الرئيس الأمريكي: لا أريد مواجهة مع الصين وسأتعامل بحزم مع الهند وروسيا
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدة تصريحات لافتة، شملت مواضيع متعددة تتراوح بين التجارة الدولية، الحرب في أوكرانيا، وموارد المعادن النادرة.
قال ترامب إنه «لا يريد أن تلعب الصين معنا لعبة المعادن النادرة»، في إشارة إلى سيطرة بكين على عناصر معدنية استراتيجية تستخدم في الصناعات التكنولوجية والعسكرية.
وهدّد الرئيس الأمريكي الهند برسوم جمركية ضخمة في حال لم تقيد مشترياتها من النفط الروسي، مؤكداً أنّ نيو دلهي «ستدفع رسوماً ضخمة إذا لم تقُم بذلك»، وفقا لـ رويترز
وبخصوص النزاع في منطقة دونباس الأوكرانية، قال ترامب إنّ «دونباس يجب أن تبقى كما هي مع سيطرة روسيا على نحو 78% منها»، معلناً لاحقاً أنّه «لم يناقش تنازل أوكرانيا عن دونباس لروسيا».
وأكّد أن «وقف النار في غزة لا يزال سارٍ المفعول»، في إشارة إلى استمرار الهدنة في قطاع غزة رغم التوترات الميدانية.
وتعكس تصريحات ترامب تحركاً متعدد الجبهات في السياسة الخارجية الأمريكية، إذ يتطلّع إلى تقليص اعتماد الولايات المتحدة على الصين في سلسلة إمداد المعادن النادرة الاستراتيجية، موضع توتر متزايد بين واشنطن وبكين.
ويستعمل الرئيس الأمريكي أداة الرسوم الجمركية كوسيلة ضغط دبلوماسيّ على الهند للامتثال لموقف أميركي بشأن النفط الروسي، ما يشير إلى ربط بين التجارة والسيطرة الجيو-سياسية.
كما يبدي تساهلاً أو تغيّراً في موقفه من الملف الأوكراني، عبر اقتراح بقاء السيطرة الروسية على جزء كبير من دونباس، مع إشارة إلى أنّه لم يعلن تنازلاً رسمياً من أوكرانيا.
ويحاول ترامب التأكيد على استمرار التزام الولايات المتحدة بإطار الهدنة في غزة، رغم أنّ التدخل الفعلي أو التفاصيل الإدارية لاتزال غير واضحة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الحرب في أوكرانيا موارد المعادن النادرة الصين الهند رسوم جمركية دونباس السياسة الخارجية الأمريكية الرئیس الأمریکی المعادن النادرة
إقرأ أيضاً:
إلى ماذا ستؤول حرب المعادن النادرة ؟
قبل مطلع الأسبوع المنصرم، أفاق العالمُ على زلازل اقتصادية أطاحت بالبورصات العالمية خصوصا الأمريكية والعملات الرقمية؛ فتصبّغت المؤشرات باللون الأحمر معلنةً عن خسائر كبيرة، وتضاربت الأخبار عن الأسباب الحقيقية خلف هذه الزلازل المالية المؤلمة؛ أما ما يخص العملات الرقمية وانهيارها، فيرجّح بعضُ الخبراء أنه مرتبط بخسائر الأسواق المالية، في حين اتجهت الظنون عند بعضٍ آخر إلى حصول عمليةِ نهب منهجية تقف خلفها منصات تداول العملات الرقمية. لا نملك أدلةً دامغة لإثبات كل هذه الفرضيات، ولكن ما يمكننا التأكد من واقعيته أن الحرب التجارية والتقنية بين أمريكا -والأحرى ترامب- والصين خلف معظم هذه الانتكاسات المالية بالتزامن أيضا مع ارتفاع كبير لأسهم الذكاء الاصطناعي التي جعلت من بعض الخبراء يتوقع تحولها إلى فقاعة قابلة للانفجار والتسبب في انهيار ضخم للسوق على غرار فقاعة أسهم الإنترنت في نهاية القرن المنصرم وأسهم السوق العقاري قبل سنوات مضت. ثمّة أسباب تفاعلت بعضها ببعض؛ فنأتي أولا إلى أسعار الذهب التي ارتفعت لأعلى سعر في التاريخ، وأحد أهم أسباب هذا الارتفاع غير المسبوق سياسة ترامب ومحاولته فرض السيطرة على قرارات الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه الحالي «جيروم باول» عبر مطالبه الملحة بخفض أسعار الفائدة؛ فقاد ذلك إلى تصاعد مخاوف ارتفاع معدلات التضخم والإضرار بالدولار وفقدان كثير من المستثمرين ـ بما فيهم البنوك المركزية لكثير من الدول ـ الثقة واللجوء إلى أصول أكثر أمانا لحفظ رؤوس أموالهم؛ فكان الذهب ملاذهم الآمن، وهذا ما جعل الطلب على الذهب عاليا ليرتفع معه السعر إلى مستوياتٍ غير مسبوقة.
