عربي21:
2025-10-25@05:59:56 GMT

من يبكي غزة؟!

تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT

لم تعد غزة عنواناً لحربٍ عابرة، بل هي مرآة لمأساة إنسانيةٍ وسياسيةٍ ممتدة، تُختصر فيها معاني العجز الدولي وتناقض الخطاب الإنساني مع الواقع على الأرض. فبعد أن هدأت أصوات القنابل، لم تهدأ الكارثة. ما تبقى ليس «نهاية حرب»، بل بداية مرحلة جديدة من الإبادة البطيئة، تتغذى على الدمار والعزلة والتجويع وتطهير الذاكرة.



الأرقام ليست مجرد إحصاءات مروّعة، بل خرائط للغياب. نحو 92% من المدارس في غزة خرجت عن الخدمة كلياً أو جزئياً وفق تقارير اليونسكو وUNOSAT، ما يعني أن جيلاً كاملاً من الأطفال فقد حقه في التعليم. ومعها ضاعت مساحات اللعب والحلم والأمل.

أما الزراعة، التي كانت تشكل أحد أعمدة الحياة في القطاع، فقد سُوّيت بالأرض: 97% من الأشجار المثمرة و82% من المحاصيل السنوية دُمّرت، كما تشير بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة. لم يعد في الأرض ما يُزرع، ولا في الأفق ما يُحصد سوى الرماد.

وفي خلفية هذا الدمار، يقف الرقم الأكثر فداحة: 20 ألف طفل على الأقل قُتلوا خلال الحرب، وآلاف آخرون جُرحوا أو فقدوا أطرافهم. هؤلاء ليسوا أرقاماً عابرة في بيانات الأمم المتحدة، بل هم وجوهٌ لقصصٍ تُروى بالدم، ولأجيالٍ قُطعت من جذورها قبل أن تنبت. هذا ليس «ضرراً جانبياً» كما تصفه بعض وسائل الإعلام الغربية، بل هو تدمير منهجي لمستقبل شعبٍ كامل.

أما «السلام» الذي يُروّج له بعض الساسة والإعلاميين، فهو سلامٌ شكلي يُراد به إغلاق صفحة المأساة دون مساءلة. فالهُدنة المعلَنة لم توقف الموت؛ فما زالت الاغتيالات والخروق الإسرائيلية تتكرر، وما زال الحصار يحكم قبضته على كل شريان حياة. حتى المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع تُستخدم كورقة ضغط سياسية، في تكرارٍ لما وصفته منظمات دولية بأنه «تسليح الغذاء».

في موازاة ذلك، تتسع حرب السرديات. مئات ملايين الدولارات تُنفق اليوم على حملات دعائية رقمية لتلميع صورة الاحتلال وتشويه رواية الضحايا. شركات تسويق رقمية كبرى، بتمويل مباشر من مؤسسات إسرائيلية وأميركية، تعمل على نشر محتوى موجّه عبر المنصات الاجتماعية لتبرير الجرائم أو نفيها. وفي الوقت نفسه، يتم إسكات الأصوات الفلسطينية أو المتضامنة معها تحت ذرائع «التحريض» أو «معاداة السامية». إنها حربٌ على الوعي لا تقل شراسةً عن الحرب على الأرض.
أي عملية إعمارٍ لا تستند إلى عدالة ومساءلة ستتحول إلى قشرة تجميلية فوق جرحٍ مفتوح
هذا الواقع يكشف أن ما يجري ليس «نهاية نزاع»، بل إعادة إنتاج مشروع تهجيرٍ قديم. فالتصريحات الرسمية الإسرائيلية تتحدث بوضوح عن «عدم إمكانية عودة سكان غزة إلى منازلهم» وعن «تشجيع الهجرة الطوعية»، وهي عبارات تُترجم عملياً إلى سياسة طرد جماعي وتفريغٍ ديموغرافي محسوب. السلام، في هذه المعادلة، ليس مصالحة بين شعبين، بل راحة ضمير زائفة لقوةٍ محتلة تبحث عن تثبيت انتصارها الأخلاقي على أنقاض الضحايا.

