أوصى الشيخ الدكتور ‏صالح بن عبدالله بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام، المسلمين بتقوى الله والتأمل في عبد من عباد الله موفق، يعيش في خير لم يسأله، وينجو من شر لم يتقه.

خير لم يسأله

وأوضح " بن حميد" خلال خطبة الجمعة الأخيرة من شهر ربيع الآخر اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنه قد كُتب له ذلك - بعد توفيق الله - بسبب دعاء من عبد صالح لم يعرفه، وإغاثة ملهوف لم يذكره، وتفريج كرب لأخ لم يعلمه، يقترن بذلك خبيئة من عمل صالح لم يظهره.

واستشهد بما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، مشيرًا إلى قصة عظيمة عجيبة مباركة في كتاب الله من قصص أهل الإيمان والتوحيد في زمن الغربة.

وتابع:أولو عزمٍ من الرجال، فروا بدينهم من الفتن، فأنجاهم الله، وهيأ لهم أسباب الحفظ والعزة والكرامة، أووا إلى ربهم فأواهم، وكتب لهم الرفعة، وحسن العاقبة، ولسان الذكر في الدنيا والآخرة.

قصة عجيبة

وأضاف أنها قصة عجيبة تنتظم دروسًا وعبرًا تستدعي التوقف عندها وتأملها، إنها قصة أصحاب الكهف والرقيم، ولئن كانت قصة أصحاب الكهف والرقيم عجيبة فإن هناك ما هو أعجب منها، وهي آيات الله في الأفاق.

وأردف: وفي الأنفس خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والآيات في القفار والبحار، وتتسبب بعالم الغيب وما فيه من الأسرار، منوهًا بأن من خلال هذه السورة الكريمة بقصصها وأحداثها عامة، وقصة أصحاب الكهف والرقيم خاصة ما يتجلى من العلاقة الكبرى بين الإيمان والتوكل.

واستطرد: وبين الأخذ بالأسباب وبين الإيمان بالغيب، والأخذ بالظواهر والماديات، لافتًا أن من الدروس في هذه القصة المباركة ما تجلى فيه الفارق بين الإيمان الصحيح بالله فاطر الكون ومبدعه، والإيمان بالغيب والبعث والنشور.

وواصل: وبين الاعتماد على الماديات المجردة، والانصراف إلى اللذة العاجلة، والمنفعة المادية العابرة بعيدة عن حقائق الإيمان وأنوار النبوة وفقد التوازان بين العلم والعقل والأخلاق وضوابط الاستقامة.

التركيز على التوحيد

وأفاد بأن التركيز على التوحيد وإثباته وتثبيته وبيان ما يناقضه من الشرك، جلي في هذه القصة المباركة، فالثبات على الإيمان والاستقامة على الهدى منة من الله وتوفيق.

ودلل بقوله تعالى (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوا مِن دُونِهِ إِلَيْهَا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، فمن التزم توحيد الله وأخلص في عبادته ونَبَذ الشرك والبدع والمعاصي حفظه الله وعصمه وثبته.

وأكد أن من دروس هذه الفتية المباركة أنهم كانوا على قلب واحد في تعاون وتآلف، تلاشت فيه مظاهر الفردية وعوارض الخلاف والشقاق، جاءت الآيات تبين ذلك وتبرزه بأسلوب عجيب : ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ)، ﴿ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا ).

وأشار إلى أنهم لم يختلفوا ولم يتنازعوا قلوبٌ تصافت ونفوسٌ تسامت، فالغاية واضحة والمنهج مستقيم والجهود موجهة لابتغاء الحق، ومَنْ صاحب الأخيار نال من خيرهم ومن رافق الأشرار ناله من شرهم ومن رافق المتذمرين واللوامين تأثر بهم.

غمرته سعادتهم

ونبه إلى أن من عاش مع المتفائلين غمرته سعادتهم، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَةٌ، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ)، فصاروا جماعة واحدة ويدًا واحدة وإخوان صدق وتوافقوا على كلمة سواء.

ولفت إلى درس عجيب وتوجيه عظيم يتعلق بالاشتغال بما لا طائل تحته مما هو ليس من مهمات الدين، ولا من مصالح الدنيا، لقد قال هؤلاء الفتية الصالحون، حين تساءلوا عن مدة نومهم: (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ).