في جبهة أخرى، يُكمل ترامب حربه مع الصين؛ فيدفع بقرار جديد أمر فيه بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية بنسبة 100% لتضاف مع النسبة السابقة سارية المفعول التي تجاوزت 30%؛ لتكون هذه الخطوة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البورصة المالية؛ فما إن أُعلِنَ عن هذه الزيادة الجمركية ضد الصين؛ حتى اكتست مؤشرات سوق الأسهم الأمريكية بالأحمر معلنةً عن خسائر فادحة. لكن نحتاج أن نبحث عبر مسار آخر ينبئنا عن سبب قرار ترامب الذي كان سببا رئيسا في زعزعة أسواق المال؛ فنجده متعلقا بحرب «المعادن النادرة» التي تشتعل بين أمريكا والصين منذ مدة طويلة، وكان آخر مستجدات هذه الحرب الخطوة الصينية بتقييد تصدير بعض هذه المعادن النادرة ومنع تصدير تقنيات معالجتها وفصلها ـ التي تستأثر بمعظم حصتها العالمية ـ إلى الأسواق العالمية خصوصا الأمريكية والأوروبية، وفي حين أن هذه المعادن النادرة يتضاعف الطلب عليها نظرا لضرورتها في الصناعات الرقمية والتقنية المتقدّمة بما فيها المرتبطة بالذكاء الاصطناعي؛ فتعتبر الولايات المتحدة هذه الخطوة الصينية بمثابة الحرب الاقتصادية التي تدمر الصناعات التقنية وتعوق تطويرها وتقدمها. تشير المعلومات الواردة من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عبر تقريرها المنشور «ملخّصات السلع المعدنية» في يناير ٢٠٢٥ أن الاعتماد الأمريكي الصافي على المعادن النادرة يكون عبر الاستيراد بنسبة تصل إلى80% وفق إحصائية عام 2024، وتؤكد المعلومات الواردة أن الاستيراد الأمريكي -من الأعوام 2020 إلى 2023- يأتي من الدول الآتية -مع نسبة الاستيراد الأمريكي منها-: الصين 70%، ماليزيا 13%، اليابان 6%، إستونيا 5%، ولكن بعضا من هذه المعادن المستوردة من ماليزيا واليابان وإستونيا تعتمد في أساسها على مُركزات أو مواد وسيطة منشؤها أستراليا والصين، ويشير التقرير إلى أن قيمة واردات الولايات المتحدة من مركّبات ومعادن العناصر النادرة بلغ نحو 170 مليون دولار في 2024.
تُظهر مثل هذه التقارير وما يضارعها حجم الاعتماد الأمريكي على الصين بصفتها مورّدا رئيسا للمعادن النادرة التي تستفيد منها في كثير من صناعتها التقنية خصوصا المتقدمة منها مثل: أشباه الموصلات المعتمد بشكل أساسي في أنظمة الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة بما في ذلك مضخّمات الألياف الضوئية (EDFAs) لشبكات نقل البيانات بين مراكز البيانات المعنية بتحسين عمليات تدريب النماذج الذكية، والسيارات الكهربائية، والهواتف الذكية، والأنظمة العسكرية مثل أنظمة توجيه الصواريخ والطائرات المقاتلة المتطورة. ما يميّز المعادن النادرة بجانب ندرتها في الأرض صعوبة معالجتها وفصل عناصرها ومعادنها المهمة؛ فتكون المهمة مكلفة ومزعجة من حيث متطلبات الطاقة الكبيرة والنفايات الناتجة.
