العلاقات بين أفغانستان وباكستان قديمة ومعقدة، ويعود جذور الخلاف الحدودي بين البلدين إلى مطلع القرن العشرين، بعد أن جرى ترسيم الحدود بين إمارة أفغانستان في عهد الأمير عبد الرحمن، والهند البريطانية التي كانت تضم آنذاك أراضي الهند وباكستان وبنغلاديش الحالية.

تم ترسيم ما يُعرف اليوم بـ"خط دوراند" بطول يقارب 2600 كيلومتر، ليفصل بين أفغانستان وباكستان، غير أن هذا الخط أثار إشكالية عميقة، إذ قسّم قبائل البشتون بين جانبي الحدود، فبات أفراد القبيلة الواحدة يعيشون في دولتين مختلفتين، ما جعل الخط مصدرا دائما للتوتر بين البلدين.



وعندما رُسمت الحدود كانت أفغانستان تعيش حالة من الضعف، ولذلك لم يعترف أيٌّ من الحكام الذين تعاقبوا عليها لاحقا بخط دوراند رسميا، معتبرين أنه يقسم الشعب الأفغاني ويفصل أبناء العرق البشتوني والقبائل والعائلات على جانبي الحدود بين دولتين.

هذا الخط أثار إشكالية عميقة، إذ قسّم قبائل البشتون بين جانبي الحدود، فبات أفراد القبيلة الواحدة يعيشون في دولتين مختلفتين، ما جعل الخط مصدرا دائما للتوتر بين البلدين
لاحقا ظهرت شخصيات أفغانية معروفة تبنّت فكرة توحيد البشتون، من أبرزها عبد الغفار خان، المعروف أيضا بـبادشاه خان، الذي دعا في البداية إلى وحدة الهند، ثم بعد قيام باكستان طرح مشروعا سماه "بشتونستان" أي "أرض البشتون"، يهدف إلى ضمّ المناطق ذات الأغلبية البشتونية في غرب باكستان وأفغانستان في كيان واحد.

غير أن عبد الغفار خان أدرك لاحقا أن مشروع "بشتونستان" غير واقعي، وأن بعض الساسة الأفغان يوظفونه لإشعال الخلافات مع باكستان، فتراجع عنه، ومع ذلك، بقي الشعور القومي البشتوني حاضرا، وظلت القبائل المنتشرة على جانبي الحدود تطالب بمزيد من اللامركزية، خاصة أن مناطقها كانت تتمتع تاريخيا بقدر من الحكم الذاتي بعيدا عن سلطة المركز في إسلام آباد.

وعندما تولى برويز مشرف الحكم في باكستان بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، تعرض لضغوط أمريكية شديدة لدفع حركة طالبان إلى تسليم أسامة بن لادن ومساعديه، لكن الحركة رفضت، وبحكم التحالف القائم بين واشنطن وإسلام آباد، تعاونت باكستان مع الولايات المتحدة في غزو أفغانستان، الأمر الذي أثار غضب البشتون وزاد من تعقيد الموقف.

واجتمع في تلك المرحلة البعدان القومي والديني لدى البشتون، إذ تحولت الحركة القومية التقليدية التي كانت تميل في فترات سابقة إلى القوميين أو اليساريين، إلى حركة يغلب عليها الطابع الديني، بعدما تصدّر المشهد طلاب المدارس الديوبندية المتأثرون بفكر طالبان.

ورغم ما يُقال عن أن حركة طالبان نشأت بدعم من الاستخبارات العسكرية الباكستانية، فإن الموقف تغيّر جذريا بعد الضغوط الأمريكية على إسلام آباد لإسقاط نظام طالبان، ووجدت باكستان نفسها حينها في مأزق صعب، واضطر الرئيس برويز مشرف إلى الانصياع للمطالب الأمريكية، ما أثار سخط التيارات الدينية والقومية داخل البلاد.

أدّى هذا التحوّل إلى موجة من العنف، إذ حاولت بعض الجهات اغتيال مشرف وعدد من كبار المسؤولين الباكستانيين، واندلعت مقاومة مسلحة بين البشتون استندت إلى دوافع قومية ودينية في آن واحد.

هؤلاء البشتون المتدينون، خريجو المدارس الديوبندية، ذهب بعضهم إلى مقاومة الحكومة المركزية لاعتبارات قومية ودينية، بذريعة عدم تطبيقها للشريعة الإسلامية والتعاون مع الولايات المتحدة، ومن رحم هذه الحركات نشأت حركة طالبان باكستان.

