الجزيرة:
2025-10-23@10:12:52 GMT

نساء في القيادة.. المساواة المؤجلة بأوروبا

تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT

نساء في القيادة.. المساواة المؤجلة بأوروبا

في عام 2019، دخلت مؤسسات الاتحاد الأوروبي منعرجا تاريخيا بصعود السياسية الألمانية أورسولا فون دير لاين كأول امرأة إلى رئاسة المفوضية، ثم تقلدت المحامية والسياسية الفرنسية كريستين لاغارد منصب رئيسة البنك المركزي الأوروبي بدعم من البرلمان الأوروبي.

لم يكن ذلك العام مجرد اختراق ظرفي للنساء لدائرة المناصب القيادية، فقد أعيد انتخاب فون دير لاين لولاية جديدة، مدتها 5 سنوات في انتخابات 2024، كما عُيِّنت في وقت لاحق من نفس العام رئيسة وزراء إستونيا، كايا كالاس، ممثلة عليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة لرئيسة المفوضية.

إلى جانب إعادة انتخاب النائبة المالطية روبرتا ميتسولا رئيسة للبرلمان لولاية جديدة مدتها عامان ونصف العام.

وفي الدورة التشريعية الحالية (2024-2029)، هناك 7 نائبات لرئيس البرلمان من أصل 14 نائبا في نفس المنصب.

لكن هل تعني هذه الطفرة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، أن وضع المرأة في دول التكتل مطابق لمعايير المساواة في المناصب والأجور بين الجنسين؟ خاصة أن التحديثات الأخيرة للمؤشرات لا تشير إلى صورة وردية للمساواة في المناصب القيادية، لا سيما في مجالات مهنية محددة ذات المستوى التعليمي العالي المتخصص، ولا إلى تكافئ في الفرص والدخل المالي على الرغم من التقدم النسبي المحرز في العقد الأخير.

فما أوجه التفاوت بين الجنسين في دول الاتحاد الأوروبي؟ وهل ترزح المرأة الأوروبية تحت تمييز متعمد؟

من اليسار: روبرتا ميتسولا وأورسولا فون دير لاين وكاجا كالاس يتحدثن قبل قمة سابقة للمجلس الأوروبي (الفرنسية)أهداف لم تتحقق.. فنلندا استثناء

لقد حددت المفوضية الأوروبية عام 2020 هدفا بالوصول إلى التناصف الكامل في جل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية عام 2024، لكن هذا الهدف لم يتحقق.

وقد حصلت الدول الأعضاء في الاتحاد على تقييم يعادل 71 نقطة من أصل 100 في سلم تقييم وضعه المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين منذ عام 2013.

إعلان

وبالعودة إلى بيانات محدثة بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول نشرتها مؤسسة "روبرت شومان" المتخصصة في البحوث والدراسات حول أوروبا، يتضح أن فنلندا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي تخطت فيه مشاركة النساء مستوى التناصف في تركيبة الحكومة لتبلغ 63.16%، بينما جاءت الإسبانيات في المركز الثاني بنسبة 47.83% من تركيبة الحكومة، وحلت السويد في المرتبة الثالثة من حيث مشاركة النساء في الحكومة بنسبة 45.83%.

وتصبح الصورة أكثر قتامة في منصبي رئيس الحكومة ورئيس الدولة، إذ من بين 27 دولة عضوا في الاتحاد، تشغل النساء منصب رئيس وزراء/وزير أول في 4 دول فقط، هي: إيطاليا والدانمارك وليتوانيا ولاتفيا، في حين تشغل منصب الرئيس في دولتين فقط، هما سلوفينيا ومالطا.

ومنذ تنازل ملكة الدانمارك مارغريت الثانية عن العرش، لم يعد يمثل الممالك الست (بلجيكا، الدانمارك، إسبانيا، لوكسمبورغ، هولندا، السويد) داخل الاتحاد الأوروبي سوى الملوك.

