محللون: صراع الإرادات السياسية يهدد المرحلة الثانية من اتفاق غزة
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
على وقع الهدوء النسبي الذي أعقب وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يتكشّف مشهد سياسي أكثر تعقيدا من ساحات القتال، إذ بدأت معالم صراع جديد، لا يُدار بالدبابات هذه المرة، بل بالإرادات والتفسيرات.
فبينما تسعى واشنطن إلى تثبيت اتفاقها الذي أنهى الحرب، تتجه إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) نحو مواجهة من نوع آخر، هدفها تحديد مَن يمتلك الكلمة الفصل في تنفيذ بنوده، وترتيب أولويات المرحلة التالية.
في هذا السياق، تشير التحركات الأميركية المتسارعة إلى رغبة واضحة في تحويل الهدنة إلى مسار سياسي أكثر استقرارا.
فالمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يستعد لزيارة المنطقة لمتابعة إنشاء سلطة انتقالية دولية في غزة، ضمن خطة رعتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتعهدت واشنطن بتمويلها وتوفير قوات حفظ سلام عربية وأوروبية.
لكن خلف هذه الدبلوماسية النشطة، يكمن مأزق أكثر عمقا يتعلّق بمن يملك تفسير الاتفاق، ومن يحدد حدود الأمن والسيادة في غزة.
يرى المسؤول الأميركي السابق توماس واريك في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث" أن الالتزام الأميركي قائم، لكنه يربط نجاح الاتفاق بسلوك حركة حماس، معتبرا أن أي تأخر في تسليم السلاح أو استمرار الإعدامات الميدانية سيمنح واشنطن مبررا للسماح لإسرائيل بالعودة إلى الحرب.
الأمن أم الإعمار؟غير أن هذا الطرح، وإن بدا حريصا على استقرار الهدنة، يعكس رؤية أميركية ترى أمن إسرائيل وما تراه لازما لذلك مقدما على الإعمار في قطاع غزة، وتضع "نزع سلاح" المقاومة شرطا لأي إعادة بناء، وهو ما يثير قلقا فلسطينيا واسعا بشأن نيات واشنطن الحقيقية.
في المقابل، يدرك الإسرائيليون أن اللحظة الراهنة تمثل فرصة لإعادة صياغة المشهد لمصلحتهم.
فبحسب الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى، تعتبر تل أبيب أن مكاسبها بعد الحرب تفوق أي مصلحة في استئنافها، إذ حصلت على جميع أسراها الأحياء، وتحتفظ بنصف مساحة القطاع تحت سيطرتها العسكرية.
إعلانلذلك فهي تسعى إلى تثبيت هذا الواقع كأداة ضغط على حماس والوسطاء، وتحويله إلى ورقة تفاوض تمنحها اليد العليا في تفسير بنود الاتفاق.
ويرى مصطفى أن إسرائيل لا تريد عودة شاملة للحرب، لكنها في المقابل تعمل على إعادة تعريف المرحلة التالية وفق أولوياتها الأمنية.
فهي تسعى لجعل "نزع سلاح حماس" البند الأول في أي تنفيذ، وتعارض أن تبدأ الخطة بتشكيل حكومة أو لجنة فلسطينية لإدارة القطاع، لأن ذلك -من وجهة نظرها- سيخلق كيانا معترفا به دوليا يعيدها إلى ما تعتبره مأزق "6 أكتوبر" حين فُرضت عليها وقائع سياسية غير مرغوبة.
هذا المنحى الإسرائيلي في فرض التفسير الأحادي يثير تخوفات لدى الفلسطينيين.
تلكؤ إسرائيلفبحسب مدير المؤسسة الفلسطينية للإعلام إبراهيم المدهون، فإن إسرائيل تتلكأ في تنفيذ حتى المرحلة الأولى من الاتفاق، من خلال تقييد المساعدات وإغلاق المعابر واستمرار الاستهدافات المحدودة، بينما تواصل استخدام ملف الجثث ذريعة للضغط السياسي.
ويضيف أن حركة حماس، التي التزمت سريعا بإطلاق الأسرى وتنفيذ التزاماتها، تسعى الآن لدفع العملية نحو الاستقرار من خلال لجنة إسناد مجتمعي تدير غزة من مستقلين، لكن الاحتلال يحاول إفشال هذه الجهود لإبقاء القطاع في حالة "جمود منظم" تسمح له بالتحكم في التفاصيل.
في المقابل، تطرح واشنطن مشروع السلطة الانتقالية كبديل عن الحكم المحلي، في محاولة لجمع قوات دولية تمارس مهام أمنية داخل القطاع.
لكن هذا الطرح، كما ترى أستاذة الدبلوماسية وحل الصراع في الجامعة العربية الأميركية الدكتورة دلال عريقات، يعيد إنتاج إشكالية "المراحل الانتقالية المستدامة"، التي تبقي الاحتلال فاعلا دون حل جذري.
وتؤكد أن الضمانات التي قدمها ترامب شخصيا لم تتحول بعد إلى التزامات عملية، وأن الضامنين الإقليميين لم يقوموا بالدور الكافي لضمان الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية.
وترى دلال عريقات أن المشكلة الجوهرية تكمن في تغييب جوهر الصراع، فالاتفاق -كما صيغ- يعالج نتائج الحرب دون أن يقترب من أسبابها، وعلى رأسها الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
صراع الإراداتوتضيف أن استمرار الخروقات، سواء في الضفة الغربية أو داخل غزة، يؤكد أن إسرائيل تتعامل مع الاتفاق كفرصة لإعادة التموضع لا لإنهاء الصراع، وأن الإدارة الأميركية تغض الطرف عن هذه الانتهاكات تحت شعار "الأمن أولا".