ونوه قائلًا: إن هذه القصة العظيمة تغرس في فؤاد المؤمن وبخاصة في أوقات الأزمات والمضايق أن العبد ضعيف بنفسه قوي بربه، وأن التوفيق هبة من الله ومنّه، وأن العبد في إيمانه وعمله الصالح له مقامان، مقام عمل وكسب ومقام هبة من الله وتوفيق، فمقام العمل والكسب ما يقوم به من أفعال وأحوال ففي قوله سبحانه (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ هذا مقام العمل والكسب، وقوله ﴿ وَزِدْنَهُمْ هُدَى) هذا حال الهبة والتوفيق، فمن آمن بالله وتوجه إليه هدى الله قلبه وأقبل عليه.

طباعة شارك خطيب المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد خطبة الجمعة من المسجد الحرام خير لم يسأله تعيش في خير لم تسأله

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطيب المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من المسجد الحرام المسجد الحرام خیر لم

إقرأ أيضاً:

خطيب أوقاف السويس: التحرش كبيرة من الكبائر وجرأة على حدود الله تعالى

التحرش.. تحتل المرأة مكانة عظيمة في الإسلام، وكرمها الشرع الشريف في أكثر من موضع في كتاب الله والأحاديث النبوية المطهرة، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» – رواه الترمذي وابن حبان.

صيانة المرأة في الإسلام وضمان حقوقها الاجتماعية والنفسية:

وضمن الإسلام للمرأة حقوقها المُصانة ولا يقبل في أي حال من الأحوال المساس بها أو التقليل من شأنها، كما أنه لا يجوز شرعًا تعرض المرأة لأي نوع من أنواع الأذى.

ومن جملة ما وفره الشرع الشريف من حماية وصيانة المرأة جعل الإسلام التعرض لها أذى كبير تُحاسب عليه الشريعة الإسلامية بشكل قاطع.

التحرش الجنسي جريمة محرّمة وكبيرة من الكبائر

والتحرش الجنسي جريمة محرّمة في الشرع الشريف، كما أنها كبيرة من الكبائر، لما فيها من انتهاك للحرمات والأعراض، 
 لا يمكن تبرير التحرش بوصف أو شكل ملابس المرأة؛ إذ أنه تبرير باطل لا يصدر إلا عن أصحاب النفوس المريضة.

قال النبي ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ».

خطيب أوقاف السويس: التحرّش جريمة خلقية وكبيرة شرعية

وقال محمد أنور إمام وخطيب بمديرية أوقاف السويس، في تصريحات خاصة ل"الوفد"، إن التحرّش هو كلّ تصرف أو قول أو إشارة أو نظرة يُقصد بها النيل من كرامة إنسان، أو خدش حيائه، أو انتهاك خصوصيته الجسدية أو النفسية.

وأوضح أنور أن شريعة الإسلام جاءت بآيات قرآنية صريحة في تحريم كل ما يمسّ الأعراض أو يخدش الحياء. قال تعالى:

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: 30]
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور: 31].
فالتحرش لا يبدأ بالفعل فقط، بل يبدأ من النظرة والنية الخبيثة، لذلك قال النبي ﷺ:
«العينان تزنيان وزناهما النظر» (رواه مسلم).

هل التحرّش من الكبائر؟

وأكد خطيب أوقاف السويس أن التحرّش كبيرة من الكبائر لأنه اعتداء على العرض، وجرأة على حدود الله، وظلم لعباد الله، وقد عدّ العلماء كل فعلٍ فيه فاحشة أو مقدّمة إليها من الكبائر، قال ﷺ: «لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» (رواه الطبراني).

ونبه أنور أن من يمس المرأة أو يتلفظ عليها أو يلاحقها يعد جرم عظيم في الشرع الشريف وتستحق عليه النفس المؤمنة التوبة والردع.

هل لملابس المرأة علاقة بالتحرّش؟

أوضح أن لا علاقة للملبس بجريمة التحرش؛ فالجريمة يتحملها الفاعل وحده، كما أن الإسلام لم يُلقِ اللوم على الضحية، بل جعل المسؤولية على المعتدي الذي أطلق بصره واتبع هواه.
قال تعالى:﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].