ولا يبدو الوضع أفضل حالا في المجالس البلدية، على الرغم من أن عدة دول أوروبية تبنت مبدأ الكوتا في تحديد حصص النساء في المجالس المنتخبة، ولا سيما المجالس البلدية.

وعلى سبيل المثال، تُقر دراسة حديثة لصندوق الودائع في فرنسا نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول أن النساء لا يزلن بعيدات تماما عن المناصب القيادية في المجالس البلدية، رغم أن فرنسا وضعت قانونا في 6 مايو/أيار عام 2000 يفرض التناصف بين الجنسين في القوائم الانتخابية، تحديدا في الدوائر التي تضم أكثر من 1000 ساكن.

وصحيح أن مشاركة النساء في المجالس أحرزت تقدما، إذ قفزت نسبة مشاركتهن بعد انتخابات عام 2020 إلى أكثر من 41% مقابل 39.2% قبل الانتخابات. لكن على مستوى رئاسة البلديات، فالبون شاسع؛ حيث يحتكر الرجال هذه المناصب بنسبة 82.5% مقابل 17.5% للنساء.

وتتطلع فرنسا، الآن، إلى منح زخم أكبر لدور النساء في المناصب القيادية بقانون 21 مايو/أيار عام 2025، الذي يفرض في الانتخابات البلدية المقبلة في مارس/آذار 2026 شرط التناصف في القوائم الانتخابية في جميع الدوائر دون استثناء. ومع ذلك، يثير هذا القانون مخاوف من أن تفشل بعض القوائم في الاستجابة لشرط التناصف، ولا سيما في الدوائر ذات الكثافة السكانية الضعيفة.

كما أن شرط التناصف قد لا يكون كافيا وحده لضمان مشاركة أوسع للنساء في المجالس المنتخبة وفي المناصب القيادية، حيث ربطت دراسة صندوق الودائع الفرنسي تقدم المرشحين إلى المناصب القيادية بمدى حيازتهم خبرات في مناصب سابقة مدفوعة الأجر، وهو ما يعزز فرص الرجال بشكل أكبر، برغم الزيادة النسبية في حضور المرأة في مناصب متقدمة بقطاع المال والأعمال.

سيطرة الذكور على قطاع المال والأعمال

تشير بيانات مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات) في آخر تحديث لها عام 2023 إلى وجود 3.7 ملايين امرأة في منصب المدير، مقارنةً بـ3.1 ملايين عام 2014.

ويمكن ملاحظة هذه الزيادة في معظم دول الاتحاد الأوروبي، ولكن بنسق متباين؛ حيث تصدرت دول السويد ولاتفيا وبولندا التصنيف بنسبة 43.7%. بينما جاءت التشيك وكرواتيا ولوكسمبورغ في المركز الأخير بنسبة 22.2%.

إعلان

وعموما، لا تزال المؤشرات الحالية بعيدة عن تطلعات المدافعين عن المساواة بين الجنسين في الدوائر الأوروبية، حيث كان البرلمان الأوروبي قد أصدر في عام 2022، وبدعم قوي من ألمانيا وفرنسا، قانونا يلزم الشركات المدرجة في أسواق رأس المال في جميع الدول الأعضاء بتخصيص ما لا يقل عن 40% من مقاعد مجالس الإدارة غير التنفيذية للنساء، أو 33% من مقاعد المجالس التنفيذية وغير التنفيذية مجتمعة، وذلك بحلول منتصف عام 2026.

وفي أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا، على سبيل المثال، أظهر تحليل أجرته مبادرة "نساء في مجالس الإشراف" زيادة في حضور النساء في المجالس الإشرافية لأكثر من 260 شركة مملوكة جزئيا على الأقل للحكومة الاتحادية أو حكومات الولايات، بمقدار 1.3 نقطة مئوية، لتصعد إلى 37.1% في بداية 2023 مقارنة بالعام السابق.