تتقاطع هذه الحركة فكريا مع حركة طالبان أفغانستان، وكان مؤسسها بيت الله محسود يعتبر الملا عمر مرجعيته الروحية و"أمير المؤمنين"، غير أن هذا التقارب لا يعني أن طالبان الأفغانية منحت نظيرتها الباكستانية تفويضا لمهاجمة الجيش أو الحكومة في باكستان.

وفي الواقع، ثمة اختلاف جوهري بين الحركتين؛ فطالبان أفغانستان ركزت على مقاومة الاحتلال الأجنبي وإرساء الاستقرار داخل البلاد، بينما وجهت طالبان باكستان سلاحها نحو الحكومة المركزية التي تراها تابعة للغرب ولا تلتزم بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهذه النقطة في الحقيقة ملتبسة أحيانا.

وعندما تشكّلت حركة طالبان الأفغانية في مرحلتها الأولى، كانت العلاقات بين باكستان وحركات المجاهدين خلال الغزو السوفييتي تتسم بالتعاون الوثيق، إذ دعمت إسلام آباد تلك الفصائل لوجستيا وسياسيا.

لذلك، كان من المتوقع أن تكون علاقة الإسلاميين، سواء رموز المرحلة الأولى مثل حكمتيار ورباني وسياف أو طالبان في حكمها الأول، علاقة متينة مع باكستان، لكن هذا التقارب جلب أيضا انتقادات شديدة من القوميين البشتون والتيارات اليسارية، التي اتهمت الحركات الإسلامية بأنها أدوات بيد باكستان والولايات المتحدة، مستندة في ذلك إلى طبيعة الدعم السياسي والعسكري الذي تلقته هذه الفصائل.

وفي تلك المرحلة، شهدت العلاقات الباكستانية الأفغانية تحسنا ملحوظا، إذ جرى تجاهل الخلافات الحدودية مؤقتا، غير أن عودة الحكم القومي المتمثل في نظامي حامد كرزاي وأشرف غني أعادت النزاعات الحدودية إلى الواجهة من جديد.

كان الأفغان يشعرون بأن باكستان تمارس دور "الأخ الأكبر" وتفرض عليهم ضغوطا غير مبررة، خصوصا في ما يتعلق بحركة الأفراد والبضائع عبر الحدود، وبما أن أفغانستان دولة حبيسة لا تطل على البحر، فإنها تعتمد اعتمادا كبيرا على ميناء كراتشي الباكستاني لاستيراد معظم احتياجاتها الأساسية من الخارج.

وعندما اتخذ برويز مشرف موقفا معاديا لحركة طالبان، تحوّل عمليا من حليف الأمس إلى خصم، ما دفع طالبان إلى التقارب مع إيران رغم الخلاف الأيديولوجي العميق بين الطرفين، فالحركة ذات توجه سني متشدد، بينما يقوم النظام الإيراني على المذهب الشيعي.

وشهدت العلاقة بين الجانبين مواجهات دامية، أبرزها حادثة اقتحام القنصلية الإيرانية في مزار شريف التي قُتل فيها عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين أو عناصر يُعتقد أنهم من المخابرات، ما تسبب في توتر شديد بين طهران وطالبان، غير أن العلاقات تحسنت لاحقا حين تدهورت علاقة طالبان مع باكستان.

بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، انقلبت علاقة حركة طالبان أفغانستان مع الباكستانيين رأسا على عقب، فبعد أن كانت العلاقة بين الجانبين إيجابية في البداية، تدهورت لاحقا بسبب تعاون إسلام آباد مع واشنطن وتسهيلها للغزو الأمريكي، ما دفع طالبان إلى اتخاذ موقف حاد منها، واقتربت مواقفها تدريجيا من حركة طالبان باكستان.

هذا التحول صبّ في مصلحة الاستراتيجية الهندية، إذ لطالما سعت نيودلهي إلى توطيد علاقاتها مع كابول منذ عهد محمد داود خان مرورا بالفترة الشيوعية، حيث تطورت العلاقات بين الهند وأفغانستان بشكل لافت.

والهدف الهندي كان واضحا وهو تطويق باكستان بين قوتين معاديتين؛ أفغانستان من الغرب والهند من الشرق، ردا على ما تعتبره نيودلهي "الكمّاشة الباكستانية" المتمثلة في تطويق الهند من الصين شرقا وباكستان غربا.

