لم تكن القمة الأوروبية–المصرية التي عُقدت مؤخرًا في العاصمة البلجيكية بروكسل مجرّد حدثٍ دبلوماسي عابر، بل كانت لحظة سياسية واقتصادية محورية، حملت في مضمونها رسائل عميقة تعيد رسم ملامح الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي.

مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي لم تكن بروتوكولية أو شكلية، بل جاءت لتؤكد أن مصر  أصبحت لاعبًا رئيسيًا في معادلة الأمن الإقليمي والاقتصاد الدولي، وأن صوتها بات مسموعًا ومُحترمًا في العواصم الأوروبية الكبرى.

القمة التي وُصفت بأنها “الأولى من نوعها” بين الجانبين، جسّدت تطورًا نوعيًا في العلاقات المصرية الأوروبية، بعد سنوات من العمل المتواصل لتوسيع مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والأمني. لقد جاءت انعقادها في توقيت بالغ الحساسية، وسط صراعات عالمية متشابكة: من الحرب في غزة وأزمة الهجرة غير النظامية، إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها أوروبا نفسها. وفي خضم هذه الأزمات، برزت مصر كركيزة توازن، تحمل على عاتقها دورًا مضاعفًا في ضبط الإيقاع الإقليمي، وحماية المصالح المشتركة بين ضفتي البحر المتوسط.

ومجدداً  تؤكد مصر أنها لم تعد مجرد “طرف متلقٍ للمساعدات أو الشراكات”، بل تحوّلت إلى “فاعل ومبادِر”، يمتلك رؤية واضحة لمسار التنمية والتعاون الدولي. الكلمة التي ألقاها الرئيس السيسي في الجلسة الافتتاحية للقمة كانت انعكاسًا دقيقًا لهذه الرؤية؛ فقد شدد على أن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لا تقوم على المنح والعطايا، بل على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وتلك ليست مجرد عبارة دبلوماسية، بل إعلان عن تحول في الخطاب المصري، من منطق “الاستفادة” إلى منطق “الندية والتكامل”.

عندما  تحدث الرئيس عن مشاريع الطاقة المتجددة، والتحول الأخضر، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الذكية، فإنه لا يتحدث عن أحلام بعيدة، بل عن واقعٍ تتهيأ له الدولة بخطط واضحة واستثمارات ضخمة. الاتحاد الأوروبي، من جانبه، يدرك أن مصر تمثل بوابته الحقيقية إلى إفريقيا، وأن استقرارها الاقتصادي والسياسي هو صمام أمان لمنطقة البحر المتوسط بأكملها.

البيان الختامي للقمة حمل بين سطوره إشارات إيجابية كثيرة: اتفاقات مالية ضخمة تتجاوز أربعة مليارات يورو، دعم للإصلاحات الاقتصادية، ومذكرة تفاهم جديدة للانضمام إلى برنامج “هوريزون” الأوروبي للبحث العلمي والابتكار. لكن الأهم من كل ذلك هو روح الشراكة الجديدة التي بدأت تتشكل.
لم يعد الحديث عن “مساعدات أوروبية” لمصر، بل عن استثمارات مشتركة، وفرص تنموية متبادلة، ومشاريع تعود بالنفع على الجانبين.

وفي تقديري الشخصي، فإن هذا التحول هو جوهر الرؤية المصرية التي يقودها الرئيس السيسي منذ توليه المسؤولية؛ رؤية تقوم على بناء الدولة القوية التي تتعامل مع العالم من موقع الندية، لا التبعية، ومن منطلق الشراكة لا الحاجة.

لا يمكن لأي مراقب منصف أن يتجاهل أن الاتحاد الأوروبي بات يرى في مصر شريكًا لا غنى عنه في ملفات كبرى مثل الهجرة، والطاقة، ومكافحة الإرهاب، وتسوية الصراعات الإقليمية. بل إن كثيرًا من الساسة الأوروبيين باتوا يدركون أن القاهرة تمسك بخيوط التوازن في الشرق الأوسط، وتستطيع – بفضل دبلوماسيتها الهادئة وحنكتها السياسية – أن تفتح قنوات للحوار حين تغلق الأبواب.