ولكن في المناصب الإدارية العليا للشركات، لا تتعدى حصة النساء 25.7%، ما يعني -في تقدير مبادرة "نساء في مجالس الإشراف"- أن المساواة بين الجنسين في قطاع الأعمال بألمانيا لا تزال بعيدة المنال.

وإجمالا، يُعتبر تمثيل النساء محدودا في مثل هذه المناصب بقطاع الأعمال والمال في الاتحاد الأوروبي بنسبة لا تتعدى 35% من إجمالي المديرين، على الرغم من أن النساء يمثلن قرابة 46% من القوى العاملة في الاتحاد الأوروبي. وتبرز هذه الفوارق أيضا على مستوى الرواتب.

تمثيل النساء يعتبر محدودا في المناصب الإدارية بقطاع الأعمال والمال في الاتحاد الأوروبي (شترستوك)فجوة في الرواتب

رغم أن المساواة بين الجنسين تُعد أحد المبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي بموجب معاهدة روما لعام 1957، بما فيها مبدأ المساواة في الأجر عن العمل المتساوي القيمة، إلا أن النساء لا يزلن يتقاضين أجورا أقل بنسبة 12% في المتوسط للساعة مقارنةً بنظرائهن من الرجال.

ويمكن أن ترتفع هذه النسبة إلى أقصاها 19% في لاتفيا، و18.3% في النمسا، و17.8% في المجر، و17.6% في ألمانيا، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات).

وتمثل لوكسمبورغ استثناءً في هذا المجال، حيث تُعد الدولة الوحيدة التي تفوق فيها أجور النساء أجور الرجال بنسبة رمزية طفيفة لا تتعدى 1%.

وفي مسعى لتقليص الفجوات في الأجور بين الجنسين، طالب البرلمان الأوروبي مرارا باتخاذ تدابير إضافية لتغيير هذا الوضع.

وفي مارس/آذار 2023، اعتمد فعلا قواعد جديدة لتعميم شفافية الأجور في الدول الأعضاء، تسمح للموظفين بالاطلاع على الرواتب ورصد ما إذا كانت هناك فجوات غير قانونية.

ويحق للموظفين، في حال وجود فجوة في الأجور بنسبة 5% على الأقل، إرغام أرباب العمل وفق التدابير الجديدة على مراجعة الأجور مع ممثليهم أو المنظمات النقابية.

وتفرض هذه التدابير على الشركات داخل الاتحاد الأوروبي أن تكون إعلانات الوظائف الشاغرة والتسميات الوظيفية محايدة جنسيا، وتتضمن عقوبات على الشركات المخالفة لهذه القواعد.

وفي الخطوة التالية، سيتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواءمة القواعد الجديدة التي أقرها البرلمان الأوروبي، على أن يبدأ تطبيقها فعليا في منتصف عام 2026 أو عام 2027 على أقصى تقدير.

النساء لا يزلن يتقاضين أجورا أقل بنسبة 12% في المتوسط للساعة مقارنةً بنظرائهن من الرجال (شترستوك)هل يعني هذا تمييز ممنهج؟

على الرغم من المحاولات الأوروبية للتقليص من الفجوات بين الجنسين، إلا أنه لا توجد ضمانات حقيقية للوصول إلى المساواة الكاملة، وعلى العكس من ذلك، يعتقد الباحث في جامعة كولن ورئيس مركز "تفاكر" بألمانيا، حسام الدين درويش، في تحليله للجزيرة نت، أن هذه الفجوات في المجتمعات الأوروبية مرشحة لأن تستمر بين المرأة والرجل في المستقبل القريب على الأقل.

إعلان

ولا يتعلق الأمر، وفق الباحث، بتمييز مبدئي بين الجنسين، ولكن لأسباب اجتماعية موضوعية وثقافية سارية حتى اليوم في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، منها ما يتعلق بالدوام والتخصص المهني ودور المرأة داخل العائلة.

ويستحضر درويش نتائج دراسة تعود لعام 2023، تشير إلى فرص أوسع للنساء في تقلد المناصب القيادية كلما عملنَ بدوام كامل، على عكس العمل بدوام جزئي، وهو الوضع الشائع سواء في ألمانيا أو في عدة دول أوروبية أخرى، حيث لا يمكن إغفال دور المرأة والمهام التي تُلقى على عاتقها داخل الأسرة.

ويقدم البرلمان الأوروبي، في دراسة حديثة نشرها عبر موقعه الإلكتروني، تفسيره لهذه الصورة المتضاربة للمرأة العاملة، حيث تعمل النساء، في المتوسط، ساعات أطول في أعمال غير مدفوعة الأجر مثل رعاية الأطفال أو الأعمال المنزلية، وهذا يترك وقتًا أقل للعمل المدفوع الأجر.

ووفقًا لإحصاءات عام 2022، يعمل ما يقرب من ثلث النساء (28%) بدوام جزئي، بينما يعمل 8% فقط من الرجال بدوام جزئي. وبالنظر إلى العمل مدفوع الأجر وغير المدفوع، تعمل النساء ساعات أطول أسبوعيا من الرجال.

لكن هذه الصورة تختلف من مجال مهني إلى آخر، بحسب الميول والاهتمامات، كما أشار إلى ذلك درويش في تحليله للجزيرة نت؛ فعلى سبيل المثال، تقل فرص النساء في الحصول على مناصب متقدمة في قطاع العلوم مقارنة بالرجال، بسبب محدودية تمثيلهنَّ في هذا المجال المهني.

وتؤكد دراسة البرلمان الأوروبي هذا المنحى، حيث بررت فجوة الأجور كذلك بتركز النساء في مهن منخفضة الدخل مثل قطاعات التعليم والصحة والرعاية، مقابل حصة أقل في مجالات التكنولوجيا والهندسة.

ومع ذلك، تخلص دراسات مستقلة إلى تفاوت غير مبرر في الدخل عندما يتعلق الأمر بتقلد المنصب نفسه بين الجنسين، ما قد يلقي الضوء على تمييز محتمل في التعامل بين الجنسين.

وتُقدَّر هذه الفجوة في الأجور في الحالة الفرنسية، مثلًا، بنحو 4%. ولكن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في هذا البلد يشير إلى عوامل أخرى مفسرة لهذا التفاوت، ترتبط بالخبرات المهنية والمستوى التعليمي والأقدمية داخل الشركات، وهي عوامل قد تلعب لصالح المرأة كما قد تكون ضدها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات فی الاتحاد الأوروبی البرلمان الأوروبی للاتحاد الأوروبی المناصب القیادیة بین الجنسین فی الدول الأعضاء على الرغم من فی المناصب فی المجالس من الرجال النساء فی

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي يقر حظراً كاملاً على عبور الغاز الروسي

الاتحاد الأوروبي يقر حظراً كاملاً على عبور الغاز الروسي

مقالات مشابهة

  • لهذا السبب.. المشي مرتين في الأسبوع قد يطيل عمر النساء
  • احذري.. مستحضرات شائعة للعناية بالشعر تضاعف خطر الإصابة بالسرطان
  • رسمياً..الاتحاد الأوروبي يقر الحزمة 19 من العقوبات ضد روسيا
  • نساء السودان... ضحايا وحشية الحرب
  • دراسة: المشي مرتين فقط في الأسبوع قد يطيل عمر النساء
  • مصدر سياسي:حصص المناصب وراء تأخير تشكيل حكومة الإقليم الجديدة
  • تحقيق يكشف اتهامات بالتحرش ضد مؤسس جمعية تركية استغل لاجئات سوريات
  • تحقيق يكشف اتهامات بالتحرش ضد مؤسس جمعية تركية تستغل لاجئات سوريات
  • الاتحاد الأوروبي يقر حظراً كاملاً على عبور الغاز الروسي