وعملت الاستخبارات والحكومة الهندية على تعزيز وجودهما داخل أفغانستان، خاصة خلال فترات الحكم الشيوعي ثم في عهد حامد كرزاي وأشرف غني، عبر مشاريع تنموية واقتصادية وبعثات فنية وتعليمية، بل وحتى عبر نفوذ سياسي وأمني غير معلن.

وعندما عادت طالبان إلى الحكم مجددا، كانت الهند قد رسخت وجودها في البلاد من خلال تلك المشاريع والشراكات، في وقت لم تكن أي دولة تقريبا تعترف بالحكومة الجديدة في كابول.

ومع توتر العلاقة بين طالبان وباكستان، فإن الحركة في نسختها الثانية اختارت الانفتاح على الهند والتعاون معها، الأمر الذي أثار مخاوف إسلام آباد من فقدان نفوذها التاريخي في الجار الغربي.

وردّت باكستان على ذلك بفرض قيود وضغوط على خطوط الإمداد الأفغانية، خصوصا عبر معبري شمن وجلال آباد وصولا إلى كراتشي، فشددت على مرور الشاحنات التجارية، وضيّقت على حركة الأفراد، ما أدى إلى موجة غضب واسعة في الشارع الأفغاني وبين قيادات طالبان على حد سواء.

نتيجة لذلك، تراجعت شعبية باكستان داخل أفغانستان إلى أدنى مستوياتها، إذ يرى كثير من الأفغان -وخصوصا البشتون- أن باكستان تحتل جزءا من أرضهم التاريخية المعروفة باسم بشتونستان، أي المنطقة الغربية التي اقتُطعت لصالح باكستان بعد ترسيم الحدود.

بلغت الأمور مستوى خطيرا من التوتر، ورغم أن احتمال اندلاع حرب مفتوحة لا يبدو وشيكا، فإن استمرار هذه المواجهات يخدم مصالح الهند بالدرجة الأولى، بوصفها المستفيد الأكبر من أي صدام بين كابول وإسلام آباد
لذلك، فإن المواجهات الحدودية بين الجانبين ليست أمرا طارئا، بل تتكرر بين حين وآخر، وتعبّر عن تراكمات تاريخية وثقافية معقدة، وغالبا ما تبقى هذه الاشتباكات محدودة لا تتطور إلى حرب شاملة، لكنها تكشف عمق الأزمة المستمرة بين البلدين.

وقد تفاقم التوتر مؤخرا مع إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رغبته في إعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية، وهو ما أثار حساسية الأفغان تجاه العلاقة الباكستانية الأمريكية، خاصة في ظل اللقاءات المتكررة التي جمعت قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير ورئيس الوزراء شهباز شريف مع مسؤولين في واشنطن، ما فُسّر في كابول على أنه تواطؤ ضدها. ويخشى الأفغان اليوم أن يأتي أي عدوان أمريكي جديد على بلادهم من الأراضي الباكستانية، ما يجعل انعدام الثقة بين الطرفين يتجذر أكثر فأكثر.

لقد بلغت الأمور مستوى خطيرا من التوتر، ورغم أن احتمال اندلاع حرب مفتوحة لا يبدو وشيكا، فإن استمرار هذه المواجهات يخدم مصالح الهند بالدرجة الأولى، بوصفها المستفيد الأكبر من أي صدام بين كابول وإسلام آباد.

أما بالنسبة إلى إيران، فإنها تحرص على الحفاظ على علاقات متينة مع أفغانستان لاعتبارات جغرافية واقتصادية وأمنية، إذ تتشارك الدولتان حدودا طويلة، وتعتمد طهران جزئيا على المياه القادمة من الأراضي الأفغانية.

مع ذلك، لا تبدو إيران راغبة في أي مواجهة عسكرية مفتوحة بين أفغانستان وباكستان، بل تسعى إلى ترسيخ قدر من الاستقرار الإقليمي يحول دون تفجر الأوضاع في جوارها الشرقي.

وفي الوقت ذاته، تعمل طهران على عرقلة أي نفوذ أمريكي جديد في أفغانستان، عبر توطيد علاقاتها مع حكومة طالبان ومحاولة استثمار التناقضات الإقليمية لصالحها، لكنها لا ترغب في أن تتحول المنطقة إلى ساحة صراع مباشر يهدد أمنها أو مصالحها الاقتصادية.