بوجود هذه التحديات المُشار إليها، تبحث أمريكا عن مصادر جغرافية جديدة يمكن أن تعتمد عليها لتوفير المعادن النادرة وتعويض النقص الذي يعوق صناعتها المتقدّمة، ولهذا كانت أوكرانيا إحدى هذه الدول التي تسعى أمريكا إلى استغلال مخاضها العسكري والوجودي الراهن الذي تعيشه بسبب الهجوم الروسي؛ فحاول ترامب توقيع اتفاقية -غير عادلة- مع الرئيس الأوكراني «زيلينسكي» تمنح بموجبها أوكرانيا حقوقَ التعدين عن المعادن النادرة وامتلاكها بنسبة عالية للولايات المتحدة الأمريكية مقابل الدعم الأمريكي الذي يكبح الجماح الروسي أو يضعفه، ولكن هذه الاتفاقية لم يُكتب لها التحقق حتى الآن ولم تجد قبولا في الحكومة الأوكرانية. امتدت مطامع أمريكا مرة أخرى إلى أفغانستان ذات المخزون العالي -وفق التقديرات- من المعادن النادرة، وكذلك قوبلت المحاولات الأمريكية بالرفض من قِبل الحكومة الأفغانية كما سبق مناقشته في مقال سابق.
تستوعب أذهاننا عبر مجريات حرب المعادن النادرة أننا ما نزال في عالم يسوده الظلم واللا أخلاقية، وتؤكده الأطماع الأمريكية بجانب بعض الدول الأوروبية في هذه المعادن وسعيهم الحثيث للوصول إليها ولو عبر أساليب الضغط والاجتياح العسكري للدول الأخرى؛ لنسترجع ما وثّقه التاريخ عن عصور الاستعمار التي مارسها الغرب قديما -وحتى عهد قريب- لسلب ثروات الشعوب من الذهب والمعادن والثروات الزراعية والهيمنة على ممرات البحار التجارية ولاحقا النفط والغاز. في ظل هذا الشح والطلب المتواصل للمعادن النادرة والحرب التجارية القائمة بسببها،
يمكن أن نتصور أن هذه المشاكسات التجارية ستؤول وفق قوانين الحياة إلى توسّع رقعة الصراع بين الحضارات؛ فليس العالم -بعثراته الأخلاقية والسياسية الحالية- بمعزل عن بدء دورته التاريخية المبنية على قاعدة: تقود الممارسات المتشابهة إلى نتائج متشابهة، ويمكن لكل ذي لبٍ أن يستنطق التاريخ وأوراقه ليكشف له هذه القوانين وما يرتبط بها من مظاهر الصراع والتنافس غير الأخلاقي وغير العادل، ولهذا، جوابنا على سؤال المقال: أين ستؤول حرب المعادن النادرة؟ إننا أقرب ظنا إلى تصوّر حدوث المواجهة العسكرية ـ بعد أن تستنزف المعارك التجارية أوراقها ـ بين القطب الغربي المتمثّل في أمريكا وبين القطب الآسيوي المتمثّل في الصين.
رسالتي للدول العربية -التي سبق أن كررتها- أن تستبدل موضعها المتواضع الذي لا يتجاوز دور الضحية في زمكانية معينة ودور المراقب غير المستفيد في زمكانية أخرى، وأن نستغل الفرص في تحديد مسار حضاري جديد نقدّر بواسطته حجم ثرواتنا التي لا أظن أننا نحتاج إلى استيرادها من الخارج، وأقصد بالثروات: البشرية والمادية بما فيها كنوز الأرض ومعادنها النادرة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني