يبدو أن ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن تُعيد ترتيب أوراقها عسكريًّا في محاولة منها لتفجير الوضع داخليًا عبر تنفيذ هجمات متفرقة وتحركات عسكرية ممنهجة ضد المناطق المحرَّرة. وتتهم أوساط يمنية الجماعة بتكثيف خروقات التهدئة الأممية خلال الأيام الماضية، مستهدفة المواقع الحكومية والمدنيين في محافظتي تعز والجوف ومحافظات أخرى.

تصاعد الهجمات العسكرية لا يبدو عرضيًا، بل يُقرأ كإعلان ضمني عن العودة إلى حرب شاملة. ويبدو أن الميليشيات الحوثية مستفيدة من مرحلة التراجع النسبي الدولي والإقليمي عن أزمة اليمن. فهم بحسب مراقبون يسعون من خلال هذه التحركات إلى الانقضاض من جديد على الجبهات الداخلية، مدفوعين بخطاب جديد يحمل نوايا المواجهة الصريحة.

وفي خطابه الأخير، بدا زعيم الميليشيات الإيرانية في اليمن عبدالملك الحوثي وكأنه يزرع بذور الصراع القادم بحديث صريح عن العودة للحرب الداخلية بعد فترة ارتياح جزئي. حيث قال إن الجماعة مستمرة في الحشد، تجنيد المقاتلين، وتلقينهم ما وصفه بـ "الثقافة الجهادية" وهي تعبئة طائفية تغرس الأفكار الإرهابية قبل إرسال المقاتلين إلى جبهات القتال. وأعلن الحوثي عن استعداد جماعته للتصعيد في أي لحظة.

خطاب الحوثي طغى عليه لغة التهديد المباشر، وحتى التلويح بتهديد الملاحة الدولية. مدعيًا أن جماعته أصبحت تتفوق بالإنتاج الحربي على متسوى الوطن العربي على حد تعبيره.  كما أعلن أن الجماعة جندت "أكثر من مليون مقاتل" وأن التعبئة العامة ستستمر بوتيرة تصاعدية في المرحلة المقبلة.

هذا الخطاب ليس مجرد تصريحات دعائية، بل مؤشر على استراتيجية ميدانية مدروسة: تمهيد معنوي لرّدات فعل، وخلق ذريعة لاستعادة الزخم العسكري، وتوجيه رسائل ضغط داخلي وخارجي بأن الحوثيين باقون على استعداد للحرب إن ما استمر الضغط عليهم أو زادت الخروق ضدّهم.

وفي محافظة الجوف، صدّت القوات الحكومية مساء الثلاثاء هجومًا شنّته ميليشيا الحوثي في صحراء المحافظة الواقعة شمال شرق البلاد، إثر اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والخفيفة، بالإضافة إلى دعم بالطيران المسيّر. وفقًا للمركز الإعلامي للقوات المسلحة، فإن المجموعات الحوثية حاولت التقدّم نحو مواقع عسكرية في الصحراء الممتدة شرق مدينة الحزم.

واستمرت المواجهات لساعات، وكبد الجيش الحوثيين خسائر ملموسة، ودفعهم إلى التراجع والهروب، تاركين جثث قتلاهم في ساحة المعركة، فيما واصلت وحدات الجيش تمشيط المنطقة لمنع أي تسلل جديد. هذا الهجوم جاء عقب جهود انتشار أمني سبقته لتأمين الطرق الصحراوية حتى منفذ الوديعة في محاولة لقطع خطوط الإمداد وتعطيل محاولات التهريب.

العميد محمد بن راسية، أحد قادة المنطقة العسكرية السادسة، أشاد بيقظة الجنود وضرورة المحافظة على الجاهزية لمواجهة أي طارئ. ويُنظر إلى هذا الهجوم كجزء من محاولات الحوثي لاستنزاف القوات الحكومية، وإعادة فرض النفوذ في مناطق صحراوية ظلت تشهد توترات مستمرة.