وهكذا، تظلّ الأزمة بين كابول وإسلام آباد متجددة، تنطفئ حينا لتشتعل حينا آخر، بينما تحاول القوى الإقليمية والدولية توظيفها لخدمة حساباتها الخاصة، في مشهد يعكس هشاشة التوازنات السياسية والأمنية في جنوب آسيا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الحدودي باكستان طالبان باكستان افغانستان طالبان حدود قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جانبی الحدود بین البلدین حرکة طالبان وإسلام آباد إسلام آباد طالبان إلى غیر أن

إقرأ أيضاً:

باحث أفغاني لـعربي21: باكستان تريد إبقاء أفغانستان دولة ضعيفة.. وقطر تتحركان لوقف التوتر

قال الأكاديمي والمحلل السياسي الأفغاني محمد هارون خطيبي إن الهدنة القصيرة التي جرت بين أفغانستان وباكستان لم تصمد أكثر من 48 ساعة، قبل أن تعود التوترات الأمنية والعسكرية بين البلدين، في ظل تفجير انتحاري على الحدود أسفر عن مقتل سبعة جنود باكستانيين.

وأكد خطيبي في حوار خاص مع "عربي21" أن "الوساطة التي تعمل عليها كل من قطر وتركيا قد تشكل فرصة حقيقية لإيقاف التصعيد وفتح باب التفاوض لتهدئة الأوضاع بين الجارتين المسلمتين"، مشيراً إلى أن "استراتيجية باكستان القديمة تقوم على إبقاء أفغانستان ضعيفة وتابعة سياسياً لها، وهو ما ترفضه كابول رفضاً قاطعاً".

هدنة قصيرة وانفجار مدمر
وأوضح خطيبي أن الهدنة التي اتفق عليها بين الجانبين كانت محددة بـ48 ساعة فقط، وانتهت عند السادسة مساء الجمعة٬ لكن التفجير الذي وقع قرب الحدود داخل الأراضي الأفغانية وأدى إلى مقتل سبعة جنود باكستانيين أعاد التوتر إلى الميدان.

وقال: "الهدنة كانت فرصة جيدة لكنها قصيرة جداً، ومع ذلك هناك تطور إيجابي يتمثل في رغبة قطر وتركيا بالقيام بوساطة جديدة لتمديد وقف إطلاق النار والوصول إلى هدنة طويلة الأمد بإذن الله".

وعن الجذور التاريخية للصراع، أوضح المحلل الأفغاني أن الخلاف بين كابول وإسلام أباد "ليس بين الشعبين، وإنما بين الحكومتين"، مضيفاً: "الشعبان الأفغاني والباكستاني شعب واحد، يجمعهما الدين واللغة والمذهب الحنفي والعادات المشتركة، لكن المشكلة تكمن في سياسة باكستان التي تقوم منذ عقود على إضعاف أفغانستان وجعلها تابعة لنفوذها".

وقال إن "إسلام أباد تعتبر أفغانستان حديقتها الخلفية، وتسعى لإبقائها غير قادرة على الدفاع عن نفسها أو إدارة شؤونها الداخلية"، مشيراً إلى أن باكستان تستخدم أدوات اقتصادية للضغط، "مثل إغلاق المعابر أمام الصادرات الأفغانية في مواسم الثمار، ما يؤدي إلى تلفها، إلى جانب التضييق على منح التأشيرات للأفغان، الذين يضطرون للبحث عن بدائل عبر إيران أو دول أخرى".

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
دولة حبيسة تحت رحمة الجغرافيا
وبين خطيبي أن أفغانستان "دولة حبيسة بلا منفذ بحري، وتعتمد على باكستان في تجارتها الخارجية"، ما يجعلها عرضة للابتزاز الجغرافي والسياسي.

وأضاف أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدث مراراً عن استعادة قاعدة بغرام الجوية، وباكستان التي تمر بأزمات اقتصادية وسياسية وأمنية خانقة، تحاول استرضاء واشنطن عبر التعاون في هذا الملف، وهذا ما يجعلها أكثر تشدداً مع كابول".

وعن أبرز أسباب التوتر الأمني، أشار خطيبي إلى ملف حركة طالبان باكستان، قائلاً إن "باكستان تتهم أفغانستان بإيواء عناصر الحركة والسماح لهم بتنفيذ هجمات عبر الحدود، بينما تنفي كابول ذلك بشكل قاطع".