الحقيقة أن أي عملية إعمارٍ لا تستند إلى عدالة ومساءلة ستتحول إلى قشرة تجميلية فوق جرحٍ مفتوح. فإعادة البناء ليست مسألة إسمنت وحديد، بل استعادة لحق الحياة، والكرامة، والتعليم، والذاكرة. ولا يمكن أن يتحقق ذلك في ظل استمرار الحصار والتمييز والعقاب الجماعي.

إن غزة اليوم تختبر الضمير الإنساني العالمي: هل يمكن أن يكون هناك «سلام» من دون اعترافٍ بجريمةٍ مستمرة؟ وهل يمكن إعادة بناء مدينة دون إعادة الاعتبار لإنسانها؟
ما لم تُكسر دائرة التجاهل، سيبقى الركام اللغة الوحيدة المتبقية، وستظل غزة، رغم الخراب، الشاهد الحي على أن العالم رأى، وصمت، ثم ادّعى أنه لم يرَ.

الأيام الفلسطينية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الدمار الاحتلال غزة الاحتلال الدمار الإعمار مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

عمرو أديب: تعرضت لهجوم عندما تحدثت عن غزة.. ودور مصر لا يمكن الاستغناء عنه

قال الإعلامي عمرو أديب، إن بعض الأصوات هاجمته عندما تحدث عن أهمية غزة ودور مصر المحوري في القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن مصر لا يمكن أن تتخلى عن دورها التاريخي في دعم الشعب الفلسطيني والسعي نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة.

 تأكيد على الثوابت المصرية

وأوضح أديب، خلال برنامج “الحكاية” والمذاع عبر قناة “ام بي سي مصر”، أن حديثه عن غزة لم يكن سوى تأكيد على الثوابت المصرية التي تسعى دائمًا للحفاظ على الأمن القومي العربي، مضيفاً: “أنا اتهاجمت لما قلت إننا ما نقدرش نستغنى عن غزة، لكن الحقيقة إن مصر هي القلب النابض للقضية، ودورها لا غنى عنه”.

121 عازفا مصريا.. عمرو أديب: أوركسترا افتتاح المتحف المصري الكبير بقيادة الموسيقار ناير ناجيعمرو أديب: مصر مايكفِّيهاش 16 و17 مليون سائح في السنة.. لازم نوصل لـ 40

وأشار إلى أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مقر الاتحاد الأوروبي جاءت لتعكس المكانة التي تحظى بها مصر دوليًا، قائلاً: “الرئيس السيسي ذهب إلى مقر الاتحاد الأوروبي وتم استقباله استقبال الفاتحين، تصفيق حار جداً وتقدير كبير لهذا الرجل، ودول مش مضطرين يصقفوا لحد، التصفيق دا تقدير واحترام لمصر ولدورها”.

 أهمية الدور المصري

وأكد عمرو أديب أن المجتمع الدولي يدرك جيداً أهمية الدور المصري في تحقيق الاستقرار الإقليمي، مضيفاً أن الحفاوة التي قوبل بها الرئيس السيسي هي رسالة واضحة على مكانة مصر واحترام العالم لقيادتها وجهودها المتواصلة في دعم قضايا المنطقة.

طباعة شارك عمرو أديب الإعلامي عمرو أديب غزة الأمن القومي العربي السيسي

مقالات مشابهة

  • عمرو أديب: مصر لا يمكن أن تتخلى عن دورها التاريخي في دعم الفلسطينيين
  • عمرو أديب: تعرضت لهجوم عندما تحدثت عن غزة.. ودور مصر لا يمكن الاستغناء عنه
  • الأونروا تؤكد: لا يمكن لأي منظمة أن تحل مكاننا في غزة
  • الأونروا: لا يمكن لأي منظمة أن تحل مكاننا في دعم سكان غزة
  • أسطورة ليفربول يدافع عن محمد صلاح: لا يمكن أن نقف ضده
  • «الأونروا»: لا يمكن إيصال المساعدات إلى شمال غزة دون فتح معبري زيكيم وإيريز
  • سلام: مشروعنا هو إعادة بناء الدولة وهي لا يمكن أن تقوم بجيشين
  • علي الحجار يبكي أثناء غنائه لفلسطين في مهرجان الموسيقى العربية
  • هيئة الزكاة: الفاتورة الضريبية لا يمكن الغاؤها بعد إصدارها