"الصعود الصاروخي" للذهب يكشف عُمق المخاطر المالية العالمية.. وتوقعات بتراجع الاقتصاد الأمريكي بضغط من "التشبُّع"
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
◄ 86.2 تريليون دولار إجمالي استثمارات الصناديق في الأصول حول العالم
◄ مخاطر الاستقرار المالي العالمي تدفع المستثمرين نحو التحوط واللجوء إلى "الملاذات الآمنة"
الرؤية- سارة العبرية
أصبحت الأصول المالية الدولية تمثّل ركيزة أساسية لفهم كيف تُوظَّف رؤوس الأموال عبر الحدود، وكيف تتفاعل اقتصادات الدول مع بعضها البعض، فحين يمتلك المستثمر أو الدولة أصولًا مالية في الخارج، فإن ذلك لا يعكس فقط بحثًا عن عائد؛ بل أيضًا رغبة في التنويع، وإدارة المخاطر المرتبطة بالاقتصاد الداخلي، وتعزيز الاستقرار في مواجهة الصدمات المحلية أو الخارجية.
ويمكن القول إن الأصول المالية الدولية تُعد أداة استراتيجية لإدارة الاحتياطيات النقدية والحفاظ على الاستقرار المالي، كما تشكل وسيلة أساسية للمستثمرين لتحقيق عوائد مرتفعة من خلال المشاركة في أسواق عالمية متنوعة وأكثر ديناميكية.
وأشار صندوق النقد الدولي -في تقريره- يوم الثلاثاء الماضي، إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت مستويات عالية من التوترات التجارية والجيوسياسية، وارتفاع الدين الحكومي، واستمرار نمو المؤسسات المالية غير المصرفية والعملات المستقرة.
وأوضح أن المخاطر تظل على الاستقرار المالي مرتفعة، ويتضح من نماذج التقييم أن أسعار الأصول الخطرة أعلى من مستوى الأساسيات الاقتصادية، فتزداد بالتالي مخاطر التصحيحات الحادة. وتواجه أسواق السندات السيادية ضغوطا من اتساع العجز المالي، بينما تكشف اختبارات الضغوط عن زيادة الترابط المالي وتباين آجال الاستحقاق بين البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية ومن ثم تضخيم الصدمات. وتعزز مواطن الضعف هذه بعضها بعضا. وحدوث انخفاض مفاجئ في أسعار الأصول أو ارتفاع حاد في العائدات يمكن أن يسبب ضغوطا على الميزانيات العمومية للبنوك ويجهد صناديق الاستثمار المفتوح. ويمكن لزيادة الترابط المالي بين البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية أن تزيد حدة انتقال آثار الصدمات عبر النظام المالي.
والأصول المالية الدولية تشمل استثمارات مباشرة، ومحافظ أوراق مالية، وقروض وودائع عابرة للحدود، واحتياطيات رسمية، وغيرها. وهي تشكّل جانبًا من مواقف الأصول في ميزان المدفوعات الدولي، وتُعدُّ مرآةً لحالة التكامل المالي الدولي وقوة الاقتصاد على الصعيد العالمي.
المخاطر والتحديات
وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة، هناك تحديات ومخاطر جوهرية مرتبطة بالأصول المالية الدولية منها: مخاطر سعر الصرف (Currency risk) عند امتلاك أصول مقوَّمة بعملات أجنبية، فإن تغير قيمة تلك العملات يُشكّل خطرًا كبيرًا. فلو انخفضت قيمة العملة التي يقيم بها الأصل، فإن العائد المحلي قد يتآكل حتى لو ارتفع السعر الاسمي للأصل نفسه، وهذه المخاطر تُعد من أبرز التحديات عند الاستثمار الدولي.
إلى جانب مخاطر السيولة (Liquidity risk)؛ إذ قد يكون من الصعب تصفية بعض الأصول الدولية بسرعة عند الحاجة إلى السيولة، خصوصًا إذا كانت الأصول في أسواق ناشئة أو في أصول غير متداولة بكثرة. كذلك، الأصول المرتبطة بصناديق استثمار قد تواجه ضغوط سحب كبيرة إذا تدهورت الأسواق. مخاطر التعنيف المالي (Leverage risk / Mismatch risk) في بعض الحالات، تُستخدم أدوات مرفوعة (باستدانة) لتمويل الاستثمارات الدولية مما يزيد من التقلبات. كما قد تنشأ فجوة بين الأصول والالتزامات (Asset–liability mismatch) إذا كانت الالتزامات قصيرة الأجل والأصول طويلة الأجل أو مقومة بعملة مختلفة.