وأوضح أن جذور القضية تعود إلى عهد الرئيس الباكستاني برويز مشرف، عندما "شن الجيش الباكستاني عمليات ضد المناطق البشتونية داخل البلاد، ما دفع الآلاف للنزوح إلى أفغانستان، وحمل بعضهم السلاح ضد القوات الباكستانية".

وتابع: "الأمر تكرر في بلوشستان عندما هاجمت القوات الباكستانية المتمردين البلوش، فهاجر بعضهم إلى أفغانستان وواصلوا القتال من هناك، وهذا خلق أزمات مزمنة في العلاقة بين الجارتين".

وأضاف أن "باكستان تطالب اليوم الإمارة الإسلامية بترحيل مقاتلي طالبان باكستان أو تسليمهم، لكن أفغانستان ترفض لأن هؤلاء لاجئون منذ عهد النظام الجمهوري السابق"، مشيراً إلى أن الحكومة الأفغانية تؤكد أن "الهجمات ضد باكستان تُنفذ من داخل أراضيها، وليس من أفغانستان".

وقال: "زعيم طالبان باكستان نور والي محسود أعلن بنفسه أنهم داخل باكستان، وأن عملياتهم تتم من هناك، ما يثبت أن المشكلة داخلية بحتة".


خط دوراند.. جرح لم يندمل
ووصف خطيبي خط دوراند الحدودي بأنه "قضية تاريخية معقدة ومصدر دائم للتوتر"، قائلاً: "هذا الخط الذي رسمه البريطانيون يفصل بين عائلات من أصل واحد؛ أعرف عائلات نصفها في باكستان والنصف الآخر في أفغانستان، لذلك لا يمكن لأي حكومة أفغانية أن تعترف به كحد رسمي".

وأضاف أن "باكستان تطالب منذ عقود باعتراف أفغاني بخط دوراند كحد دولي، لكن كابول تعتبر أن القضية تتعلق بالشعب كله، ولا يمكن حسمها إلا عبر استفتاء شعبي شامل"، مشيراً إلى أن هذه القضية نوقشت في عهد الرئيس محمد داود ثم خلال فترات الشيوعيين والمجاهدين "لكنها ظلت دون حل حتى الآن".

ورأى خطيبي أن من أسباب تأزم العلاقة الحالية أيضاً انفتاح حكومة طالبان على دول عدة، قائلاً إن "إسلام أباد لا ترتاح لسياسة الإمارة الإسلامية التي تقيم علاقات متوازنة مع الهند وروسيا والصين، لأنها تريد أن تبقى السياسة الخارجية الأفغانية خاضعة لنفوذها".

وأوضح أن "أفغانستان تحاول اليوم فتح منافذ بديلة نحو إيران ودول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان، إلى جانب روسيا والصين"، مشيراً إلى أن "الهند بدورها أعادت فتح قنوات دبلوماسية مع كابول ليس حباً في أفغانستان، بل رغبة في موازنة نفوذ باكستان".

وأضاف أن "تصريحات وزير الخارجية الهندي الأخيرة التي أعلن فيها دعم بلاده لأفغانستان ضد باكستان، أثارت غضباً واسعاً، خصوصاً بعد أن أدلى وزير الخارجية الأفغاني مولوي متقي بتصريح من نيودلهي بدا وكأنه يعترف بالسيادة الهندية على كشمير، وهو ما رفضه الشعب الأفغاني رفضاً قاطعاً".

"طالبان باكستان" ليست تابعة لطالبان الأفغانية
وأكد خطيبي أن "طالبان باكستان لا تتبع حركة طالبان الأفغانية حاليا"، موضحا أن "الجيش الباكستاني يقصف مناطق البشتون بحجة ملاحقة عناصر الحركة، بينما تعتبر كابول أن الأزمة داخلية تخص باكستان وحدها".

وقال: "صحيح أن طالبان باكستان بايعت في السابق أمير المؤمنين في أفغانستان خلال الحرب ضد الاحتلال الأمريكي، لكنها اليوم تنظيم مستقل لا يتلقى أوامر من كابول".

وأضاف: "الحكومة الأفغانية الحالية ترفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، وحتى المظاهرات التضامنية مع فلسطين لا يُسمح بها في كابول، تجنباً لاتهام الإمارة بالتدخل الخارجي".

وحول النهج الجديد لحكومة طالبان، قال خطيبي إن "طالبان اليوم تتصرف كدولة لا كحركة، وتسعى لعلاقات ندية مع جميع الدول".