أما الحشمة فهي تكليف شرعي للمرأة تكمل به طهارتها، لكنها لا تبرّر الاعتداء بحالٍ من الأحوال.

ما عقاب المتحرّش يوم القيامة؟

أكد محمد أنور أن يوم القيامة، يُؤخذ للناس حقوقهم كاملة، قال ﷺ: «لتؤدَّنَّ الحقوق إلى أهلها، حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» (رواه مسلم)، مشيرًا إلى أن المتحرّش يأتي يوم القيامة وقد أثقل ظهره بالذنوب، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].

كيف كرّم الإسلام المرأة؟

كرم الإسلام المرأة بنتًا وزوجةً وأمًّا وإنسانة، فجعل لها من الحقوق ما لم تعرفه البشرية من قبل، قال ﷺ: «استوصوا بالنساء خيرًا» (متفق عليه).

وقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228].
فكرامتها في الإسلام ليست فضلًا من أحد، بل حقٌّ من الله.

هل النظر إلى المرأة يُعد تحرّشًا؟

قال إن النظر بريبة وشهوة محرّم، أما النظرة العفوية التي لا قصد فيها فلا إثم فيها، قال ﷺ لعليٍّ رضي الله عنه:
«يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية» (رواه أحمد).

كيف عالج الإسلام قضية التحرّش؟

أوضح أنور أن الإسلام عالج قضية التحرّش من الجذر؛ إذ أمر بغضّ البصر، كما أمر بالحياء والحشمة، وحرّم الخلوة والاختلاط المريب، فضلًا عن أنه أمر الرجال والنساء بالتقوى والاحترام المتبادل، مؤكدًا أن الإسلام لم ينتظر وقوع الجريمة ليعاقب، بل منع أسبابها من الأصل.

أمين الفتوى: التحرش جريمة محرمة شرعًا وكبيرة من الكبائر

وقال الدكتور هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن التَّحَرُّش -بالقول أو الفِعْل- جريمةٌ مُحَرَّمةٌ شرعًا، وكبيرةٌ مِن الكبائر؛ لما فيه مِن الاستطالة على الحُرُمات والأَعْرَاض.

وأكد ربيع أن مشكلة التحرش تكمن في سلوك الـمُعتدِي، لا في لباس الضحية، مشيرًا إلى أن إلقاء اللوم على شَكْل أو نوع ملابس المرأة هو مِن القيود على حريتها وكرامتها، وتبريرهم لذلك لا يَصدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة.

الشرع الشريف أمر بغض البصر عن المحرمات

وأضاف أن الشرع الشريف أمر الـمُسْلِم بغضِّ البصر عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف، دون تسويغٍ شيطانيٍ للوقوع في المحذور المنهي عنه؛ وذلك امتثالًا لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30 ، 31].

كيف يمكن التصدي لمشكلة التحرّش الجنسي؟

ويمكن حل مشكلة التحرش الجنسي عن طريق تفعيل قوانين رادعة، وذلك حتى يتم التصدي لهذه الظاهرة بكل حزم، وفي ذلك حمايةً للمجتمع وصونًا للكرامة الإنسانية.

 

مقالات مشابهة

  • خطيب أوقاف السويس: التحرش كبيرة من الكبائر وجرأة على حدود الله تعالى
  • «شؤون الحرمين»: أكثر من 13 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال أسبوع
  • تاج الكرامة والسبيل لأعلى المنازل.. خطيب المسجد النبوي يوصي بتقوى الله
  • خطيب المسجد الحرام: اللهم انصر إخواننا في فلسطين واجمع شملهم وانصرهم على عدوك وعدوهم
  • بث مباشر لصلاة الجمعة من الحرمين الشريفين
  • تحالف الأحزاب ينعى الغماري: مجاهد مخلص وقائد جسّد معاني الإيمان والتضحية
  • بجوار المسجد الحرام.. كل ما تريد معرفته عن مشروع بوابة الملك سلمان في مكة المكرمة
  • بن سلمان يدشن مشروعا لزيادة سعة المسجد الحرام
  • عاجل: بمساحة 12 مليون م².. "بوابة الملك سلمان" وجهة متكاملة بجوار المسجد الحرام