ومع دخول المنطقة مرحلة "صراع الإرادات"، يبدو كل طرف عازما على اختبار مدى صلابة خصمه في تفسير نصوص الاتفاق، فإسرائيل تريد أن تبدأ المرحلة الجديدة من بوابة الأمن ونزع السلاح، بينما تسعى حماس والوسطاء العرب إلى تحويل الاتفاق إلى خطوة نحو الاستقرار والإعمار.
أما واشنطن، فتمارس دورا مزدوجا بين الضغط على الجانبين ومحاولة حفظ نفوذها السياسي في الشرق الأوسط عبر سلطة دولية قد تتحول إلى أداة جديدة لإدارة الأزمة، حسب محللين.
هذا التداخل بين الإرادات لا ينفصل عن حسابات أوسع، إذ تشير معطيات ميدانية إلى أن تل أبيب تعمل على ترسيخ وجودها العسكري في مناطق محددة جنوب وشرق القطاع، تحت مسمى "إعادة الانتشار"، بينما تتجنب استخدام مصطلح "الانسحاب الكامل"، ما يفتح الباب لتفسير مرن يسمح لها بالتحكم في إيقاع التنفيذ ومراحله.
إعلانوفي الوقت ذاته، لا تخفي حماس خشيتها من أن يتحول الاتفاق إلى غطاء لفرض "سلام هش" يحاصر غزة اقتصاديا ويمنع إعادة إعمارها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات
إقرأ أيضاً:
ترامب يهدد حماس مجددا: خرق اتفاق غزة يعني عودة الحرب فورا
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأربعاء، إنه قد يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستئناف العمل العسكري في غزة "إذا لم تلتزم حركة حماس بجانبها من اتفاق وقف إطلاق النار".
وأضاف ترامب في تصريح لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية، أن القوات الإسرائيلية "يمكن أن تعود إلى الشوارع (في غزة) بمجرد أن أنطق بالكلمة".
وتابع: "ما يحدث مع حماس سيتم حسمه بسرعة".
وتأتي تصريحات ترامب في وقت تتهم به إسرائيل حركة حماس بعدم الالتزام باتفاق شرم الشيخ، الذي ينص على تسليم الرهائن الأحياء وجثث القتلى ضمن اتفاق إنهاء القتال في غزة.
وقد تسبب هذا في تصاعد الغضب داخل إسرائيل، حيث أبلغت السلطات الأمم المتحدة بأنها ستقلص أو تؤخر شحنات المساعدات الإنسانية إلى غزة، بسبب العدد القليل من جثامين الرهائن التي تم تسليمها.
وجاء في البند الرابع من خطة ترامب للسلام المكونة من 20 نقطة: "خلال 72 ساعة من قبول إسرائيل العلني لهذا الاتفاق، سيتم تسليم جميع الرهائن، أحياء وأمواتا".
وحتى صباح الأربعاء، أعيد جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء البالغ عددهم 20 إلى إسرائيل، لكن حماس سلمت فقط جثامين 4 أشخاص، وأفاد الجيش الإسرائيلي أن أحدهم لا ينتمي إلى قائمة الرهائن الإسرائيليين.
وفي الأيام التي تلت الإفراج عن الرهائن، اندلعت اشتباكات عنيفة بين حماس وفصائل فلسطينية أخرى، شملت حادثة يبدو أنها عملية إعدام علني.
وحذر ترامب في السابق من أن حماس يجب أن تنزع سلاحها، أو أن الولايات المتحدة "ستنزع سلاحها".
وتشير خطة ترامب إلى مستقبل يستبعد فيه دور حماس من حكم غزة، التي ستكون منزوعة السلاح وتخضع لمراقبة مستقلة، لكن الإدارة الأميركية أقرت بوجود حاجة إلى مزيد من العمل لتحديد مستقبل غزة، وأن الاتفاق الذي أفرج بموجبه عن الرهائن هو مجرد "المرحلة الأولى".
وقال ترامب: "في الوقت الحالي، تقوم حماس بملاحقة العصابات المسلحة وتطهيرها".
وردا على سؤال حول ما إذا كانت حماس تنفذ عمليات إعدام بحق مدنيين أبرياء، قال: "أقوم بالتحقق من ذلك. سنعرف الحقيقة، قد تكون عصابات مسلحة أو ما هو أكثر".
وعند سؤاله عن ما سيحدث إذا رفضت حماس نزع السلاح، أجاب ترامب: "أنا أفكر في الأمر. إسرائيل ستعود إلى تلك الشوارع بمجرد أن أنطق بالكلمة. لو أن إسرائيل قادرة على دخول غزة والقضاء عليهم، لفعلت ذلك".
وأضاف: "اضطررت إلى كبح جماحهم"، مشيرا إلى الجيش الإسرائيلي وحكومة نتنياهو، وتابع: "واجهت بيبي (نتنياهو) في هذا الموضوع".
رغم ذلك، أعرب ترامب عن تفاؤله حيال فرص السلام على المدى الطويل، لا سيما في ظل الدعم القوي من دول المنطقة، قائلا: "59 دولة جزء من هذا الاتفاق"، في إشارة إلى الدول التي حضرت مراسم توقيع وثيقة المبادئ رفيعة المستوى في مصر.