وأضاف أن "تحسن العلاقات مع موسكو يمثل مفارقة تاريخية بالنظر إلى الغزو السوفيتي الذي أودى بحياة أكثر من مليون أفغاني، لكن روسيا والصين اليوم تتقاربان من الإمارة الإسلامية، بل إن الصين على وشك الاعتراف الرسمي بها، وربما تلحق بها الهند قريباً".

وأوضح أن "باكستان تبقى الاستثناء الوحيد، إذ ما زالت تتعامل مع أفغانستان بعقلية الوصاية، وتريدها تابعة في سياستها الخارجية، بينما تصر كابول على استقلال قرارها وسيادتها".

وعن سبب امتناع طالبان عن ترسيم الحدود مع باكستان، أوضح خطيبي أن "الاعتراف بخط دوراند لا يمكن أن يصدر عن أي حكومة، لأنه قضية وطنية تمس هوية الشعب الأفغاني بأكمله"، مشدداً على أن "حلها يحتاج إلى استقرار داخلي واستفتاء شعبي من الجانبين".

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
ترحيل اللاجئين الأفغان.. ورقة ضغط سياسية
وأشار خطيبي إلى أن "الحكومة الباكستانية منذ وصول طالبان إلى الحكم بدأت بترحيل أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان في محاولة للضغط على كابول"، معتبراً أن "هذا التصعيد الإنساني والسياسي يزيد من تعقيد الأزمة، ولا يخدم العلاقات بين الشعبين".

وأعرب خطيبي عن تفاؤله بالتحركات القطرية والتركية الرامية إلى التوسط بين البلدين، قائلاً:
"نأمل أن تؤدي هذه الوساطة إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، فالحرب بين دولتين مسلمتين لا تخدم سوى الأعداء".

وأضاف: "لا بد أن تعترف باكستان بسيادة أفغانستان واستقلالها، وأن تتعامل معها كدولة ندية لا كدولة تابعة، فاستقرار أفغانستان هو مفتاح استقرار آسيا كلها"، مستشهداً بالمقولة الشهيرة: "أفغانستان قلب آسيا، وإذا استقر القلب استقر الجسد.".


دعوة إلى الحوار والعقلانية
وفي ختام حديثه لـ"عربي21"، وجه الأكاديمي الأفغاني رسالة إلى قادة البلدين قائلا: "على العقلاء من الطرفين أن يجلسوا إلى طاولة الحوار لمعالجة الخلافات السياسية بعيدا عن السلاح، فالدمار لا يخدم أحداً".

وأضاف مخاطبا قادة باكستان: "وعدكم للرئيس ترامب بالسماح له باستخدام قاعدة بغرام لن يفيدكم، فقد تكسبون بضعة دولارات مؤقتة، لكنكم ستخسرون علاقة تاريخية مع شعب وقف معكم طيلة العقود الماضية".

وختم بالقول: "الشعبان الأفغاني والباكستاني شقيقان قاتلا معاً ضد الاحتلالين السوفيتي والأمريكي، ولا يجوز أن تتحول هذه الأخوة إلى صراع سياسي أو عسكري. علينا أن نستثمر هذا التاريخ المشترك في بناء مستقبل من التعاون لا المواجهة."

مقالات مشابهة

  • الباكستان تقصف الأراضي الأفغانية
  • باحث أفغاني لـعربي21: باكستان تريد إبقاء كابول ضعيفة.. وقطر تتحرك لوقف التوتر
  • تصاعد التوتر بعد انتهاء الهدنة.. طالبان تتهم باكستان باستئناف القصف
  • باحث أفغاني لـعربي21: باكستان تريد إبقاء كابول ضعيفة.. وقطر تتحركان لوقف التوتر
  • باحث أفغاني لـعربي21: باكستان تريد إبقاء أفغانستان دولة ضعيفة.. وقطر تتحركان لوقف التوتر
  • معارك ضارية على الحدود الباكستانية الأفغانية.. واتفاق لوقف إطلاق النار
  • عودة التوتر إلى الحدود الأفغانية الباكستانية.. وقتلى من الطرفين
  • باكستان: مستعدون للتفاوض مع الحكومة الأفغانية إذا قُبلت شروطنا
  • الخارجية الباكستانية: الاتفاق على وقف إطلاق نار مؤقت مع حركة طالبان لمدة 48 ساعة