غزة -في شهادة لقناة الجزيرة- تفاصيل اعتقاله وسجنه من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي عندما كان يقوم بواجبه الإنساني.

وبعد قرابة عامين من الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أفرج عن الدكتور مهنا بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخرا بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

ويقول الدكتور مهنا إنه بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2023 جاءت قوة من الجيش الإسرائيلي إلى مستشفى العودة وطلبت منه بصفته المدير أن يزودها بقائمة تشمل جميع الموجودين في المستشفى، وفعل ما طلب منه وأبلغهم بالمرضى المدنيين بينهم 45 طفلا و18 سيدة وضعن مواليدهن، وطاقم طبي مكون من 78 شخصا، بالإضافة إلى إدارة المستشفى.

ويؤكد الدكتور مهنا أن القوات الإسرائيلية احتجزته داخل منزل كانت متحصنة بداخله بجوار المستشفى، وقامت بإغماض عينيه بعصابة وربط يديه بأصفاد، وبعد مكوثه هناك 12 ساعة، اقتاده في اليوم التالي حوالي 50 جنديا إسرائيليا إلى المستشفى برفقة المدرعات والدبابات وطلبوا منه إخراج جميع الطواقم الطبية داخل المستشفى.

ويضيف الدكتور في شهادته أن جنود الاحتلال قاموا بإخراج الطواقم الطبية والمرافقين وجردوهم من ملابسهم رغم البرد القارس، كما أخرجوا المرضى الذين يستطيعون المشي وحققوا معهم جميعا بجوار المستشفى لمدة 8 ساعات، ويقول الدكتور مهنا إنه طلب من ضابط مسؤول أن يسمح له بإحضار أغطية لكبار السن والمرضى لكنه رفض.

وعلى إثر تلك التحقيقات قام جنود الاحتلال باعتقال 3 من طواقم المستشفى واثنين من المرضى.

ورغم زعم جنود الاحتلال أن الموضوع انتهى، يقول الدكتور مهنا إنه تم اقتياده مع أسرى آخرين إلى داخل إسرائيل بعد ربط أيديهم وتغطية أعينهم، وطوال 20 يوما لم يعرفوا مكان وجودهم.

إعلان

ويروي أنه أخضع لجلسات تحقيق تدوم ساعات وساعات بتهم غريبة وخطيرة مثل: هل عالجتم أسرى من الجنود؟ هل لديكم جثث من الجنود؟ هل لديكم مسلحون داخل المستشفى؟

وكانت جلسات التحقيق عنيفة تخللتها تهديدات وانتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني بشكل سافر وصريح، ويستغرب الدكتور مهنا من التهم التي وجهت إليه خاصة أن جنود الاحتلال استولوا على كاميرات مستشفى العودة ولديهم معلومات كاملة عن المرضى وعمن دخل المستشفى منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

كما يقول مدير مستشفى العودة إنه تم اقتياده وبقية الأسرى بعد ذلك إلى مكان وهم مكبلو الأيدي ومعصوبو الأعين، وتركوهم في عراء بدون غطاء أو أفرشة رغم أن البرد كان قاسيا.

مقالات مشابهة

  • أسير فلسطيني محرر يروي أهوال التعذيب في سجون الاحتلال
  • صحفي فلسطيني أسير محرر يكشف تفاصيل مروّعة عن التعذيب في السجون الصهيونية
  • مدير مستشفى “العودة” يكشف تفاصيل اعتقاله ومعاناة التعذيب في سجون الاحتلال
  • عاد من الموت مرتين.. الأسير المحرر سعد عزام يروي قصته للجزيرة نت
  • المجلس الوطني الفلسطيني يدعو لحماية الأسرى بسجون الاحتلال الإسرائيلي من التعذيب الممنهج
  • “هددوني بقتل أطفالي”.. شهادة مؤلمة للطبيب والد الطفل “يوسف” عن التعذيب في سجون الاحتلال
  • مسؤولون للجزيرة نت: إسرائيل تخرق بند المساعدات والمعابر في اتفاق وقف النار
  • إصابة الأسير مروان البرغوثي بكسور إثر الاعتداء عليه بسجون الاحتلال
  • الأسير المحرر الدكتور أحمد مهنا يروي للجزيرة تفاصيل وظروف اعتقاله القاسية