عربي21:
2025-10-23@06:42:11 GMT

نساء السودان... ضحايا وحشية الحرب

تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT

يمرّ العالم بمرحلة من الاضطراب والقلق لا تخطئها العين، بل تُحَس في تفاصيل الحياة اليومية وفي خريطة النزاعات المتمددة. فوفقاً لتقرير صدر هذا الأسبوع عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يشهد العالم أعلى عدد من النزاعات منذ عام 1946. مع ما يعنيه ذلك من تداعيات خطيرة على الأمن والسلم الدوليين وعلى حياة الملايين من البشر.



ولأن التقرير جاء بمناسبة مرور 25 عاماً على قرار مجلس الأمن رقم «1325»، الذي ألزم المجتمع الدولي بحماية المرأة ومشاركتها الكاملة في جهود السلام والأمن؛ فقد سلَّط الضوء على واحدة من أبشع نتائج الحروب المعاصرة: العنف الموجَّه ضد النساء في مناطق النزاع، باعتباره وجهاً مأساوياً ومتعمداً من وجوه الحروب.

يشير التقرير إلى أن نحو 676 مليون امرأة وفتاة يعشن اليوم في مناطق نزاع مميتة أو على بُعد 50 كيلومتراً منها، وهو أعلى مستوى منذ تسعينات القرن الماضي. وبينما تضاعفت الخسائر المدنية بين النساء والأطفال 4 مرات خلال العامين الماضيين؛ فقد ارتفع العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات بنسبة 87 في المائة خلال عامين فقط، في دلالة واضحة على أن الاغتصاب والعنف الجنسي لم يعودا مجرد عرض جانبي للحرب، بل أداة متعمدة من أدواتها.

في عام 2023 ارتفعت الحالات الموثقة للعنف الجنسي في مناطق النزاع بنسبة 50 في المائة مقارنة بعام 2022، حيث سُجلت 3688 حالة مؤكدة ضد النساء والفتيات الصغيرات. ثم ازداد الوضع سوءاً في عام 2024، بارتفاع إضافي بلغ 25 في المائة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل صرخات مكتومة تعبّر عن انهيار المنظومة الأخلاقية والإنسانية في عالم باتت الحروب فيه تُدار على أجساد النساء.

ولم يغب اسم السودان بالطبع عن هذه القائمة المظلمة، في ظل حرب هي الأعنف والأكثر دموية في تاريخه الحديث؛ فقد وثّقت تقارير دولية ومحلية الانتهاكات الواسعة ضد النساء، مع اتهامات صريحة لـ«قوات الدعم السريع» بارتكاب أعمال اغتصاب واستعباد جنسي في مناطق عدة.

وتشير «منظمة العفو الدولية» إلى تورط هذه القوات في ممارسات ممنهجة من الاغتصاب الفردي والجماعي، شملت نساء وفتيات في سن الطفولة، بينما تحدثت منظمة «اليونيسف» عن 221 حالة اغتصاب موثقة للأطفال، من بينهم 16 ضحية دون الخامسة، وأربعة أطفال لم يتجاوزوا عامهم الأول. أي انحطاط إنساني يمكن أن يبرر هذا القدر من السادية والبربرية؟

وتجمع كل التقارير على أن ما تم توثيقه لا يعكس سوى جزء يسير من حجم الكارثة؛ إذ تظل معظم الحالات طي الكتمان بسبب الخوف من الانتقام أو الوصمة الاجتماعية، فضلاً عن صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية المتخصصة، في ظل دمار البنية التحتية وانعدام الأمن. هذا التعتيم القسري يحرم الضحايا من العدالة والعلاج، ويترك الجناة بلا حساب، في جريمة مضاعفة بحق الإنسانية.

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يذهب أبعد من التوصيف؛ فهو يلفت إلى مفارقة مؤلمة: النساء يُقتلن بأعداد قياسية في الحروب، لكنهن يُستبعدن في المقابل من طاولات صُنع السلام؛ ففي عام 2024 مثلاً، لم تكن هناك أي مشاركة نسائية في 9 من أصل 10 عمليات سلام حول العالم، ولم تتجاوز نسبة النساء 7 في المائة من المفاوضين، و14 في المائة من الوسطاء. ورغم أن الدراسات تؤكد أن مشاركة النساء تُضاعف فرص نجاح اتفاقيات السلام واستدامتها، فإن واقع السياسة لا يزال يصر على تهميش نصف المجتمع، حتى في مساعي الخروج من الحروب التي تدفع النساء ثمنها الأكبر.

إن الصورة القاتمة التي يرسمها التقرير تستدعي تحركاً عاجلاً على أكثر من صعيد:

أولاً - لا بد من تعزيز المساعدات الإنسانية، بتوسيع برامج الرعاية الصحية والنفسية للناجيات من العنف، وتوفير بيئات آمنة لهن داخل مناطق النزوح واللجوء.

ثانياً - يجب ضمان المساءلة لكل مَن ارتكب أو أمر بارتكاب هذه الجرائم، عبر آليات العدالة الوطنية والدولية، فالإفلات من العقاب هو ما يجعل هذه الممارسات تتكرر بلا خوف.

ثالثاً - آن الأوان لأن تصبح مشاركة النساء في عمليات السلام قاعدة لا استثناء، فالحروب التي تُقصي النساء تُنتج سلاماً هشاً ومؤقتاً، لأن المرأة تضفي بعداً مختلفاً، ومنظوراً إنسانياً،خالياً من نزعة العنف ولغة القوة الباطشة.