الصناديق الاستثمارية
وتُعد الصناديق الاستثمارية أحد أهم الأدوات المالية في الأسواق الدولية، إذ تؤدي دورًا محوريًا في إدارة الأصول المالية عبر العالم من خلال تجميع رؤوس الأموال من المستثمرين وتوظيفها في مجموعة متنوعة من الأدوات المالية مثل الأسهم والسندات والذهب والعملات والعقارات. وتتنوع الصناديق الاستثمارية في الأصول المالية الدولية بحسب طبيعة استثماراتها ومجالاتها، فهناك صناديق الأسهم الدولية التي تركز على شراء أسهم الشركات الكبرى متعددة الجنسيات المدرجة في البورصات العالمية، وتتيح للمستثمرين فرصة الاستفادة من النمو الاقتصادي في الأسواق المتقدمة والناشئة، كما توجد صناديق السندات الدولية التي تستثمر في أدوات الدين الحكومية والخاصة في دول مختلفة بهدف تحقيق عوائد مستقرة مع مستوى مخاطرة أقل مقارنة بصناديق الأسهم.
ووفق التقارير الحديثة عن الاتحاد الأوروبي لإدارة الاستثمارات وصناديق الاستثمار وصناعة صناديق التحوّط العالمية، تُظهر أحدث البيانات العالمية للصناديق الاستثمارية أن إجمالي الأصول تحت الإدارة في الصناديق الاستثمارية العالمية بلغ حوالي 86.2 تريليون دولار أمريكي في الربع الثاني من 2025، مع انخفاض بنسبة 3.1% مقارنة بالربع الأول، فيما بلغت أصول صناديق التحوّط مستوى قياسيًا قدره4.74 تريليون دولار أمريكي، بينما تجاوزت أصول الصناديق المتداولة في البورصات 11 تريليون دولار، مع استمرار تدفقات الأموال الإيجابية إلى الصناديق طويلة الأجل التي سجلت نحو 208.72 دولار أمريكي في الربع الأول من 2025، مع أداء قوي لصناديق الأسهم والسندات والمتعددة الأصول، ولا يزال التوجه العالمي يشير إلى زيادة الاهتمام بالصناديق المستدامة التي تركز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، إضافة إلى جذب الأسواق الناشئة للاستثمارات خاصة في الصين، ويُلاحظ أن هذه الصناديق مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتقلبات الأسواق العالمية وأسعار الذهب والنفط والدولار الأمريكي والبورصات الكبرى، ما يجعل إدارتها وتحليلها محورًا رئيسيًا لفهم حركة رؤوس الأموال الدولية واستراتيجيات المستثمرين.
الذهب والفضة
وعند النظر إلى كيف أن الأصول المالية الدولية تتفاعل مع هذه المتغيرات، نجد أن العلاقة متشابكة ومعتمدة على السياق الاقتصادي العالمي.
وبحسب مجلس الذهب العالمي، "إن أسعار الذهب مرشحة لمزيد من الارتفاع خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بجملة من العوامل، في مقدمتها توقعات خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وتصاعد المخاوف من تصحيحات واسعة في أسواق الأسهم العالمية، إلى جانب استمرار التوترات الجيوسياسية والضغوط التي يتعرض لها الدولار الأمريكي".
وفي الوقت نفسه، لا يستبعد المجلس حدوث عمليات جني أرباح محدودة قد تدفع الأسعار إلى تراجع طفيف مؤقت، لكنه يرى أن الاتجاه العام يبقى صعوديًا.
وتجاوز سعر أونصة الذهب 4200 دولار، محققًا ارتفاعًا قياسيًا بنسبة 60% منذ بداية العام الجاري، وهو أكبر صعود منذ 46 عامًا. هذه الأرقام ليست عابرة، بل تعبّر عن تحوّل عميق في بنية الطلب العالمي.