وفي تعز، تكشّفت أبعاد التصعيد الحوثي في نمط مزدوج: عمليات عسكرية تستهدف القادة الميدانيين، وقصف عشوائي يطال الأحياء السكنية. ففي غرب المدينة، تعرض موكب قائد اللواء الخامس حرس رئاسي، العميد الركن عدنان رزيق، لكمين من الحوثيين زرعوا عبوة ناسفة على الطريق، ثم أطلقوا قصفًا مدفعيًّا (هاون) محاولة اغتياله. أُصيب رزيق بجروح طفيفة، بينما قُتل اثنان من مرافقيه. وردّت القوات على الهجوم وأمنت المنطقة.

في الوقت ذاته، قصفت الجماعة أحياء سكنية في مديرية مقبنة، حيث أصيبت امرأتان، الأولى بشرى أحمد ثابت (30 عامًا) بشظايا في الرأس، والثانية يمن علي عيسى (35 عامًا) في الصدر، جراء قصف مدفعي على قرية السويهرة في مقبنة. وقال مدير المديرية إن القصف تسبب بأضرار جسيمة في منازل المواطنين، وأثار الذعر بين النساء والأطفال، واصفًا الهجوم بأنه “جريمة إرهابية” تُضاف إلى سجل الميليشيات الإجرامي بحق المدنيين العزل.

هذه العمليات المتزامنة تعكس استراتيجية الحوثيين في توسيع جبهاتهم وضرب التوازن الحكومي على أكثر من محور، وإرباك قوات الجيش في جهودها لصدّ التمدد الحوثي.

الجدل حول توقيت التصعيد ليس عشوائيًا؛ فجماعة الحوثي تسعى، في السياق الإقليمي والدولي، إلى استعادة زمام المبادرة بعد ضغوط على جبهات متعددة، بما في ذلك الضغط العسكري في البحر الأحمر، والعزلة الدولية والدبلوماسية المفروضة عليها. واستغلّت الجماعة فترة انشغال القوى الإقليمية في قضايا أخرى، كي تعيد توجيه الضوء إلى اليمن كمنطقة نزاع فعال.

كما أن الخطاب الحوثي الذاتي يستهدف الإيحاء بأن الجماعة عاقدة العزم على الاستمرار في الحرب مهما تكالفت التحديات، في رسالة إلى حلفائها الإقليميين بأنها لا تزال قوة تُحسب، وقادرة على إحداث تأثير في الساحة الداخلية والخارجية.

إضافة إلى ذلك، يبدو أن الحوثيين يسعون إلى اختراقات رمزية في الجبهات الداخلية لإشغال الحكومة وإرباكها ميدانيًا، بما يعزز قدراتهم التفاوضية أو يفرض معادلات جديدة في سياق أي مفاوضات محتملة. كما أن استهداف المدنيين يعكس رغبة في بث الرعب وزيادة الضغط الشعبي على الحكومة والمجتمعات المحرَّرة.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

اليمن.. إحباط تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين قرب باب المندب (فيديو)

اليمن.. إحباط تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين قرب باب المندب (فيديو)

مقالات مشابهة

  • رغم الهجوم بالمسيّرات.. إعادة تشغيل مطار الخرطوم
  • اليمن.. إحباط تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين قرب باب المندب (فيديو)
  • فيديو المؤتمر الصحفي للمتحدث بإسم القوات المسلحة اليمنية مع الضابط المنشق عن الحوثيين
  • انشقاق قائد عسكري من الحوثيين وانضمامه لقوات الجيش اليمني (شاهد)
  • بعد 10 أيام من وقف الحرب.. كيف يبدو الوضع في غزة؟
  • فتح خطوط تهريب وتنفيذ هجمات.. الحوثي يتمدد في سواحل السودان بغطاء إيراني
  • ما الأهمية التي كان يمثلها رئيس أركان الحوثيين محمد الغماري للجماعة؟
  • الألغام الحوثي في الحديدة.. جريمة حرب ممولة دوليًا باسم التعافي الإنساني
  • إيران تتعهد بمواصلة دعم الحوثيين عسكريًا وتتباكى على الغماري