إن العنف ضد النساء في الحروب ليس مجرد مأساة فردية، بل جريمة ضد الضمير الإنساني، وضد فكرة السلام ذاتها. السودان اليوم يمثل أحد النماذج الصارخة لهذا الانهيار الأخلاقي، لكنه في الوقت نفسه يذكرنا بأن أي تراخٍ في مواجهة مثل هذه الجرائم يجعل من كل نزاع قنبلة موقوتة قابلة للتكرار، وربما بصورة أكثر وحشية.

حين يُغتصب الجسد باسم الحرب، يُغتصب معه مستقبل أمة بأكملها. ولهذا، فإن صون النساء في زمن الحرب ليس مسألة «حقوق إنسان» فحسب، بل هو معيار يُقاس به مدى إنسانيتنا.

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه السودان الانتهاكات الدعم السريع السودان انتهاكات الدعم السريع صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النساء فی فی المائة ضد النساء فی مناطق

إقرأ أيضاً:

النعماني: وحدة المرأة الآمنة بمستشفى سوهاج الجامعي نموذج رائد لدعم ضحايا العنف

أكد الدكتور حسان النعماني، رئيس جامعة سوهاج، أن وحدة المرأة الآمنة بمستشفي الطوارئ الجامعي الجديد تُعد إحدى المبادرات الرائدة التي أُنشئت بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة لمناهضة العنف ضد المرأة، وتكون نقطة انطلاق لتقديم الرعاية الطبية والنفسية للسيدات والفتيات المعنفات في بيئة آمنة تضمن السرية والخصوصية الكاملة.

استولى على أموال"تكافل وكرامة".. المشدد 15 عامًا لكهربائي في سوهاج| القصة الكاملةترعة المفيض تنذر بكارثة بيئية وإنسانية في سوهاج.. والأهالي يستغيثون: الريحة بقت تخنقنا والمياه اختفت تحت ورد النيلحبس سائق سيارة نقل في سوهاج عرض حياة المواطنين للخطرسقوط طالبة من الطابق السادس بأخميم في سوهاججامعة سوهاج

وأضاف “النعماني” أن الوحدة  افتتحها الدكتور ايمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي في ديسمبر الماضي، لنشر الوعي بمخاطر العنف الأسري وسبل الوقاية منه، وتدريب الكوادر الطبية للتعامل مع تلك الحالات باحترافية وإنسانية.

وأوضح الدكتور مجدي القاضي، عميد كلية الطب البشري، أن جميع الخدمات التي تقدمها الوحدة مجانية بالكامل، وتشمل الخدمات الطبية والطب الشرعي والدعم النفسي وأمراض النساء والتوليد.

كما تقدم الوحدة خدمة الإحالات للجهات المعنية بالدعم القانوني أو الاجتماعي أو الاقتصادي، بما يضمن تقديم رعاية شاملة للمرأة المصرية في مختلف جوانبها.

من جانبه أشار الدكتور أحمد كمال، المدير التنفيذي للمستشفيات الجامعية، إلى أن وحدة المرأة الآمنة تُدار بمعايير طبية متكاملة، ويشرف عليها نخبة من أعضاء هيئة التدريس بكلية الطب.

واوضح أن الوحدة تقوم بتوثيق الإصابات الجسدية، وإعداد التقارير القانونية، وتقديم الدعم النفسي والعلاجي الفوري، بالإضافة إلى التعاون مع مختلف الأقسام داخل المستشفى لتقديم أفضل رعاية ممكنة.

في السياق نفسه، أوضحت الدكتورة رشا الحداد، مدير الوحدة، أن الوحدة لا تقتصر على تقديم الخدمات العلاجية فحسب، بل تمتد رسالتها إلى التثقيف والتوعية المجتمعية.

ومن خلال المشاركة في القوافل الطبية والندوات التي تهدف إلى توعية السيدات بحقوقهن وطرق الوصول إلى الخدمات الوطنية المتاحة، إلى جانب تدريب الأطباء ومقدمي الخدمات الطبية على كيفية التعرف على حالات العنف والتعامل معها بالشكل الأمثل.

جدير بالذكر أن التواصل مع الوحدة متاح عبر صفحة فيسبوك (وحدة المرأة الآمنة بسوهاج) أو البريد الإلكتروني [email protected]، أو بالحضور إلى مقرها بمستشفى سوهاج الجامعي بمدينة سوهاج الجديدة مبنى الطوارئ والعيادات الدور الثاني.

طباعة شارك سوهاج اخبار محافظة سوهاج جامعة سوهاج اخبار جامعة سوهاج رئيس جامعة سوهاج

مقالات مشابهة

  • نساء في القيادة.. المساواة المؤجلة بأوروبا
  • الأمم المتحدة تحذر من تصاعد العنف الجنسي ضد المرأة في الكونغو الديمقراطية
  • النعماني: وحدة المرأة الآمنة بمستشفى سوهاج الجامعي نموذج رائد لدعم ضحايا العنف
  • تحقيق يكشف اتهامات بالتحرش ضد مؤسس جمعية تركية استغل لاجئات سوريات
  • مستشفى سوهاج الجامعي تطلق وحدة المرأة الآمنة لدعم السيدات والفتيات ضحايا العنف
  • تحقيق يكشف اتهامات بالتحرش ضد مؤسس جمعية تركية تستغل لاجئات سوريات
  • قضايا المرأة تقيم ورشة تدريبية حول "السلامة الرقمية حق للنساء" بالإسكندرية
  • تقرير للأمم المتحدة يوثق أثر الحرب على نساء وفتيات غزة
  • لا يقبلون لكنهم يخضعون