فمنذ مطلع العام، اشترت البنوك المركزية نحو 14.3 مليون أونصة، فيما ضخت صناديق الاستثمار نحو 20.4 مليون أونصة في محافظها، في ما يشبه إعادة توزيع جذرية لرؤوس الأموال على خريطة الأصول العالمية.
وتتفق مؤسسات مالية كبرى مثل بنك أوف أمريكا وجولدمان ساكس وسوسيتيه جنرال على أن الأسعار قد تواصل ارتفاعها لتصل إلى 5000 دولار للأونصة خلال العام المقبل، في حال استمر ضعف الدولار واستقرت السياسات النقدية عند مستويات الفائدة المنخفضة. والفضة أيضًا شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، مدعومة بكونها تجمع بين الطلب كملاذ والمشاركة في الاستخدام الصناعي، ما يجعلها أشد تقلبًا مقارنة بالذهب.
وفي موازاة صعود الذهب، تتزايد الضغوط على الدولار الأمريكي الذي يواجه نزولًا تدريجيًا قد يتراوح بين 10% و20% خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة. ويُرجع خبراء ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسية: استخدام الدولار كسلاح سياسي في العقوبات وتجميد الأصول، ما أثار قلق العديد من الدول ودفعها إلى تنويع احتياطاتها. بجانب السياسات التوسعية لإدارة ترامب التي تهدف إلى تعزيز تنافسية الصادرات عبر عملة أضعف. فضلًا عن بلوغ الاقتصاد الأمريكي مرحلة تشبّع بعد 15 عامًا من النمو القوي ما يفرض، بطبيعة الدورات الاقتصادية، فترة تباطؤ تصحيحية.
وأن ضعف الدولار يصبّ مباشرة في مصلحة الذهب، الذي يعود ليؤدي دوره التاريخي كـ"عملة الثقة"، خاصة في ظل تزايد عدم اليقين السياسي والاقتصادي عالميًا.
البورصات العالمية
أما الأسواق العالمية للأسهم والسندات فتتفاعل بشكل وثيق مع الأصول المالية الدولية؛ لأن هذه الأصول تمثل التعبير المالي عن رؤوس الأموال العابرة للحدود. وفي فترات النمو العالمي، تزداد التدفقات إلى أسواق الأسهم في الدول ذات النمو المرتفع، مما يرفع قيم الأسهم. وفي أوقات الاضطراب، قد تنسحب رؤوس الأموال من الأسواق الأكثر مخاطرة إلى الأصول الآمنة أو الدول الأكثر استقرارًا. والأبحاث تشير إلى أن مؤشرات المعادن الثمينة لها تأثير إيجابي-بدرجة ما- على الأداء المستقبلي لأسواق الأسهم، خصوصًا في الفترات التي تكون فيها المخاطر مرتفعة؛ حيث تعمل المعادن كتحوط. كما إن التوترات في الأسواق تجمع بين تحركات العملات، أسعار السندات، الأسهم والسلع، بحيث أن صدمة في أحد الأسواق قد تنتقل عبر الشبكات المرتبطة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الفيدرالي الأمريكي: آفاق نمو الاقتصاد الأميركي مرهونة بتخفيف التوترات مع الصين
أكد ستيفن ميران، عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أن وتيرة نمو الاقتصاد الأميركي خلال العام المقبل ستتأثر بشكل مباشر بمسار العلاقات التجارية مع الصين، مشيرًا إلى أن تخفيف التوترات قد يدعم توقعات النمو الإيجابية.
وقال ميران، خلال مقابلة مع قناة "فوكس بزنس"، إن القيود الجديدة التي فرضتها الصين على صادرات المعادن الأرضية النادرة، إلى جانب تهديدات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالرد، تشكل عوامل ضغط يجب مراقبتها عن كثب. وأضاف: "علينا الانتظار لنرى كيف ستتطور الأوضاع خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
وتابع ميران: "إذا ما تراجعت هذه المخاطر في الأيام القادمة، فقد نشهد تحسناً في البيئة الاقتصادية، مما يعزز فرص النمو خلال 2026".
جاءت تصريحات ميران على هامش كلمته في النادي الاقتصادي بنيويورك في سبتمبر 2025، وسط تصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.