لقد استطاعت مصر أن تحافظ على توازن فريد في علاقاتها مع جميع الأطراف، شرقًا وغربًا، دون أن تتنازل عن ثوابتها الوطنية أو استقلال قرارها. وفي هذا السياق، جاءت القمة الأوروبية لتؤكد أن الاحترام الدولي يُنتزع بالثقة والعمل والإنجاز، لا بالشعارات.

حملت القمة الأوروبية–المصرية ثلاث رسائل رئيسية:
    1.    رسالة إلى الداخل المصري: مفادها أن الدولة تسير في الاتجاه الصحيح، وأن سياساتها الخارجية المتزنة بدأت تؤتي ثمارها، سواء من حيث الدعم الاقتصادي أو المكانة السياسية. فحضور الرئيس السيسي على منصة القمة وسط كبار قادة أوروبا هو في حد ذاته رسالة تقدير واحترام لدور مصر المتصاعد.
    2.    رسالة إلى الجوار الإقليمي: بأن مصر ما زالت القلب النابض للمنطقة، وصاحبة الكلمة المسموعة في القضايا المصيرية. فحين تتحدث القاهرة، تصغي العواصم، وحين تتحرك، يتغير ميزان القوى في ملفات كثيرة، من غزة إلى ليبيا والسودان.
    3.    رسالة إلى أوروبا والعالم: بأن الشراكة مع مصر ليست خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة استراتيجية. فأمن المتوسط يبدأ من القاهرة، واستقرار القارة الأفريقية يمر عبر الدور المصري في حفظ التوازن ومنع الفوضى.

يحسب للرئيس السيسي أنه استطاع أن يعيد تعريف العلاقة بين مصر وأوروبا على أساس جديد من الثقة والندية ، حضوره الفاعل في القمة، ومشاركته في صياغة البيان الختامي، ومداخلاته حول التحديات الإقليمية، كلها أكدت أن مصر لا تتحدث عن نفسها فقط، بل تتحدث باسم المنطقة كلها، بصوت عقلاني ومسؤول.

لقد قدّم الرئيس السيسي في بروكسل نموذجًا للقيادة التي تجمع بين الواقعية السياسية والرؤية الاستراتيجية، فكان حديثه عن الأمن الإقليمي مقترنًا بالاقتصاد، وعن التنمية مرتبطًا بحقوق الإنسان في بعدها الشامل، وعن التعاون مشروطًا بالاحترام المتبادل للسيادة الوطنية. وهي مبادئ ثابتة صاغتها التجربة المصرية خلال السنوات الأخيرة، وأثبتت صحتها على أرض الواقع.

مثلت هذه القمة علامة مضيئة في مسار السياسة الخارجية المصرية، لأنها جمعت بين الدبلوماسية الهادئة والنتائج الملموسة. لقد أثبتت مصر أنها قادرة على أن تفرض حضورها في الساحات الدولية الكبرى، لا بصوت مرتفع، بل بلغة الإنجاز والحكمة.
وفي زمنٍ تتصارع فيه المصالح وتضيع فيه المبادئ، يظل الموقف المصري متوازنًا، واقعيًا، لكنه لا يخلو من العزة والكرامة.

مشاركة الرئيس السيسي في هذه القمة لم تكن فقط خطوة لتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، بل كانت رسالة جديدة للعالم بأن مصر تعود بقوة إلى مكانتها التاريخية كقوة إقليمية مركزية، تمتلك رؤية للمستقبل وتؤمن بالتعاون لا بالمواجهة، وبالاحترام لا بالاستعلاء، ولم تنحصر القمة في مجرد اتفاقات اقتصادية أو صور رسمية، بل هي ترجمة عملية لمسار جديد في السياسة المصرية. 
مسار يؤكد أن مصر – بقيادتها الواعية ورؤيتها الواضحة – تسير بخطى ثابتة نحو المستقبل، حاملةً على عاتقها حلم التنمية، ورسالة السلام، وإرادة البناء.
لقد تحدثت أوروبا في هذه القمة بلغة مصر، لغة الواقعية والتعاون، وآن للعالم أن يُصغي جيدًا لصوتٍ عربيٍّ صادقٍ يُعبّر عن طموح أمة بأكملها.

طباعة شارك القمة الأوروبية–المصرية العاصمة البلجيكية بروكسل الرئيس عبد الفتاح السيسي

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: القمة الأوروبية المصرية العاصمة البلجيكية بروكسل الرئيس عبد الفتاح السيسي الاتحاد الأوروبی القمة الأوروبیة الرئیس السیسی أن مصر

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي يتوقف لتحية الجالية المصرية في بروكسل رغم هطول الأمطار

عرضت قناة “القاهرة الإخبارية” لقطات توضح توقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتحية الجالية المصرية في بروكسل، رغم هطول الأمطار.

وعرضت القناة الأولى خبرا عاجلا يفيد بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتمع اليوم، الخميس، مع بروبرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبي، وذلك في إطار زيارته إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للمشاركة في القمة المصرية الأوروبية الأولى.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الرئيس أعرب، في مستهل اللقاء، عن تقديره للدور الإيجابي والداعم الذي يضطلع به البرلمان الأوروبي، وميتسولا على وجه الخصوص، في تعزيز مسار الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي.

كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية مواصلة التعاون والتنسيق بين الجانبين في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب الإسراع في تنفيذ محاور الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي، وتعزيز الحوار البرلماني المصري الأوروبي باعتباره جسراً للتواصل بين شعوب ضفتي المتوسط.

من ناحيتها، وجهت ميتسولا الشكر على جهود مصر في التوصل لاتفاق وقف الحرب في قطاع غزة، مؤكدة أنه لولا جهود الرئيس في هذا الصدد ما كان من الممكن التوصل إلى الاتفاق.

وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن الرئيس استعرض خلال اللقاء جهود مصر في ترسيخ الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الوساطة التي أفضت، بالتعاون مع الوسطاء الآخرين، إلى التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة، فضلاً عن استضافة مصر لقمة شرم الشيخ للسلام بمشاركة دولية رفيعة المستوى، حيث تم التأكيد في هذا الصدد على ضرورة تثبيت وقف اطلاق النار في قطاع غزة، وأهمية إدخال المساعدات الانسانية بكميات كافية، وتقديم الرعاية الطبية اللازمة للجرحى والمصابين.


 

طباعة شارك السيسي القاهرة الإخبارية الأمطار

مقالات مشابهة

  • خبير: زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل تعزز مكانة مصر.. وتبطل مزاعم الإخوان
  • ياسمين عبده تكتب: ماذا قال الرئيس السيسي في لحظة الاختبار الأوروبي؟
  • جيهان جادو: قمة بروكسل تؤسس لعهد جديد من الشراكة العميقة بين مصر والاتحاد الأوروبي
  • نائب الشيوخ: كلمة الرئيس السيسي في بروكسل تؤكد ريادة مصر وشراكتها الإستراتيجية مع أوروبا
  • الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن بعد زيارة العاصمة البلجيكية بروكسل
  • برلماني: كلمة الرئيس في قمة بروكسل تؤسس لتحالف صناعي وتكنولوجي قوي مع أوروبا
  • قمة بروكسل التاريخية.. السيسي يفتح صفحة جديدة في الشراكة المصرية الأوروبية
  • الرئيس السيسي يتوقف لتحية الجالية المصرية في بروكسل رغم هطول الأمطار
  • الرئيس السيسي يدوّن كلمة تذكارية تؤكد عمق التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في بروكسل